أنقذ البشرية من الشعور بالألم لكنه مات مكتئباً في السجن.. القصة المأساوية للطبيب “هوراس ويلز”

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/28 الساعة 12:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/20 الساعة 19:28 بتوقيت غرينتش
خلع الأسنان / shutterstock

في عام 1864، اعترفت جمعية طب الأسنان الأمريكية، تليها الجمعية الطبية الأمريكية عام 1870، باعتبار هوراس ويلز مكتشف طرق التخدير التي تُستخدم في طب الأسنان، ومُنح الإذن للأطباء باستخدامها بشكل واسع في عيادات طب الأسنان.

ولكن جاء هذا الاعتراف متأخراً جداً، لأن ويلز كان قد مات منتحراً في زنزانة سجن بعد أن أُصيب بالاكتئاب، وضاعت حياته وسمعته بسبب محاولة إثبات فعالية طرق التخدير التي اكتشفها.

"هوراس ويلز" يكتشف غاز الضحك في مهرجان

حتى أوائل القرن التاسع عشر، كانت عمليات خلع الأسنان وطب الأسنان بشكل عام، يصاحبها قدر كبير من الألم للمرضى، رغم محاولات استخدام بعض المواد لتقليل الألم، مثل شرب النبيذ أو الكحول أو حتى الأفيون، وبعض الأعشاب الأخرى.

هوراس ويلز
هوراس ويلز / Wikimedia Commons


لكنها لم تكن فعالة في منع الألم بشكل كامل، وهو أمر شغل بال الطبيب هوراس ويلز للعثور على طريقة فعالة للتخدير الموضعي، دون أن يفقد المريض وعيه بالكامل، وحاول صنع عدة تركيبات من مواد مخدرة، لكن لم يصل لنتيجة مُرضية.

لكن الحل كان في آخر مكان يمكن أن يخطر ببال أحد، في عام 1844 حضر هوراس ويلز وزوجته، معرضاً في ولاية كونيتيكت الأمريكية، في المعرض كان هناك رجل يدعى غاردنر كولتون، الذي درس الطب لفترة وجيزة، يقدم عرضاً ترفيهياً باستخدام أكسيد النيتروز (غاز الضحك)، وجعل الجمهور يستنشقونه لغرض التسلية.

لاحظ ويلز أن أحد المتطوعين الذين استنشقوا "غاز الضحك"، أصيب في ساقه بسبب الكرسي، وكان ينزف لكنه لم يبدو مهتماً، تحدّث ويلز لاحقاً إلى الرجل ووجد أنه لم يكن على علم بالإصابة، ولم يكن يشعر بأي ألم.

هوراس ويلز يكتشف طب أسنان دون ألم

طلب ويلز مساعدة غاردنر كولتون على الفور، وفي اليوم التالي، حضر كولتون إلى عيادة ويلز، وقام بإعطاء أكسيد النيتروز لـ"ويلز" ليجرب تأثيره بنفسه، بينما قام مساعد ويلز في العيادة، جون ريجز، بخلع أحد أضراس العقل من فم ويلز.
لم يشعر ويلز بأي ألم أثناء هذا الإجراء المؤلم، واعتقد ويلز أنه وبمساعدة كولتون وريجز، اكتشف طب أسنان دون ألم.

بعد أن قام كولتون بتعليم هوراس ويلز كيفية التعامل مع الغاز والجرعات المناسبة، أجرى ويلز عشرات عمليات خلع الأسنان غير المؤلمة خلال الأسابيع القليلة التالية، ومع كل عملية ناجحة كان ويلز يزداد حماساً.

وبعد أن تأكد من أنه سيغير مستقبل طب الأسنان إلى الأبد، قرر ويلز مشاركة اكتشافه مع العالم مجاناً، وسافر إلى بوسطن وبمساعدة صديقه الطبيب ويليام مورتون، الذي رتّب له تقديم عرض أمام الأطباء في مستشفى ماساتشوستس لإثبات فعالية المخدر الجديد.

لكن التجربة لم تسر على ما يرام، بعد أن قام ويلز بإعطاء غاز التخدير للمريض، وقام بعدها بمحاولة خلع ضرسه، تحرك المريض كما لو كان يتألم، فصدرت صيحات الاستهجان من الجمهور واتهام ويلز بكونه مخادعاً، وتم طرده من القاعة، على الرغم من أن المريض حاول أن يشرح أنه لم يكن في الواقع، يتألم.

هوراس ويلز يتعرض للخيانة

بعد النكسة التي تعرض لها ويلز في بوسطن، قرر عدم محاولة توثيق اكتشافه في الأوساط العلمية والطبية، واكتفى بمشاركة طريقته مجاناً مع الأطباء في مدينته فقط، بينما استمر مرضى الأسنان في أماكن أخرى في المعاناة من الألم.

في هذه الأثناء، في بوسطن، حاول "ويليام مورتون"، صديق ويلز أن يجرب استخدام "ثنائي إيثيل الإيثر" أو "الإيثر" كمخدر، وفي عام 1846 قام بتجربة باستخدام الإثير في عملية خلع الأسنان دون ألم، لكنه لم يخبر أحداً أنه استخدم الإيثر.

هوراس ويلز
أول استخدام للإيثر في التخدير بواسطة مورتون / Wikimedia Commons


بدلاً من ذلك، أطلق مورتون على الغاز اسم "Letheon" وادعى أنه تركيبة سرية قام باختراعها، وتقدم بطلب للحصول على براءة اختراعه المزيف، وطالب باحتكار طب الأسنان غير المؤلم في منطقة بوسطن، وسرعان ما حصل مورتون على دعاية إيجابية، وحاول أيضاً تحقيق الربح من اختراعه المزيف.

لكن هوراس ويلز تحدى ادعاء مورتون أنه أول من اكتشف التخدير، وسعى ويلز، من جانبه، إلى تعزيز ادعاءاته من خلال نشر تاريخ اكتشافه وتجاربه لاستعمال أكسيد النيتروز والأيثر والأبخرة الأخرى، وكشف للعالم أن مورتن يستخدم "الإيثر". 

النهاية المأساوية للطبيب هوراس ويلز

بعد شعوره بالخذلان في ولايته، قرر ويلز الذهاب إلى نيويورك لإثبات فائدة اكتشافه، والحصول على التقدير الذي يستحقه، لكنه كان على وشك بداية مسيرة جديدة من المعاناة، بعيداً عن زوجته وولده، شعر ويلز بالغربة الشديدة ودخل في حالة من الاكتئاب.

هوراس ويلز
تمثال هوراس ويلز / Wikimedia Commons

وبسبب تجاربه المستمرة على نفسه باستنشاق واستخدام أنواع مختلفة من المواد المخدرة، أصبح يعاني من الهلاوس، ولم يعد يميز عالم الواقع والأحلام، وأصبح مدمنا على تلك المواد المخدرة.

في ليلة عيد ميلاده الثالث والثلاثين، خرج ويلز إلى الشارع وهو تحت تأثير المخدرات، وألقى مادة الحمض على امرأتين في الشارع، لحسن الحظ، أحرق الحمض ملابسهما فقط ولم يؤذِ السيدتين. 

استجابت الشرطة لصرخاتهما طلباً للمساعدة واعتقلت ويلز، الذي احتُجز في السجن، اعتقاداً منه أنه قد أصبح عاراً على نفسه وعائلته بشكل غير قابل للإصلاح، قرر ويلز إنهاء حياته.

وبسبب اسمه المعروف تعاطفت معه الشرطة، حين طلب منهم اصطحابه إلى البيت لإحضار أدويته وبعض مستلزمات النظافة الشخصية قبل عرضه على المحكمة، لكن حين وصل إلى منزله أخذ معه جرعة من مادة الكلوروفورم المخدرة وشفرة حلاقة.

وحين وصل إلى زنزانته وبقي وحده، استنشق المخدر وقطع وريده، فنزف حتى الموت، 

ولم يكن يعلم أنه قبل 12 يوماً من إلقاء القبض عليه، كانت الجمعية الطبية الباريسية أعلنت  أن هوراس ويلز يستحق كل التكريم.
واعتبرته الشخص الذي اكتشف الأبخرة أو الغازات المخدرة لأول مرة، ونجح في تطبيق استخداماتها، التي تسمح بإجراء العمليات دون ألم.

لكن أخبار إعلان الجمعية الطبية الباريسية تم تسليمها بعد وفاة ويلز، وتم الاعتراف باكتشافه من قبل كل من الجمعية الأمريكية لطب الأسنان 1864 والجمعية الطبية الأمريكية 1870.

تحميل المزيد