برز اسم جيمس بولجر في عالم العصابات والجريمة المنظمة، في سبعينيات القرن الماضي، قبل -وبعد- أن يترأس عصابة "وينتر هيل" في جنوب ولاية بوسطن الأمريكية. فقد عاش حياةً مزدوجة، بصفته أحد أشهر رجال العصابات، ومخبراً سرياً لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي.
كان وايتي بولجر واحداً من أخطر المجرمين في الولايات المتحدة لغاية العام 2000، وقد نجح في الهروب من العدالة طيلة 16 عاماً، عاش خلالها بهويةٍ مزيفة، حتى إلقاء القبض عليه في العام 2011.
أُدين بولجر بارتكاب 11 جريمة قتل، إضافةً إلى 22 تهمة أخرى ما بين الاتجار بالمخدرات، وتبييض الأموال، وتسيير مؤسسة إجرامية، إضافةً إلى رشوة عناصر من الـ""FBI، والابتزاز وغيرها. وفي العام 2018، وُجد مقتولاً بوحشية داخل زنزانته في سجنٍ اتحادي بفرجينيا الغربية.
جُسدت شخصيته في عدة أعمال سينمائية، أشهرها فيلم Black Mass (إنتاج 2015) الذي لعب دوره النجم الأمريكي جوني ديب، وفيلم The Departed (إنتاج 2006) الذي أدى الممثل الشهير جاك نيكلسون شخصيته.
مَن هو جيمس بولجر؟
يُلقب جيمس بـ"وايتي بولجر"، ويمكن القول إن الناس يعرفونه أكثر بهذا الاسم؛ بسبب لون شعره شديد البياض، وقد وُلد في 3 سبتمبر/أيلول 1929، في مدينة بوسطن الأمريكية من والدَين إيرلنديين، وقد نشأ في فقرٍ مُدقع بعد تعرض والده لحادث عملٍ أدى إلى بتر إحدى ذراعيه.
وإذا كان شقيقاه الأصغران ويليام ميكائيل وجون قد نجحا في دراستيهما، فإن جيمس جنحَ منذ صغره نحو الإجرام. ولا نبالغ لو قلنا إنه أمضى فترة مراهقته في السجن، فقد سُجن بولجر للمرة الأولى عندما كان لا يزال في الـ13 من عمره.
انضم حينها إلى إحدى عصابات الحي الذي نشأ به في جنوب بوسطن، وتم اعتقاله مرات عدة لارتكابه جنح مختلفة ومتباينة الخطورة، ولكنه كان يُبرأ منها أو يتعرض لعقوبات خفيفة بسبب غياب الأدلة الكافية لإدانته، قبل أن تقرر المحكمة وضعه في مركزٍ لإعادة التربية؛ حيث بقي حتى العام 1948.
4 سنوات في القوات الجوية الأمريكية
لدى خروجه من مركز إعادة التربية، انضم جيمس بولجر إلى القوات الجوية الأمريكية، لكن تم تسريحه منها بعد أربع سنوات، بسبب مشاكله الانضباطية، فعاد سريعاً إلى عالم الإجرام.
حُكم عليه، في العام 1956، بالسجن لمدة 20 سنة بسبب ارتكابه سلسلة من عمليات السطو على البنوك في 3 ولايات مختلفة، بحسب ما جاء في الموسوعة البريطانية Britannica.
لم يقضِ بولجر من تلك المدة سوى 9 سنوات؛ لأنه استفاد من الإفراج المشروط في العام 1965، بعد إقامته في سجون شهيرة مختلفة، على غرار: "ليفنوورث" و"ألكاتراز".
بعد خروجه من السجن، عاد بولجر للعيش في بوسطن، أو بالأصح عاد إلى حياة الجريمة. فأصبح قاتلاً تحت امرة زعيم إحدى عصابات المافيا، ويُدعى دونالد كيلين، وفقاً لما جاء في موقع Biography الأمريكي.
وأوضح ذات الموقع المتخصص في السير الذاتية للمشاهير أنه -وبعد مقتل دونالد كيلين سنة 1972- التحق جيمس بولجر بعصابة "وينتر هيل" التي تعتبر إحدى أكبر جماعات المافيا بمدينة بوسطن.
كيف أصبح وايتي بولجر زعيماً للمافيا الإيرلندية؟
سرعان ما فرض جيمس بولجر نفسه في عصابة "وينتر هيل" وسطع نجمه كمجرمٍ ماكر وداهية وعديم الرحمة، خاصة بعد قتله لزعماء عصابات منافسة لجماعة المافيا التي ينتمي إليها، كسبيك أوتوول، وباولي ماكغوناغلي، وإدوارد جي كونورز.
وفي سنة 1979، تم اعتقال وسجن هاوي وينتر -زعيم عصابة المافيا الإيرلندية- بتهمة التلاعب برهانات سباقات الخيل، ما شكل منعطفاً حاسماً في حياة بولجر بحيث أصبح الزعيم الأول لعصابة "وينتر هيل".
وخلال الـ16 سنة المقبلة، سيسيطر بولجر على جزءٍ كبير من تجارة المخدرات وعمليات منح القروض وعالم الجريمة المنظمة في مدينة بوسطن.
لم يكن وايتي بولجر ليصمد كل تلك المدة على رأس المافيا من دون أن يتعرض لمضايقات العدالة، لو لم يكن مستفيداً من حماية الشرطة الفيدرالية الأمريكية FBI.
ووفقاً لموقع ati الأمريكي، فقد كان بولجر مُخبراً لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) قبل تزعمه لعصابة "وينتر هيل"، بل منذ العام 1975، وقد استمر كذلك طيلة 15 عاماً حتى 1990.
وقد استفاد أيضاً من مركز شقيقه ويليام، الذي كان عضواً في مجلس الشيوخ لولاية ماساتشوستس، ومن بعض أصدقاء الطفولة الذين كانوا يعملون في الـFBI، ومن بينهم جون كونولي الذي أُدين لاحقاً في العام 2002 بالتعاون مع رجال المافيا، وحُكم عليه بالسجن 40 عاماً.
ساعد الـFBI في الإطاحة بعائلة "باترياركا" الإيطالية
مقابل الحماية التي كان يستفيد منها، ساعد جيمس بولجر مكتب التحقيقات في الإطاحة برجال الشبكات الإجرامية المنافسة له، ومن أبرزها عائلة "باترياركا" الإيطالية، التي كانت تسيطر على كل منطقة "إنجلترا الجديدة" في شمال شرق الولايات المتحدة، وتضم 6 ولايات.
وفي بداية تسعينيات القرن العشرين، لاحظت الإدارة الفيدرالية لمكافحة المخدرات أن كل تحقيقٍ حول الممارسات المشبوهة لبولجر -تُشارك فيه الـFBI- ينتهي من دون وجود أدلة تدين زعيم المافيا الإيرلندية ببوسطن. ولذلك، فقد قررت في العام 1994، إجراء تحقيقٍ جديد منفصل وبسريةٍ تامة، رفقة شرطة ولاية ماساتشوستس وشرطة مدينة بوسطن.
وقد أسفر ذلك التحقيق، في يناير/كانون الثاني 1995، عن إدانة بولجر وساعده الأيمن ستيفان فليمي وأفراد عدة من العصابة بِتُهمٍ مختلفة، مثل المتاجرة بالمخدرات والابتزاز، والسرقة تحت التهديد.
ورغم سرية التحقيق، وصلت معلومة إصدار الأمر بالقبض على جيمس بولجر إلى صديقه الشرطي الفيدرالي جون كونولي، فسارع إلى إعلامه بالخبر، وكان حينها زعيم العصابة يمضي عطلته بولاية لويزيانا.
فنجح في الهروب من أعين الشرطة، ثم غامر بالعودة إلى بوسطن، خلال شهر فبراير/شباط من نفس العام، وذلك بعدما قررت رفيقته تيريزا ستانلي العيش بالقرب من أبنائها.
لم تدُم المخاطرة بالتواجد في بوسطن طويلاً، فقد غادر بولجر المدينة -وهذه المرة مع صديقة سابقة، تُدعى كاترين غريغ- بعدما نصحه صديقه بذلك بسبب الإجراءات القوية التي اتخذتها الإدارة الفيدرالية لمكافحة المخدرات.
جيمس بولجر.. ثاني أخطر رجل بعد أسامة بن لادن!
في العام 1999 تم إدراج اسم بولجر ضمن لائحة أخطر 10 مجرمين مطلوبين للعدالة، من قِبل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، كما صُنف كثاني أخطر رجلٍ في العالم بعد الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وقد رصدت الـFBI مبلغ مليون دولارٍ أمريكي، كمكافأة، لكل من يُدلي بمعلوماتٍ تقود مباشرة إلى القبض عليه.
وكان وايتي بولجر -بعدما هرب من بوسطن- قد تنقل طيلة سنتين بين تكساس وفلوريدا وأريزونا ونيويورك، قبل أن يستقر في سانتا مونيكا، على بعد كيلومترات قليلة فقط من مكتب الشرطة الفيدرالية لمدينة لوس أنجلوس، حيث عاش بهويةٍ مزيفة تحت اسم "شارلي غاسكو"، وصديقته تحت اسم "كارول غاسكو".
واستمرت حياة التخفي لجيمس بولجر 16 سنة، حتى إلقاء القبض عليه -رفقة صديقته كاترين غريغ- يوم 22 يونيو/حزيران 2011 في مدينة سانتا مونيكا بولاية كاليفورنيا، أين كان يعيش، بعدما تعرف إليه أحد المُخبرين ودل الشرطة الفيدرالية على مكان تواجده.
عاش حياة هادئة كعجوز متقاعد وقُتِل داخل زنزانته
وبحسب جيران بولجر وغريغ، فإن "الزوجين غاسكو" كانا يعيشان حياة هادئة، مثل أي عجوزين في سن التقاعد، وكانا طيبين مع الجميع ولو أنهما كانا يتفاديان الاختلاط كثيراً معهم، وذلك وفقاً لما ذكره موقع The Irish Mob الأمريكي.
وقد عثر رجال الشرطة بشقة جيمس بولجر على 30 قطعة سلاح من عدة أنواع وذخيرة حية وسكاكين من مختلف الأحجام، إضافةً إلى مبلغ 822 ألف دولار مخبأة بعناية داخل حُفرٍ مختلفة غير ظاهرة على الحائط.
كما لوحظ وجود عددٍ كبيرٍ من الكتب، تتحدث أغلبها عن قصص المافيا والجريمة المنظمة، ومن بينها كتب تتحدث عنه شخصياً، أحدها من تأليف أحد شركائه، وآخر ألَّفه ذراعه اليمنى كيفن ويكس.
وعند إلقاء القبض عليه في يونيو/حزيران 2011، كان بولجر يبلغ من العمر 81 سنة، وقد بدأت محاكمته بعد سنتين في العام 2013.
وفي آب/أغسطس أُدين رسمياً بـ31 تهمة، من بينها ارتكابه 11 جريمة قتل والمشاركة في 19 عملية قتل، إضافةً إلى تسيير مؤسسة إجرامية من 1972 إلى 2000، بعد محاكمةٍ استمرت شهرين كاملين.
ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فقد حُكم عليه في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 بعقوبتين بالسجن المؤبد، وثالثة بـ5 سنوات، ما يعني قضاء بقية حياته وراء القضبان مهما بلغت شروط التخفيف.
أما صديقته كاترين غريغ، فقد أدينت في شهر مارس/آذار 2012، بتُهَمِ المشاركة في إيواء شخصٍ هاربٍ من الشرطة، وانتحال صفة، وقد حُكم عليها في يونيو/حزيران 2012 بالسجن لمدة 8 سنوات.
قضى وايتي بولجر، إذاً، بقية حياته في السجن، ولكن وفاته لم تكن عادية -كما حياته-. عُثر عليه، في صباح يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول 2018، ميتاً داخل زنزانته في سجن "هازليتون" بمدينة فرجينيا، الذي كان قد نُقل إليه حديثاً.
وأدت التحقيقات إلى أن بولجر قد مات مقتولاً، بعد تعرضه للضرب المبرح لدرجة التشويه الكامل، وقد أدين بقتله 3 أشخاص، يُرجح أنهم على علاقة بجماعة مافيا معادية لتلك التي كان يتزعمها وايتي.
اثنان من الرجال الثلاثة، هما فوتيوس غيس (55 عاماً) وبول ديكولوجيرو (48 عاماً)، أُدينا "بضرب بولجر بشكلٍ متكرر على رأسه والتسبب في وفاته". أما الرجل الثالث وهو شون ماكينون (36 عاماً) فقد اتُّهم بالإدلاء بإفادات كاذبة إلى عنصرٍ فيدرالي.