نصح الأطباء بغسل اليدين فاتهموه بالجنون وعذبوه حتى مات.. القصة المأساوية للطبيب “إجناز سيميلويس”

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/20 الساعة 16:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/20 الساعة 19:32 بتوقيت غرينتش
إجناز سيميلويس / Wikimedia Commons

النصيحة الأولى التي سيخبرك بها أي طبيب للوقاية من أغلب الجراثيم والبكتيريا وانتقال العدوى، هي "غسل اليدين"، لكن هذا لم يكن الحال دائماً في الواقع حين أعلن الطبيب "إجناز سيميلويس" أن غسل اليدين ضروري لتفادي انتقال العدوى والإصابة بالأمراض، كان أول من ناصبه العداء الزملاء من الأطباء.

حتى وصل بهم الأمر إلى تدمير سمعته المهنية وطرده من المستشفى الذي عمل به، وعندما لم يتراجع عن رأيه، قاموا بوضعه في مصحة عقلية، تعرض فيها للضرب والتعذيب حتى مات.

"إجناز سيميلويس" و"طاعون الطبيب"

في عام 1846 كان الطبيب المجري "إجناز سيميلويس" قد بدأ للتو وظيفته الجديدة في مستشفى الأمومة في فيينا، وكانت هناك ظاهرة غريبة تحدث في المستشفى.
كان هناك جناحان للولادة، أحدهما به أطباء ذكور وطلابهم، والآخر به قابلات توليد، كان الجناح الأول الذي يشرف عليه الأطباء يسجل عدد حالات مرتفعة بتسمم الدم، وأعراض غريبة كانت تصيب عدداً كبيراً من الأمهات الجديدات وتسبب وفاتهن.

إجناز سيميلويس
عملية جراحية صورة تعبيرية / Wikimedia Commons

اعتقد العديد من النساء أن الأطباء هم من جلبوا الموت إليهن، بل أطلقوا عليه اسم "طاعون الطبيب"، وسرعان ما فضلت النساء ولادة الأطفال على يد القابلات بدل الأطباء.

حاول "إجناز سيميلويس" أن يجد السبب الحقيقي، وفكر في عدة احتمالات، وفحص المواقف المختلفة التي ولدت فيها النساء، وافترض عدة فرضيات.

اعتقد في البداية أن العدوى سببها غازات سامة في الهواء، لكنه استبعد تلك الفرضية لأن الجناحين كانا قريبين جداً من بعضهما البعض، وبالتأكيد كان الهواء يمر بينهما، فلماذا لم تنتشر العدوى في جناح القابلات؟

فكر "إجناز سيميلويس" أنه ربما كانت النساء محرجات من أن يفحصهن طبيب ذكر، أو ربما خاف النساء من الكهنة الذين كانوا مسؤولين عن الصلاة على الموتى، وقرعهم الأجراس في المستشفى هو الذي سبب المرض، لكن لم يتم إثبات أي من هذه الفرضيات.

وفي ذلك الوقت لم تكن الجراثيم والبكتيريا ومسؤوليتها عن المرض معروفة في المجتمع الطبي بعد، ثم في أحد الأيام، قيل للدكتور سيميلويس أن زميله قد مرض وتوفي بعد أن جرح يده أثناء إجراء تشريح لجثة ضحية من المرض الغامض، في تلك اللحظة تنبه "إجناز سيميلويس" لما قد يكون السبب.

غسل اليدين للتخلص من "جسيمات الجثث"

كانت وفاة الطبيب قدمت لـ"إجناز سيميلويس" دليلاً على فرضية جديدة: "لم يكن المرض حكراً على الأمهات بعد الولادة فقط، لكنه يمكن أن يصيب الأشخاص الآخرين في المستشفى أيضاً"

إجناز سيميلويس
غسل اليدين للتخلص من "جسيمات الجثث / Wikimedia Commons

لكن تلك الفرضية لم تجب بعد على سؤال سيميلويس: "لماذا يصيب المرض عدد أكبر من النساء في جناح الأطباء مقارنة بجناح القابلات؟"

حتى انتبه لنقطة مهمة جداً وكانت أمام أنظاره طوال الوقت، "الفارق الكبير بين جناح الأطباء وجناح القابلات هو أن الأطباء كانوا يجرون عمليات تشريح للجثث، ولم تفعل القابلات ذلك".

لذا افترض سيميلويس أن هناك "جسيمات جثث" أي قطع صغيرة من الجثث، كانت تلتصق على ملابس الأطباء وأيديهم من الجثث التي قاموا بتشريحها، وعندما يقومون بتوليد النساء، تدخل "جسيمات الجثث" داخل النساء اللواتي يصبن بعد ذلك بالمرض الذي سبب الوفاة.

تسائل "إجناز سيميلويس" في ما إذا تخلص من "جسيمات الجثث"، فهل يمكنه القضاء على المرض؟ انتهز الفرصة وأمر الطاقم الذي يعمل تحت إشرافه بالبدء في تعقيم اليدين وغسلها جيدا، وتعقيم أدواتهم الطبية بمحلول الكلور، على الفور انخفضت حالات الإصابة وانخفضت معها نسبة الوفيات.

إجناز سيميلويس
إجناز سيميلويس / Wikimedia Commons

أثبت "إجناز سيميلويس" نظريته، ولشدة سعادته كان يتصور أن زملائه سيشكروه على ما فعل، فقد كان اكتشافاً يجب الاحتفال به في جميع أنحاء العالم،  وينقذ حياة الأمهات من انتقال العدوى والأمراض. ولكن عندما قدم "سيميلويس" فكرته إلى المجتمع الطبي في فيينا، تم رفضه والسخرية منه وتجاهله.
بل على العكس تم مهاجمته، والتشكيك في صحة فكرته واتهموه بتزوير البيانات لسبب وحيد، "كان الأطباء مستائين لأن فرضية سيميلويس جعلت الأمر يبدو وكأنهم هم من يصيبون النساء بالمرض وهو أمر يحملهم المسؤولية"، وتم طرد سيميلويس من منصبه في مستشفى فيينا.

انتقل "إجناز سيميلويس" إلى بودابست وبدأ وظيفة جديدة، ومرة ​​أخرى طلب من جميع الموظفين غسل اليدين قبل علاج المرضى، ومرة أخرى انخفضت معدلات الوفيات، لكنه لا يزال غير قادر على إقناع الأطباء الآخرين باتباع التقنية الجديدة،وعندما أخبرهم بنظريته تعرض للطرد مرة أخرى.

موت "إجناز سيميلويس" في مصحة عقلية

بسبب خسارته عمله وطرده من المستشفيات والسخرية منه، أصبح أسلوبه أشد قساوة، وبدأ يهاجم الأطباء علناً في رسائل مكتوبة، متهماً إياهم بالإهمال الذي يؤدي لموت العشرات، ونعتهم بـ"القتلة الجاهلين"، فقرروا التخلص منه، ودبروا له مكيدة تسكته للأبد.

إجناز سيميلويس
إجناز سيميلويس / Wikimedia Commons


في عام 1865، تم خداع "إجناز سيميلويس" لزيارة مصحة عقلية، بعد أن وجهوا له دعوة للحضور والاطلاع على أحوال المصحة، فذهب إلى هناك وكان يعتقد أنه كان هناك للقيام بجولة سريعة، ولم يكن يعلم أنه لن يخرج من هناك حياً أبداً.

بمجرد وصوله للمصحة قام الممرضون بتقييده وإيداعه المصحة، بحجة أنه مصاب بمرض عقلي بسبب إصابته بمرض الزهري أو الزهايمر، وحين قاوم وأراد الخروج تعرض للضرب الشديد بشكل يومي.

وبقي محتجزاً مقيداً في غرفة من غرف المرضى النفسيين، ويتعرض للضرب والإهانة بشكل يومي، وتم إغراقه في حوض الماء المتجمد، كجزء من علاج "مرضه العقلي"، وتم إطعامه قسراً.

وبعد أسبوعين من احتجازه كان ذاق من العذاب ألوانا، وأصيب بجرح في يده أثناء مقاومته للممرضين، مما أدى إلى إصابته بالغرغرينا، ليرحل "إجناز سيميلويس" عن عالمنا وكان يبلغ من العمر 47 عاماً فقط.

وبعد ما يقرب من 20 عاماً من وفاته، تبنى المجتمع الطبي أفكار "سيميلويس" في نهاية المطاف، عن أهمية تعقيم اليدين بالنسبة للأطباء، وأصبح غسل اليدين اليوم حجر الزاوية في الصحة العامة للجميع، أما الشخص الذي نادى بهذه الفكرة، فقد مات ولم ير التكريم الذي يستحقه في حياته.

علامات:
تحميل المزيد