قصة الإسلام في الصين والهند مثيرة جداً للانتباه والتأمُّل، فقد كان المبشّرون المسيحيون الأوروبيون في الصين في القرن الخامس عشر يعتبرون الإسلام تهديداً لهم، فقد كان تقديرهم أنّ الإسلام -من كثرة انتشاره- قد يصبح الدين الوطني للصين، وكانوا متخوّفين من ذلك. أمّا بالنسبة للهند فقد حكم المسلمون المغول الهند لمدة أربعة قرون تقريباً، حتى جاء الاستعمار البريطاني الذي يمكننا أن نقول إنّه قضى على الإسلام كدين رئيسي في الهند.
إذا أردت الاطلاع بالتفصيل على حكم المسلمين المغول للهند، يمكنك قراءة هذه المادة. أمّا الآن فدعنا نحكي عن شخصٍ آخر، أجل شمس الدين عمر، أوّل حاكم مسلم في الصين.
سلالة يوان.. السلالة المغولية الأكثر انفتاحاً على الأديان
قصة المغول قصّة مثيرة للغاية، فبينما حاربوا المسلمين طيلة قرنين من الزمان، اعتنق أغلبهم في النهاية الإسلام، ليس فقط أعضاء القبيلة الذهبية وقائدهم بركة خان، وإنما أيضاً أحفاد هولاكو نفسه في دولة الإيلخانات في فارس (إيران الحالية)، كما أنّ الخان الأعظم قوبلاي -وهو السلطة المغولية الأكبر- اعتمد أيضاً على مسلمين في حكومته.
بعد وفاة جنكيز خان، الأب الأكبر للمغول، انتقلت السلطة لابنه أوقطاي، ومن بعده أصبح ابنه خان المغول الأعظم، وفي النهاية انتقلت السلطة إلى مونكو خان، حفيد جنكيز خان من ابنٍ آخر غير أوقطاي. وبعد وفاة أوقطاي كانت السلالة المغولية أمام صراع على السلطة، حسمه أقوى إخوة مونكو خان: قوبلاي خان.
كان أوقطاي خان مختلفاً عن إخوته بعض الشيء، فبينما أذاق أخوه هولاكو المسلمين الأهوالَ في الشرق الإسلامي، كان قوبلاي خان في أقصى الشرق يحارب الصينيين، ويعتمد على قادة ووزراء مسلمين من منطقة آسيا الوسطى.
كان قوبلاي خان يميل أكثر لقبول التنوُّع والاختلافات، فعندما استطاع دخول الصين ضمّ صينيين إلى حكومته، كما أنّه قبل ذلك كان قد ضمّ العديد من القادة والوزراء من دياناتٍ عديدة، ومن ضمنها بالطبع كان هناك مسلمون.
أصبح قوبلاي خان، خان المغول الأعظم عام 1264، ولكنّ غزوه للصين اكتمل عام 1279. استطاع قوبلاي خان توحيد الصين تحت سلطته، إضافةً إلى غيرها من المناطق التي كانت تحت حكمه بالفعل. ومستلهماً الطقوس والتقاليد الصينية أسّس قوبلاي سلالة يوان التي حكمت الصين قرناً من الزمان.
كان التسلسل الهرمي في تلك السلالة واضحاً، فقمّة هرم السلطة من المغول بالطبع، يليهم أبناء آسيا الوسطى، حيث الكثير من المسلمين، ثمّ الصينيون.
ومن هذه التركيبة السياسية وصل أجل شمس الدين عُمر إلى الصين، حاكماً على إقليم يونان.
أجل شمس الدين عمر.. أول حاكم مسلم في الصين
أجل شمس الدين عمر هو مسلم من آسيا الوسطى، وهي المنطقة التي اعتمد قوبلاي خان على الكثير من أبنائها في مناصب دولته. أصل عائلة شمس الدين عمر من خوارزم، ويُقال إنّه من نسل النبي محمد.
انضمّت عائلة شمس الدين عمر إلى الدولة المغولية مع الوقت، ويبدو أنّ والده خدم أيّام مونكو خان الأخ الأكبر لقوبلاي خان.
أكمل أجل شمس الدين عمر عمله مع قوبلاي خان، وقد وصل إلى أرفع المناصب، فقد كان مسؤولاً عن الشؤون المالية في الإمبراطورية. وبعدما بدأ قوبلاي خان خطته الطموحة لضمّ الصين إلى الإمبراطورية المغولية ونجح في ذلك، كان أجل شمس الدين عمر أحد أوائل حكّام الأقاليم الذين عيّنهم في الصين، فقد أرسله حاكماً لإقليم يونان الهام في جنوب الصين.
من الواضح أنّ ولاء الحاكم أجل شمس الدين عمر لقوبلاي وسلالته كان قوياً، فمنصب حاكم لأحد الأقاليم التي انضمت حديثاً إلى الإمبراطورية منصبٌ حساس ويتطلّب ولاءً كبيراً للسلالة، كما تطلّب بالطبع حنكةً وسياسة عالية المستوى، وهو ما كان يتمتّع به شمس الدين عمر.
فعندما وصل الحاكم الجديد إلى إقليم يونان بدأ سياسةً توافقية للغاية، فقد بدأ بطبيعة الحال إتاحة الدعوة إلى الإسلام، بل وتوسيعها، ولكن إلى جانب ذلك كانت الدعوة إلى المسيحية والبوذية وغيرها من الديانات متاحة بنفس الدرجة.
كما أنّ الحاكم الجديد لم يحاول أن يغيّر من التقاليد والثقافة الصينية، فقد أسّس مدينةً جديدة في الإقليم، ولكنّها كانت مبنيةً على الطراز الصيني تماماً.
كان حكم إقليم في دولة فيها تنوّع هائل مثل الصين يتطلّب درجة كبيرة من الدبلوماسية يكون التسامح الديني في مركزها. وهو ما حدث بالفعل في ظلّ الحاكم المسلم أجل شمس الدين عمر، الذي حكم الإقليم 5 سنوات، منذ تمّ تعيينه عام 1274 وحتى وفاته عام 1279.
وفور وصوله إلى إقليم يونان، بنى معبداً كونفوشيوسياً عام 1274، وهو أوّل معبد كونفوشيوسي يتمّ بناؤه في إقليم يونان، لكنّه لم يكن الأخير، كما بدأ في بناء المساجد ونشر الإسلام في الإقليم.
ويكفي أن نذكر أنّ أحد أقدم مساجد مدينة سوتشو الصينية هو من بناء عائلة أجل شمس الدين عمر، فقد تمّ بناؤه في القرن الثالث عشر، نفس توقيت حكم شمس الدين عمر للإقليم. إلا أنّ هذا المسجد قد دُمج لاحقاً في مبنى حكومي. وهو أحد أقدم المساجد في الصين، إن لم يكن أقدمها.
أمّا عن مدينة سوتشو آنفة الذكر، فقد سمّتها الباحثة في العلوم السياسية أليساندرا كابيليتي بـ"مدينة المساجد المنسية"، في مقالها على موقع theconversation، فهي مدينة صينية فيها العديد من المساجد العريقة التي يعود بعضها للقرن الثالث عشر، لكنّ المتاح منها للصلاة حالياً هو مسجدٌ واحد فقط.
وللقراءة عن هذه المدينة، ذات المساجد العريقة، يمكنك مطالعة هذه المادة.