هذه القصة تستحقّ أن تكون مسلسلاً طويلاً، فأحداثها حقيقية وتدور خلال 8 سنوات من الاختطاف، والمثير في القصة أن الضحية قد نجت من هذا الاختطاف بعد صبرها طيلة كل هذه السنوات لتحظى بالفرصة المناسبة للهرب، وخلال هذه القصة استطاعت ناتاشا أن تحظى بثقة مختطفها، الذي بدأ يسمح لها بالخروج معه في الأماكن العامة. وتكتمل القصة بكتابتها 3 كتب تحكي فيها عن قصتها النادرة في التغلُّب على ما حدث لها.
أبوان مطلّقان واختطاف مروّع
ولدت ناتاشا عام 1988 في فيينا في حيٍّ سكنيّ فقير يعيش فيه الكثير من مدمني الكحوليات والأشخاص الناقمين على الحياة. وضمن هذا السياق نشأت ناتاشا بين والديها المطلقين.
وفقاً لما تحكيه ناتاشا، فقد كانت تحلم بالهروب من واقعها، بالنسبة للمستقبل، فقد أرادت ناتاشا أن تحظى بوظيفةٍ جيدة تؤمِّن لها استقلالها بعيداً عن والديها ومشاكلهما. وفي عام 1998، ذهبت ناتاشا للمدرسة بمفردها، لكنّها لم تصل للمدرسة أبداً!
لم تكن المدرسة تبعد كثيراً عن بيتها، فعلى بعد 5 دقائق فقط مشياً من بيتها اختطفها فني اتصالات يدعى "فولفغانغ بريكلوبيل"، ولم تكن تعرف ناتاشا أنها ستختفي طيلة 8 سنوات عن الحياة البائسة التي تعرفها لحياةٍ أكثر بؤساً وقسوة. ولم يكن يعرف والداها المشتّتان أنهما لن يرياها كل هذه المدة.
لم تكن عملية الاختطاف وليدة اللحظة أبداً، بل يبدو أن المختطف كان قد خطط لها مسبقاً. فقد أخذها الخاطف إلى بلدة أخرى هادئة وعلى بعد 15 ميلاً شمال فيينا. كما جهّز غرفةً صغيرة محكمة الإغلاق أسفل مرآب منزله بدون نوافذ أو أي منفذ لضوء الشمس وجدرانها عازلة للصوت.
في هذه الأثناء، بدأت عمليات بحث محموم للعثور على ناتاشا كامبوش. أفاد شهود عيان بأن الفتاة شوهدت آخر مرة وهي تدخل شاحنة بيضاء.
غريزة البقاء على قيد الحياة
وفق ما حكته ناتاشا لاحقاً، فأوّل ما تحرّك بداخلها بعد الخوف والقلق هي "غريزة البقاء على قيد الحياة"، وهكذا استطاعت أن تخترق حياة خاطفها، فبدأت تسأله أحياناً بعض الأسئلة الخاصة مثل: "ما مقاس حذائك؟". وبناءً على ما شاهدته سابقاً على التلفاز كانت الفتاة الصغيرة تعتقد بأهمية معرفة أكبر قدر ممكن من المعلومات عن المجرم حتى تستطيع مساعدة الشرطة. لكنّ هذا لم يساعدها قط في تلك المرحلة.
لكنّ الطفلة الصغيرة كانت تحتاج ما هو أكثر من المعلومات، لقد احتاجت "الحنان"، وهكذا تحكي ناتاشا أنها طلبت من خاطفها، في أول ليلة لها في الأسر، أن يضعها في السرير ويقبّلها ويتمنَّى لها ليلةً سعيدة. في بعض الليالي، كان خاطفها يقرأ لها أيضاً قصصاً قبل النوم ويحضر لها الهدايا والوجبات الخفيفة.
لاحقاً، حكت ناتاشا عن تلك الفترة وقالت: "كنت أحاول فعل أي شيء لاستدعاء وهم الحياة الطبيعية. كنت سعيدة بالحصول على أي هدية حتى لو كانت مجرد أشياء مثل غسول للفم وشريط لاصق".
أدركت ناتاشا أنها كانت تعيش وضعاً غريباً وخاطئاً، هذا ليس طبيعياً، لكنّها كانت قادرة على تبرير ذلك في ذهنها. حاولت أن تتعايش مع وضعها الجديد. استرسلت في حياتها مع خاطفها، فقد كان يحمّمها، وبينما يفعل ذلك كانت ناتاشا تتخيَّل نفسها في منتجع صحي. وعندما كان يعطيها شيئاً لتأكله، كانت تتخيّله رجلاً نبيلاً يقدّم لها الطعام.
هذه كانت استراتيجية ناتاشا مع خاطفها.
الخاطف المريب الذي انتحر عندما هربت ناتاشا
أما عن فولفغانغ خاطف ناتاشا فلم يكن أيضاً شخصية طبيعية أبداً، بالطبع الخاطف ليس شخصاً طبيعياً، لكنّه أيضاً كانت طقوسه غريبة بعض الشيء، فقد اعتبر نفسه "إلهاً مصرياً" وطلب من ناتاشا أن تدعوه بـ"المايسترو" و"مولاي".
وعندما كبرت ناتاشا وبدأت تتمرّد بعض الشيء كان خاطفها يضربها بمعدّل 200 مرة في الأسبوع ويحرمها من الطعام ويجبرها على تنظيف المنزل نصف عارية، كما فرض عليها البقاء معزولةً في ظلام دامس.
تتذكر ناتاشا قائلة: "شعرت أبنني شيء ليس له حقوق. بدأ يراني باعتباري شخصاً مُكرّساً لأداء الكثير من المهام اليدوية الشاقة".
حاولت ناتاشا الانتحار عدّة مرات للتخلّص من حياتها البائسة مع هذا الخاطف، لكنّ أياً منها لم ينجح.
بعدما هربت، كانت ناتاشا ترفض الحديث عن الجانب الجنسي في إساءة معاملتها. لكنّ ناتاشا أخبرت صحيفة "The Guardian" البريطانية أنَّ درجة الإساءة في هذا الصدد كانت "بسيطة". قالت إنه كان يربطها بسريره، لكن كل ما أراد فعله هو معانقتها.
لم يغب عن بال ناتاشا قط حلم الحصول على حريتها طوال مدة احتجازها. لكنّها حكت أنّها بعد عامين من اختطافها، رأت في منامها نفسها الشابة وهي تقول لها: "سأخرجك من هنا، أعدك. أنتِ صغيرة جداً الآن. عندما تبلغين 18 عاماً، سأتغلب على الخاطف وأحررك من سجنك".
يمكن لنا أن نتوقع أنه مع مرور السنين أصبحت علاقة الخاطف مع أسيرته ناتاشا أكثر ارتياحاً. فقد كان يحب الحديث إليها. على الرغم من أنه أجبرها على تبييض شعرها وتنظيف منزله وضربها، لكنّه كان شاركها أيضاً أفكاره، كما أخذها ذات مرة للتزلج.
وفي غضون ذلك، لم تتوقف ناتاشا عن البحث عن فرصة الفرار. سنحت أمامها بعض الفرص خلال المرات التي اصطحبها فيها خارج المنزل، لكنها لم تمتلك قط الشجاعة الكافية للمحاولة.
عندما بلغت ناتاشا 18 عاماً قررت مواجهة خاطفها، وأخبرته بأنه فرض عليهما وضعاً لا يستطيع النجاة منه سوى واحد منهما فقط. أخبرته بأنها ممتنة له لأنه لم يقتلها، لكن لا يمكنه إجبارها أكثر على البقاء معه.
اندهشت ناتاشا جداً أنّ خاطفها لم يضربها أو يقتلها أو يؤذيها عندما واجهته بهذه الحقيقة! بعدها بفترةٍ قصيرة سنحت لناتاشا الفرصة للهرب أخيراً.
كانت تنظف سيارته بمكنسة كهربائية عندما جاءته مكالمة فاضطر للابتعاد قليلاً عنها بسبب صوت المكنسة. كان يراقب ناتاشا، لكنّ صوت المكنسة أجبره على الابتعاد، وهنا هربت ناتاشا، في يوم 23 أغسطس/آب 2006.
تصف ناتاشا شعورها في تلك اللحظة وتقول: "كنت بالكاد أستطيع التنفس. شعرت وكأن ذراعي ورجلي مشلولتان".
وبينما تحررت ناتاشا كامبوش أخيراً من سجنها، قرر خاطفها قراراً غريباً! الانتحار بإلقاء نفسه أمام قطار متحرك بعد أن اعترف بكل شيء لصديقه المُقرّب، حيث قال له: "أنا خاطف ومغتصب".
استطاعت ناتاشا تحويل مأساتها تلك إلى 3 كتب ناجحة جداً. وصفت في الكتاب الأول منها مرحلة أسرها، وفي كتابها الثاني تحدثت عن مرحلة تعافيها. وفي الثالث تحدثت ناتاشا عن الإساءة والتنمر الذي تعرضت له عبر الإنترنت في السنوات الأخيرة.
لكنّ غرابة هذه القصّة لم تنتهِ، فقد ورثت ناتاشا منزل خاطفها وما زالت تعتني به حتى الآن.