كان فلاديمير كوماروف رائد فضاء استثنائياً، ذلك الرجل الذي سقط من الفضاء قبل أكثر من نصف قرن كان مدرباً جيداً ليكون أحد أوائل رواد الفضاء في الاتحاد السوفييتي، إلا أن المركبة "سويوز 1" لم تكن مجهزة كفاية لهذه الرحلة التاريخية، ليصبح عام 1967 عام حظٍّ ونحس يسجل في تاريخ الاتحاد السوفييتي مع زيارة الفضاء.
قصة سقوط مركبة كوماروف الفضائية بها الكثير من الروايات المتضاربة حول مشكلات السفينة، وجنون سباق الفضاء إبَّان الحرب الباردة، والثمن الذي دفعه الاتحاد السوفييتي لتحقيق التقدم، لكن هذا لم يمنع القدر الأخير بدوران كوماروف دورات متعددة حول الأرض بمركبته الفضائية لمحاولة دخول الغلاف الجوى مرة ثانية، إلى أن انتهى به المطاف بالسقوط على الأرض، والموت في انفجارٍ مروع.
مسيرة فلاديمير كوماروف أول رائد فضاء سوفييتي
وُلِدَ فلاديمير ميخايلوفيتش كوماروف في 16 مارس/آذار 1927 بموسكو. وكان كوماروف صبياً لديه شغف بالطيران ليلتحق بسلاح الجو السوفييتي حين كان صبياً في الخامسة عشرة من عمره فقط، وصار طياراً بحلول عام 1949. وفي نفس الوقت تقريباً، التقى كوماروف بزوجته، فالنتينا ياكوفليفنا كيسيليوفا.
استمر كوماروف في التحليق، وبحلول عام 1959، كان قد تخرَّج في أكاديمية جوكوفسكي الهندسية التابعة لسلاح الجو. شغف الطيران لم يفارقه، إذ قال ذات مرة: "مَن طار لمرة واحدة، وقاد طائرة لمرة واحدة، لن يرغب أبداً في مفارقة الطائرة أو السماء"، وفق سيرته التي نقلتها موسوعة Encyclopedia Britannica.
ثم تحول شغفه إلى أماكن أعلى، وتحديداً الفضاء، ثم أصبح واحداً من بين 18 رجلاً فقط اختيروا بادئ الأمر للتدرب في هذا المجال في الاتحاد السوفييتي. وفي عام 1964 نجح كوماروف في قيادة "فوسخود 1″، أول مركبة تحمل أكثر من شخص واحد إلى الفضاء، وفي حين أنَّه لم يكن أول رجل يصل إلى الفضاء –حظي بهذا الشرف زميله رائد الفضاء السوفييتي يوري غاغارين- فلا شك في أنَّ كوماروف كان يحظى باحترام شديد ليتم اختياره في المهمة التالية.
في هذا الوقت، كانت الحرب العالمية الثانية أصبحت ذكرى بعيدة، وحلت محلها الحروب الباردة. ومع اقتراب الذكرى الخمسين للثورة الشيوعية، كان الاتحاد السوفييتي عازماً على إطلاق رحلة فضائية جديدة.
ثم أصبح الرجل الذي سقط من الفضاء
كان من المقرر أن تلتقي كبسولتا فضاء في مدار أرضي منخفض، ويُوقِف كوماروف إحدى الكبسولتين بجوار الأخرى، ثم ينطلق إلى الفضاء بالمركبتين.
وفقاً لكتاب "Starman" –وهو كتاب مثير للجدل صدر عام 2011 وأطلق عنه فيلم يحمل الاسم نفسه- كانت مركبة كوماروف الفضائية تضم "203 مشكلات بنيوية" واضحة ظهرت قبل الرحلة، إلى درجة أن الطيار الاحتياطي لكوماروف، يوري غاغارين، طالب بتأجيل المهمة، بل ويُزعَم أنَّه كتب مذكرة من 10 صفحات وسلمها لفينيامين روساييف، وهو صديق له في "لجنة أمن الدولة" (KGB). لكن جرى تجاهل المذكرة.
مع اقتراب موعد الإطلاق بدا أنَّ التأجيل كان آخر ما يدور بذهن كبار المسؤولين السوفييت، إذ كتب فرانسيس فرينش في كتاب "In The Shadow of the Moon": "كان المصممون السوفييت يواجهون ضغوطاً سياسية هائلة للقيام باستعراض فضائي جديد رائع. وجرى الإسراع بإدخال سويوز إلى الخدمة قبل حل كل المشكلات".
حسب رواية Starman التي نقلها موقع All That's Interesting الأمريكي كان كوماروف متأكداً من أنه سيموت في حال واصل المهمة، لكنَّه رفض التراجع من أجل حماية غاغارين، الطيار الاحتياطي الذي كان في هذه المرحلة قد صار صديقه، ورغم ذلك، يعتقد أن غاغارين كان على الأرجح "احتياطياً" بالاسم فقط، كونه حقق بالفعل الشرف المنشود بكونه أول إنسان في الفضاء، ويعتبر كنزاً وطنياً لن يخاطر المسؤولون بإرساله في أي مهمة محفوفة بالمخاطر، عكس كوماروف الذي لم يكن قد نال هذه الشهرة الواسعة بعد.
أقلع كوماروف برحلته المشؤومة إلى الفضاء في 23 أبريل/نيسان 1967، وتمكَّن من الدوران حول الأرض 16 مرة على مدار 24 ساعة، لكنَّه لم يتمكَّن من إكمال الهدف النهائي لمهمته لأنَّ أحد الألواح الشمسية التي توفر الطاقة للمناورة لم يعمل.
حسب موقع History، يبدو أنَّ السوفييت ألغوا إطلاق المركبة الثانية وأمروا كوماروف بالعودة إلى الأرض لكنه لم يكن يعلم أنَّ معاودة الدخول إلى الأرض ستكون قاتلة، إذ أخذ رحلتين أخريين حول العالم قبل أن يتمكن من معاودة الدخول إلى مدار الأرض.
لم تنته المشاكل عند هذا الحل، فعلى ارتفاع 7 آلاف متر، لم تنفتح مظلته التي كان مفترضاً بها ذلك، وتشابكت خيوط المظلة، ليسقط على الأرض ويموت في انفجارٍ مدمر، الأمر الذي جعله أول شخص يموت في رحلة فضائية.
وفقاً لما أورده كتاب Starman، كان الغضب يملأ كوماروف حين مات، وقال: "هذه السفينة اللعينة. لا شيء أضع يدي عليه يعمل بشكل صحيح"، لكن يتشكك الكثير من الخبراء في هذا، بينهم المؤرخ الفضائي روبرت بيرلمان، الذي يرى أن كوماروف رائد فضاء ذو خبرة وتلقى تدريبه كطيار تقني وضابط بسلاح الجو، وتدرَّب للتعامل مع البيئات عالية الضغط، ومن الصعب أن يفقد أعصابه.
كان يُنظَر إلى كوماروف في حياته باعتباره بطلاً قومياً، وربما حظى بتقديرٍ أكبر بعد وفاته. إذ وقف الكثير من المسؤولين السوفييت أمام رفاته المتفحمة قبل حرقها، ولو أنَّه لم يكن يتبقى الكثير لرؤيته، ودُفِنَت رفات كوماروف بعد ذلك في الكرملين باعتباره "الرجل الذي سقط من الفضاء".
قد يهمك أيضاً: "الأم المنتقمة".. تعرفوا على ماريان باخماير الألمانية التي أطلقت الرصاص على قاتل ابنتها خلال محاكمته