هناك ألغاز وأسرار كثيرة في التاريخ لا نعرف إجاباتها، لكن كم سراً تعرفُ من هذه الأسرار الغامضة؟ تعال معنا لنتجوّل مع موقع History Extra عبر التاريخ، فقد جمع لنا الموقع عدّة أسرار تاريخية هي الأعظم والأكثر غموضاً.
اختار الموقع عدة متخصصين في التاريخ والآثار ليختاروا لنا أعظم أسرار التاريخ من وجهة نظرهم. ويمكنك التعرُّف على بعض الأسرار التاريخية الأخرى، من هنا.
هل كان بإمكان الجنود الرومان بلوغ الصين؟
اختارت كاثرين نيكسي وهي صحفية ومؤلفة كتاب "عصور الظلام" سراً يخصّ الرومان، فبينما كانت الإمبراطورية الرومانية هي أقوى دولةٍ في العالم تقريباً، إلا أنّنا لم نعرف عنها أنّها وصلت لأبعد نقطة جغرافية عنها في ذلك الوقت: الصين.
لكنّ حدثاً غريباً قد يدعم بشكلٍ كبير أنّ الرومان قد وصلوا للصين، لكن بطريقةٍ عجيبة.
كان صوت الجنود الرومانيين وحده كافياً لبثّ الرعب في القلوب، ليس فقط لقوّتهم وإنّما لشهرتهم التي سبقتهم لأيِّ مكانٍ يصلونه. كان الفيلق الروماني مكوناً عادةً من خمسة آلاف جندي، يرتدون الصندل العسكري الروماني الشهير بمساميره. وكان صوت خطوة صندلٍ واحد منها على الحَجَر كافياً ليُعلم أعداء الإمبراطورية الرومانيّة أنّ المتاعب في طريقها إليهم.
لكن، وللحقيقة فبعد نحو ألفي عام من مَجدِ هذه الإمبراطورية قد نجد أنّ الضجيج الذي أثارته الفيالق الرومانية ليس مثيراً للفضول بقدر انقطاع أخبارها. إذ غلّف الغموض مثلاً فيالق كراسوس، أحد أغنى وأشهر القادة الرومان، والذي حارب ضد الإمبراطورية البارثية (الفارسية) في معركة حرّان التي تقع في أراضي تركيا الآن.
لم يكُن من المُفترض بكراسوس أن يدخل أرض المعركة. إذ كان ثرياً لدرجةٍ جعلته من أغنى الرجال عبر التاريخ. بنهاية المعركة عام 53 قبل الميلاد، كان نجل كراسوس قد ذُبِح وعُرِض رأسه المقطوع فوق رمحٍ أمام أبيه. بينما فقد كراسوس الحزين رأسه أيضاً بعد فترةٍ وجيزة، ويقال إنّه قتل بصبّ الذهب المصهور في فمه.
اشتهرت المعركة لاحقاً بوصفها واحدةً من أسوأ الهزائم العسكرية لروما على الإطلاق. أسر آلاف الجنود الرومان ونقلوا شرقاً. ورغم أنّ الشاعر الروماني هوراس اقترح أنّ من تبقى من تلك الفيالق قد تزوّج من الفُرس، لكن مصيرهم الحقيقي لا يزال مغلّفاً بالغموض.
في منتصف القرن العشرين جادل هومر دابس، وهو خبير في الدراسات الصينية المُقيم في أكسفورد، أنّهم ربما سافروا في اتجاه الشرق لمسافةٍ أطول مما اعتقدناه سابقاً. وبعد سنوات قليلة من معركة حران، خلال حصار فُرِض على مدينةٍ في الصين، أظهر بعض المرتزقة سلوكاً عسكرياً منضبطاً لم يُشهد له مثيلٌ من قبل داخل البلاد: إذ وقفوا بدروعهم المتداخلة عن قرب لصد نيران العدو، ليصنعوا تشكيلاً قتالياً يُشبه "حراشف السمك". وكان هذا المصطلح فريداً في الأدب الصيني. لكن تداخل الدروع كان من التكتيكات التي تُميّز الجيش الروماني، وتُعرف باسم تشكيل السلحفاة.
وفي الوقت ذاته تقريباً، شهدت الصين إنشاء مدينة ليكيان (وهي كلمةٌ صينية قديمة تعني "روما"). فهل كانت تلك المدينة هي الوجهة النهائية للجنود الرومان الذين نجوا من معركة حران؟ لم نتأكّد من تلك النظرية بعد، ولكن ربما سنعرف في يومٍ ما أين خَطَّت كعوب صنادلهم آخر خطواتها.
أين هو قبر كليوباترا؟
أمّا لويد لويلين-جونز أستاذ التاريخ القديم بجامعة كارديف بويلز فقد اختار سر قبر كليوباترا، باعتباره السر الأعظم والأكثر غموضاً في التاريخ بالنسبة له.
نعرف جميعنا كيف أسرت قصة حب أنطونيو وكليوباترا اليائسة قلوب العالم منذ قرون. فبعد أن أُصيب الجنرال الروماني بالحزن والعار عقب هزيمته الأخيرة في معركة الإسكندرية على يد عدوّه اللدود أوكتافيوس؛ قرّر أن يغمد سيفه في صدره بعد سماع الأنباء الكاذبة عن وفاة معشوقته كليوباترا.
لكن حبيبته ظلّت على قيد الحياة، واكتفت بالاختباء داخل قبرها في أعقاب نصر أوكتافيوس. وحينها نُقِلَ أنطونيو إلى الضريح، حيث فارقت روحه الحياة في حضرة ملكته.
وبدلاً من الوقوع تحت الهيمنة الرومانية، قرّرت كليوباترا قتل نفسها وسط اللآلئ الفخمة والذهب والفضة وأعداد لا تُحصى من الكنوز المصرية في 12 أغسطس/آب عام 30 قبل الميلاد -وفعلت ذلك على الأرجح بلدغة كوبرا أو حنش، في دلالةٍ قوية على الألوهية الفرعونية.
كانت كليوباترا في الـ39 من عمرها آنذاك. وحُنِّطت جثة كليوباترا، ثم دُفِنت بجوار أنطونيو بناءً على أوامر أوكتافيوس، الذي هزمهما. وبعد نحو 16 قرناً، أعلنها شكسبير في مسرحية أنطونيو وكليوباترا: "لا قبر على هذه الأرض سيجمع بين زوجين بهذه الشهرة".
ظلّ موقع قبر كليوباترا لغزاً غامضاً لمئات السنين. وإذا كان القبر كبيراً على حد وصف التقارير الرومانية، فلا شكّ أنّه كان سيترك بصمته على آثار الإسكندرية عاصمة كليوباترا العظيمة. لكنّنا لم نعثر على أيّ خيطٍ يُرشدنا إلى مكان القبر.
ويبدو أنّنا شهدنا نقلةً نوعية عام 2006، إذ أعلن زاهي حواس، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر آنذاك، تحديد موقع قبر كليوباترا داخل معبد مُدمَّر لأوزوييس (إله الموت والبعث) بالقرب من بلدة تابوزيريس ماجنا على بعد نحو 50 كم غرب الإسكندرية -رغم أنّ حواس أنكر ذلك الإعلان لاحقاً بشكلٍ مُربك.
حصلت عالمة الآثار كاثلين مارتينيز على تصريحٍ للتنقيب في المعبد القديم، ولكن بعد عقدٍ من التنقيب والعثور على مئات القطع الصغيرة -مثل الفخار وبقايا الهياكل العظمية-؛ لم يكشف المعبد بعد عن مقبرةٍ سرية. لكن كاثلين لا تزال مقتنعةً بوجود جثة كليوباترا هناك.
وفي حال اكتشاف قبر كليوباترا فعلياً، فسوف يكون اكتشافاً يهُز عالم الآثار. لأنّه اكتشافٌ سيُغطّى حتى على محتويات مقبرة توت عنخ آمون البديعة. لكن هناك ملاحظة جوهرية: ألن تكون النتائج سلبية بطبيعة الحال لأنّ رواية قبر كليوباترا تلك هي رواية الرومان المنتصرين بالأساس؟
من هو مُهندس سقوط آن بولين؟
اختارت تريسي بورمان وهي مؤرخة ومذيعة، سراً بريطانياً بامتياز، بل هو أحد الأسرار المؤرقة في تاريخ بريطانيا الممتد: من الذي استطاع إسقاط آن بولين؟ زوجة الملك هنري الثامن المدللة.
بالنسبة لآن بولين، بدأ صباح الثاني من مايو/أيار عام 1536 مثل أيّ يومٍ عادي. فأثناء مشاهدتها مباراة تنس داخل قصر غرينتش على ضفاف نهر التايمز، بدأت تُفكّر في المراهنة على أحد اللاعبين -حتى وصل رسولٌ يُخبرها بأنّها يجب أن تحضر بنفسها أمام المجلس الخاص لجلالة الملك على الفور بأوامره.
سيطر عليها الخوف بسبب كلماته، لكنّها لم تتوقّع أنّها على وشك مواجهة اتّهامات الزنا وسفاح القربى. كانت آن بولين إحد أهمّ الشخصيات المؤثرة ليس في بريطانيا فقط، وإنّما أيضاً في الديانة المسيحية وعلاقة بريطانيا بالبابا في روما.
فقد أحبّها الملك هنري الثامن وحاول اتخاذها عشيقةً له لكنّها رفضت أن تكون إلا زوجة رسمية. ووفق الكنيسة لم يكن يسمح لأحد بأن يتزوج مرة أخرى أو يطلّق زوجته. وبهذا دخل الملك هنري الثامن في صراع مع البابا، بل وأقال رئيس أساقفة بريطانيا وعيّن أسقفاً موالياً لعائلة آن بولين، والذي أبطل زواج هنري بزوجته الأولى كاثرين ووافق على زواجه من آن بولين.
بدأ زواج آن بولين من هنري الثامن يتدهور بعد حوالي سنتين. والسبب الأكبر في ذلك يرجع إلى "فشلها" في منحه الابن الذي يتوق إليه. لم يعد هنري يُطيق رؤيتها، إذ لاحظ أحد أفراد البلاط من ذوي النظرة الثاقبة إنّه كان "يتملّص منها" في السر.
في يناير/كانون الثاني عام 1536، أجهضت آن للمرة الثالثة. ورغم أنّها كانت في الأسبوع الـ14، لكن الشائعات قالت إنّ المعتنين بها تنبّأوا أنّ الطفل الذي تحمله كان "ذكراً". وبالنسبة لهنري كانت تلك هي القشّة التي قصمت ظهر البعير: إذ كان يائساً للتحرُّر من أغلال زواجه. ولكن هل ابتكر وسيلةً لفعل ذلك، أم هل ترك الأمر لـ"مُنظّف جرائمه" وزيره توماس كرومويل؟
كانت لكرومويل دوافعه القوية الشخصية للتخلُّص من آن. فرغم تحالفهما في البداية، لكنّهما تحوّلا إلى أعداء بحلول عام 1536، وكانت آن واضحةً في أنّها ترغب في رؤية رأسه مفصولاً عن جسده. وربما اضطر لقطع رقبتها حتى لا تقطع هي رقبته.
قاد كرومويل التحقيق في حياة آن الخاصة وجمع "أدلةً" على سفاحها مع خمسة رجال -من بينهم شقيقها جورج!-، فضلاً عن مُخطّطٍ لاغتيال الملك نفسه. كما كان دوره محورياً في الإعداد لمحاكمة آن، التي عُقِدَت داخل برج لندن في الـ15 من مايو/أيار، وكان مُتحاملاً ضدها للغاية بدرجةٍ جعلت حكم إدانتها أمراً مفروغاً منه.
وبحسب السفير الإمبراطوري يوستاس شابويس، تفاخر كرومويل بأنّه "خطّط ونفّذ العملية برمتها". ولكن هل كان يتصرّف بأوامر من هنري، أم هل كان الملك يُفكّر في شيءٍ أقل تشدُّداً -مثل فسخ الزواج مثلاً؟
هناك احتماليةٌ أخرى بالطبع تقول إنّ آن مذنبةٌ فعلاً بتُهم الزنا وسفاح القربى والخيانة. إذ لا خلاف على أنّها اشتهرت بالمغازلة، وعشقت إحاطة نفسها برجال البلاط المُتيمين بها. وكانت صداقتها بهنري نوريس مقرّبة على نحوٍ خاص، لدرجة أنّها زلّت بلسانها ذات مرة وقالت إنّه "يتطلّع لملء حذاء الملك بعد وفاته"، أي يأمل أن يموت الملك حتى يتزوجها هو بعبارةٍ أخرى.
لكنّ غالبية تُهم الزنا دُحِضَت بشكلٍ مُقنع، ويبدو من المستبعد أن تُخاطر داهيةٌ سياسية مثل آن بكل شيء مقابل علاقةٍ طائشة (أو حتّى عدة علاقات طائشة).
وفيما يتعلّق بسؤال ماذا -أو من- كان وراء سقوط آن في الحقيقة، فالحقيقة هي أنّ ذلك السؤال ظل موطن جدل كبير بين المؤرخين منذ ذلك الحين. ولكنّنا لا نعرف الإجابة على الأرجح طالما لم تظهر أدلةٌ جديدة. وربما لهذا السبب لا نزال مبهورين بقصتها بعد مضي نحو 500 عام على وفاتها.
ما هي الكارثة التي أصابت حملة فرانكلين؟
اختار أندرو لامبرت وهو أستاذ التاريخ البحري في كلية الملك بلندن الحديث عن حملة فرانكلين. ففي عام 1845 أبحرت اثنتان من سفن الحرب البريطانية، وعلى متنهما 129 ضابطاً ورجلاً بقيادة القبطان السير جون فرانكلين في اتّجاه القطب الشمالي الكندي.
يُفترض عموماً أنّهم حاولوا اجتياز الممر الشمالي-الغربي الذي يربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهادئ، لكنّ مهمتهم في الواقع كانت الوصول إلى القطب المغناطيسي الشمالي وإجراء سلسلةٍ من الملاحظات المغناطيسية الشتوية ضمن مشروعٍ بحثي عالمي.
بلغت سُفن الحرب وجهتها في سبتمبر/أيلول عام 1846. لكنّ ثلاثةً من الرجال فقدوا أرواحهم إبان الرحلة، وتُشير التشريحات المُعاصرة إلى أنّ السل كان سبب الوفاة، ومات المزيد منهم خلال الأشهر الـ18 اللاحقة ومن بينهم فرانكلين، والأمر العجيب كان عدم تحديد سبب للوفاة. وفي أبريل/نيسان عام 1848 هجر من تبقى من الطواقم سفنهم، التي علقت وسط الجليد السميك قبالة شواطئ جزيرة الملك وليام في أرخبيل القطب الشمالي الكندي.
والسجلّ المكتوب الوحيد الذي نجا من الحملة كان عبارةً عن ملاحظة مُقتضبة تُوضّح نية الناجين بلوغ نهر باك -على بُعد 1,600 كم. لكن محدودية الإمدادات الغذائية، وعجزهم عن الصيد وسط شُحّ الموارد الذي واجهوه طوال الرحلة، ودرجات الحرارة الأقل من الصفر، والتضاريس شديدة الوعورة تضافرت معاً لتُحوّل مسيرتهم اليائسة إلى حالةٍ واسعة النطاق من أكل لحوم البشر في موقعين منفصلين. هلكت الحملة عن بكرة أبيها قبل أن تقطع نصف المسافة في اتّجاه برّ الأمان.
شهد العقد التالي إرسال 13 مهمة بحث وإنقاذ من بريطانيا وأمريكا، وفي عام 1859 بلغت حملة زلاجات أخيراً جزيرة الملك وليام حيث عُثِرَ على رسالة الضباط الأخيرة، بالإضافة إلى قارب يحوي هياكل عظمية غير كاملة. ورغم الأدلة الواضحة، أُخفِيَت حقيقة أكل الطاقم للحوم البشر، وأُقيم نصبٌ تذكاري في لندن للاحتفاء بـ"اكتشاف" فرانكلين للممر الشمالي الغربي.
ولم يعترض أحدٌ تقريباً على الرواية الرسمية لحملة فرانكلين حتى قبل ست سنوات، حين حدّد علماء الآثار الكنديون موقع بقايا السفينتين وزاروه.
ورغم اكتشاف الحطامين فإنّ سبب التخلّي عن السُفن لا يزال لغزاً -ناهيك عن سبب موت الكثير من الرجال قبل قرار الناجين بالعودة إلى نهر باك. ومن المستبعد أن تنجو أوراق الحملة، التي قد تحمل حلّ الأحجية، بعد قضاء 170 عاماً تحت الماء. وربما سيظل هذا اللغز بلا حلٍ للأبد، مع فقدان أسرار الطاقم في المياه الجليدية.