طُمست هويتها وتهدم بعضها وأُحرق.. مساجد تحولت إلى كنائس على مر التاريخ

تحويل دور العبادة من دين إلى آخر أمر مارسته الأديان على مر الأزمان على السواء، إذ توجد مساجد تحولت إلى كنائس والعكس صحيح، ولعل أجدد هذه الصروح الدينية القرار التركي المرتقب بشأن إعادة فتح "آيا صوفيا" كمسجد.

عربي بوست
تم النشر: 2020/07/01 الساعة 20:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/02 الساعة 11:44 بتوقيت غرينتش
مسجد قرطبة/ istock

تحويل دور العبادة من دين إلى آخر، أمر مارسته الأديان على مر الأزمان على السواء، إذ توجد مساجد تحولت إلى كنائس والعكس صحيح، ولعل أجدد هذه الصروح الدينية القرار التركي المرتقب بشأن إعادة فتح "آيا صوفيا" كمسجد.

وكان السلطان العثماني محمد الفاتح حول كنيسة "آيا صوفيا" إلى مسجد إبان فتح القسطنطينية سنة 1453، قبل أن تتحول إلى متحف سنة 1934 في عهد الدولة التركية الحديثة.

بالعودة إلى تحويل دور العبادة من دين إلى آخر، نستعرض فيما يلي، بعض المساجد التي تحولت إلى كنائس بعدما بناها المسلمون.

قصر الحمراء
يتميز القصر بباحاته وبروجه ونوافيره وزخرفاته التي ضمت قصائد شعرية على الجدران والعواميد/ istock

مسجد قصر الحمراء في غرناطة يصبح كنيسة سانتا ماريا

على أطراف جنوب مدينة مدريد، يقع مسجد قصر الحمراء، الذي يعد من ضمن قائمة كنوز إسبانيا الـ12 وأحد أبدع الآثار الإسلامية حتى اليوم. 

شيده الملك أبو عبدالله محمد الأول بن الأحمر في مملكة غرناطة خلال النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي على قمة تلة السبيكة، وعلى الجانب الأيسر من نهر دارو أمام أحياء البيسين والقصبة.

ويعد موقع القصر استراتيجياً، حيث يطل على جميع أنحاء المدينة ومرج لا فيغا، وكان يعد حصناً ومدينة صغيرة تضم نحو 5 آلاف شخص.

استغرق بناؤه أكثر من 150 عاماً، وفق تنظيمات هندسية مميزة ودقيقة وحافلة بالعناصر الزخرفية الرقيقة والدقيقة، وكتابات الآيات القرآنية وبعض المدائح في الرسول محمد.

يتميز القصر بباحاته وبروجه ونوافيره وزخرفاته التي ضمت قصائد شعرية على الجدران والعواميد، الشاهدة حتى يومنا هذا على عصر الأندلس الذهبي.

وهناك خلاف بشأن سبب تسمية هذا المَعلم الإسلامي البارز باسم قصر الحمراء، فهناك من يرى أنه مشتق من بني الأحمر، وهم بنو نصر الذين كانوا يحكمون غرناطة بين عامي 629-897 هـ/ 1232-1492م، بينما يرى آخرون أن التسمية تعود إلى التربة الحمراء التي يمتاز بها التل الذي تم تشييده عليها.

وعلى أنقاض المسجد داخل القصر، أُنشئت كنيسة سانتا ماريا، وهو ما يفسر قرب مكانها من الحمامات التي كانت مخصصة للوضوء، والمئذنة العالية المفتوحة للنداء إلى الصلاة.

مسجد قرطبة: مجمع المسجد وكاتدرائية مريم

مسجد قرطبة
في الوقت الذي هُدمت فيه الكثير من المساجد، بقي مسجد قرطبة على حاله، بسبب تصميمه المعماري الفريد، وعوضاً عن إسقاطه بُنيت وسطه الكاتدرائية/ istock

خلال العهد الأندلسي وتحديداً في عام 784، بدأ أمير قرطبة عبدالرحمن الأول، في بناء مسجد قرطبة الكبير، الذي استمر تطويره قرابة قرنين ونصف القرن من الزمان.

إذ أكمل عملية البناء الأمير عبدالرحمن الثالث، الذي وسع المسجد وزيَّنه وأضاف إليه مئذنة خلال عام 961م.

كما اشترى من بعض المسيحيين أراضي مجاورة للمسجد؛ من أجل إكمال التوسيعات، واعتُبر حينها مسجد قرطبة واحداً من أفخم وأكبر مساجد الدولة في مدينة قرطبة، والتي كان يبلغ عددها ألفاً.

وحينما سقط الحكم الأندلسي خلال عام 1236 على يد ملك قشتالة فرديناند الثالث، تحول المسجد إلى كاتدرائية مريم العذراء، وذلك على غرار مئات المساجد في الأندلس.

وفي الوقت الذي هُدمت فيه الكثير من المساجد، بقي مسجد قرطبة على حاله، بسبب تصميمه المعماري الفريد، وعوضاً عن إسقاطه بُنيت وسطه الكاتدرائية.

وفي عام 2006 مسحت كاتدرائية قرطبة اسم المسجد من المواقع الإلكترونية ومن النشرات المطبوعة ومن الدليل السياحي، وذلك من أجل ترسيخ الهوية المسيحية للموقع.

وقبلها في ثمانينيات القرن الماضي، سلّم عمدة قرطبة خوليو أنغويتا، الملقب بالخليفة الأحمر، مفاتيح مسجد يعود لعام 976 إلى الجمعية الإسلامية في عام 1981، وسمح للمسلمين برفع الأذان لأول مرة وأداء صلاة العيد، وذلك بعد عامين من إقرار البرلمان الإسباني لقانون الحريات الدينية عام 1979.

انتقدت الكنيسة والصحافة الإسبانية خطوة "الخليفة الأحمر"؛ وهو الأمر الذي أدى إلى إلغاء القرار، مع تشديد أنغويتا على أن هذا الموقع يعد من الموروثات التاريخية العالمية، بحسب اليونيسكو. وانخرط أنغويتا في مواجهة مع أساقفة المدينة، ليتبين بعد وفاته في مايو/أيار 2020، أنه اعتنق الإسلام سراً، وكان يحاول حماية حقوق الأقليات في قرطبة والتصدي لمحاولات طمس هويات الموروثات الدينية بالمدينة.

بعد كثير من المناشدات والمطالبات، وافقت السلطات الإسبانية على إعادة تسمية المَعلم باسم "مجمع المسجد والكاتدرائية والنصب"، لتعود إليه هويته الإسلامية جنباً إلى جنب مع المسيحية.

مسجد باب المردوم في طليطلة

يقع المسجد في حي سان نيكولاس القديم بمدينة طليطلة في الأندلس، وبُني في العهد الأموي؛ وتحديداً عام 999.

ويعد المسجد من أجمل شواهد الفن الأموي في الأندلس ومصدر وحي للفن المدجن الذي كانت طليطلة موطنه الأصلي.

وبعد استيلاء ألفونسو السادس على المدينة في سنة 1085، منح المسجد لفرسان القديس يوحنا، ثم تم تحويله إلى كنيسة نور المسيح، ثم تحول إلى مزار سياحي اسمه مسجد نور المسيح أو Mezquita Cristo de la Luz.

وعلى الواجهة الغربية للمسجد، عُثر على نقش كُتب فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم.. أقام هذا المسجد أحمد بن حديدي من ماله، ابتغاء ثواب الله، فتم بعون الله على يد موسى بن علي البناء وسعادة فتم في المحرم سنة تسعين وثلاث مئة".

ومسجد باب المردوم مسجد صغير لا يزيد طول ضلعه على 8 أمتار على شكل مربع.

وعندما تم تحويله إلى كنيسة، بُني جدار مستدير؛ لإضافة ما يحتاجه مصلب الكنيسة ومذبحها من غرف صغيرة.

وكانت للمسجد قبة صغيرة تقوم على 4 أعمدة ضخمة في وسطه، وقد أُزيلت القبة، ولكن أجزاء السقف حولها مزيَّنة بدعامات من الحجر المتقاطع، لتدل على أن قبته كانت تشبه في هيئتها القباب الصغيرة بجامع قرطبة.

جامع كتشاوة في الجزائر

يعد هذا الجامع من أشهر المساجد التاريخية في العاصمة الجزائر.

بُني عام 1792 في العهد العثماني، وهو تحفة معمارية تركية فريدة من نوعها.

سُمي بكتشاوة نسبة إلى السوق التي كانت تقام في الساحة المجاورة، وكان الأتراك يطلقون عليها اسم: سوق الماعز، حيث إن كلمة كتشاوة بالتركية تعني: عنزة.

وخلال الاحتلال الفرنسي، حوّله الدوق دو روفيغو إلى كنيسة تحت إمرة قائد الحملة الفرنسية دي بولينياك.

فأخرج جميع المصاحف إلى ساحة الماعز، التي حملت لاحقاً اسم ساحة الشهداء، وأحرقها عن بكرة أبيها.

ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، إذ عمد إلى قتل 4 آلاف مسلم اعتصموا في المسجد؛ اعتراضاً على قرار تحويله إلى كنيسة، ثم حوّل الجامع إلى إسطبل للخيول بعدما قال جملته الشهيرة "يلزمني أجمل مسجد في المدينة لنجعل منه معبداً لإله المسيحيين".

تم هدم المسجد وبُنيت فوقه كاتدرائية سانت فيليب، ليصلي فيها الفرنسيون أول صلاة، ليلة عيد الميلاد في العام 1832.

وبعد الاستقلال مباشرةً عام 1962، استرجع الجزائريون المسجد.

مسجد عمرو بن العاص.. تحوَّل لكنيسة أكثر من مرة

هو ثاني مسجد في مصر وأشهر مساجد دمياط. أنشأه المسلمون بعد فتح المدينة عام 642 على طراز جامع عمرو بن العاص بالفسطاط.

يحتوي على كتابات كوفية وأعمدة يعود تاريخها للعصر الروماني، وأنشأه الصحابي المقداد بن الأسود في عهد عمرو بن العاص.

في عام 1219، استولى ملك بيت المقدس، جان دي بريين، على دمياط وأمر بتحويل هذا المسجد إلى كنيسة.

ولكن عندما خرج الصليبيون من المدينة عام 1221، عاد المسجد لحالته الأولى.

ومجدداً في عام 1249، وحينما دخل ملك فرنسا لويس التاسع دمياط، أمر بجعل المسجد كاتدرائية ليقيم فيها حفلات دينية شهدت حضور نائب بابا روما وتعميد طفله.

وعندما أصدر أمراء المماليك لاحقاً قراراً بتخريب دمياط، أبقوا على هذا المسجد الذي عانى ارتفاع منسوب المياه.

وتمت إعاده افتتاح المسجد أمام المصلين في يوم الجمعة 8 مايو/أيار 2009، الذي يوافق عيد دمياط القومي لمناسبة انتصار شعب دمياط على الحملة الصليبية بقيادة ملك فرنسا لويس التاسع.

جامع إشبيلية

تم تشييد الجامع إبان خلافة الموحدين في عهد الخليفة أبي يعقوب يوسف بن عبدالمؤمن، الذي أمر ببدء أعمال البناء به، وأكمله ابنه أبو يوسف يعقوب.

استمرَت عملية بناء جامع إشبيلية الكبير 10 سنوات كاملة، وافتُتح بتاريخ 14 أبريل/نيسان 1182، وكان آية في الجمال العمراني الذي يعكس الفن الإسلامي بتلك الحقبة.

ثم شُيِّدت المئذنة بعد النصر بموقعة الأرك، في 10 يوليو/تموز عام 1195م/591هـ، لتكون حسب طلب الخليفة أعلى من مئذنة جامع قرطبة.

عقب سقوط إشبيلية بيد ملك قشتالة فرناندو الثاني، تم تحويل الجامع إلى كنيسة ماريا، وظلَ محافظاً على شكله القديم، وأقيمت به عدة مصليات منها المصلى الملكي.

بعد ذلك تلاحقت المصائب عليه إثر عدة زلازل ضربت المنطقة، فاتخذ المجلس الكنسي بإشبيلية قراراً بهدمه وبناء كاتدرائية قرطبة مكانه.

وبالفعل تم هدم عدة أجزاء منه، فيما حافظ بهو الجامع المعروف ببهو البرتقال على سلامته بشكل كبير، حتى تهدَّمت مجنبته الغربية عام 1618.

في عام 2006 كشفت نتائج بحث قام به فريق من جامعة غرناطة حول عظام الشخص المدفون في كاتدرائية سيفييا (الاسم الحالي لجامع إشبيلية الكبير)، أنها تعود إلى كريستوفر كولومبوس، الذي عاش من عام 1451 حتى عام 1506.

وتعد كاتدرائية إشبيلية حالياً كبرى كاتدرائيات القرون الوسطى، وقد اختيرت سنة 2007 لتكون هي الأخرى واحدة من كنوز إسبانيا الاثني عشر.

تحميل المزيد