أثار مقتل جورج فلويد، وهو رجل أسود البشرة يبلغ من العمر 46 عاماً على يد أحد أفراد الشرطة الأمريكية عندما حاول توقيفه، مظاهرات كبيرة في عدة ولايات تخللها أعمال شغب كبيرة.
ودفعت أعمال الشغب هذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهديد المتظاهرين بنشر الحرس الوطني في الشوارع لإنهاء ما وصفها بحالة العنف في البلاد، كما كان حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز وقّع بالفعل أمراً تنفيذياً يسمح بتدخل الجيش الوطني في شوارع ولايته.
فما هو الحرس الوطني الأمريكي، وبماذا يختلف عن الجيش، وكم مرة نُشر فيها في شوارع أمريكا، ولماذا؟
ما قوات الحرس الوطني الأمريكي؟
تم إنشاء الحرس الوطني الأمريكي في عام 1824، بعد استقلال الولايات المتحدة، من خلال ميليشيات في جميع أنحاء الولايات، وفي عام 1916 أصدر الكونغرس قانون الدفاع الوطني، الذي نص على ضم كافة هذه الميليشيات تحت مسمى الحرس الوطني، والسماح للولايات بأن يكون لها حرس وطني خاص بها ويعمل حاكم الولاية كقائد عام لها.
أما الحرس الوطني بشكله الحالي فقد ظهر عام 1933، حيث قرر الكونغرس التمييز بين الحرس الوطني والميليشيات.
وفي عام 1947، نال هذا الجهاز استقلاله عن الجيش، وأصبح كفرع مستقل للقوات المسلحة الأمريكية.
ويعتبر الحرس الوطني قوةً عسكرية احتياطية للجيش الأمريكي تتكون من فصيلين: الأول يتبع القوات البرية، والآخر يتبع القوات الجوية، ويبلغ عددهم نصف القوات الأمريكية، وعدتهم تساوي ثلث ما يملك الجيش، وفقاً لموقع يورو نيوز.
ويمكن تعبئة هذه القوات ونشرها في الشوارع من قبل الرئيس الأمريكي لمساعدة القوات المسلحة في البلاد.
ويشغل جنود الحراسة وظائف مدنية ويعيشون في منازلهم، ولديهم التزام بالتدريبات في نهاية أسبوع واحد في الشهر، ويطلب منهم حضور تدريب لمدة أسبوعين كل عام.
بماذا يختلف الحرس الوطني عن الجيش؟
يقوم الحرس الوطني بدور مزدوج، فهو معظم الوقت تحت سيطرة الولايات الفردية، حيث يتصرف حاكم الولاية كقائد عام لها، ومع ذلك يمكن للرئيس استدعاء الحرس الوطني ووضعه تحت سيطرة اتحادية.
وعندما يحدث ذلك، يتم استخدام وحدات الحرس لتكملة القوات المسلحة للبلاد، وتعزيز قواته بوحدات قتالية إضافية.
ويتم طلبهم في حالات الطوارئ المحلية، كالحالات المتعلقة بالكوارث الطبيعية والأزمات، والاضطرابات المدنية أو الهجمات الإرهابية، كما يمكن استخدام قوات الحرس للحصول على تفاصيل أمنية على الحدود والمطارات، وحلقة الوصل بين الحاكم والقوات هو الجنرال المساعد للولاية، ويفسّر أوامر الحاكم إلى قرارات تكتيكية محددة.
ويمكن دمج قوات الحرس مع الجيش خارج البلاد، ففي الحرب العالمية الأولى، جاء 40% من جميع القوات القتالية الأمريكية من وحدات الحرس الوطني.
وفي عام 2005، كانت هذه النسبة نفسها تنطبق على القوات الأمريكية في العراق، وواحد من كل ستة جنود أمريكيين قتلوا في العراق كان من وحدة الحرس الوطني.
المرات التي نزل بها الحرس الوطني إلى الشارع
في السنوات السابقة وحتى بداية أزمة كورونا، كانت مهمة الحرس الوطني تنحصر في تقديم المساعدات للمواطنين، والأعمال الإنسانية، فقد استعان ترامب بهم في شهر مارس/آذار 2020 لمواجهة تفشي كورونا وإيصال الإمدادات الطبية إلى الولايات المتأثرة بالجائحة.
بينما استدعاء الحرس الوطني لفضّ أعمال شغب أمرٌ نادر الحدوث، وقد حصل مرات عدّة فقط في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، آخرها كان في عام 1992 عندما تم استدعاؤه لفضّ أعمال شغب كبيرة اندلعت بولاية لوس أنجلوس الأمريكية.
1957: حماية أطفال سُود في مدرسة ثانوية بولاية أركناس
كانت المرة الأولى التي سُمح فيها للحرس الوطني بالنزول إلى الشارع في 23 سبتمبر/أيلول 1957 عندما وقّع الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور أمراً تنفيذياً بإرسال القوات لحفظ السلام بعد دمج طلاب بيض وسود في مدرسة ثانوية في ليتل روك بولاية أركناس.
والسبب وراء إرسالهم هو دعوة حاكم ولاية أركنساس أورفال فوبوس لمنع الطلاب السود من دخول المدرسة، إذ طالما كانت العنصريّة موجودة في الولايات المتّحدة منذ الحقبة الاستعمارية، فقد أُعطي الأمريكيّون البيض امتيازاتاً وحقوقاً انحصرت بهم فقط دوناً عن كلّ الأعراق الأخرى، مُنح الأمريكيون الأوروبيّون (خاصّة البروتستانت الأنجلوسكسونيون البيض الأغنياء) امتيازات حصريّة في مسائل التّعليم والهجرة وحقوق التّصويت والمواطنة وحيازة الأراضي والإجراءات الجنائيّة طوال التّاريخ الأمريكي.
1962: محاولة منع طالب أسود من التسجيل في جامعة ميسيسيبي
في 30 سبتمبر/أيلول 1962 اندلعت أعمال شغب في حرم جامعة ميسيسيبي في أكسفورد لمنع طالب أسود يُدعى جيمس ميريديث من التسجيل بالجامعة التي يتكون جميع طلابها من البيض.
وعلى الرغم من وجود أكثر من 120 مراقباً فيدرالياً في الجامعة من أجل حمايته فإن الحشود المعارضة اختارت العنف وتسببت الاحتجاجات بمقتل شخصين وإصابة العشرات، الأمر الذي ادى إلى نزول قوات الحرس الوطني لحفظ الأمن.
إلا أن ذلك لم يمنع ميريديث في النهاية من التسجيل ليصبح أول طالب أسود يتخرج في جامعة ميسيسيبي.
1963: تحقيق الاندماج في جامعة آلاباما
في 16 مايو/أيار 1963 أمرت محكمة فيدرالية جامعة آلاباما بقبول طالبين أمريكيين من أصل إفريقي، إلا أن حاكم ولاية آلاباما جورج والاس وعد بحملة لمنع الاندماج بين البيض والسود حتى لو كان عليه أن يقف على باب الجامعة فقام بمنع دخول الطلاب مؤقتاً.
في نهاية المطاف وقع الرئيس جون كينيدي أمراً يقضي بإرسال الحرس الوطني إلى آلاباما لمنع وقوع أعمال شغب.
1967: فضّ أعمال شغب في ديترويت
اشتعلت أعمال شغب كبيرة في ولاية ديترويت الأمريكية في عام 1967 عندما قامت الشرطة باعتقال عددٍ من الأشخاص السود الذين كانوا يحتفلون في أحد النوادي الليلية.
فأدى هذا العمل إلى اندلاع أعمال شغب في عموم الولاية ومقتل 43 شخصاً، الأمر الذي استدعى قوات الحرس الوطني للنزول إلى الشوارع.
1968: أعمال شغب في عدة ولايات أمريكية بعد اغتيال مارتن لوثر كينغ جونيور
في عام 1968 تم اغتيال القسّ مارتن لوثر كينغ، الابن، في ولاية ممفيس، الأمر الذي أدى إلى وقوع أعمال شغب كبيرة وعمليات نهب للمحال في عدة ولايات أمريكية لا سيما واشنطن وشيكاغو توفي خلالها عدة أشخاص، فتم استدعاء الحرس الوطني لإيقاف أعمال الشغب والاحتجاجات، ووفقاً لصحيفة واشنطن بوست فقد كان هذا الانتشار للحرس الوطني هو الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة.
إذ كان كينغ الذي اندلعت الاحتجاجات لأجله من أهم الشخصيات التي ناضلت في سبيل الحرية وحقوق الإنسان وقضى حياته في المطالبة بإنهاء التمييز العنصري ضد السّود كما حصل على جائزة نوبل للسلام، وكان أصغر شخص يحوز عليها.
أسس لوثر زعامة المسيحية الجنوبية، وهي حركة هدفت إلى الحصول على الحقوق المدنية للأفارقة الأمريكيين في المساواة، وراح ضحية قضيته.
1989: عمليات نهب بعد إعصار ضرب جزيرة سانت كروا
تسبب إعصار ضرب جزيرة سانت كروا في عام 1989 بخسائر كبيرة وتدمير عدد كبيرة من المنازل، لتندلع بعدها عمليات النهب.
فقام الرئيس جورج بوش الأب بنشر 1,100 جندي من الحرس الوطني لإعادة الاستقرار.
1992: احتجاجات لوس أنجلوس بسبب قتل الشرطة لرجل أسود
أثار فيديو لمصور هاوٍ احتجاجات كبيرة في ولاية لوس أنجلوس الأمريكية قُتل خلالها أكثر من 60 شخصاً وأصيب المئات بجروح.
واحتوى هذا الفيديو على مقطع يظهر عناصر من قوات شرطة لوس أنجلوس تقوم بضرب شخص من أصل إفريقي يدعى رودني كينغ، فحظي الفيديو باهتمام إعلامي هائل ساهم باندلاع أعمال شغب كبيرة، لكن المحاكم الأمريكية برّأت عناصر الشرطة المتورطين.
لتندلع أعمال الشغب التي تخللتها عمليات نهب وحرق استمرت قرابة 6 أيام إلى حين تدخل الحرس الوطني لضبط الأمور.