كيف فضح مسلسل ممالك النار تلاعب الأنظمة المصرية بالتاريخ؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/12/11 الساعة 15:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/11 الساعة 15:59 بتوقيت غرينتش
مسلسل ممالك النار

يقودنا الجدل الدائر حول مسلسل "ممالك النار" إلى عديد من المواضيع الشائكة، التي تبدأ من القومية المصرية، والاحتلال أو الفتح العثماني (حسب موقعك في هذا الجدل)، وعدل المماليك، وشجاعة طومان باي، ولا تنتهي عند حديث البعض عن وحشية سليم الأول. 

في عام 1985، أنتجت مصر مسلسل "علي الزيبق"، من بطولة الفنان فاروق الفيشاوي إضافة إلى حمدي أحمد، وأبو بكر عزت، وصلاح قابيل، ومجموعة من كبار الفنانين المصريين في ذلك الوقت، وبإنتاج ضخم ضمِن انتشاراً واسعاً للمسلسل في جميع أنحاء العالم العربي. كان ذلك في زمن كان صوت الدراما المصرية فيه يعلو ولا يُعلى عليه، وكان العرب من الخليج إلى المحيط، يصطفون أمام الشاشات لمتابعة المسلسلات المصرية. 

الحقيقة أن مسلسل "عليّ الزيبق" على خلاف وخصومة مع مسلسل "ممالك النار"، والتناقض بينهما يوضح حجم العبث والتدخل الذي تمارسه الأنظمة المصرية المتعاقبة في التاريخ.

مسلسل علي الزيبق

وإليكم بعض ملامح وتفاصيل هذا العمل: 

. تدور القصة وأحداثها في عهد المماليك، ويُقتل والد بطل العمل (فاروق الفيشاوي) على يد أعدائه من المماليك، وهم المقدم دليلة والمقدم سنقر الكلبي. 

. يستبد المماليك بحكم القاهرة، ويعيثون فيها الفساد، وينكّلون بالمصريين، ويقتلون الفارس المصري (حسن رأس الغول)، قائد الشرطة الذي كان يسعى إلى إقامة العدل. 

. يبدأ بطل المسلسل في مواجهة ظلم المماليك، والانتقام منهم عبر مجموعة من الحيل والألاعيب. 

. النقطة الفاصلة والعجيبة في هذا المسلسل، تجميله صورة الأتراك، والخلافة العثمانية، حيث يتولى سلطان جديدٌ الخلافة، ويحاول إحلال العدل فى بلاد المسلمين. كما تفيد تقارير استخبارات الدولة العثمانية بوجود مؤامرة كبرى على دولة الإسلام وتحديداً مصر، فيرسل السلطان شقيقه -وهو رجل عادل شهم- والياً على مصر!

وإذا كنت تتعجب لماذا تم تجميل صورة الخلافة العثمانية بهذه الصورة، فاعلم أن: 

. من ضمن سيناريو المسلسل، أن قاضي مصر هو قائد عملاء (الفرس المجوس)، الذين يريدون القضاء على دولة الإسلام العثمانية، وتكون خط بداية المعركة من مصر، وأن دليلة هى كبيرة المخططين لأنها تبطن المجوسية، وتُظهر الإسلام وحاقدة عليه، ومركز تجمُّع المجوس الخونه هو الجبال. 

. وسبب هذه الرواية في العمل المصري، الذي أُنتج عام 1985، أن العالَم العربي كان يخشى من تصدير الثورة الإيرانية، لذلك ستجد هذه المصطلحات (الفرس – المجوس – عبَدة النار – أعداء الإسلام).

. كما يرِد في ذلك السياق الدرامي، أن الفرس (والمقصود إيران)، يخططون لإعادة إحياء إمبراطوريتهم على حساب الدولة العثمانية، وقد عيَّنوا لهم إمبراطوراً جديداً يدعى (شايفين)، يقبع على حدود الدولة الإسلامية، ويتوعد بإبادة المسلمين، وينشئ جيشاً عظيماً للهجوم على البلاد والقضاء على السلطان العثماني.

. لكن المخابرات العثمانية (الصديقة) أرسلت إلى مصر بأبعاد المؤامرة، وكانت سبباً مباشراً في كشفها، والقضاء على الفرس، وأعوانهم من المماليك.

الأعجب أن المسلسل في حلقته الأخيرة يُظهر أن الجيش العثمانى يستعد لخوض المعركة ضد المجوس، بعد أن توحدت أراضي الدولة كافة تحت راية الإسلام، والسلطان. 

وبمناسبة المماليك، في عام 2010، قدّم الفنان يحيى الفخراني مسلسل "شيخ العرب همام"، الذي يقدم سيرة ذاتية لشيخ العرب همام بن يوسف بن أحمد، زعيم قبيلة هوارة، الذي حكم الصعيد عام 1769، من مدينة فرشوط بمحافظة قنا، ودارت بينه وبين المماليك معارك فاصلة.

يتناول المسلسل المماليك باعتبارهم أعداء للمصريين، ويصفهم بكلمات مثل (عديمي الأصل والخونة)، وصوّرهم كمجموعات من المتآمرين، الذين يقتل بعضهم بعضاً، ويسبون النساء، وليست لهم ذمة، ولا عهد، ولا كلمة، خاصة علي بك الكبير!

وعلى النسق نفسه ستجد كثيراً من الأعمال التي تتلاعب بالهوية، والتاريخ لحساب النظام القائم، تارة يحاربون المماليك، وتارة الأتراك العثمانيين، وتارة إيران، وتارة الإسلاميين.

وفي النهاية تركيا الحديثة الحالية، ليست الدولة العثمانية. وأردوغان ليس السلطان؛ بل رئيس جمهورية، والسيسي ليس طومان باي، والنظام المصري الحالي لا يمثل الهوية الوطنية، بل العكس غارق في الفساد، والاستبداد والخيانة، وإن المصريين، بلا شك، يعيشون أسوأ فترة على مر التاريخ، في ظل الحكم العسكري، وإن الجرائم التي ارتكبها النظام العسكري بقيادة السيسي لا تقارَن بكل مساوئ العهود السابقة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد يحيى
صحفي وباحث
صحفي وباحث
تحميل المزيد