التقدم العلمي والتقني هو أحد أهم ما يميز الشعوب، ويساهم في بناء حضارة متفوقة ومتميزة في شبابها ومجتمعها، بداية يجب أن نعلم أن أساس التقدم العلمي هو الإنسان بنفسه، وأن أي عمل يقوم به ويطوره لن يفوق القدرة البشرية مهما حاول العلماء تطوير الذكاء الاصطناعي، لأن قدرة المعالجة لدى البشر والعقل البشري هي ميزة للإنسان وحده، ولكن لا بد من التعلم والاستلهام من الطبيعة والحيوانات لكي يتطور الإنسان، فهذه هي سنة الحياة.
يستطيع أي عاقل التنبه لهذا الأمر والسعي لتطوير نفسه، فقدرة العقل البشري في الاستيعاب والتحليل والمراجعة وحتى الاسترجاع، من الأمور المتقدمة التي ما زالت من الألغاز المعقدة لدى الأطباء، ومازلنا نحاول فهمها والاستلهام منها.
عند حديثنا عن الذكاء الصناعي فيمكن تعريفه على أنه مجموعة من المعادلات الرياضية المستخدمة في الإحصاء لتخمين نتيجة معينة أو تعلم هدف ما، ويتحمل هذا الأمر أن يكون لـ"الذكاء الاصطناعي" هدف واضح ومحدد مثل الفوز في لعبة الشطرنج، أو هدف واسع مثل فهم الكون أو تعلم اللغة وشرحها. يمكنكم الاطلاع على النماذج الرياضية المستخدمة في تعليم الذكاء الاصطناعي من خلال بحث بسيط في الإنترنت.
لقد تقدمت القدرات التقنية في مجال الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة من خلال النماذج المبنية في محاكاة اللغة الطبيعية، وحتى النماذج المستخدمة في التعرف على الصور وصناعتها، فوصل المستوى لدرجة إمكانية تقديم مقترح وأفكار لصناعة الصور، حيث يستطيع الذكاء الاصطناعي تصميمها ورسمها بالشكل المطلوب.
بجانب الصور في حال تحدثنا عن اللغة فقد أصبح لـ"الذكاء الاصطناعي" المقدرة على الحديث والتخاطب مع البشر من خلال النماذج المتقدمة له، بل وحتى كتابة البرمجيات بكتابة ما هو متوقع، ويقوم البرنامج بكتابة الشفرة المصدرية الخاصة بالأمر وشرحها للمبرمج.
على الرغم من التقدم الكبير في مجال الذكاء الاصطناعي وقدرته على التقدم السريع إلا أن البشر ما زالوا وسيبقون جزءاً كبيراً في تطويره. فعند الاطلاع على أساسيات العلم يستطيع أن يرى الإنسان أن ما قام به الذكاء الاصطناعي ليس إلا تقليداً لما تعلمه أو حتى اطلع عليه، وليس إلا مجموعة من البيانات التي قام بربطها معاً.
الذكاء الاصطناعي ليس إلا برنامجاً
إن الذكاء الاصطناعي ليس إلا برنامجاً يقوم باستخدام النماذج الرياضية والإحصائية للقيام بالعمل الخاص به.
على الرغم من حب البشر للخيال فإنه لا بد من ملاحظة الأسلوب الذي يتم من خلاله الحديث حول الذكاء الصناعي وعلومه، والتأكيد أن الذكاء الاصطناعي ما هو إلا صناعة بشرية فقط، وللتأكيد على ذلك فإن القيام بأي نموذج رياضي متين وصاحب نتائج متقدمة لا بد له أن يقدم له البيانات المتوفرة بكثرة وسلاسة للقيام بهذا النموذج، وهذه النماذج المتوفرة دائماً ما تكون مكتوبة من قبل البشر ويستفيد منها الذكاء الاصطناعي.
بعد أن كشفنا الضبابية عن آلية العمل الخاصة بالذكاء الصناعي يمكننا أن نفهم بشكل أكثر دقة العمل الخاص به وكيفية القيام بهذا.
المستقبل دائماً ما يكون غامضاً لمن يجهل الواقع ولا يتعلم، العلم يعطي المساحة لتوقع المستقبل من خلال المعطيات المتوفرة، أثناء عملية التوقع يجب على الإنسان أن يكون عدلاً ووسطياً، لا متفائلاً بعالم الجنان ولا متشائماً بالجحيم، هذا هو حال المستقبل، وهذا هو الواجب على الإعلام برأيي.
بالنسبة لموضوع الذكاء الاصطناعي فإن المستقبل مرتبط بشكل كبير بالأشخاص والمؤسسات التي تعمل عليه، فهو سلاح ذو حدين يمكن استخدامه بإيجابية لنصرة المستضعفين، ويمكن استخدامه لزيادة المراقبة والتكتيم.
البشر والتعامل مع الذكاء الاصطناعي
سيكون من الممكن للبشر التعاون مع الحاسب للقيام بكتابة البرمجيات والشفرات الخاصة بهم، وسيختلف دور المهندس البرمجي من كتابة البرمجيات، والشفرة المصدرية للتصميم الهيكلي الذي من خلاله يقوم بإعطاء أوامر للحاسب ومن ثم يتم تطبيقه من قبل الحاسب، بل وحتى سنرى هناك المزيد من الوظائف والأعمال المميزة مثل تنقيح البيانات وترتيبها وحتى أنسنة الخوارزميات وتطويرها.
على الرغم من هذا كله فمن خلال كل ثورة علمية ونقلة علمية سيكون هناك الكثير من التغيير في الوضع الراهن وخسارة العديد من الوظائف، ولكن أثر هذا الأمر سيبقى مجهولاً.
ومن الأمثلة التي يمكن طرحها: النقلة النوعية من استخدام لفظ الأحصنة وطاقة الحيوانات على الوسائل البخارية والتصنيع، ضمن تلك الفترة لا بد أن هناك الكثير من الأشخاص ممن فقدوا أعمالهم المعتادة بل وحتى قاموا بتغيير الوسائل التي يعملون من خلالها، ولكن البشرية استطاعت تجاوز تلك المرحلة، بل وحتى وصلت لمرحلة يعتبر فيها ركوب الأحصنة رياضة أكثر من كونها واجباً على الجميع.
التعارض بين الذكاء الاصطناعي والوعي الإنساني
من الطبيعي أن تتضارب الآراء بشأن قدرة الذكاء الاصطناعي القوي على الحلول محل الوعي الإنساني. يرى المعارضون أن الوعي مرتبط بالكائن الإنساني الحي الذي يخضع لنظام بيولوجي شديد التعقيد، تتشابك فيه الأبعاد الجسدية والنفسية والمعنوية والروحية.
يصر عالم الاجتماع البريطاني هاري كولينز (1943)، في كتابه "الخبراء الاصطناعيون.. المعرفة الاجتماعية والآلات الذكية"، على أن الذكاء يتطلب انتساباً عضوياً إلى اجتماع إنساني ناشط.
يرى باحثون آخرون أن الروبوتات التي يقتصر ذكاؤها الاصطناعي على تدبير الرموز الحسابية البسيطة لا تستطيع أن تحل محل الوعي الإنساني الذي لا تخضع عملياته الفكرية والإدراكية والإحساسية لقوانين الفيزياء، وأن القوانين الفيزيائية المعروفة تعجز اليوم عن تفسير ظاهرة الوعي، ذلك لأن النظام الفيزيائي المبني على ثنائية صفر/واحد نظام مقيد بحتمية آلية لا تناسب حيوية الوعي المتفلت من كل معادلة حسابية أو منطق استدلالي معصوم.
ختاماً.. على أي مطلع وحتى على أي إنسان القيام بما يتقنه للوصول لنهضة مستدامة، والسعي لتطوير ذاته دائماً، فبالنهاية يمكننا أن نميز أن الضجة الإعلامية الواسعة حول الذكاء الاصطناعي ليست إلا ضجة إعلامية حول أثره وكيفية العمل عليه ومعرفته، ولكن عند التعمق به ومقارنته بالماضي نكتشف الحقيقة من منظور مختلف بأن الإنسان هو الأصل، ولا يمكن الاستغناء عنه لأنه هو من صنع الذكاء الاصطناعي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.