لا يكاد يمرُّ شهرٌ إلا ويعبّر فيه الملياردير الروسي بافيل دوروف، مؤسّس تطبيق التراسل الفوري تيليجرام Telegram، عن غضبه الشديد من تسلّط شركة آبل الأمريكية على تحديثات تطبيقه وتعطيلها على متجر "آب ستور" App Store.
وفي أحدث تصريحاته، انتقد دوروف شركة آبل بسبب حرمانها مستخدمي تيليجرام من التربح، حتى إنه اتهمها بأنها تسحق أحلام رواد الأعمال؛ وذلك بعدما اضطرّ إلى إلغاء ميزةٍ تساعد مُستخدميه على هواتف آيفون من الربح، بواسطة منشوراتٍ لهم.
وفي منشورٍ عبر حسابه الرسمي على تيليجرام، قال بافيل دوروف إنه اضطر إلى إغلاق المنشورات المدفوعة على الأجهزة التي تعمل بنظام iOS، بعد تلقيه شكوى من شركة آبل. وأضاف: "كان من الرائع أن يتلقى صناع المحتوى المبلغ الكامل تقريباً، لِما دفعه معجبوهم أو مشتركوهم مقابل منشوراتهم".
وقد انتقد مؤسّس تيليجرام إجراء شركة آبل Apple، مشيراً إلى أنه احتكار "يسيء إلى هيمنتها على السوق على حساب ملايين المستخدمين، الذين يحاولون تحقيق الدخل من محتواهم الخاص".
وتابع قائلاً: "لسوء الحظ تلقينا رداً من شركة آبل بأنها غير راضية عن تحقيق صناع المحتوى الربح من جهودهم، من دون أن يدفعوا ضريبة بنسبة 30% للشركة الأمريكية. ولأن الشركة تملك سيطرة كاملة على نظامها البيئي، لم يكن لدينا بديل سوى تعطيل مثل هذه المشاركات المدفوعة على أجهزة iOS".
وكان تطبيق تيليجرام طرح في شهر يونيو/حزيران 2022، ميزات مدفوعة لمستخدميه من خلال اشتراك "بريميوم" Premium بقيمة 5 دولارات شهرياً، ومنها فتح أحجام تحميل ملفات أكبر، وتنزيلات أسرع، والقدرة على متابعة العديد من القنوات.
وفي تصريحٍ سابق، أعلن مؤسّس تطبيق تيليجرام أن التكنولوجيات التي تعتمدها شركة آبل تحوّل مستخدميها إلى "عبيدٍ رقميين". وأوضح أن "امتلاكك لهاتف آيفون يجعلك عبداً رقمياً لآبل، لأنها تسمح باستخدام التطبيقات التي يتم تثبيتها فيما بعد من خلال متجر التطبيقات الخاص بها، ويمكنك استخدام Apple iCloud فقط".
أزمة الرموز التعبيرية في تيليجرام مع شركة آبل
في أغسطس/آب الماضي، أوقفت شركة آبل آخر تحديثٍ لتيليجرام بعد يومٍ واحد فقط من تصريح الرئيس التنفيذي ومؤسّس التطبيق بافيل دوروف، حول أن التحديث كان قيد مراجعة تطبيق Apple لمدة أسبوعين من دون تفسير.
وقال دوروف إن التحديث مليء بالميزات المتعلقة بالرموز التعبيرية، ولكن هناك واحدة مفقودة، لأن Apple طلبت إزالتها على وجه التحديد.
وبحسب ما نشره موقع The Verge، المتخصص في أخبار التكنولوجيا، فإن دوروف كتب عبر قناته على Telegram: "طالبتنا شركة آبل بتقليل تحديث تيليجرام المعلق لدينا عن طريق إزالة Telemoji، إصدارات الرسوم المتحركة المتجهية عالية الجودة من الرموز التعبيرية القياسية".
وأضاف: "هذه خطوة محيّرة من آبل، لأن Telemoji كان سيضيف بُعداً جديداً بالكامل إلى الرموز التعبيرية الثابتة منخفضة الدقة، وكان سيُثري نظامها البيئي بشكلٍ كبير".
وتقدّم Telegram 10 حزم مخصصة مع أكثر من 500 رمزٍ تعبيري، يُمكن للمستخدمين الذين اشتركوا فيها مجاناً رؤية الرموز التعبيرية المتحركة واستخدامها في رسائلهم المحفوظة.
وقد حُمّل التحديث مع تحسينات أخرى جديدة للرموز التعبيرية، يُمكن لمستخدميها الذين اشتركوا في خدمة تيليجرام المميزة -التي أُطلقت مؤخراً- وتبلغ تكلفتها 4.99 دولارا، من تحميل واستخدام الرموز التعبيرية المخصصة في الدردشات مع الأصدقاء.
قامت تيليجرام أيضاً بتحديث لوحة الملصقات على نظام التشغيل iOS، من خلال إنشاء علامات تبويب منفصلة للملصقات وملفات GIF والرموز التعبيرية، مثلما كان مألوفاً في التطبيق على أندرويد، أو سطح المكتب، أو الويب.
وكان دوروف أعرب عن "غضبه الشديد" من شركة آبل في أكتوبر/تشرين الأول 2022، مشيراً إلى أن "وسطاء الشركة يؤخرون عملية التحقق من تحديثات أنظمة iOS، وبالتالي طرح التحديثات الجديدة للتطبيقات عبر تلك الأنظمة، وأن آبل لم تبلغ فريق تيليجرام بأسباب التأخير".
وقال دوروف إن آبل تراجع تحديثات التطبيقات الرئيسية لمدة 7-10 أيام على الأقل قبل نشرها على متجر تطبيقاتها الإلكتروني، "على الرغم من ادعائها أن هذا الإجراء يستغرق في العادة 24 ساعة فقط".
لماذا ينتقد مؤسّس تيليجرام شركة آبل؟
في هجومه على شركة آبل، يمكن القول إن دوافع مؤسّس تطبيق تيليجرام تتراوح ما بين السياسية والتقنية.
فالدوافع السياسية تعود إلى الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الذي يأخذ حالياً شكل الحرب الباردة. أما الدوافع التقنية، فهي مرتبطة بتحكم آبل في متجرَي التطبيقات "جوجل بلاي" و"آب ستور".
فقد أشار رجل الأعمال الروسي، عبر قناته على تيليجرام، إلى أن تطبيق المراسلة متوافر على متجر App Store؛ ولكنه رغم ذلك يواجه مشكلات عدة في عمليات المراجعة التي تقوم بها آبل، بسبب قناة تيليجرام العامة التي لا تضم أي قيود على محتواها الخاص.
وسلط دوروف الضوء على شكوى العديد من مطوري تيليجرام من قيود آبل Apple. وضمت القائمة 10 مشكلات تتعلق جميعها بإصدار الويب الخاص بالخدمة على نظام iOS.
وأعرب عن ضيقه من أن آبل تتعمد شلّ تطبيقات الويب لإجبار المستخدمين على تنزيلها من App Store، والحصول على عمولتها الخاصة من المطورين والتي تتجاوز 30%. وأكد أن نسخة الويب من تيليجرام على iOS تفتقر إلى إشعارات الدفع، وبرامج الترميز VP8 وVP9، ومعدلات التحديث العالية، والتحف المرئية.
وسبق أن اتهم دوروف شركة آبل بتسخير تقنيات هواتفها وأجهزتها لمراقبة المواطنين الصينيين، وتوفير "سيطرة كاملة" للحزب الشيوعي الصيني على بيانات المواطنين.
ما هو تطبيق تيليجرام؟
يعود تأسيس التطبيق إلى العام 2013 على يد الأخوين الروسيَّين نيكولاي وبافيل دوروف، مؤسّسَي موقع فكونتاكتي (أكبر شبكة اجتماعية روسية)، وقد نجحا في إطلاق تيليجرام ثمّ سجّلاه كمنظمة مستقلة تتخذ من العاصمة الألمانية برلين مقراً لها.
وصمَّم نيكولاي بروتوكولاً خاصاً للتطبيق، يُدعى MTProto، في حين قدّم بافيل الدعم المالي والهيكلي الأساسي للمشروع. ويقوم تيليجرام بالوظائف نفسها التي تقوم بها برامج التراسل الفوري الأخرى، مثل واتساب، ولاين، وفايبر، وتانغو.
تيليجرام Telegram هو تطبيق للتراسل الفوري، حرّ ومجانيّ ومفتوح المصدر جزئياً، كما أنه متعدد المنصات ويُركز على الناحية الأمنية.
فيُمكن لمستخدميه تبادل الرسائل مع إمكانية تشفير عالية، بما في ذلك الصور والفيديوهات والوثائق، لأن التطبيق يدعم كافة الملفات.
بدأ في عام 2013 كتطبيقٍ صغير يركز على المراسلة الآمنة، ولكنه ما لبث أن تطور ليصبح منصةً تضم أكثر من 500 مليون مستخدم، وقد دخل قائمة أكثر 10 تطبيقات يتم تنزيلها واستخدامها حول العالم.
التطبيق متوافر رسمياً على أندرويد وiOS -بما في ذلك الأجهزة اللوحية والأجهزة التي لا تدعم واي-فاي- وتوجد برمجيات تيليجرام غير رسمية من مطورين مستقلين لأنظمة التشغيل الأخرى، مثل: ويندوز، ويندوز فون، ماكنتوش، ولينكس؛ كما تُقدّم الخدمة واجهات برمجة تطبيقات للمطورين المستقلين.
أعلنَ تيليجرام في شهر مارس/آذار 2018، عن وصول عدد مستخدمي التطبيق (النشطين) إلى 200 مليون شخص شهرياً. ووفقاً للرئيس التنفيذي للشركة، فقد كانت نسبة النمو السنوي لتيليجرام -اعتباراً من أبريل/نيسان 2017- أعلى من 50%.
انتقاد النموذج الأمني للتطبيق
لاقى النموذج الأمني الذي يعتمده تيليجرام نقداً بارزاً من قِبل بعض خبراء علم التعمية، بسبب تخزينه جميع بيانات الاتصال والرسائل والوسائط مع بعضها البعض، مرفقةً بمفاتيح فكّ تشفيرها على خوادم الشركة بصورة مفترضة، وليس عبر التفعيل الافتراضي لنظام التشفير حتى النهاية الخاص بالرسائل.
من ناحيته، يؤكد بافيل دوروف أن هذا يساعد على تفادي قيام أطراف ثالثة بعمليات نسخٍ احتياطي غير آمنة، ويُمكّن المستخدمين أيضاً من فتح الرسائل والملفات من على أي جهاز.
كما انتقد خبراء علم التعمية أو التشفير لجوء تليعرام إلى استعمال بروتوكول تشفيرٍ خاصٍ لم يثبت مدى أمانه وموثوقيته. مع العلم أن التطبيق محجوب في بعض البلدان، مثل: روسيا وإيران؛ في ضوء الاتهامات التي واجهها بمساعدته على تسهيل حصول أنشطة مخالفة للقانون، إضافة إلى الطلب المتناقص لتسهيل وصول الحكومة إلى بيانات الأفراد واتصالاتهم ومعلوماتهم الشخصية.