أطلقت الصين، في أبريل/نيسان الماضي، مبادرة بلوكتشين كبرى جديدة تسمى شبكة الخدمات المرتكزة على البلوكتشين. وستكون شبكة الخدمات المرتكزة على البلوكتشين جزءاً أساسياً من استراتيجية الصين القومية للبلوكتشين التي أعلن عنها الرئيس الصيني شي في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2019، إلا أنه لم يحظَ بالاهتمام الكافي مع تزامنه مع الإعلان عن اليوان الرقمي، الذي سُمي DCEP، واستحوذ على اهتمام عالمي. ولم يلتفت الإعلام الغربي إلا مؤخراً، إلى أهمية شبكة الخدمات المرتكزة على البلوكتشين، والتي انطلقت تجارياً بشكل مبدئي في الصين في الخامس والعشرين من أبريل/نيسان.
كتب البروفيسور مايكل سانغ مقالاً لموقع CoinDesk، يشرح فيه أهمية هذه المبادرة التي لم تلقَ الاهتمام الإعلامي الكافي في رأيه، وسانغ هو مؤسس ورئيس مؤسسة كاربون بلو إنوفيشنز CarbonBlue Innovations، وهي منصة تحوُّل رقمي تعمل على التسويق التجاري للبلوكتشين الموزع دولياً، والتكنولوجيا المالية والابتكار بمجال التمويل الرقمي في البلدان النامية. كما أنه المدير المشارك لمركز أبحاث التكنولوجيا المالية في كلية فانهاي الدولية للتمويل بجامعة فودان. وإلى نص المقال:
بشكل أساسي، ستكون شبكة الخدمات المرتكزة على البلوكتشين هي العمود الفقري والبنية التحتية التكنولوجية للاتصالات البينية الفائقة في بر الصين، بدءاً من حكومات المدن، ونهاية بالشركات والأفراد. كما ستشكل الشبكة العمود الفقري لطريق الحرير الرقمي الخاص بالاتصالات البينية بين الصين وشركائها التجاريين حول العالم. ومن المقرر لشبكة الخدمات أن تكون بروتوكول إنترنت جديداً لمشاركة البيانات والقيمة والأصول الرقمية بطرقٍ أكثر كفاءة وبثقة وشفافية كاملتين بين الصين وأي شخص يريد أن يشكِّل عقدة على الشبكة.
ويتشكل التحالف المكوِّن لشبكة الخدمات المرتكزة على البلوكتشين من المركز القومي للمعلومات (وهو من أكبر مراكز الأبحاث والسياسات في الصين والمرتبط باللجنة القومية للتطوير والإصلاح)، وتشاينل موبايل China Mobile (وهي أكبر شركة اتصالات قومية في الصين وتملك 900 مليون مشترك)، وتشاينا يونيونباي China Unionpay (أكبر شركة مزوّدة بخدمات الدفع والتسوية في العالم والتي أصدرت 8 مليارات بطاقة ائتمان)، وريد ديت تكنولوجيز Red Date Technologies (الشركة المسؤولة بشكل أساسي عن معمار شبكة خدمات البلوكتشين). وغطى موقع كوين ديسك CoinDesk شركة ريد ديت تكنولوجيز في مقالة منفصلة.
وتركز شركة تشاينا موبايل على البنية التحتية في تكنولوجيا المعلومات وتدشينها، وتعمل على تسريع عملية طرح الجيل الخامس من الشبكات وتسريع تبنّي الخدمات السحابية في الصين. كما طوَّرت شبكة الخدمات المرتكزة على البلوكتشين تكنولوجيا إدارة سحابية ستسمح بالحوسبة متعددة الطبقات فوق معمارية مرنة من خدمات إدارة السحابيات المتعددة والتي تتضمن بالفعل خدمات أمازون للويب (AWS)، ومايكروسوفت أجور Microsoft Azure، وجوجل كلاود Google Cloud، وبايدو كلاود Baidu Cloud، وتشاينا يونيكوم China Unicom، وتشاينا تيليكوم China Telecom، وتشاينا موبايل China Mobile.
وسيسمح إطلاق شبكة الخدمات المرتكزة على البلوكتشين للشركات بالحصول على خدمات البلوكتشين السحابية بتكلفة منخفضة للغاية. ومن المقرر أن يحوم الاشتراك السنوي حول مستوى 400 دولار سنوياً، وهو ما سيسمح للشركات الصغيرة والمتوسطة أو للأفراد بالحصول على الأدوات الحساسة اللازمة للمشاركة في الاقتصاد الرقمي، وأن يزداد معدل التبني وفرص الشمول المالي.
تخطف سعة شبكة الخدمات المرتكزة على البلوكتشين الأنفاس، مع وجود عقد في مئة مدينة حول الصين عند الإطلاق، واشتراك الشركات الثلاث الكبرى للاتصالات في البلاد واشتراك مزوّدي الأطر التشغيلية بالبلاد. وطورت الحكومة المركزية خطة رأسية من الأعلى للأسفل، لتوصيل كل المدن الكبرى بالبلاد، مع التخطيط لإطلاق الخدمة في 200 مدينة أخرى بحلول العام المقبل، والتوسع إلى بقية المدن البالغ عددها 451 مدينة بعد ذلك. وفي وقت كتابة هذه المقالة، فإن أكبر إنترنت تجريبي في العالم يتحضر للإطلاق. كما أن هناك العديد من تطبيقات البلوكتشين بوصفها خدمة يجري تطويرها في نفس الوقت، مع تدشين الكثير منها بواسطة حكومات المدن، من أجل توفير الخدمات للمواطنين حول البلاد والتي تبدأ من بيع فواتير الخدمات ونهاية بتسجيل الشركات. وعلى سبيل المثال، فإن حكومة هانغتشو قامت بإطلاق بلوكتشين تجريبي للهوية الرقمية الموحدة، من أجل تسريع عملية التحقق من هويات المواطنين الذين يستعملون الخدمات الحكومية.
وتنظر الحكومة الصينية إلى البلوكتشين بوصفه البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات الخاصة بالجيل القادم، من أجل بناء مدن المستقبل الذكية، وتوصيل قواعد البيانات المشفرة والمتصلة بالجيل الخامس من الشبكات بالخدمات السحابية القابلة للتوسع وإدارة البنى التحتية للبيانات، لتتمكن خدمات البيانات الكبرى/تحليلات الذكاء الاصطناعي من أداء وظائفها بكفاءة.
ولا يمكن أن تنفذ الصين كل ذلك بالسعة المطلوبة دون مزج الأنظمة اللامركزية. كما أنها لا ترغب في ذلك أيضاً، بالنظر للمسائل المتعلقة بالأمن والخاصة بالمعلومات الحكومية الحساسة وخصوصية المواطنين. ولذلك، فإن النظام الإيكولوجي الخاص بالبلوكتشين القائم على الإذن سيصبح البنية التحتية المفتاحية التي ستسمح بالتكامل العمودي بين الحوسبة السحابية، والجيل الخامس من الشبكات، وإنترنت الأشياء الصناعي، والذكاء الاصطناعي والبيانات الكبرى، مع وجود خدمات التكنولوجيا المالية فوق تلك الطبقات.
وفيما تعد شبكة الخدمات المرتكزة على البلوكتشين نفسها بلوكتشين قائماً على الإذن مشتقة هايبرلدجر فابريك Hyperledger Fabric، وستسمح بالتشغيل التشاركي مع السلاسل العامة والمنصات اللامركزية الأخرى (والتي ستنفذ بشكل كامل بحلول شهر يوليو/تموز من عام 2020). وسيكون البروتوكول عند إطلاقه قابلاً للتشغيل البيني مع منصات البلوكتشين الكبرى والأطر التشغيلية مثل هايبرلدجر فابرك، والإيثريوم، والإي أو إس EOS، إضافة إلى آخر بروتوكولات البلوكتشين في البلاد الخاصة بالشركات، وضمن ذلك فيسكو بيكوس Fisco BCOS التابعة لوي بانك WeBank (اتحاد البلوكتشين المالي الخاص بتشين جين، وبه أعضاء مثل وي بانك، وتينسنت Tencent، وهواوي Huawei وزد تي إي ZTE) وسوبرتشين Xuperchain التابعة لبايدو.
ولتوضيح الأمور، فإن شبكة الخدمات المرتكزة على البلوكتشين قد أنشئت لتحسين الأمن والتشفير وإجراءات الخصوصية؛ من أجل حماية مصالح أي شخص سيستعمل البروتوكولات خاصتها. يتشابه ذلك مع بروتوكول الإنترنت TCP/IP الأصلي، الذي طُور في الأصل بواسطة وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية للأغراض العسكرية، إلا أنه يُستعمل تجارياً بواسطة العالم أجمع.
وبشكل مشابه، فأي شخص أو هيئة بإمكانه أن يصبح عقدة في الشبكة وأن يطرح تطبيقاً لا مركزياً على شبكة الخدمات المرتكزة على البلوكتشين ويشارك البيانات أو يجري الأعمال التجارية في مناخ من الثقة الكاملة. وفي الصين، فكل حكومات المدن، والشركات المملوكة حكومياً، ومزودي الأطر التشغيلية يتحضّرون لتبنّي و/أو بدء التشغيل التبادلي مع البروتوكول. ولأن سعة التنفيذ والتبني داخل الصين فحسب، بمجرد إطلاق شبكة الخدمات، ستجعلها أكبر نظام إيكولوجي للبلوكتشين في العالم، وستصبح بشكل فوري من أهم القوى التي ستدفع الحكومات والمؤسسات حول العالم إلى تبني البلوكتشين.
ويأتي إطلاق شبكة الخدمات المرتكزة على البلوكتشين في وقت حرج من تاريخ البشرية. إذ لم تكن الحضارة الحديثة في وضعٍ أكثر حرجاً مما هي فيه الآن، إذ شهدت بداية عام 2020 انطلاق وباء يتزامن مع أكبر أزمة مالية شهدها العالم.
ويأتي الحظر المنزلي الواسع مع انفصال الدول بعضها عن بعض، واستخدام المعلومات المغلوطة كأسلحة لتأليب الدول بعضها ضد بعض، ولإثارة النعرات القومية بشكل لم يشهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية. ويمكن حل تلك التحديات الهيكلية عن طريق التكنولوجيا التي تعزز الثقة على المستويات كافة بالمجتمع مع انحسارها في الوقت الحالي بشكل خطير.
يمكن أن تعزز شبكة الخدمات المرتكزة على البلوكتشين التجارة الدولية والأنشطة التجارية البينية للوقاية ضد الصدمات الهيكلية وضد الأزمات التي تفاقمت، بسبب انعدام الثقة والاختلافات الأيديولوجية. كما يمكنها أن تصل العالم بعضه ببعض بشكل تكاملي، مع دمقرطة الوصول إلى الأدوات الحيوية التي ستسمح بإتمام العمليات التجارية العابرة للحدود بشكل أكثر كفاءة، إضافة إلى الاستثمار والتعاون الدولي.
يعد كل ذلك مُهماً في عالم ما بعد الكوفيد-19، حيث ستكون القدرة على إجراء الأنشطة التجارية بواسطة الإنترنت شديدة الأهمية، وسيُنظر إليها باعتبارها أمراً اعتيادياً. ستحفز شبكة الخدمات من الاقتصادات الرقمية المعولمة عن طريق خلق طرق جديدة للتعاون مرتبطة بجوهر مبادئ البلوكتشين.