بحسب القصة التي نشرها موقع صحيفة The Guardian البريطاني؛ ألقت ابنتا ربة المنزل جيسا جونز التوأمتان بهاتفها iPhone 4S في عين المرحاض، قرَّرت أن تصلحه بنفسها.
وفكَّكت مقعد الحمَّام في فنائها الخلفي، وعثرت على الجهاز، ثم بحثت على الإنترنت عن طريقة تشغيله مرةً أخرى.
وعلى منتديات DIY للإصلاح الذاتي، علمت أن الخطوة الأولى هي استبدال البطارية. وفعلت هذا بسهولةٍ نسبيةٍ، لكن الهاتف رفض أن يُشحَن، مما أوحى بأن المياه قد تسلَّلت كذلك إلى اللوحة الأم داخل الجهاز.
لمعظم الناس، كان هذا ليعني الاستسلام والذهاب إلى متجر آبل. لكن جيسا كانت عاقدة العزم. لم تكن لديها خبرةٌ في العمل مع الإلكترونيات لكن من خلال تصفُّح الدروس التعليمية عبر الإنترنت، علَّمت نفسها كيف تستخدم مكواة لحامٍ وتستبدل المكوِّنات الضئيلة داخل الهاتف. وفي النهاية نجحت في تشغيل الجهاز مرةً أخرى.
الدعم يأتي من كل اتجاه
وجدت جيسا الأعمال الإصلاحية مُرضِيةً، وصار إصلاح الإلكترونيات هوايةً جديدةً لها. فشرعت في شراء الأجهزة المعطوبة على موقع Craigslist وتجديدها بغرض بيعها.
ثم سجَّلت اسمها على موقع eBay كعاملة صيانةٍ للَّوحات الأمِّ عبر البريد، وفي غضون أشهرٍ، كانت متاجر الصيانة من جميع أنحاء البلاد تُرسِل إليها أعمال لحامٍ دقيقة عجزوا عن القيام بها من شدَّة تعقيدها.
وسرعان ما غُمِرت جيسا بالعمل. وبعد الاستعانة بربَّات منازل أخرياتٍ في حيِّها وتعليمهنَّ إصلاح الإلكترونيات، أسَّست شركةً صغيرةً داخل غرفة الطعام ببيتها وأطلقت عليها اسم MommyFixits. وفي حوارٍ معها قالت لي:
"فجأةً أصبحت مواعيد التقائنا ليلعب أولادنا معاً عبارةً عن أمَّهاتٍ يجلسن حول مائدة الطعام ويصلحن هواتف iPhone مُرسَلَةً عبر البريد".
ومع تنامي خبرة جيسا، اكتشفت أن مصنِّعي التكنولوجيا يستخدمون أساليب خفيةً لتثبيط أعمال الإصلاح المستقلَّة. إذ أن أجزاء الهواتف والحاسبات اللوحية تُلصَق بالصمغ، مما يتسبَّب في كسرها حين فصلها عن بعضها.
وكذلك تُحفَظ حقوق مخطَّطات الدوائر الكهربية ودلائل المستخدم وتظلُّ سراً تجارياً. حتى أن آبل تستخدم برغيَّات "بنتالوب" الخاصة بها، التي تتعذَّر إزالتها بالمفكَّات الاعتيادية.
التعلم الذاتي.. إلى أي مدى هو أمر هام؟
ورغم هذه العوائق أمام الصيانة، عرفت جيسا أن إصلاح الأشياء بصورةٍ مستقلةٍ، بدلاً من إعادتها إلى المُصَنِّع، كان ممكناً وأرخص ثمناً في جميع الحالات تقريباً.
ولأجل نشر علمها، أنشأت قناةً على موقع يوتيوب باسم iPad Rehab، تقدِّم فيها دروساً تعليميةً لخطوات الصيانة إلى محبِّي الإصلاح الذاتيِّ الآخرين.
ومن أشهر فيديوهات جيسا كان فيديو تصلح فيه "مشكلة اللَّمس" على هاتف iPhone 6، وهي مشكلةٌ شائعةٌ تتوقَّف على إثرها لوحة اللَّمس عن العمل. وأخبرتني جيسا بأن هذه المشكلة متفشِّيةٌ في هواتف iPhone 6s بسبب عيبٍ في تصميم الهاتف يسمح له بالانثناء، مما يعني زحزحة أحد المكوِّنات الصغيرة على لوحة البرمجة من مكانه.
وعندما أعاد عملاء آبل الهواتف المعيبة إلى متاجر آبل، أُعطُوا هواتف بديلةً بسعرٍ مخفَّضٍ. ولكن في رأي جيسا، فإن المشكلة كانت أن الهاتف الجديد كان به العيب ذاته كما في الهاتف القديم، وعادت "مشكلة اللَّمس" من جديدٍ، في غضون أيامٍ في بعض الحالات.
في الفيديو الخاصِّ بها، ومدَّته 30 دقيقةً، شرحت جيسا كيف استطاعت إصلاح سبب المشكلة من خلال إضافة سلكٍ معدنيٍّ ضئيلٍ تحت أحد أجزاء لوحة البرمجة، ممَّا منع المُكَوِّن من الزحزحة من مكانه. وقالت:
"حين شاهد الناس ذلك الفيديو، أمكنهم أن يروا شخصاً حقيقياً يفتح هاتفاً، ويفسِّر كيفية عمله، ثم يُصلِح المشكلة. كان أمراً مختلفاً جداً عن تجربة متجر آبل، حيث يختفي أحد 'العباقرة' ثم يعود ومعه صندوقٌ أبيض". واستطردت قائلةً: "لقد نشرت قناتي على يوتيوب توعيةً بإمكانية إصلاح المشكلة بحقٍّ".
من التعلم الذاتي إلى تعليم الآخرين
جيسا جونز، التي تملك قناتها الآن ما يزيد عن 115 ألف متابعٍ، هي جزءٌ من شبكة مصيِّنين غير خبراء على يوتيوب هدفهم نشر علوم الصيانة على الإنترنت لإعادة القوة إلى أيدي العملاء.
كايل وينز، الشريك المؤسِّس لمجتمع iFixit للصيانة على الإنترنت، يستخدم يوتيوب لنشر تسجيلات "تفكيك"، حيث يجرِّد الأجهزة من مكوِّناتها قطعةً تلو الأخرى لكي يبيِّن للمستخدمين كيفية عمل كل شيءٍ بالداخل وإمكانية إصلاحه.
لوي روسمان، وهو فنِّيٌّ يملك متجر صيانةٍ صغيراً في نيويورك، يملك قناةً يتابعها أكثر من 800 ألف شخصٍ، وعليها ينشر فيديوهاتٍ بصورةٍ دوريةٍ يُصلِح فيها حاسبات آبل.
وهناك كذلك مئات الآلاف من فيديوهات المبتدئين، حيث يُعلِّم أشخاصٌ من شتَّى بقاع العالم الآخرين كيفية إصلاح الآلات، ومصابيح الإنارة المثبَّتة على الحوائط، والسيارات، ومرشِّحات حمَّامات السباحة، وأواني طهو الأرز، إلخ.
وفقاً لنايثان بروكتور، مدير "حملة حقوق الإصلاح" التابعة للمجموعة الأمريكية Public Interest Reseach Group، فإن هذا المجتمع على يوتيوب هو جزءٌ لا يتجزَّأ من حركةٍ سياسيةٍ أشمل تحاول انتزاع سلطة العملاء من سوق الإلكترونيات التي ترسِّخ نفسها بصفةٍ متزايدةٍ.
ويقول بروكتور إنه بينما في الماضي كان هناك توازنٌ قانونيٌّ بين حماية الملكية الفكرية للمُصَنِّعين وتشجيع العملاء على إصلاح منتجاتهم الخاصة وتعديلها.
فقد أدَّت نهضة البرمجيَّات في الإلكترونيات إلى سحب القوة لصالح المُصنِّعين. فلم تُصبح المنتجات أعقد وأصعب في إصلاحها وحسب، بل اختفى الخطُّ الفاصل بين الإصلاح الذاتيِّ وعمليات الاختراق غير القانونيِّ، أي أن المُصَنِّعين استطاعوا الاستفادة من قانون حقوق النشر الرقمية لاحتكار عمليات الإصلاح بصورةٍ شرعيةٍ.
وقد أسفر هذا بدوره عن خلق حالة خوفٍ ثقافيةٍ عامةٍ من الإصلاح الذاتي، وشعوراً بأن أجهزتنا حينما تتعطل، فلا يمكن حلُّ المشكلة إلا بالاستعانة بمن يدَّعون أنَّهم خبراء في شركةٍ معيَّنةٍ.
الدفاع عن الحقِّ في الإصلاح
ويرى بروكتور أن قنوات يوتيوب أمثال قناة جيسا جونز هي مفيدةٌ في القضاء على هذا الوضع. إذ قال: "كثيراً ما أتكلَّم مع أشخاصٍ حدث عطبٌ ما بهواتفهم وقيل لهم إن عليهم استبدالها من عند المُصَنِّع. لكن حين يفتحون يوتيوب ويشاهدون أحد الفيديوهات، يدركون أن الإصلاح ليس بالأمر المحال، وأنك من الممكن أن تتعلَّم كيفية الإصلاح أو تجد شخصاً قادراً عليه".
نتيجةً لهذا، فإن أولئك الأشخاص في مقدِّمة مجتمع الصيانة على الإنترنت يُقابَلون أحياناً بالعداوة من المُصَنِّعين. فرَفَعت آبل قضايا ضد متاجر صيانةٍ غير مرخَّصةٍ وتواصل محامو الملكية الفكرية لديهم مباشرةً مع مصيِّني يوتيوب غير الخبراء.
وأدَّى هذا السلوك إلى تطرُّف عددٍ من مصيِّني يوتيوب، بمن فيهم جيسا جونز وروسمان، اللذان تتطرَّق فيديوهاتهما الآن إلى الدفاع عن الحقِّ في الإصلاح.
ويضعهم هذا في تحالفٍ متزايدٍ للمدافعين عن حرية العملاء، والفلاحين، والمخترقين، وأنصار الحفاظ على البيئة الذين ينادون بتشريعٍ يسمح للمستهلكين بإصلاح ما يملكونه ويمنح سلطةً قانونيةً لمتاجر الصيانة الخارجية المستقلَّة.
وفي الولايات المتحدة، حتى الآن عبَّرت 20 ولايةً عن اهتمامها بهذا النوع من الإصلاح التشريعيِّ، ونادت السيناتور إليزابيث وارين في مارس/آذار الماضي بمشروع قانونٍ قوميٍّ للحقِّ في الإصلاح، ومع أنه مخصَّصٌ للفلاحين الراغبين في إصلاح جرَّاراتهم بأنفسهم، فستكون له توابع عامَّةٌ على جميع مُصنِّعي التكنولوجيا.
ومع أن تشريعاً كهذا سيمثِّل انتصاراً لحقوق المستهلكين، فعلى مستوىً أهم، ترى جيسا أن الحقَّ في الإصلاح هو خطوةٌ ضروريةٌ في الحدِّ من جهل الناس بعملية الإنتاج. فتقول:
"ما نتخلَّى عنه حين نفقد الحقَّ في الإصلاح هو شعور الاستكشاف والمطالعة والتصليح". وتابعت: "جعلونا نرى أجهزتنا كأنَّها أجسامٌ مقدَّسةٌ ولكنها في حقيقة الأمر مجرَّد بطاريةٍ وشاشةٍ، شيءٌ يمكن لربَّة منزلٍ أن تتعلم كيفية إصلاحه داخل غرفة طعامها".