بعد أن تمكنت شركة هواوي الصينية من أن تصبح ثاني أكبر مُصنّع للهواتف الذكية في العالم بعد أن تفوقت على شركة أبل الأميركية في منتصف عام 2018، أصبحت الشركة على بعد خطوة واحدة من الهيمنة على هذه الصناعة كلها، لم يبق لها سوى تجاوز شركة سامسونغ الكورية.
وطبقاً لما ذكره مسؤولون تنفيذيون بالشركة الصينية، فإنهم يتوقعون أن يكونوا اللاعب الأول في العالم في الربع الرابع من عام 2019. لكن هذا يثير تساؤلات حول السر وراء هذا التفوق المتسارع للشركة وتمكنها من تجاوز عمالقة كبار كنا نظن ألا أحد سينزلهم من فوق عروشهم.
هل هناك سر ما وراء هذا النجاح المبهر الذي غير توقعاتنا كلياً للمنتجات الإلكترونية الصينية التي كنا نظن أنها الأسوأ في العالم؟
الأرقام تؤكد التفوق
توقعت شركة هواوي أن تتجاوز شحنات الهواتف الذكية حول العالم 200 مليون قطعة مع نهاية عام 2018. وسيمثل ذلك نمواً بنسبة 31% بالمقارنة بالعام السابق الذي شحنت فيه الشركة 153 مليون هاتف ذكي، بزيادة 10% فقط عن عام 2016. الأرقام توضح النمو المتزايد والسريع للشركة حول العالم بالفعل.
التوقعات تقول إنه من الممكن أن تصبح هواوي اللاعب الأول في العالم في نهاية عام 2019. وتفوقت هواوي على شركة أبل للمرة الأولى في شحنات الهواتف الذكية في الربع الثاني من عام 2018، وفقاً للبيانات الصادرة عن جهات متخصصة، إذ تبلغ حصتها في السوق حالياً أكثر من 15%، مدفوعة جزئياً بالمكاسب في الصين.
مع تجاوزها لأبل، خرقت شركة هواوي هيمنة الشركة الأميركية التي استمرت عدة سنوات.
وقبل 7 سنوات تقريباً، ربما لم تكن قد سمعت عن شركة اسمها هواوي. لكن الشركة نمت بسرعة كبيرة، فكيف تسلقت هواوي طريقها إلى القمة؟ وما السر وراء هذا النجاح؟
تجربة جديدة للمستهلك
يعتقد أندرو غاريهي، المدير التنفيذي لشركة هواوي في أوروبا، أن الشركة لديها نهج مختلف للابتكار، تبحث عن طرق لإضفاء "المعنى الحقيقي لتجربة المستهلك". للقيام بذلك ركزت على جانبين من الهاتف الذكي: الكاميرا والبطارية. كان لدى هاتف P20 أول كاميرا ثلاثية العدسة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تم تطويرها من خلال شراكة مع Leica.
إنها الشراكات والتعاون الذي يعتبره مفتاحاً أيضاً. يقول غاريهي: "نظراً لأننا علامة تجارية شابة تنظر للعالم من منظور مختلف، فإننا نحرص حقاً على أن تحدث علامتنا تجارية فارقاً كبيراً في الأسواق التي نعمل فيها. ذلك لأننا نقدر أشياء مثل الحكمة الجماعية والشراكات والتعاون، وهذا أمر نبحث عنه باستمرار سواء كان ذلك على مستوى المنتج مع Leica أو الشراكة مع الهيئات الثقافية التي تحدث فرقاً كبيراً في البلدان التي نعمل فيها".
التسويق كلمة السر لبناء العلامة التجارية
حتى وقت قريب، كانت هواوي غير معروفة نسبياً في المملكة المتحدة، على سبيل المثال لا الحصر، حيث كان المستهلك يكافح من أجل نطق الاسم ناهيك عن أي مشاعر حول موقع هذا المنتج أو ما يجعله مختلفاً عن الشركات المصنعة الأخرى. لقد كان بناء العلامة التجارية أمراً مهماً جداً لأنه كما يقول المدير التنفيذي التنفيذي لشركة دونر لندن لوغان ويلمونت: "إن المنتجات الرائعة لا قيمة لها إذا لم يكن أحد يعرف من أنت".
ركزت الشركة على حملات العلاقات العامة، الرقمية والتجريبية، بدلاً من الحملات الرئيسية التقليدية، على الرغم من أنها تقوم بهذه الحملات الدعائية أيضاً. على سبيل المثال، تقوم الشركة بتشغيل مسابقة التصوير الفوتوغرافي حالياً، إذ يتم تقييم المشاركات بواسطة الذكاء الاصطناعي؛ وقد تلقت بالفعل أكثر من 700 ألف مشاركة.
الآن بالنسبة للشركة، فإن التسويق، بجانب المنتج، هو أهم مجالات التركيز. ويشرح غاريهي: "إذا نظرت فقط إلى نمونا في أوروبا الغربية كعلامة تجارية، فإن التسويق هو رقم واحد لأننا يجب أن نخبر قصتنا ونساعد الناس على اكتشاف علامتنا التجارية. من المعترف به على نطاق واسع في شركة هواوي أن التسويق أمر بالغ الأهمية لنجاحنا في المستقبل".
وأضاف: "يمكننا الاستثمار في التسويق الآن لأن لدينا المنتجات المناسبة. لقد وصل ابتكار منتجاتنا إلى نقطة أصبح فيها الآن هو الوقت المناسب لإخبار قصتنا والتأكد من أن الناس يمكنهم اكتشاف منتجاتنا وتجربتها".
من هنا كانت تلك الاستراتيجيات الرائعة والفريدة في التسويق والدعاية التي اهتمت بها الشركة، وهذه أبرز الأمثلة.
حملات لزيادة الوعي بالعلامة التجارية
بمساعدة من الشركاء المحليين، تطلق هواوي حملات إعلانية مصممة خصيصاً لتتوافق مع جمهورها المستهدف.
لم ترغب هواوي في رفع كفاءة المنتج فحسب، بل أرادت أيضاً التركيز على بناء الوعي بالعلامة التجارية الخاصة بها. الشركة كانت تعرف أنه من أجل الحصول على ضجة كبيرة في السوق العالمية فيجب عليهم احتضان الأسواق المحلية وإنشاء المحتوى المناسب، ونتيجة لذلك قاموا بإنشاء حملة Huawei Best Wei.
يُنسب اسم الحملة إلى اللغة العامية للماليزيين. جمعت هذه الحملة بين المحتوى الإبداعي والمواهب المحلية ومنصات إعلامية للتواصل مع جمهورها المستهدف. في عام 2016، فازت الحملة بالميدالية الذهبية في حفل توزيع جوائز التميز في مجال التسويق.
ما يجعل الحملة خطوة عبقرية هو تركيزها على المحلية. اشتركت العلامة التجارية مع Media Prima Television Network لإنشاء حملات أو مقاطع فيديو من شأنها ترك بصمة على الجماهير الماليزية. مثل هذه الطريقة في التفكير التسويقي جعل الشركة تتوسع سريعاً في الكثير من الأسواق.
التعاون مع قائمة من المشاهير
قامت هواوي بعدد من تعاونات المشاهير الناجحة باستمرار. قائمة المشاهير هؤلاء لديهم قاعدة جماهيرية ضخمة. على هذا النحو، يمكن للتعاون معهم ضمان زيادة الوعي بالعلامة التجارية.
من بين هذه التعاونات الناجحة كانت حملة دعاية لهاتفها الذكي P9، التي اشترك فيها كل من هنري كافيل وسكارليت جوهانسون.
سلّط الإعلان الضوء على إمكانات التصوير الخاصة بكاميرتي الهاتف الذكي P9 وP9 Plus التي تبلغ 12 ميغا بكسل. وقد مثل هنري كافيل الملامح الأحادية اللون للكاميرا، بينما مثلت سكارليت جوهانسون معالمها الملونة.
عرض منتجات جديدة في المعارض واسعة النطاق
تُعد المعارض وسيلة رائعة لزيادة الوعي بالعلامة التجارية، والترويج لمنتجات جديدة، وإظهار إنجازات الشركة وابتكاراتها. أحد أسرار نجاح شركة هواوي هو تقديم منتجاتها الجديدة في معارض واسعة النطاق.
في السنوات الأخيرة قامت شركة هواوي بقيادة عدد من الأنشطة والمعارض المشتركة في المؤتمر العالمي للهواتف المحمولة. في فبراير/شباط 2017 على سبيل المثال، شارك في الحدث أكثر من 100 مشغل وشركاء من جميع أنحاء العالم، أظهروا الابتكارات التي نتجت عن التعاون مع الشركة.
وخلال هذا الحدث اشتركت الشركة أيضاً مع شركاء الصناعة والمشغلين فيما يتعلق بالاتجاهات المستقبلية في صناعة الهاتف المحمول، وقدمت لهم المشورة حول كيفية تحقيقهم للنمو المدفوع بالقيمة.
زيادة مستمرة للمتابعين على فيسبوك
عندما يتعلق الأمر بوسائل التواصل الاجتماعي، فإن الاتساق أمر أساسي. من خلال التأكد من تحديث صفحات وسائل التواصل الاجتماعي تستطيع العلامة التجارية المحافظة على عدد المتابعين والحفاظ عليه.
يمكن أن يعزى نجاح هواوي عبر الإنترنت إلى اتساقها عند النشر على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها. هذه المقالات مصحوبة بصور ومقاطع فيديو غنية بصرياً تجعل من السهولة الوصول لشريحة واسعة من المتفاعلين.
مثال على هذه المشاركة هو حملة #Standout التي قامت بها الشركة لهاتفها Huawei P10. تبرز الحملة الميزات وخيارات الألوان للهاتف الذكي. ووفقاً لأحد المنشورات، ستسمح الألوان للمستخدمين بـ"تألق شخصيتك".
مع ما يزيد على 55 مليون متابع على فيسبوك، يبدو أن هذه الاستراتيجية تعمل بنجاح.
الحملات الإعلانية البارزة
قد تكون اللوحات الإعلانية وإعلانات الشوارع تقليدية. ومع ذلك، أثبتت استراتيجية هواوي أن الطرق التقليدية لا تزال تعمل، عند تنفيذها على نطاق واسع.
هواوي في كل مكان في أوروبا. لا يمكن للأوروبيين زيارة وسط مدينة بروكسل أو برلين دون مواجهة مبان كاملة تغطيها إعلانات هواوي. لا يمكنهم السفر إلى بولندا دون مشاهدة الطرق السريعة المغطاة باللوحات الإعلانية. فهم لا يستطيعون حتى مشاهدة كرة القدم دون رؤية شعار هواوي؛ لأن العلامة التجارية لديها موافقات من فرق كرة القدم الشهيرة مثل أرسنال وميلانو وباريس سان جيرمان أو حتى نجوم مثل ليونيل ميسي.
لكنها لا تنتهي عند هذا الحد. ففي متاجر الإلكترونيات في أوروبا يفوق عدد هواتف هواوي أيضاً عدد هواتف شركة سامسونغ.
"هذا أمر رائع. أجهزتهم موجودة في كل مكان"، هكذا يقول الباحث في مركز الأبحاث الدولي فرانشكو جيرونيمو في تصريح صحافي. ومن المثير للاهتمام أن استراتيجية لوحات الإعلانات كانت ناجحة بالفعل في نظره.
في الربع الأول من عام 2016، قامت شركة هواوي ببيع أكثر من 10 أضعاف هواتف شركة آبل في فنلندا على سبيل المثال، هذا منذ عامين فما بالك الآن.
كل هذا جعل هواوي واحدة من العلامات الصينية الأكثر نمواً ونجاحاً الآن.
قصة صعود الشركة
المذهل في صعود هذه الشركة هو أن المتخصصين منذ عام 2016 كانوا يتوقعون بالفعل أن تتصدر هذه الشركة سوق الهواتف الذكية في العالم. هذا أكبر دليل على وضوح استراتيجية الشركة واقتناع المتخصصين بها وبتأثيرها في المستهلكين حول العالم.
البداية كانت متواضعة في مقاطعة شنتشن عام 1987، حيث بدأت شركة هواوي كمنتج للوحة مفاتيح الهاتف الذكي. ومع النمو الذي شهدته صناعة الإلكترونيات الناشئة في المدينة، أصبحت هواوي الشركة الرائدة عالمياً في شبكات الاتصالات بحلول عام 2012، وذلك على الرغم من الحظر الذي فرضته الحكومة الأميركية وتداعياته.
ومع ذلك، فإن ما يجعل هواوي تقف الآن بهذه القوة كان من خلال منتجاتها القوية: الهواتف الذكية.
وقد اكتشفت هواوي في وقت سابق أنها تبيع الهواتف المحمولة بأسعار أرخص من العلامات التجارية الكبرى في العالم، لتصل إلى منتجات مميزة منخفضة القيمة بدلاً من المستويات العالية التي ترتفع إليها الشركات المنافسة وخصوصاً أبل.
الهدف هو أن تكون على قمة العالم
هدف هواوي المعلن بوضوح هو أن تصبح رائدة في مجال الهواتف الذكية. إنها ليست العلامة التجارية الأولى التي تحاول ذلك، ولن تكون الأخيرة، وبالطبع تواجه بعض التحديات الحادة للوصول إلى هناك. الأمر الأهم بالنسبة للشركة الآن هو أميركا، حيث يتم حظر هواتف الشركة حالياً بسبب مشكلات الأمن القومي، على الرغم من أنها ناشدت لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية إنهاء الحظر في شهر أغسطس/آب الماضي.
هل تتخيل هذا التفوق الكبير للشركة دون دخولها إلى السوق الأميركي الضخم حتى الآن.
بالنسبة لهواوي، فإن كونك صينياً يمثل فرصة وتحدياً. ارجع للخلف لمدة 5 سنوات وستجد أن "صنع في الصين" هي علامة تعطي تصوراً مسبقاً حول الشك في الجودة والمنتجات الرديئة والتقنيات المراوغة، في حين أن الشركات الصينية التي تقودها شركات مثل "علي بابا" تعتبر مبتكرة وذات تفكير متقدم.
اسم الشركة الصيني يعطيها أيضاً نقطة بيع فريدة "unique USP". فاسم الشركة الغريب كان ذا فائدة كبيرة لأنه يكسر انتباهك، ويستغرق الأمر بعض الوقت لتعلمه، وعندما تتعلمه، فإنك لا تنساه.
لكن لا تزال هناك مخاوف بشأن التكنولوجيا الصينية. الولايات المتحدة ليست البلد الوحيد الذي أصدر حظراً، فقد قضت أستراليا مؤخراً بأن شركة هواوي لا تستطيع الفوز بعقود لبناء شبكات الجيل الخامس بسبب تشديد واضح على قبضة الحكومة الصينية على شركات التكنولوجيا وتعرض شركات الاتصالات لإمكانية استخدامها في التجسس. ومن المتوقع على نطاق واسع أن تحذو كوريا الجنوبية حذوها.
لكن هذا ربما لن يكون كافياً لوقف زحف هذا العملاق الصيني الذي لن يهدأ حتى يسيطر على العالم.