في يوم الأربعاء 5 ديسمبر/كانون الأول، كشف البرلمان البريطاني عن قائمةٍ من رسائل رسائل بريد إلكتروني مسربة من فيسبوك ، وتُبرِز هذه الرسائل مارك زوكربيرغ، مؤسِّس الموقع، وغيره من التنفيذيين وهم يتبعون تكتيكاتٍ شرسةً لتضييق الخناق على المنافسين، بالإضافة إلى دراسة قائمةٍ من وسائل الاستغلال المادِّيِّ لكميات البيانات المهولة التي حصَّلتها الشركة من مستخدمي الموقع، بحسب صحيفة Wall Street Journal الأميركية.
مارك باع بيانات المستخدمين بطرق مختلفة
وتوضِّح الوثائق أن فيسبوك قد منح مُطَوِّرين خارجيِّين مَنفَذاً خاصاً إلى بيانات المستخدمين، وفكَّر منذ بضع سنواتٍ في اقتطاع أُجرةٍ من المطوِّرين مقابل النفوذ إلى البيانات، في خطوةٍ كانت لتُمَثِّل تحوُّلاً جذرياً في سياسة عملاق التواصل الاجتماعي التي تنصُّ على عدم بيع تلك البيانات. وتكشف الرسائل أيضاً أن زوكربيرغ، الذي يتمتَّع بخلفيةٍ في الهندسة وتطوير البرمجيات، كان من الأطراف الأساسية في اتِّخاذ القرارات المالية بفيسبوك أثناء نُمُوِّه ليصبح منصةً عالميةً تملك ما يفوق المليارَي مستخدمٍ.
مشكلات جديدة لشركة فيسبوك
كثيرٌ من الوثائق المنشورة هي عبارةٌ عن مقتطفاتٍ من الرسائل غير واضحة السياق. ولكن الوثائق قد تُشَكِّل متاعب جديدةً للشركة في ظلِّ خضوعها لعديدٍ من التحقيقات التنظيمية على كلا جانبي المحيط الأطلسيِّ في كيفية حمايتها خصوصية مستخدميها، ومعاملتها لمنافسيها، وتحكُّمها في النفوذ إلى منصَّتها.
وفي منشورٍ على فيسبوك، قال زوكربيرغ يوم الأربعاء: "كأي منظَّمةٍ، دارت بيننا كثيرٌ من النقاشات الداخلية وجاء الناس بأفكارٍ مختلفةٍ. في النهاية، استقررنا على نموذجٍ للاستمرار في تقديم منصة التطوير مجاناً ولتمكين المطوِّرين من اختيار شراء الإعلانات في حال رغبوا في ذلك. وقد أدَّى ذلك النموذج أداءً جيداً".
وتابع الرئيس التنفيذي لفيسبوك بأن كثيراً من التغييرات التي دارت حولها النقاشات كانت تتمحور حول جهود الشركة في عاميّ 2014 و2015 لتخليص المنصَّة من التطبيقات المُسيئة و"المريبة"، وفي الوقت ذاته، إنشاء نموذج عملٍ مُربِحٍ ومُستَدَام.
أوراق البرلمان البريطاني هي مصدر التسريبات
يُذكَر أن الـ250 صفحة من الوثائق المنشورة يوم الأربعاء كانت جزءاً من الإجراءات البرلمانية في بريطانيا، حيث تناول المُشَرِّعُون مسألة استخدام فيسبوك للبيانات.
وكان المسؤول عن تحضير موجز نتائج الوثائق هو داميان كولينز، رئيس لجنة الإعلام والثقافة والرياضة في مجلس العموم البريطاني.
مارك تغاضى عن حماية خصوصية وبيانات المستخدمين
وتُظهِر الوثائق تَغَاضي زوكربيرغ عن خطورة مشاركة بيانات فيسبوك بين المُطَوِّرين. وكانت تلك المسألة قد خضعت للتمحيص هذا العام بعد أن كشفت الشركة في مارس/آذار الماضي أن أحد المُطَوِّرين قد شارك سِجِلَّاتٍ لمستخدمي فيسبوك مع Cambridge Analytica، وهي شركة استشاراتٍ سياسيةٍ خاصةٍ استعانت حملة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بخدماتها في انتخابات 2016.
وقد صرَّح عديدٌ من المُشَرِّعين والمنتقدِين الآخرين بأن المسؤولين التنفيذيين بفيسبوك، بمَن فيهم زوكربيرغ، قد أبدَوا سذاجةً في التعامل مع مخاطر السماح بالوصول المفتوح إلى سِجِلَّات المستخدِمين.
جديرٌ بالذكر أن في أحد رسائل البريد الإلكتروني المُوَجَّهة إلى المسؤول التنفيذي بفيسبوك آنذاك سام ليسين شهر أكتوبر/تشرين الأول 2012، قال زوكربيرغ إنه "مُتَشَكِّكٌ على العُموم من وجود أية خطورةٍ استراتيجيةٍ تُذكَر لتسريب البيانات كما تظن"، وفقاً لمُقتَطَفاتٍ من الرسائل المنشورة يوم الأربعاء.
وأكمل زوكربيرغ في رسالته قائلاً: "أظنُّ أننا نُسَرِّب البيانات إلى المُطَوِّرين، لكنَّني لا أعلَمُ بأيَّة حالاتٍ تسرَّبت فيها تلك البيانات من مُطَوِّرٍ إلى آخر وتسبَّبت في مشكلةٍ حقيقيةٍ لنا. هل لديك أمثلةٌ على ذلك؟".
وعجزت متحدثةٌ باسم فيسبوك عن التفسير الفوري لما قاله زوكربيرغ في وصفه تلك المخاطر.
وتتضمَّن الوثائق كذلك رسائل بريدٍ إلكترونيٍّ من زوكربيرغ نفسه تصف تصدِّيه لكيفية استغلال فيسبوك لشعبية منصَّته بهدف زيادة الرِّبح.
Netflix، وAirbnb استخدما بيانات مستخدمي فيسبوك
وقد سمحت الشركة لشركاتٍ أخرى خارجيةٍ، مثل Netflix، وAirbnb، وLyft بجمع المعلومات عن أعضاء فيسبوك الذين يستعملون خدماتهم على نحوٍ يفوق ما كان مُتاحاً للأغلبية العظمى من المطوِّرين الآخرين، طبقاً لرسائل البريد الإلكتروني.
ويقوم مارك بعرقلة المنافسين
ووفقاً لما تبدو كأنَّها مُذَكِّرةٌ داخليةٌ من فيسبوك في عام 2014 حول كيفية إجراء الشركة تغييراتٍ جذريةً في شبكة التواصل الاجتماعي، فإن الرئيس التنفيذي لفيسبوك يحتفظ بـ"قائمةٍ صغيرةٍ من المنافسين الاستراتيجيين".
وأوضحت المذكرة أن هؤلاء المنافسين الاستراتيجيين ليس لهم الحقُّ في النفوذ إلى بعض الخدمات المتاحة أمام مطوِّرين آخرين "دون تصريحٍ من مارك"، في إشارةٍ إلى مارك زوكربيرغ.
هذا وقد قرَّر مسؤولو فيسبوك التنفيذيون كذلك عرقلة مسيرة خدمة فيديوهاتٍ مُقَدَّمةٍ من المنافس تويتر Twitter، وفقاً لرسالة بريدٍ إلكترونيٍّ صادرةٍ من المسؤول التنفيذي دان روز يوم 24 يناير/كانون الثاني، 2013، يبدو أنَّها نصٌّ لمحادثةٍ دارت عبر الإنترنت بين مسؤولين تنفيذيين بالشركة.
وتُظهِر الرسالة المسؤول التنفيذي بفيسبوك جاستن أوسوفسكي وهو يصف ماهية الـVine، وهي خاصيةٌ مُقدَّمةٌ من تويتر تتيح للمستخدمين نشر فيديوهاتٍ من ستِّ ثوانٍ.
وقال أوسوفسكي إن فيسبوك يسمح حالياً لمستخدمي الـVine بالعثور على أصدقائهم بواسطة فيسبوك.
وأكمل في الرسالة قائلاً: "ما لم يُبدِ طرفٌ آخر أية اعتراضاتٍ، سنعوق نفوذ أصدقائهم إلى API (واجهة برمجة التطبيقات) اليوم"، مشيراً إلى بوابة الدخول إلى البيانات الخاصة بالشركة. وتابع قائلاً: "لقد أعدَدنا ردَّ فعلٍ للعلاقات العامة".
وأجاب زوكربيرغ بثلاث كلماتٍ: "أجل، أفعل ذلك". وقد رفض متحدثٌ باسم تويتر التعليق، ويُذكَر أن تويتر قد عطَّل خاصية الـVine في عام 2016.
مخالفات قانونية تقوم بها شركة فيسبوك
ومن جانبه قال أشكان سلطاني، رئيس الخبراء التكنولوجيين السابق في لجنة التجارة الفيدرالية، والذي خرج بانتقاداتٍ لفيسبوك، إن الوثائق المنشورة يوم الأربعاء: "لا تُبدِي فحسب أدلَّةً على مخالفاتٍ قانونيةٍ في ما يتعلق بخصوصية المستخدم، وإنما تُظهِر كذلك ممارساتٍ قويةً مُعاديةً للمنافسة في طريقة استغلالهم المادِّي لبيانات المستخدمين".
وقد حقَّقت لجنة التجارة الفيدرالية في احتمالية أن يكون فيسبوك قد انتهك قرارَ تَرَاضٍ صادراً في عام 2012 وافقت فيه الشركة على الحصول على موافقة المستخدمين لتحصيل البيانات الشخصية ومشاركتها مع الآخرين.
وقد ظَهَرت الوثائق الداخلية المُقَدَّمة للمُشَرِّعين البريطانيين في البداية كجزءٍ من قضيةٍ مرفوعةٍ ضد فيسبوك من طرف شركة Six4Three، المطوِّرة لتطبيقٍ صار الآن معطَّلاً.
وقد رفعت سِكس فور ثري قضيةً على فيسبوك في عام 2015، زاعمةً أن سياسات البيانات التي يتبنَّاها فيسبوك معاديةٌ للمنافَسَة وفضَّلت شركاتٍ مُعَيَّنةً على أُخرَى.
وقد ظلت أغلبية الوثائق المقدَّمة في القضية سريَّةً برغبةٍ من فيسبوك وبأمرٍ من أحد قضاة كاليفورنيا.
وقد وصفت شركة فيسبوك، الواقع مقرُّها في مدينة مينلو بارك بولاية كاليفورنيا، القضية المرفوعة من Six4Three بأنها "لا أساس لها من الصحة".
أفكار حول تحصيل رسوم من الشركات
واستشهاداً بوثيقة محكمةٍ غير منقَّحةٍ، كتبت صحيفة Wall Street Journal الأميركية في السابق تقريراً عن أنه منذ بضع سنواتٍ، قد درست شركة فيسبوك تحصيل رسومٍ من الشركات الأخرى مقابل الاستمرار في النفوذ إلى بيانات المستخدمين.
وفي إحدى الرسائل المنشورة يوم الأربعاء، بتاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2012، أعرب زوكربيرغ عن تفكيره في إمكانية تحصيل فيسبوك مقابلاً مادياً مباشراً من المطوِّرين لأجل الحصول على البيانات.
وفي رسالةٍ أخرى، قال زوكربيرغ إن فيسبوك بإمكانه السماح للمطوِّرين بالنفوذ إلى بعض خدمات فيسبوك دون مقابلٍ، ولكن بتسديد 10 سنتات لكلِّ مستخدمٍ مقابل الحصول على معلوماتٍ عن أصدقاء المستخدمين على فيسبوك. وبموجب اتفاقٍ كهذا، يمكن للمطوِّرين تغطية التكاليف عن طريق التسديد المباشر لفيسبوك أو شراء الإعلانات، وفقاً لنصِّ محادثةٍ اشترك فيها مسؤولو فيسبوك التنفيذيون في عام 2012.
الخوف من فقدان النفوذ
وفي النهاية، قال زوكربيرغ إنه يفضِّل أن يكون النفوذ إلى البيانات مجانياً، طالما يَسَّر المطوِّرون على مستخدميهم إعادة البيانات إلى المنصة.
وجاء في نصِّ مراسلاته أن السماح للمطوِّرين بالوصول إلى بيانات فيسبوك دون تعاملهم بالمثل "قد يكون في صالح العالم ولكن ليس في صالحنا نحن ما لم يُعِد المستخدمون المشاركة على فيسبوك، لكي يرفع ذلك المحتوى من قيمة شبكتنا".
وبدا كذلك أن شركة فيسبوك مُتخوِّفةٌ من فقدان النفوذ إلى بيانات التطبيقات المرتبطة بزوكربيرغ ومسؤولة التشغيل الرئيسية لفيسبوك، شيريل ساندبرغ. وقد أوضح رسمٌ بيانيٌّ مُرفَقٌ بإحدى الرسائل عدد التطبيقات المتأثِّرة بالتغييرات في سياسة البيانات -أكثر من 27 ألفاً- وبيَّن رسمٌ بيانيٌّ آخر عدد التطبيقات التي هي "صديقةٌ لمارك" و"صديقةٌ لشيريل"، وهي 31 و66 على التوالي، وفقاً لإحدى الوثائق.
ليس من الواضح إن كانت تلك التطبيقات مؤهَّلةً للحصول على معاملةٍ خاصَّةٍ بعد وصفها بالـ"صديقة" لاثنين من كبار المسؤولين التنفيذيين بفيسبوك.