لم يستخدم ديف مفتاحاً ليدخل منزله، ولكنه حرك كف يده أمام الباب ليُفتح وحده، ولم يكن هذا مشهداً من فيلم خيال علمي، لكن فقط استخدم ديف إحدى الشرائح الإلكترونية المزروعة تحت الجلد لفتح الباب.
بين أصابع ديف، بالكاد يظهر نتوء بحجم حبة أرز، وهو عبارة عن شريحة إلكترونية استخدمها في فتح باب منزله بلا أدنى جهد.
وهذا النتوء هو أحد تجليات التطور الهائل في الشرائح الإلكترونية المزروعة تحت الجلد، حسبما ذكر تقرير لموقع BBC Mundo الإسباني.
ثورة حقيقية.. الشرائح الإلكترونية المزروعة تحت الجلد تستطيع القيام بمهام متعددة
يعمل مهندس البرمجيات البريطاني ديف ويليامز بشركة Mozilla المتخصصة في البرمجيات، ولديه شريحة صغيرة مدمجة بيده، وهي دائرة إلكترونية على شكل حبة صغيرة تعتمد على التكنولوجيا اللاسلكية.
ويقول ويليامز لهيئة الاذاعة البريطانية: "لدي ذاكرة سيئة للغاية"، وتابع: "لهذا السبب قررت أن أزرع هذا الجهاز الصغير، كي لا أصاب بالهلع في كل مرة أنسى فيها مفاتيح المنزل".
هذا هو النوع نفسه من الشرائح الإلكترونية المزروعة تحت الجلد التي أصبحت شائعة في السويد .
كما تنتشر في دول غربية أخرى مثل ألمانيا وأستراليا ونيوزيلندا، حيث تم تنفيذ العديد من المبادرات لتعزيز هذه التكنولوجيا المستقبلية.
وفي السويد تحديداً أصبحت هذه الشرائح شائعة بشكل لافت للانتباه
لكن حالة السويد تلفت الانتباه بشكل خاص؛ إذ إن نحو 3000 شخص، وفقاً لتقرير لوكالة فرانس برس في مايو/أيار 2018، يحملون الشرائح الإلكترونية المزروعة تحت الجلد بالفعل، على الرغم من أن الرقم الحقيقي من المرجح أن يكون أعلى من ذلك.
ويقول بن ليبرتون، طبيب علم الأحياء المجهرية الذي يعمل بمختبر ماكس الرابع في لوند بجنوب السويد: "في بلادنا، يتزايد عدد الأشخاص الذين يزرعون هذه الشرائح، التي يختصر اسمها بـRFID، بأيديهم لاستخدامها في فتح الأبواب وركوب القطارات وحتى دفع المشتريات".
إنها تُستخدم في مجالات عدة من الحيوانات إلى جوازات السفر
وتسمح تقنية "رقاقات الراديو لا سلكية-RFID" التي تقوم عليها هذه الشرائح، بالوصول عن بعد إلى المعلومات التي تحتوي عليها.
ويتم استخدامها في اللواصق المضادة للسرقة، بمنتجعات التزلج على الجليد وأيضاً في "شرائح تحديد الهوية" للحيوانات الاليفة، كذلك بمعظم الهواتف الذكية وبطاقات الاتصال، بالإضافة إلى جوازات السفر الإلكترونية.
ولكن في السنوات الأخيرة، اكتسب استخدام هذه التقنية في الجسم البشري أهمية خاصة، ويبدو أن السويد سوف تقود هذا التوجه الجديد.
وجدل بعد أن زرعت شركة سويدية هذه الشرائح بأيدي موظفيها
كانت البداية عندما تصدرت شركة Epicenter للتكنولوجيا المتطورة في ستوكهولم عناوين الصحف في عام 2015، عندما أثارت بعض الجدل بإعلانها أنها ستقوم بزراعة الشرائح الذكية في أيادي موظفيها.
ومع معصم يد "متطور"، بإمكان الموظفين دخول مبنى الشركة، واستخدام آلة النسخ أو دفع ثمن القهوة بواسطة الشرائح الإلكترونية المزروعة تحت الجلد.
وقال المدير والشريك المؤسس للشركة، باتريك ميسترتون في عام 2017: "الفائدة الأكبر هي الراحة".
وأضاف: "تسمح هذه الشريحة بالاستغناء عن العديد من الأشياء، مثل بطاقة الائتمان والمفاتيح".
الدفع مع عدم اللمس.. إليك ما يحدث على متن القطار
تسمح الشرائح بإنفاق النقود بطريقة الدفع مع عدم اللمس (Contactless payment)، وهي طريقة دفع يتم الترويج لها بشكل خاص في السويد.
وأصبح الدفع نقداً أمراً نادراً في السويد، حتى إنه استُخدم في 1% فقط من قيمة المعاملات التي تمت في عام 2016.
وبعض هذه المعاملات أيضاً تتم على متن القطارات؛ إذ إن شركة القطارات الوطنية SJ -الأكبر بالسويد- هي الأولى في العالم التي تقبل بطريقة الشرائح الإلكترونية المزروعة تحت الجلد للدفع.
وعندما يمر المراقب، يضع بعض الركاب يدهم بالقرب من تطبيق هواتفهم الذكية.
ويبدو أن تذكرة القطار تحولت بالنسبة إليهم إلى شيءٍ من الماضي.
ويتعين على كل شخص حامل لشريحة مثل هذه في يده أن يسجل مع الشركة مسبقاً، للحصول على رقم ويكون قادراً على الدفع.
ويفهم ستيفن راي، مدير الاتصالات في شركة SJ، عمل هذا النظام بشكل جيد، لأنه هو نفسه يملك شريحة صغيرة مزروعة تحت جلد يده.
وبهذه الطريقة، تشير شاشة الهاتف الخلوي الخاص بالمراقب إلى أن الراكب قد دفع ثمن التذكرة بواسطة الشرائح الإلكترونية المزروعة تحت الجلد، وتظهر بياناته مع رقمه واسمه.
إنه أمر اختياري حتى الآن، وهناك ضمانات للخصوصية
"المعلومات الوحيدة التي تقرأها الشركة من الشرائح الإلكترونية هي رقم العضوية في برنامج عضوية SJ"، حسبما يقول راي.
وتابع: "لا يعتبر هذا الرقم الخاص بشركة القطارات سرياً، ويتم ضمان خصوصية العملاء من وجهة نظرنا".
وحتى الآن، لا يتم استخدام هذه التقنية إلا في الرحلات الإقليمية للشركة، لكن الخطة المستقبلية تطمح إلى تغطية مسافة أبعد بكثير.
ومع ذلك، يوضح راي أن "هذا لن يكون إلزامياً أبداً؛ فهي خدمة اختيارية لا نزال نعتبرها في مرحلة الاختبار".
ويقول ستيفن إن الفكرة هي أن يتم توسيع هذه الخدمة لتشمل مجالات أخرى (ومدفوعات أخرى) من الحياة اليومية، مثل بطاقة الائتمان.
ولكن البعض يخشى عواقب هذه الشرائح
من ناحية أخرى، لا يؤيد الجميع تقنية الشرائح الإلكترونية المزروعة تحت الجلد، أو على الأقل لا يحملون الرؤية المتفائلة نفسها.
ويقول موندو بن ليبرتون الطبيب في علم الأحياء المجهرية: "هذه التكنولوجيا تقلل من عدد البطاقات والأجهزة التي تحتاجها، فهي مصغّرة بشكل هائل، ما يجعل فقدانها مستحيلاً".
على الرغم من ذلك، يخشى ليبرتون من أن هذه الرقائق يمكن أن تنتهك خصوصية وأمن مستخدميها.
يشرح ليبرتون: "بما أن هذه الرقائق مدمجة في المزيد من الخدمات الرقمية، فإنها ستكشف عن المزيد من البيانات إذا تم اختراقها".
وأضاف: "إنها نقطة ضعف عندما يتعلق الأمر بالأمن".
فالتخوف الحقيقي عندما يتم دمج أسرارنا البيولوجية.. هل ستعرف الشركات نقاط ضعف أجسادنا؟
يقول عالم الأحياء المجهرية: "تخيَّل -لو كنت تستخدم هذه الشريحة لفتح منزلك أو الوصول إلى حسابك المصرفي- ماذا يمكن أن يحدث لو تسربت هذه المعلومات".
وأضاف: "أخشى أن الراحة سوف تجعل تسرُّب مثل هذه المعلومات الحساسة أمراً أكثر سهولة".
في النهاية، يظل السؤال معلقاً، "عندما يبدأ دمج البيانات البيولوجية في هذه الشرائح وتعرف الشركات أكثر منك عن صحتك".
فما الآثار الأخلاقية الناجمة عن ذلك؟ ومن الذي سيضع القواعد؟