تخيل لو أنك أخذت حماماً منعشاً ثم خرجت لتكتشف أن حجمك تقلص بمقدار 1500 مليون مرة عن حجمك الطبيعي. أو أنك دخلت إلى غرفة الجلوس في منزلك لكنك لم ترَ ما اعتدت عليه من كراسي وطاولات وأفراد عائلتك، بل كان كل ما تراه من حولك هو ذرات وجزيئات وبروتينات وخلايا دقيقة.
تخيل أيضاً لو أنك لا ترى الذرات التي تُصنع منها كل الأشياء فحسب، بل أنت فعلاً قادر على تحريك هذه الذرات أيضاً والتحكم بها.
لنفترض الآن بأنك قمت بتجميع هذه الذرات مع بعضها البعض بأساليب مبتكرة وإبداعية كما تجمع قطع لعبة ليغو LEGO الصغيرة والشهيرة، يمكنك الآن بناء وخلق أدوات ومعدات مذهلة فقط بالتقاط وتجميع الذرات والجزيئات معاً.
أي شيء يمكن أن يخطر ببالك بدءاً من الأدوية الجديدة المتطورة وصولاً إلى رقاقات أجهزة الكمبيوتر ذات السرعة الفائقة ستتمكن من تصنيعه. من هنا أتت تسمية الأشياء الجديدة ضمن هذا العالم المتناهي الصِغر بـ"تكنولوجيا النانو" أو nanotechnology، والتي تعد واحدةً من أكثر مجالات العلوم والتكنولوجيا إثارة وسرعةً في التطور في عالمنا اليوم.
التقنية المتناهية الصغر
تقنية النانو هي وحدة قياس متناهية الصغر يتم استخدامها في القياسات الذرية لتحديد أحجام جزيئات المادة. النانو يساوي واحد من مليون من المليمتر، أي ما يستحيل إدراكه بالعين المجردة أو ببعض المكبرات البسيطة، إذ تحتاج رؤية الجزيئات التي تقاس بالنانو جهاز متخصص ومتطور.
كما لا يعتبر مصطلح النانو حديثاً، إذ جرى استخدامه قديماً في بداية التطور العلمي لقياس الكميات الفيزيائية والكيميائية، إذ أن كلمة النانو Nano تعني باللغة اليونانية قزم Dwarf.
بدأت الأفكار والمفاهيم الكامنة وراء علم النانو وتكنولوجيا النانو مع الخطاب الشهير للفيزيائي ريتشارد فاينمان Richard Feynman بعنوان "هناك الكثير من المساحة في القاع" في اجتماع الجمعية الأميركية للفيزياء في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (CalTech) في 29 ديسمبر/كانون الأول 1959، والذي ألقاه قبل فترة طويلة من البدء باستخدام مصطلح تقنية النانو.
في خطابه هذا، تحدث فاينمان عن إمكانية التلاعب والتحكم في الذرات الفردية والجزيئات. وبعد أكثر من عقد من الزمان، ابتكر نوريو تانيجوتشي Norio Taniguchi مصطلح تقنية النانو من خلال استكشافه لأدواتٍ وآلات دقيقة الصنع. ولم يكن حتى عام 1981، حين بدأت التكنولوجيا النانوية الحديثة بالظهور مترافقةً مع اختراع المجهر الأنبوبي الماسح والذي يُمكّن من إجراء مسحٍ للذرات الفردية.
ومن المهم أيضاً أن نعرف الفرق بين علم النانو وتقنية النانو. فعلم النانو هو دراسة الظواهر والتلاعب بالمواد في المقياس النانوي. أما تقنية النانو فهي تصميم وإنتاج وتطبيق الهياكل والأجهزة والنظم من خلال التحكم في الشكل والحجم على مقياس النانو.
ولإعطائك فكرة عن مدى صغر النانو إليك الأمثلة التالية:
- يوجد في كل إنش واحد بحدود 25400000 نانومتر.
- تبلغ سماكة ورقة واحدةٍ من أوراق الصحيفة الإخبارية حوالي 100000 نانومتر.
- شعرة واحدة من رأسك تكون بسمك حوالي 50000 – 100000 نانومتر.
- الأظافر تنمو بحدود واحد نانومتر في الثانية الواحدة.
تكمن أهمية هذه التقنية في كونها غير مكلفة وعوائدها الاقتصادية مرتفعة للغاية، فعلم النانوتكنولوجي هو علم تعديل الجزيئات أو الذرات لصنع منتجات جديدة، ويطلق هذا التعبير على أي تقنية تعمل على مستوى المقاسات الفائقة الصغر. ويمثل النانو جزءاً من المليار من المتر مما يقلل المساحة بنحو مليون ضعف ويؤدي ذلك إلى زيادة السرعة وتقليل استهلاك الطاقة للمعدات المستخدمة فيها تقنية النانو.
كما تشير كلمة نانوتكنولوجي الى تقنية بناء المادة وتركيبها انطلاقاً من الذرة الواحدة ، أي برصف الذرة إلى جانب الذرة حوالي تسع ذرات بجانب بعضها بعضاً على النانومتر الواحد.
أين توجد المواد ذات المقياس النانوي؟
المواد ذات المقياس النانوي والتأثير النانوي توجد في الطبيعة في كل مكان حولنا. أسرار الطبيعة للبناء من المقياس النانوي تنتج عمليات وآلية يأمل العلماء في تقليدها. قام الباحثون سابقاً بنسخ البنية النانوية لأوراق نبات زهرة اللوتس لإنتاج سطوح مضادة للماء تستخدم اليوم لعمل ملابس مضادة للتلطخ، لإنتاج أنسجة أخرى، ومواد أخرى، بينما قام آخرون بتقليد قوة ومرونة نسيج العنكبوت، الذي عُزز طبيعياً بالبلورات النانوية.
إن كثيراً من الوظائف المهمة في حياة الكائنات الحية تحدث وفق المقياس النانوي، إن أجسامنا وأجسام جميع الحيوانات تستخدم مواد طبيعية ذات مقياس نانوي، مثل البروتينات والجزيئات الأخرى، للتحكم بالعديد من أنظمة وعمليات أجسامنا. البروتين النموذجي مثل الهيموجلوبين، والذي يحمل الأكسجين خلال مجرى الدم يبلغ قطره 5 نانومتر، أو 5 أجزاء من البليون من المتر.
وتركز الأبحاث أساساً في هذا المجال على الصناعات الجزيئية، وبالتالي فإن فن المعالجة البارعة للمواد على مقياس صغير جداً لصنع آلات وأجهزة بالغة الصغر له أهمية عظيمة. وفوائد هذه التقنية تشمل كثيراً من المجالات الحيوية والتطبيقية. والمفاجأة الحقيقية أن الخبراء حينما يصنعون الأشياء في هذه المقاييس، فإنهم يحصلون على تأثيرات مدهشة، فمن الممكن إنتاج مخترعات كثيرة متناهية الصغر مثل رقاقات الكمبيوتر والمغناطيسات والمصابيح والأقمشة.
المواد النانوية تحيط بنا من كل جانب، في دخان النار، الرماد البركاني، رذاذ البحر، كما في المنتجات الناشئة عن عمليات الاحتراق. إن بعض هذه المواد وضعت في الاستخدام منذ قرون ، فمادةٌ مثل الذهب (النانوي)، استخدمت في الزجاج المصبوغ والخزف منذ القرن العاشر، ولكن تطلب الأمرُ 10 قرون أخرى قبل أن تتطور المجاهير العالية القدرة والمعدات الدقيقة لكي تسمح للمواد النانوية بأن تُتَخيل وتُستدعى.
أنابيب الكربون النانوية
تم اكتشاف أنابيب الكربون النانوية عام 1991 و بالرغم من أن أنابيب الكربون النانوية صعبة التصنيع ومرتفعة التكاليف إلا أن إمكانياتها هائلة لكونها مواد بالغة القوة، إذ أن مقاومة هذه الأنابيب تفوق بمئات الأضعاف مقاومة الفولاذ كما أنها أرفع من شعرة الإنسان بخمسين ألف مرة. ويُعرف الأنبوب النانوي كمادة شبه موصلة وإذا وُضعت الذرات بترتيب مختلف يتصرف الأنبوب كمعدن ناقل ففي بعض الأحيان تتمتع بخواص المعادن، وأحياناً تتمتع بخواص أشباه الموصلات حيث تمتاز أشباه الموصلات بأنها تنقل التيار الكهربائي.
وتتميز أنابيب الكربون النانوية بأنها شفافة وأقوى من الفولاذ ومن أقوى المواد البلاستيكية المتينة وتُصنع بشكل مرن ويمكن تسخينها كي تشع ضوءاً. في التجارب المخبرية أثبتت قدرتها على العمل كخلايا شمسية تلاقط أشعة الشمس لإنتاج الكهرباء، كما تم العمل على غزل أنابيب النانو الكربونية إلى خيوط مما سيجعل صناعة خيوط نانوية تقنية ممكنة اقتصادياً.
فوائد وتوظيفات تقنية النانو
بعد أكثر من 20 عاماً من الأبحاث الأساسية في مجال علوم النانو وأكثر من 15 عاماً من البحث والتطوير التي قامت بها مبادرة NNI الأميركية (National Nanotechnology Initiative)، تفي تطبيقات تكنولوجيا النانو بطرقٍ متوقّعة وغير متوقعة بوعدها في تقديم الإفادة للمجتمع.
وتساعد التقنية النانوية في تحسين العديد من القطاعات التكنولوجية والصناعية إلى حد كبير، بل إنها تحدث ثورة في العديد من القطاعات أهمها: تكنولوجيا المعلومات، وأمن الوطن، والطب، والنقل، والطاقة، وسلامة الغذاء، وعلوم البيئة، وغيرها الكثير.
نقدم لكم أدناه بعض الأمثلة من القائمة المتنامية لفوائد وتطبيقات تكنولوجيا النانو.
في مجال المواد والتطبيقات اليومية
تعتمد العديد من فوائد تكنولوجيا النانو على حقيقة إمكان تكييف هياكل المواد في مقاييس صغيرة للغاية لتحقيق خصائص محددة، وبالتالي توسيع أدوات علوم المواد بشكل كبير. تمكننا استخدام تكنولوجيا النانو من التحكم بسمات المواد كأن تكون أكثر فاعلية، أقوى وأخف وزناً وأكثر متانة وأكثر تفاعلاً وأكثر تشابكاً، والعديد من السمات الأخرى.
فالكثير جداً من المنتجات التجارية اليومية موجودة في السوق وفي الاستخدام اليومي والتي تعتمد على المواد والعمليات النانوية:
- تم استخدام النانو تكنولوجي كطلاء أو تغليف للنظارات، وشاشات الكمبيوتر والكاميرات، والنوافذ، والأسطح الأخرى، وجعلتها مقاومة للماء والترسبات، ومضادة للانعكاس، ومقاومة للأشعة فوق البنفسجية أو الأشعة تحت الحمراء، أو الضبابية و مضادة للميكروبات ومقاومة للخدوش. وتمتاز بأنها منخفضة التكلفة وسهلة الاستعمال وصديقة للبيئة ومقاومة للتآكل ونمو الميكروبات.
- بدأت المواد النانوية بتمكين "الأقمشة الذكية" القابلة للغسل والمزودة بأجهزة استشعار وأجهزة إلكترونية مرنة ذات قدرة نانوية عالية، من مراقبة الصحة والتحكم بالطاقة الشمسية واستخلاص الطاقة من خلال الحركة.
- ويستخدم العلماء الجسيمات النانوية لتحسين الملابس، من خلال طلاء الأقمشة بطبقة رقيقة من جزيئات أكسيد الزنك النانوية، بحيث توفر هذه الملابس حماية أفضل من الأشعة فوق البنفسجية. كما جُهّزت بعض الملابس بجسيمات نانوية على شكل شعيرات صغيرة تساعد على صدِّ الماء والمواد الأخرى، مما يجعل الملابس مقاومة للبقع.
- إن انخفاض وزن السيارات والشاحنات والطائرات والقوارب والمركبات الفضائية يعني توفيراً كبيراً في الوقود. تدخل الجسيمات النانوية في المواد المركبة للبوليمرات وتستخدم في صناعة مضارب البيسبول ومضارب التنس والدراجات وخوذات الدراجات النارية وقطع غيار السيارات والأمتعة وأغطية الأدوات الكهربائية، مما يجعلها خفيفة الوزن وقاسية ومتينة ومرنة في الوقت ذاته. كما توفر النانوتكنولوجي طلاءً للسيارات يمنع التصاق ذرات الغبار والماء على جسم السيارة وبإضافة مواد النانو إلى الإطارات يجعلها ذلك ذات مقاومة عالية للتلف والاحتكاك. وفي عام 2001 بدأت شركة تويوتا باستخدام النانو المركب في واقي الصدمات، الأمر الذي أدى الى تخفيف وزنه بنسبة 60% ومضاعفة مقاومته للخدش والثقب.
- إنتاج أغلفة طبية مشربة ببلورات نانوية من عنصر الفضة الذي يتميز بخاصية مقاومته للميكروبات حيث تقوم الضمادات الطبية المكسوة ببلورات الفضة النانوية بإطلاق أيونات فضية سريعة المفعول ومتواصلة الإنطلاق في الجروح لتسريع الشفاء. ويعّد معدن الفضة مضاداً للبكتيريا والفطريات ويمتاز بقدرته على قتل أكثر من 650 جرثومة دون أن يؤذي الجسم البشري لذا تم تزويد بعض الأجهزة الإلكترونية مثل الغسالات والثلاجات ومكيفات الهواء بتقنية سيلفر نانو القادرة على القضاء على الجراثيم ودون الحاجة لاستخدام المياه الساخنة.
- تقدم المواد ذات الهندسة النانوية أفضل أنواع المنتجات المنزلية مثل مواد إزالة الدهون ومزيلات البقع وأجهزة الاستشعار البيئية وأجهزة تنقية الهواء والمرشحات والمنظفات المضادة للبكتيريا ومنتجات طلاء متخصصة ومنتجات مانعة للتسرب، مثل الدهانات المنزلية ذات التنظيف الذاتي والتي تتسم بمقاومتها للأوساخ والعلامات.
- كما يتم دمج المواد النانوية في مجموعة متنوعة من منتجات العناية الشخصية للتحسين من أدائها وفاعليتها، ومثال على ذلك شركة لوريال L'oreal العالمية حيث أدخلت لمستحضراتها الكثير من مواد النانو مثل واقي الشمس حيث تقوم جزيئات النانو بحجب الأشعة الفوق بنفسجية باستخدام ثاني أكسيد التيتانيوم النانوي وأكسيد الزنك، لكن بعض الأبحاث تشير إلى أن مكونات النانو المستخدمة بشكل واسع في المواد الواقية من الشمس يمكن أن تضر بالحمض النووي للخلايا.
في مجال الإلكترونيات وتطبيقات تكنولوجيا المعلومات
ساهمت التقانة النانوية إلى حد كبير في التقدم الضخم في عالم الحوسبة والإلكترونيات، مما أدى إلى ظهور أنظمة أسرع وأصغر وأكثر قدرة على التحمل والتي يمكنها إدارة وتخزين كميات كبيرة جداً من المعلومات. وتشمل هذه التطبيقات المتطورة باستمرار:
- من خلال تقنية النانو أصبحت الترانزستورات، وهي المكون الأساسي لجميع أجهزة الحوسبة الحديثة، أصغر فأصغر. ففي مطلع القرن، كان حجم الترانزستور النموذجي يتراوح بين 130 و250 نانومتراً، وفي عام 2014، أنشأت شركة إنتل Intel ترانزستور بحجم 14 نانومتراً، ثم أنشأت شركة IBM في عام 2015 أول ترانزستور بحجم سبعة نانومترات، وأتى مختبر لورانس بيركلي الوطني بعدها بترانزستور يبلغ حجمه نانومتر واحد فقط في عام 2016! تستطيع هذه الترانزستورات الصغيرة جداً أن تخزن ذاكرة جهازك بالكامل على شريحة صغيرة واحدة!!
- في أجهزة التلفاز الحديثة و الهواتف المحمولة ساهمت تقنية النانو من خلال تقنية OLED بتوفير إضاءة أفضل مع إمكانية المشاهدة من زوايا متعددة وتحسين كفاءة الصورة فضلاً عن وزن أخف واستهلاك أقل للطاقة.
- تدخل الإلكترونيات المرنة والقابلة للانحناء والقابلة للطي والدحرجة في قطاعات مختلفة ويتم دمجها مع مجموعة متنوعة من المنتجات، بما في ذلك الأجهزة القابلة للارتداء والتطبيقات الطبية والتطبيقات الفضائية وإنترنت الأشياء. وعلى سبيل المثال تم تطوير الإلكترونيات المرنة باستخدام أشباه الموّصلات النانوية لاستخدامها في تطبيقات الهواتف الذكية وشاشات القارئ الإلكتروني. ويتم استخدام مواد نانوية أخرى مثل الجرافين graphene والمواد النانوية السليلوزية لصناعة أنواع مختلفة من الإلكترونيات المرنة وأجهزة الاستشعار القابلة للارتداء أو القابلة للصق، والخلايا الكهروضوئية التي يمكن خياطتها على الملابس، والورق الإلكتروني الذي يمكن لفه. إن وجود مثل هذه الإلكترونيات المسطحة والمرنة والخفيفة الوزن وغير القابلة للكسر ذات الكفاءة العالية يفتح الباب أمام منتجات ذكية لا تعد ولا تحصى.
- ومن تطبيقات النانو تكنولوجي في مجال الكمبيوتر الرقاقة الإلكترونية الجديدة بمساحة 1 سم مربع قادرة على تخزين ألف تيرا بايت (تعادل ألف مليون ميغابيت) يعني تخزين كل المعرفة البشرية المسجلة حتى الآن على هذه الشريحة و(تخزين نصف مليون أغنية أو 3500 فيلم بدقة عالية).
في مجال الصحة والتطبيقات الطبية
تعمل تقنية النانو على توسيع الأدوات الطبية والمعرفة والعلاجات المتوفرة حالياً للأطباء. يعتمد استخدام علم النانو، وهو تطبيق تكنولوجيا النانو في الطب، على النطاق الطبيعي للظواهر البيولوجية لإنتاج حلول دقيقة للوقاية من الأمراض وتشخيصها وعلاجها. فيما يلي بعض الأمثلة على التطورات الحديثة في هذا المجال:
- استخدام الجسيمات النانوية الذهبية كمسبارٍ للكشف عن تسلسلات الأحماض الأمينية المستهدفة، كما يتم اختبار الجسيمات النانوية الذهبية سريرياً كعلاجات محتملة للسرطان والأمراض الأخرى. كما أن دقة التصوير العالية وأدوات التشخيص المتطورة التي تتيحها تكنولوجيا النانو تمهد الطريق للتشخيص المبكر عن عدد كبير من الأمراض، وتتيح المزيد من خيارات العلاج الفردية، ومعدلات نجاحٍ علاجيةٍ أفضل. وتجري دراسة تقنية النانو لكل من تشخيص وعلاج مرض تصلب الشرايين، أو تراكم الترسبات في الشرايين.
- يعمل الباحثون في مجال النانوتكنولوجي على عدد من العلاجات المختلفة حيث يمكن للجسيمات النانوية أن تغلف أو تساعد على إيصال الدواء مباشرة إلى الخلايا السرطانية وتقليل خطر تلف الأنسجة السليمة. مما يسهم في تغيير الطريقة التي يعالج بها الأطباء مرض السرطان ويساعد على الحد بشكل كبير من الآثار السامة للعلاج الكيميائي.
- البحث في استخدام تكنولوجيا النانو للطب التجديدي يمتد تطبيقه نحو عدة مجالات، بما في ذلك هندسة العظام والأنسجة العصبية. مثال على ذلك تسريع نمو العظام باستخدام الأنابيب النانومترية المصنعة من أوكسيد التيتانيوم والخلايا الجذعية والتي تساعد الأشخاص الذين يتعرضون للكسور نتيجة ممارسة الرياضة أو حادث ما.
- تسير أبحاث النانو في مجال علاج الجلطات الدموية بشكل سريع نحو انتاج روبوتات نانوية يتم إرسالها إلى تيار الدم بحيث تقوم بإزالة الجلطات الدموية من جدار الشرايين دون أي عمليات أو تدخل جراحي.
- ومن إحدى أهم التطبيقات الواعدة للنانو تكنولوجي أنه يمكننا أن نستعمل النانو في بناء مختبرات تحمل في راحة اليد وأن نصمم روبوتات أصغر من رأس الدبوس تستطيع الدخول والحركة في العروق الدموية وتكون مستعدة للقيام بجراحة دقيقة ولكن يتخوف البعض من أن التعمق كثيراً في تقنية النانو قد يعرض مستقبل الحضارة الإنسانية للخطر مع سيطرة الآلات على مقدرات الكون. ويتيح لنا علم النانوتكنولوجي في المستقبل تطوير علاج قادر على تسريع العمليات الطبيعية التي تتم في الجسم وتدعيمها ضد هجمات الفيروسات والميكروبات إذ يبلغ طول خلية الدم الحمراء الواحدة نحو 7000 نانومتر وقطر جزيء الـDNA بين 2 نانومتر و 2.5 نانومتر.
في مجال الطاقة
تعمل تقنية النانو على إيجاد تطبيقات في مصادر الطاقة التقليدية، وتعزز بشكل كبير نُهج الطاقة البديلة للمساعدة في تلبية متطلبات الطاقة المتزايدة في العالم. يبحث العديد من العلماء عن طرق لتطوير مصادر طاقة متجددة ونظيفة، وبأسعار معقولة، إلى جانب وسائل للحد من استهلاك الطاقة وتقليل أعباء السميّة على البيئة:
- إنتاج بطاريات تخزين تخزّن كميات كبيرة من الطاقة ولفترات طويلة، وبالتالي إنتاج سيارات تعمل بالطاقة النظيفة بتكلفة أقلّ، وغير معتمدة على النفط.
- تعمل تقنية النانو على تحسين كفاءة إنتاج الوقود من المواد البترولية الخام من خلال تطوير وتحسين التحفيز الكيميائي. كما أنها تُمكّن من تقليل استهلاك الوقود في المركبات ومحطات الطاقة من خلال الاحتراق العالي الكفاءة وخفض الاحتكاك.
- كما يتم تطبيق تقنية النانو على استخراج النفط والغاز من خلال استخدام صمامات رفع الغاز التي تدعم تكنولوجيا النانو في العمليات البحرية أو استخدام الجسيمات النانوية للكشف عن كسور مجاري خطوط أنابيب النفط.
- يقوم الباحثون أيضاً بتطوير أسلاك تحتوي على أنابيب كربونية نانوية ذات مقاومة أقل بكثير من أسلاك التوتر العالية المستخدمة حالياً في الشبكة الكهربائية، مما يقلل من فقدان الطاقة الكهربائية خلال عملية نقلها عبر الأسلاك.
- ويمكن أيضاً دمج تقنية النانو في الألواح الشمسية لتحويل أشعة الشمس إلى كهرباء على نحو أكثر كفاءة. فالخلايا الشمسية النانومترية أرخص في التصنيع إذا أن عملية تصنيعها مشابهة لعملية الطباعة الاعتيادية، وهي أيضاً الأسهل في التركيب حيث يمكن تصنيعها كلفافاتٍ مرنة بدلاً من ألواح صلبة متفرقة. تشير الأبحاث الحديثة إلى أن المحولات الشمسية المستقبلية قد تكون أيضاً "قابلة للرسم"!!
في مجال الفضاء
- تفكر وكالة الفضاء الأميركية ناسا في استخدام أنابيب الكربون النانوية في عمل مصعد فضائي يصل الأرض بالفضاء الخارجي لرحلات المستقبل وهو عبارة عن كابل يمتد في الفضاء مصنوع من مادة كربونية قوية وصلبة، بحيث يمكن للمركبات ذات القوة الكهربائية أن تسافر عليه ويقول العالم ديفيد سميثرمان "إن استخدام أنابيب الكربون النانوية لصنع المصعد الفضائي يرجع إلى أن مقاومة هذه الأنابيب تفوق بمئات الأضعاف مقاومة الفولاذ.
- كما ستستفيد مركبات الفضاء من تلك المواد حيث يلعب الوزن عاملاً حيوياً، وستساعد تقانة النانو من تقليص حجم المركبة ومن ثم تقليص استهلاك الوقود المطلوب لتحليقها في الجو. ولربما يسفر استخدام تقنية المواد النانوية عن تقليل وزن الطائرة بدون محرك إلى النصف تقريباً في حين تتم زيادة قوتها ومتانتها، هذا بالإضافة إلى أن تقانة النانو تقلل من كتلة المكثفات الفائقة والتي ستستخدم بصورةٍ متزايدةٍ في توفير القوة للمحركات الكهربائية المساعدة وذلك بهدف إقلاع الطائرة بدون محرك عن الأرض المنبسطة إلى التحليق في الأجواء العالية.
في مجال معالجة المياه
تستخدم مرشحات النانو في عملية التحلية وإزالة الأملاح من الماء إذ أن الكثير من الأضرار التي يسببها الكلور ومواد أخرى موجودة في الماء، سواء عند شربها أو الاستحمام بها و-خاصة أن التعرض للكلور أثناء الاستحمام له مخاطر أكبر من خطر شرب نفس الماء – فعند شرب الماء يأخذ طريقه إلى الجهاز الهضمي ومن ثم إلى الجهاز الإخراجي وفي نهاية المطاف جزء منه فقط يذهب إلى الدورة الدموية أما في حال الاستحمام به فالماء الساخن يفتح المسامات وبالتالي تأخذ الملوثات والكلور طريقها إلى الجسم والجلد كما أن البخار يكون محملاً بالكلور مما يجعله سهل الاستنشاق وهو في نهاية المطاف بخار محمل بمواد مسرطنة مما يعني المزيد من أمراض الجهاز التنفسي. لذا يستخدم لمعالجة وتحلية المياه عدة تقنيات منها الترشيح النانوي ومرشحات أنابيب الكربون النانوية.
النانوتكنولوجي.. مخاطر ومخاوف
رغم الفوائد العلمية الجمّة للنانوتكنولوجي إلا أن معارضيها يخشون من تحولها لسلاحٍ مدمر، فبينما تتنافس الدول لإستغلالها في العديد من مجالات الحياة يتخوف بعض العلماء والخبراء وواضعي السياسات العلمية من أن التعمق كثيراً في هذه التقنية قد يعرض مستقبل الحضارة البشرية للخطر وخاصة مع سيطرة الآلات الدقيقة على مقدرات الكون.
قد تتحول النانوتكنولوجي إلى آفات ميكانيكية مدمرة تستنسخ نفسها بنفسها أي ذاتية التكاثر ولا يمكن إيقافها وتتمثل أقوى مخاطرها في أن أنابيب النانو قد تدمر الحمض النووي إذا ما وضعت على الجلد مثل استخدام المواد الواقية من الشمس. كما أن الاستجابة العالمية لهذه التحديات ليست على المستوى المطلوب. ويتخوف العلماء من انتقال الجسيمات والمواد النانوية المتناهية الصغر إلى الجسم البشري وكذلك اختراقها لخلايا النبات والحيوان مؤديةً إلى تأثيرات ضارة على الخلايا، وبما أن خطورة الجزيئات النانوية تكمن في صغر حجمها وانتشارها السريع، فمن هنا تأتي خطورتها على الإنسان والنبات خاصة إذا احتوت هذه الجزيئات على مواد سامة رسخت فيها أثناء التصنيع.
وفي مجلة نيو ساينتست البريطانية جاء مقال للباحثة إيفا أوبيردو ستر Eva Oberdorster والتي حذرت فيه من سوء استخدام أنابيب الكربون النانوية بعد أن اكتشفت أنها تصيب الأحياء بتلف في المخ حيث استخدمت في تجربتها نوعاً من الأنابيب النانوية الكربونية يسمى باكي بولز buckyballs والتي تسهل إذابتها في الماء، ووضعت نصف جزء منها مقابل مليون جزء من الماء في حوض للأحياء المائية! واكتشفت بعد مرور 48 ساعة ظهور تلف كبير في أنسجة مخ الأسماك حيث كان التلف أكبر بـ 17 مرة مقارنة بالأسماك التي لم تتعرض للأنابيب النانوية الكربونية مما يعني أن استنشاق جزيئات الكربون النانوية يؤدي إلى وصولها للمخ وبقائها فيه محدثة أضراراً بالغة.
قد تطول قائمة المشاكل المحتملة لتقنية النانو، وكحال جميع المجالات سوف نرى مجموعة كبيرة من المعضلات والصراعات الأخلاقية والمعنوية والاقتصادية والتنظيمية والطبية غير نانوية. ولكن في حال القيام بالمراقبة العلمية الشديدة واتخاذ الاحتياطات اللازمة للحد من الأضرار الناجمة عن استخدام هذه التكنولوجيا فإن النانوتكنولوجي يمكن أن يحقق إنجازات علمية جبارة للبشرية يحسن من شروط حياة الناس في كل مكان على وجه الأرض ويمنع تحول هذه التكنولوجيا إلى قوة مدمرة مستقلة تماماً عن إرادة وقدرة البشر.