دائماً نشكو من أضرار ألعاب الفيديو على عقولنا وحالتنا النفسية، ولكن أخيراً ظهرت لعبة يمكن أن تجعلك أكثر تركيزاً وتطور قدراتك العقلية، بل تعالج الكثير من الاضطرابات.
ولكن الأغرب، كيف ستلعب هذه اللعبة، إذ لن تحتاج إلى أي أدوات أو أذرع اللعب التي نعرفها جميعاً في الألعاب التقليدية؟
ستجلس على كرسي مريح، ولن تشعر بأي ألم، ولكن ستُربط رأسك بعدة أسلاك لتمارس هذه اللعبة البسيطة، لتجد نفسك في النهاية قد عولجت من العديد من الاضطرابات النفسية، بل أصبح عقلك أكثر تركيزاً، حسبما ورد بموقع Business Insider الأميركي.
قصة لعبة يمكن أن تجعلك أكثر تركيزاً عبر مكافأة المخ
في عيادة طبيب ليست ببعيدة عن محطة ميونيخ المركزية بألمانيا، خاض كاتب تقرير الموقع الأميركي هذه التجربة بنفسه.
إنها لعبة يمكن أن تجعلك أكثر تركيزاً، وأيضاً تعالج كثيراً من الاضطرابات والمشكلات العقلية والنفسية.
يقول: "لقد تم توصيل رأسي بشبكة حمراء بها 12 قطباً كهربياً، تقيس موجات الدماغ لحظة بلحظة".
وأمامي شاشة كبيرة مسطحة، حيث يجلس بوذا في وضع زهرة اللوتس بداخلها.
ببطء، يرتفع هذا الشكل عن الأرض ويبدأ في الطفو، ولكن لا توجد أي ذراع تحكُّم مرئية بالمكان.
أنا من أتحكم في الشكل عبر موجاتي الدماغية.
هذا البرنامج تنظمه شركة ألمانية ناشئة تسمى Brainboost، ومديرها ومؤسسها هو فيليب هايلر، طبيب يبلغ من العمر 29 عاماً.
سترى بنفسك نشاط مخك
يقول فيليب: "في علم الارتجاع العصبي، نحلل الموجات الدماغية لحظة بلحظة بواسطة حاسوب. تتقسم الموجات إلى ترددات مختلفة ثم تنقل إلى الشاشة".
وأضاف: "ومن ثم، يستطيع الجالس أمام الشاشة أن يرى نشاط دماغه؛ أي إن الدماغ يراقب نفسه بنفسه".
ويُستخدم تخطيط أمواج الدماغ لتسجيل الموجات الدماغية، وهي طريقة طبية لقياس النشاط الدماغي.
ويقوم البرنامج على أن يتحكم المخ تلقائياً في لعبة فيديو بسيطة، من خلال نقل إشاراته إلى اللعبة عبر الأسلاك الكهربائية الموصولة بالدماغ.
إذن.. كيف يتحكم المخ في لعبة فيديو؟
عرض هايلر 6 أنواع من الموجات الدماغية، كانت موجودة في مخططات على الشاشة.
كما وُجدت منحنيات لحالات الدماغ المعرضة للضغط والإجهاد، وللأنشطة الهادئة والبطيئة للغاية، وللحالات التي تقع بينهما.
كل موجة من هذه الموجات تُترجم من خلال الجهاز المستخدم في هذا البرنامج إلى نشاط أو حركةٍ ما، داخل اللعبة.
إذ إن كل موجة تعبر عنها حركة معينة داخل اللعبة.
ومن ثم تتحكم موجات المخ المختلفة في اللعبة.
تقوم التجربة على وجود آلية داخل البرنامج، يفهمها المخ على أنها مكافأة له في حال تنفيذ حركات معينة داخل اللعبة.
ومن ثم، يشعر المخ بالحركات الفائزة باللعبة، عندما تتم مكافأته عليها.
ولذا، يحاول الثبات على الموجات التي تؤدي إلى حركات ترتبط بالفوز.
ويستطيع هايلر أن يختار مكافأة أحدهم في أثناء اللعبة، بناءً على نوع النشاط الذي يعرضه دماغ هذا الشخص في أثناء التدريب.
وبهذا، يستطيع تحفيز المخ بهذه المكافأة، للثبات لفترة على موجات معينة.
أي إنه يستطيع أن يختار الموجات التي ستنشط بالمخ، وبهذا فإنه يوجه المخ إلى حد كبير.
هل تكون واعياً بكل ذلك؟
شرح هايلر أنّه بتتبع المخ نشاطه بنفسه على الشاشة، يستطيع أن يحصل على ارتجاع عصبي مستمر عن نشاطه.
في الواقع، لا تتحكم الأفكار أو الإرادة الذاتية لشخص في هذه العملية، إنها تتم في الأغلب بشكل غير واعٍ.
ومع ذلك، يعرف الدماغ عندما تتم مكافأته، ولذا يحاول الثبات أطول وقت ممكن على الذبذبة التي تؤدي إلى المكافأة.
ولكن كيف يؤدي ذلك إلى معالجة الاضطرابات وجعل المخ أكثر تركيزاً؟
تستطيع شركة Brainboost استخدام هذه الآلية لعلاج أمراض مختلفة بدقة، أو لتحسين الأداء في مجال معين، حسبما يقول تقرير الموقع الأميركي.
إن وُجد نشاط مفرط في منطقة معينة بالمخ، مثل الاكتئاب، يستطيع المرضى استخدام الارتجاع العصبي في تدريب أنفسهم على الحصول على موجات دماغية "صحية بشكل أكبر".
على سبيل المثال، إذا أراد مدير أن يحسّن قدرته على التركيز، يمكنه استخدام التقنية، لتعزيز نشاط الدماغ المناسب.
فطريقة العلاج تقوم على تنشيط الموجات المطلوبة في المخ من خلال قدرة البرنامج على تحفيز المخ على تعزيز نشاط هذه الموجات عبر مكافأتها في اللعبة.
في الفيديو التالي، يمكنك مشاهدة لعبة أخرى تعمل بتقنية الارتجاع العصبي، طورتها شركة Brainboost.
المفاجأة أن هذا البرنامج قادر على معالجة عدد كبير من المشكلات العصبية والنفسية
أثبتت عدة دراساتٍ التأثير الإيجابي للارتجاع العصبي، من بينها دراسة أُجريت على الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، ونُشرت في وقت سابق من هذا العام (2018) بنشرة شركة أخرى تدعى neuroCare.
كما تستخدم أيضاً Brainboost طرقها لعلاج الاكتئاب، ومتلازمة الاحتراق النفسي، والصرع، والصداع النصفي، بل تعالج أيضاً القلق المزمن، والتوحد، واضطرابات النوم أيضاً، وتساعد في التغلب على عسر القراءة (الدسلكسيا)، ونوبات القلق.
تزيد معرفة نتائج الأداء الخاص بالارتجاع العصبي، من القدرات المعرفية لمن يخوضون هذه التجربة، مثل التركيز، والانتباه أو الإبداع.
كما يمكنها أيضاً زيادة الثقة بالنفس، والقدرة على الإقناع والتخفيف من التوتر أو القلق.
تضم قائمة المستهدفين من هذه العلاجات في أغلب الأحوال المديرين، أو الموسيقيين، أو الرياضيين، بالإضافة إلى تلاميذ المدارس والطلاب.
وكم يتكلف برنامج العلاج؟
وعادة، تتكلف جلسة علاج واحدة في brainboost، مدتها 50 دقيقة، نحو 100 دولار أميركي.
يستمر العلاج عادةً نحو 4 شهور، لكن يمكن استخدام طريقة معرفة نتائج الأداء على مدى أطول.
قال هايلر: " نحن كيانٌ هجين يجمع بين الممارسة الطبية ونشاط الشركات".
وأضاف: "نريد من ناحيةٍ أن نعالج المرضى بواسطة تمرينات الارتجاع العصبي، ومن ناحية أخرى، نريد أيضاً أن نستمر في تطوير التقنية التي تقوم عليها، وأن نجد حلولاً للارتجاع العصبي بأنفسنا".
يحقق المؤسسان هذا الآن بشركةٍ قوامها 15 موظفاً بخلفيات مختلفة. وفي مكتب مفتوح بجوار غرف التدريب، يعمل الطبيبان مع علماء نفس، ومطوري برامج، ومهندس كهربائي، بالإضافة إلى شخص مسؤول عن التسويق، والمبيعات، والتواصل/العلاقات العامة.
وهم يقولون إنهم لا يستهدفون الاستثمار، لكنهم بالفعل يربحون
تغطي Brainboost أجزاء كبيرة من سلسلة العمل الذي تقوم به، إذ تطور الشركة، التي يوجد مقرها بميونيخ، في جنوب ألمانيا، بنفسها، البرمجيات والأجهزة وأساليب العلاج.
وصممت الشركة الناشئة برامج التدريب مع مطوري برمجيات مستقلين، وقام مهندس كهربائي بتجميع الأجهزة.
وشرح هايلر: "لم نكن راضين عن تطبيقات الارتجاع العصبي والأجهزة الموجودة بالأسواق، حالياً؛ لذلك قررنا بسرعةٍ تطويرَ ما هو مطلوب في مجال تطبيقاتنا بأنفسنا".
Brainboost أيضاً ناجحة من الناحية الاقتصادية، إذ تعد الشركة ممولة ذاتياً بالكامل، ولديها تدفق نقدي مستمر منذ اليوم الأول.
جنت الشركة في عامها الأول أرباحاً من مبلغ مكون من 6 أرقام، تضاعفت 3 مرات في العام الثاني، ومرتين في العام الثالث.
في الوقت نفسه، تستقبل الشركة من 80 إلى 100 جلسة علاجية في الأسبوع. بالإضافة إلى ذلك، توجد جلسات تدريب، وورش عمل، وفعاليات تُقام داخل الشركة عدة مرات في الشهر.
ومع ذلك، حتى فإن المؤسسَين لا يطمحان إلى تكوين رأس مال استثماري، حسب قولهم.
إنهما يبدوان مهتمَّين أكثر بالحفاظ على حريتهما والاستمرار في رفع طموحات عملهما الحر، ربما في تطوير تطبيق للواقع الافتراضي VR، أو توسيع أعمالهما لتشمل قائمة عملائهما شركات أيضاً وليس أفراداً فقط.
قال هايلر: " أعتبر نفسي رائد أعمال اجتماعياً أكثر من أي شيء آخر".
وأضاف: "أنا غير مهتم بجني أموال كثيرة بأكبر سرعة ممكنة. هدفي الأساسي هو تطوير الارتجاع العصبي والتقنية المصاحبة له. الاحتمالات هائلة".