ظهر جهاز التحكم عن بعد في التلفاز، الذي نعرفه الآن لسبب بسيط جداً، وهو أن رجلاً أراد كتم صوت الإعلانات التي تنغص عليه مشاهدته للتلفاز.
بدأ الأمر برمته بسبب شيء ما زال مشاهدو التلفاز في القرن الحادي والعشرين يعرفونه جيداً، ألا وهو الغضب من إعلانات التلفزيون.
طرح إيوجين إف ماكدونالد، رئيس شركة زينيث للإلكترونيات، خلال خمسينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة أمام مهندسي الشركة تحدياً: فقد كان يكره مشاهدة الإعلانات على التلفاز. وأراد الحصول على أداة تمكنه من كتم الصوت خلال عرض تلك الإعلانات، أو حتى الانتقال إلى قناة أخرى (على أمل أن يشاهد شيئاً آخر غير الإعلانات)، حسب موقع BBC البريطاني.
ومنذ تلك اللحظة، وُلد جهاز التحكم عن بعد الذي نعرفه.
وأطلق طفرة في الإلكترونيات
أطلقت رغبة ماكدونالد الشخصية ثورة في عالم الإلكترونيات، مغيراً بذلك الطريقة التي شاهدنا بها التلفاز، كمشاهد أقل سلبية، وأكثر حدة. فإذا لم نحب ما نشاهده، يمكننا الانتقال إلى قناة أخرى بنقرة إصبع.
سُميت أداة شركة زينيث التي غيرت قواعد اللعبة باسم "فلاشماتيك" (Flashmatic) صممها المهندس إيوجين بولي، وطُرِحت في الأسواق عام 1955.
يقول جون تايلور، المؤرخ الداخلي لشركة زينيث، والمدير الإعلامي للشركة الأم إل جي التابعة لبولي، إنه "لم يكن مهندس إلكترونيات، بل كان مهندساً ميكانيكياً". ويضيف: "لذا، فقد كان الجهاز أداةً ميكانيكية بشكل كبير".
حينما كان الريموت بأسلاك
كانت هناك أجهزة يمكنها تغيير قنوات التلفاز عن بعد من قبل، لكنها كانت متصلة بالتلفاز نفسه، أي أجهزة تحكم عن بعد متصلة بالتلفاز بأسلاك. كان أشهرها الجهاز المملوك لشركة زينيث أيضاً، والمعروف باسم "Lazy-Bones". وهو يتيح للمستخدم تشغيل وإغلاق التلفاز، وتغيير القنوات، لكنه لم يكن يدعم خاصية كتم الصوت عند عرض تلك الإعلانات المزعجة.
كان جهاز "فلاشماتيك" مجانياً بالكامل ضمن ملحقات التلفاز. يقول تايلور إن هذا الجهاز "استخدم مصدر ضوء توجيهياً مرتبطاً بمستشعرات في كل زاوية من شاشة التلفاز". ويضيف: "أتاح ذلك للمشاهد كتم الصوت، تغيير القناة يميناً أو يساراً، عن طريق توجيه الوميض إلى الزر الموجود على الشاشة".
وبدا كبندقية شعاعية!
خلال فترة الانغماس في الفضاء والتصميم المعاصر خلال خمسينيات القرن الماضي، بدا جهاز فلاشماتيك كما لو كان أحد أدوات "فلاش غوردون" التي يستخدمها ضد بعض تهديدات العالم الآخر. يقول تايلور "كان ذلك عصر سبوتنيك وباك روجرز. إن هذا الجهاز بدا وكأنه بندقية صغيرة تُطلق شعاعاً أخضر".
وعلى الرغم من ذلك، واجهت أداة زينيث الفضائية الغريبة مشكلة كبيرة، إذ إن المستشعرات الأربعة الموجودة في زوايا الشاشة، كانت حساسة لما هو أبعد من مجرد الضوء الذي يُسلط عليها من الأداة التي بيد المشاهد. يقول تايلور: "يتوقف الأمر على موقع جهاز التلفاز داخل صالة جلوسك، فعندما يسقط شعاع الشمس على التلفاز، فإنه يعمل تلقائياً، أو تتغير القنوات تلقائياً".
أضف إلى ذلك، أن ما كان يبدو وكأنه لعبة طفل، جاء بسعر مرتفع جداً. يقول تايلور: "أضاف الفلاشماتيك 100 دولار إلى سعر جهاز التلفاز. كان ذلك في وقت كان بإمكانك شراء سيارة بسعر 600 دولار".
عادت زينيث من جديد إلى لوحة الرسم لإعادة التصميم، ولكن هذه المرة إلى لوحة رسم أحد مهندسيها الكهربائيين، وهو الفيزيائي روبرت أدلر.
أهمل ابتكار أدلر شعاع الضوء المُستخدم في جهاز فلاشماتيك. واستحدث طريقة جديدة لتفاعل جهاز التحكم عن بعد مع التلفاز.
وكانت هناك أفكار مختلفة
كانت إحدى هذه الأفكار تتمثل في استخدام موجات الراديو، إلا أن هذه الفكرة قد جرى استبعادها مبكراً حسب تايلور. إذ يقول: "إذا كنت تعيش في مبنىً سكني، كان بإمكانك تغيير قنوات التلفاز في غرفتك، وفي الغرف المجاورة لها أيضاً".
قرر أدلر في نهاية المطاف استخدام الصوت. وقد سُمي جهاز زينيث الجديد للتحكم عن بعد باسم "المتحكم الفضائي" (Space Command)، وكان جهازاً للتحكم عن بعد بالموجات الصوتية، الذي استُخدمت فيه مطارق صغيرة تضرب ألواحاً من الألومنيوم داخل جهاز التحكم. يتدفق هذا الصوت بترددات معينة، ما يؤدي بدوره إلى تشغيل أو إغلاق التلفاز، أو تغيير القناة، أو كتم أو تشغيل الصوت.
أجهزة بسيطة وأنيقة
يقول الكاتب الثقافي ستيفين بيشلوس إن أجهزة التحكم عن بعد مثل جهاز Space Command، تعد أجهزة بسيطة وأنيقة. ويقول: "أعتقد أن الدافع وراء استمراريتها يكمن في وجود هدف واضح أمامهم. فقد كان لديهم عدة وظائف قليلة يريدون تنفيذها، كما أن المستخدم كان مستمتعاً بتلك العملية البسيطة السهلة. إنه يختلف تماماً عن كثير من أجهزة التحكم المعقدة التي لدينا في الوقت الراهن".
ويشبه أفلام الخيال العلمي
بدا جهاز Space Command مشابهاً لجهاز تحكم ستار تريك، محتوياً على أربعة أزرار فقط، وهو ما يختلف تماماً عن أجهزة اليوم التي تحتوي على عشرات الأزرار المرصوصة بجانب بعضها البعض على قطعة مستطيلة من البلاستيك. وقد أدى النقر على القضبان الذي يولد صوتاً هادئاً إلى إكساب هذا الجهاز اسم "الناقر"، وهو ما قاد إلى حقبة أجهزة التحكم فوق الصوتية، الطريقة التي استُخدمت بكفاءة خلال ثمانينيات القرن الماضي.
وكانت تردداتها مسموعة
كانت الترددات المُستخدمة في أجهزة التحكم عن بعد مثل جهاز Space Command، مرتفعة لدرجة يمكن للأذن البشرية التقاطها، بينما قد تكون واضحةً لبعض الحيوانات مثل الكلاب والقطط. (أتذكر شقيقي وشقيقتي الكبيرين عندما كانا يطاردان قطط جديَّ حول المنزل باستخدام هذا الجهاز). يقول تايلور إن ثمة قصة مختلقة انتشرت خلال فترة اختبار شركة زينيث للجهاز، إذ قيل إن إحدى النساء العاملات في معمل الاختبار كانت تجفل في كل مرة يُجرب فيها الجهاز، بسبب حاسة السمع شديدة الحساسية لديها، حسب موقع BBC البريطانية.
وكانت BBC سبباً لنشأة جهاز تحكم عن بعد
لم تكن أجهزة التحكم في التلفاز عن بعد أكثر من مجرد حفنة من الأزرار حتى منتصف سبعينات القرن الماضي. وفي حقيقة الأمر، كانت شبكة بي بي سي سبباً جزئياً في نشأة الحاجة إلى جهاز أكثر تعقيداً. ففي عام 1974، أطلقت الشبكة خدمة سيفاكس (أو Ceefax) -وهي خدمة تعتمد على النصوص تستخدم السعة الاحتياطية في ترددات التلفاز التناظرية- في المملكة المتحدة. وعلى الرغم من ذلك، كان يستحيل على معظم مشاهدي التلفاز الوصول إلى صفحات الأخبار والرياضة والمعلومات المالية باستخدام جهاز تحكم عادي.
لذا، كان لا بد من إنشاء جهاز تحكم جديد، جهاز يحتوي على مساحة للوحة مفاتيح مُرقمة (لاستدعاء الصفحات المختلفة حسب أرقامها)، وكذلك للانتقال بين الخدمة النصية، والتلفاز العادي. ومنذ ذلك الحين، بدأ يتشكل جهاز التحكم عن بعد الذي نعرفه.
مع الدخول إلى المرحلة التالية من أجهزة التحكم عن بعد في التلفاز. فقد اضطرت الحاجة المتزايدة إلى إضافة وظائف متعددة، المصممين إلى البحث عن طريقة مختلفة للتواصل مع جهاز التلفزيون. إذ توصلوا إلى استخدام الأشعة تحت الحمراء في أجهزة التحكم. ومن ثم بدأ صوت جهاز التحكم المستخدم ينخفض فجأة (وأصبح اسم "الناقر" غير واقعي).
ولكن خلال فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وفي ظل ازدهار قنوات التلفزيون الكابلي، والانتشار الكبير للأجهزة الملحقة، مثل أجهزة الفيديو، ومشغلات دي في دي، ووحدات التحكم لأجهزة الألعاب، أصبحت أجهزة التحكم عن بعد منتفخة بعض الشيء.
وزادت الأزرار
في مقال نُشر على موقع Slate يرجع إلى عام 2015، تحدث الكاتب عن الازدياد المفاجئ للأزرار في أجهزة التحكم عن بعد، الذي كان يجب أن تكون موفرة للوقت. وقد جاء فيه "هناك عدد كبير جداً من الأزرار، ولكي نكون دقيقين، هناك 92 منهم، صُفوا في صفوف مطاطية، وبسبعة ألوان مختلفة، يحملون علامات متشابكة، تتراوح وتيرتها بين الوضوح والفظاظة من جهة، مثل (POWER، وFREEZE)، والغموض والإبهام من جهة أخرى، مثل (SUR، وNAVI)".
وقال الكاتب: "لقد أحصيت الأزرار التي استخدمتها بالفعل، ليست التي أستخدمها بشكل متكرر فقط، بل التي أضغط عليها من فترة لأخرى. وجدتها 34 فقط. أي أنه كان لدي فائض أزرار يناهز الخمسين".
يقول بيشلوس: "أدى ظهور تلفزيون الكابل في ثمانينات القرن الماضي، مع عشرات القنوات، بل المئات منها، إلى بداية حقبة أجهزة التحكم القابلة للبرمجة، التي تستطيع التحكم في كثير من الوظائف المختلفة، وأجهزة التلفاز المختلفة". ويضيف: "أصبحت أجهزة التحكم عن بعد أكثر صعوبة في التعامل معها، على غرار أنظمة تلفزيون الكابل نفسها".
ومضى العصر الذهبي لها
إلا أن أشياء قد تغيّرت في الآونة الأخيرة، إذ ربما يمكننا الرجوع إلى عصر ذهبي آخر من أجهزة التحكم عن بعد جزئياً، بسبب أننا لا نشاهد الكثير من برامج التلفاز على أجهزة التلفزيون الخاصة بنا، كما أن أجهزة التحكم التي نستخدمها لم يعد من الضروري حملها باليد.
يقول بيشلوس: "نحن لا نتجه إلى إمكانية استخدام هواتفنا الذكية في تشغيل جميع أجهزة منازلنا فحسب، بل نحن بصدد إنشاء أجهزة لاسلكية تتلقى أوامرها شفهياً". ويضيف: "بدلاً من البحث عن جهاز التحكم تحت أو بين ثنيات الأريكة، كل ما عليك أن تطلب من الجهاز اللاسلكي عرض البرنامج أو القناة التي ترغب في مشاهدتها على شاشة التلفاز. لا شك أن ذلك بالنسبة لشخص يمتلك حالياً قرابة سبع أجهزة تحكم تالفة في جميع أرجاء بيتي، يمثل تقدماً رائعاً".
الأمر السيئ الوحيد في هذه النسخة الجديدة من أجهزة التحكم، صعوبة التعامل مع خيالات باك روجرز الخاصة بك.