الأرض لا تصرخ ولا تتحدث بأصوات لطلب النجدة، ولكنها تقاوم بشراسة وبصمت. نحن من يصنع الضجيج بين تحذير ومحاولة للمواجهة عن طريق مؤسسات أهلية وأخرى علمية للتعريف بالأزمة الحقيقية التي تعيشها الأرض. ولعله آن الوقت لأن يرد كل شخص فينا الجميلَ لهذا الكوكب الذي يؤويه!
أجناس تنقرض وأنهار وبحار تُلوّث وأمراض تزداد. مع مستويات صحية في مناطق تُنبئ بكارثة، بالإضافة إلى انخفاض حجم الجليد وارتفاع منسوب مياه البحر، والأخطر من ذلك احتباس حراري وثقب فى طبقة الأوزون يسرّب الإشعاعات الضارة.
لكن في الوقت الذي ينكر فيه رئيس الولايات المتحدة الأميركية فكرة الاحتباس الحراري، يسعى رجال هذا الكوكب من العلماء والمُهتمين إلى إنتاج تكنولوجيا تساعد في تقليل تطور الأزمة ومعالجة نتائجها.
نذكر فيما يلي قراءة في أسباب هذه المشكلة ونتائجها وما المتوقع حدوثه في حال فشلنا في احتوائها.
جنينا على أنفسنا
أولاً: ثورة صناعية
يُقدر عمر الأرض بملايين السنين. إذاً ما الذي حدث مؤخراً ليتسبب في كل هذا؟!
في عام 1750 كانت بداية ما يسمى بالثّورة الصناعية وهي ما تشكل عالمنا اليوم، ولكن لكل شيء آثاراً جانبية؛ كان من أهمها الانبعاثات والمخلفات الغازية من المصانع والمحروقات. اعتمدت المصانع والمركبات منذ بداية الثّورة الصناعية إلى الآن على الوقود الأحفوري مثل الفحم والبترول ومشتقاته.
هذه المحروقات تُخلّف مجموعة من الغازات التي تتسرب إلى الغلاف الجوي لتصنع تأثيراً مثل تأثير الصوبة الزراعية أو المنزل الزجاجي فتقوم باحتجاز الحرارة داخل الغلاف الجوي مسببةً ارتفاعاً شديداً في درجات الحرارة.
من أهم هذه الغازات غاز ثاني اكسيد الكربون CO2 وغاز الميثان، وغاز أكسيد النيتروز وغازات الفلور.
ومع تطور الصناعات وبِدء ظهور الآلات، زادت شراهة الإنسان في التعدي على الطبيعة وقطع الأشجار والغابات، مما قلّص حجم الغابات بصورة غير طبيعية وهدد البيئة بكوارث.
ثانياً: انبعاثات شمسية فتحنا لها الباب
انبعاثات الشمس فى الآونة الأخيرة ارتفعت بسبب بعض التغيرات التي تدور بها، وما يزيد الأمر خطورة هو ثُقب الأوزون الذي صنعناه بأنفسنا في غلافنا الجوي، مما سٙمح لأشعة الشمس غير المرغوب بها في التسرب إلى الأرض .
وإنْ كنت تظن أن كلمة ثقب تعني شيئاً صغيراً، فالحقيقة الصادمة أن حَجم هذا الثقب أصبح بحجم قارة أميركا الشمالية، ما يعني أنه لم يعد ثقباً إنما فجوة عملاقة.
ثالثاً: دمرنا كل شيء
- هل سمعت عن التكهنات بحروب المياه؟! يسرّع التغيير المناخي من اقترابها. إذ أصاب الجفاف مناطق عديدة في الكوكب مثل مدينة كيب تاون بجنوب إفريقيا التي لم يعد بها مياه صالحة للشرب إطلاقاً، بالإضافة إلى جفاف نهر الفرات في العراق، كما انخفض أيضاً منسوب مياه بحيرة طبرية إلى أدنى مستوياته منذ أكثر من مئة عام.
- تصحّر الأراضي الزراعية واختلاف الظروف الملائمة لحياة بعض الكائنات، يهدد بانقراضها ويهدد الأمن الغذائي للبشر.
- انخفاض منسوب الثلوج في القطبين الشمالي والجنوبي، والذي تستطيع أن ترى تأثيره واضحاً فى غرين لاند. يُهدد ذوبان الجليد بغرق العديد من المدن الساحلية والجزر، علماً أنه يذوب بطريقة أسرع من المتوقع.
الحل يبدأ من دائرة الإنسان الصغرى
هل تشعر أن كل شيء أصبح في خطر؟ صدّقني ما تشعر به صحيح . لكن هناك دائماً أملاً ووسيلة لإصلاح كل شيء. أهم هذه الوسائل هي: نحن أنا وأنت وأسرنا وأصدقاؤنا. لكن فلنترك هذا الأمر للنهاية ودعني أخبرك بعض الحلول التي تساهم بها التكنولوجيا والعلوم للحد من التغير المناخي والمساعدة في تقليل الانبعاثات الضارة وحماية البيئة.
في هذه الحرب، يكون العلم هو السلاح الأقوى بعد التحرك في الاتجاه الصحيح لكل سكّان هذا الكوكب. ومهما قدّم العلم من حلول دون زيادة وعي البشر وإرشادهم وامتثالهم للتصرف الصحيح فلن يكون لهذه الحلول أية قيمة.
والآن ما هي هذه الحلول؟
ساهمت التكنولوجيا مؤخراً في حل الكثير من مشاكل البشر اليومية، وبالتالي يمكن تسخيرها لمقاومة التغير المناخي من خلال:
1.البيانات الضخمة أقوى الأسلحة وأولى الخطوات
تعتبر البيانات الضخمة هي أسرع وسيلة في فهم الاحتباس الحراري وسرعة تغيره وجعله تحت المنظار طوال الوقت، لكن ما هي البيانات الضخمة؟ كل كلمة تكتبها على الورق أو على حساباتك تعتبر نوعاً من أنواع البيانات. تخيل أنك وغيرك حول العالم تقومون بتغطية الشبكة العنكبوتية يومياً بملايين التيرا بايت من المعلومات تسمى هذه المعلومات بالبيانات الضخمة.
وأعلنت الأمم المتحدة مؤخراً عن منافسة عالمية تسمى "تحدي المناخ والبيانات الكبيرة" لتحفيز استخدام البيانات الضخمة لمعالجة هذه القضية. وهي تسعى إلى إظهار مشاريع منشورة حديثاً تُظهر الأثر الاقتصادي لأنماط تغير المناخ.
المسابقة جزء من قمة المناخ في سبتمبر/أيلول المقبل. ربما أنت أو غيرك تستطيعون المساهمة بمعلومات ولو قليلة. فكل معلومة حتى وإن كانت صغيرة مفيدة جداً. وتبسيطاً للأمور، البيانات الضخمة توفر كمية معلومات بوتيرة سريعة، وتساعد العلماء والقائمين على مكافحة التغير المناخي والاحتباس الحراري باستخدام طريقة سريعة لتحليل البيانات واستخلاص النتائج وضبط التوقعات.
2. فعاليات الهاكاثون للبحث عن حلول
الهاكاثون Hackathon هي فعاليات أُنشئت في الأصل للمبرمجين ومصممي الجرافيك وغيرهم من المهتمين بعالم التقنية والتكنولوجيا لإيجاد الحلول لمشكلات بعينها أو جمع التقنيين في مسابقة علمية لهدف مُحدد.
وأصبحت فعاليات الهاكاثون أدوات قوية تستخدمها الشركات والمؤسسات والحكومات لتوليد أفكار جديدة لخدمة المجتمع وتطوير الحلول البيئية من خلال جمع الصحافيين والعلماء والتقنيين، والشغوفين بالاستدامة لخلق موجة جديدة لحماية البيئة. حتى البيت الأبيض استضاف هاكاثون في عهد باراك أوباما.
3. سندوتش البرغر المكلف بيئياً
صناعة الثروة الحيوانية هي مساهم كبير في تغير المناخ. يتطلب الأمر طاقة كبيرة لصناعة سندوتش برغر واحد تتخطى الطاقة المستخدمة في تزويد سبعة أجهزة iPad بالطاقة الكاملة.
وتتطلب توريدات لحوم البقر وحدها 28 ضعفاً من مساحة الأرض لإنتاجها مقارنة بلحم الدجاج، و11 مرة أكثر من المياه. تولّد انبعاثات لغازات الاحتباس الحراري، نحو خُمس إجمالي الانبعاثات، وذلك وفقاً لورقة بحثية جديدة نشرتها كلية بارد، ومعهد وايزمان للعلوم التابع لجامعة ييل.
قد تجعل التكنولوجيا من السهل إلغاء أو تقليل الأطعمة التي أساسها الحيوان. حيث تُحاول الشركات الناشئة مثل شركة "هامبتون كريك" بإنتاج مكونات بديلة عن مشتقات الدجاج واللحوم أو إنتاج بروتين نباتي يشابه في شكله وطعمه البروتين الحيواني. كما تستخدم Modern Meadow هندسة الأنسجة لصناعة الجلود ومنتجات اللحوم من منتجات نباتية خالصة.
4. أبراج الطاقة الشمسية وخدعة المرايا القديمة
قد تكون الألواح الشمسية الكهروضوئية على كل سقف أنيقة، لكن الحقيقة هي أن التكنولوجيا لا تزال مكلفة للغاية وغير فعّالة. لكن هناك وسائل واعدة قد تساهم في رفع كفاءتها الإنتاجية، مثل مفهوم برج الطاقة الشمسية.
تعتمد هذه الأبراج على قدرة العدسات والمرايا في تركيز الطاقة الشمسية كما كنّا نفعل صغاراً. بحيث تعمل آلاف المرايا، على تركيز الطاقة الشمسية في برج مركزي. يحبس هذا البرج الحرارة ويولد كمية كبيرة من البخار لدوران التوربينات المولدة للطاقة.
تخطط شركات مثل "برايت سورس إنيرجي" حالياً لمرافق ضخمة في صحاري جنوب غرب الولايات المتحدة لتوليد كميات هائلة من الكهرباء النظيفة لمُدن مثل لوس أنجلس.
5. الكربون.. فلنحوّله إلى صديق
إذا كان الكربون وتفاعله مع الهواء وخروجه على هيئة عوادم هو أحد أهم الأسباب في هذه المشكلة، فمن الممكن أن نحوله إلى صديق وكنز يُدر علينا المال.
يمكن تقليل الانبعاثات الموجودة حالياً عن طريق إنشاء تكنولوجيا تقوم على تنقية الهواء من الكربون الموجود به وإعادة استخدامه، أو القيام بإضافة مرشحات على مداخن ومخارج المصانع تقوم باستيعاب وفصل الكربون وتخزينه.
إن صُنع الأشياء التي نستخدمها كل يوم يضع ضغطاً هائلاً على المناخ – حيث يأتي حوالي 30% من الانبعاثات من الصناعة.
ولكن ماذا لو استطعنا التخلص من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الجو؟ Carbon Engineering هي شركة كندية ناشئة تعمل على تجميع ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الغلاف الجوي مباشرة ثم تستخدمه لإنتاج الوقود.
ووفقاً للشركة ، فإن "الاستخلاص المباشر من الهواء يمكن أن يزيل كمية أكثر من ثاني أوكسيد الكربون لكل فدان من الأرض مقارنة بالأشجار والنباتات". تقوم الشركة بالفعل بتشغيل مصنع تجريبي في سكواميش، بريتيش كولومبيا، والذي يزيل طناً واحداً من ثاني أكسيد الكربون كل يوم.
6. أصغر الكائنات أنفع الحلول
الطحالب، ذلك الزّبد الأخضر الذي ينمو في حمام السباحة أو المصارف، يمكن أن يحتوي على أكثر من 50 % من الدهن النباتي. من خلال تغذيتها بمياه الصرف الصحي، وثاني أكسيد الكربون وتعريضها للدفء وضوء الشمس، فإنها تتكاثر بسرعة، مما يساهم في تخفيض الانبعاثات الغازية الضارة.
ويمكن استخراج الدهون منها بسهولة واستخدامها لإنتاج وقود الديزل الحيوي، والذي يمكن أن يحل محل أو يتم مزجه بالديزل العادي. كما يمكن استخدام المواد المتبقية كعلف للماشية أو حرقها كوقود للكتلة الحيوية أو معالجتها في الميثان بواسطة الكائنات البكتيرية الصغيرة.
تحمل الطحالب الكثير من الوعود المتفائلة، وتعمل العديد من الشركات، مثل PetroSun و GreenFuel Technologies، حالياً على تسويق هذه التكنولوجيا.
لكن في النهاية إن أردت أن تبحث عن السبب وعن الحلول فيجب أن تعرف أن الإنسان هو السبب وعنده يكمن الحل أيضاً.
بنمط حياتنا الاستهلاكي غير المبالي، استهلكنا هذا الكوكب، وشجعنا أصحاب المصالح على البحث عن المكاسب دون الخوف من العواقب. والآن يجب علينا أن نتخذ خطوات جريئة وحاسمة في تغيير نمط حياتنا.
نحن من يخلق متطلبات السوق ونحن من يستطيع مقاطعة المنتجات وإيقاف صناعتها وإنقاذ الكوكب.
اقرأ أيضاً:
جسيم "نيوترينو" عمره مئة عام يساعد في حل لغز أشعة كونية غامضة.. تغير هائل في قواعد العلوم الفلكية!
لن يسافر رواد الفضاء وحدهم بعد اليوم، سيرافقهم "سايمون" المستوحى من حرب النجوم