عندما يصدر إشعار أو تنبيه من هاتفك، تجد نفسك توتَّرت، بدون وعي تقطع عملك وتسارع لمعرفة فحوى الإشعار، هذا التصرف التلقائي البسيط قد يمثل واحداً من أبرز أضرار الهواتف المحمولة التي لا يتم الانتباه لها كما ينبغي.
يُحذِّر العلماء من أنه في كل مرة يُصدر فيها هاتفك تنبيهاً بورود إشعار جديد، يتسبب ذلك في تغيير التركيبة الكيميائية لدماغك، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة Daily Mail البريطانية.
فمن شأن الانقطاعات المستمرة الناجمة عن إشعارات رسائل البريد الإلكتروني الجديدة، والرسائل النصية، وتعليقات الفيسبوك، أن تحفز خلايا دماغك لإفراز مستويات عالية من هرمون الإجهاد "الكورتيزول"، الذي قد تكون له آثار ضارة للغاية على صحتك.
كما أكد العلماء أن كمية كبيرة من هذا الهرمون قادرة على جعلك تشعر بالقلق، وتتسبب في زيادة معدل ضربات القلب، بالإضافة إلى تصلب العضلات، وتعرق اليدين. ونوه العلماء بأن الإشعارات المستمرة تشتت انتباهك ما يؤدي إلى خفض إنتاجيتك بنسبة 40% دون علمك.
لماذا تُسبِّب الإشعارات هذا الضرر لإنتاجيتك؟
وفي هذا الصدد، صرّح دكتور علم النفس في الأكاديمية الطبية غير الربحية Cleveland Clinic، ستيف بيا، أنه "توجد ظاهرة نطلق عليها اسم "تكلفة التبديل"، وهي تحدث عند مقاطعتك عن فعل المهمة التي أنت بصدد التركيز عليها ثم تعود إليها من جديد. ونعتقد أن ذلك يقلل من كفاءة أدمغتنا بمقدار 40%".
في الحقيقة، تضع التكنولوجيا دماغ الإنسان في حالة تأهب قصوى ثابتة تقريباً، حيث يبقى الدماغ في انتظار ورود التنبيه التالي. وفي كل مرة يصل الإشعار، يطلق الجسم دفعة صغيرة من هرمون الإجهاد، الكورتيزول، مما يؤدي إلى زيادة معدل ضربات القلب وتصلب العضلات، ناهيك عن تعرق كفوف اليدين.
عندما تسمع الإشعار لا ينتهي توترك إلا في هذه الحالة
توصلت الأبحاث التي أجراها علماء الأعصاب في جامعة كاليفورنيا في بيركلي إلى أن المستويات العالية للكورتيزول ستخلق تغيُّرات دماغية على المدى البعيد، وهو ما يترك المرء بين كر وفر. فعندما يفرز الجسم الكورتيزول، بسبب إشعار صادر عن الهاتف الذكي، يمكن لهذه الحالة من التوتر أن تستمر حتى يتحقَّق الشخص من التنبيه، وذلك حسب تحذيرات دكتور علم النفس ستيف بيا.
الأخطر أن الأمر يتحول لإدمان
هذا النمط الذي يتراوح بين التوتر والراحة قادر على التأثير على أدمغتنا بشكل مشابه للإدمان؛ حسب الدكتور بيا.
فعندما نرضي رغبتنا الملحة في التثبت من تنبيه ما، يعمل ذلك بمثابة مكافأة بالنسبة لأدمغتنا ما يشجعه على تكرار هذا السلوك.
إذن كيف يمكنك اكتشاف أنك أصبحت مدمنا على استخدام الهاتف الذكي؟
معظم الأشخاص يتفحصون هواتفهم الذكية حوالي 80 مرة في اليوم، بمعدل مرة واحدة كل 12 دقيقة، وفقاً لدراسة أجرتها شركة Asurion المختصة في تأمين الشركات التكنولوجية.
وفي حين أن البعض قادرون على الاستمرار على هذا النهج دون مشكلات، سيصبح البعض الآخر مدمنين على استخدام هواتفهم الذكية، وهو ما دفع عالمة النفس في جامعة ستانفورد، الدكتورة آنا ليمبكي، إلى التنبيه بشأن بعض العلامات التي تدل على إدمان الهاتف الذكي.
عند تعريف الإدمان، ينظر الأطباء إلى ثلاثة عناصر مختلفة، وهي التحكم والإكراه والاستمرار في استخدام شيء ما على الرغم من العواقب المترتبة عن ذلك.
وأكدت الدكتورة ليمبكي أن الإدمان هو بمثابة تسلسل، يستند مدى شدته إلى مزيج من كل واحد من العناصر الثلاثة المذكورة، لذلك "هناك أنواع بسيطة ومعتدلة وشديدة من الإدمان".
إليك بعض الأعراض التي قد تكشف عن حالة إدمان للهواتف، وعن أعراض قد يصدمك أنها باتت منتشرة لدى الكثيرين.
1- استخدام الهاتف لفترة أطول مما كنت تخطط له: هل تتأخر على العمل بسببه؟
تقول الدكتورة ليمبكي، إنه في حال إدمان استخدام الهواتف الذكية، يبرز دور عنصر التحكم عندما يضع الشخص حداً لمقدار الوقت الذي يقضيه مع هاتفه، إلا أنه يتجاوزه باستمرار.
ويمكن تبين أمثلة لهذه الممارسات، من خلال قيامك بتأخير وقت رنين المنبه في الصباح لأنه عليك التحقق من موقع تواصل اجتماعي إضافي، أو تأخرك عن حضور اجتماع ما نظراً لأنك انشغلت في تفقد رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بك.
2- استخدامه في مواقف غير مناسبة: أثناء القيادة أو عند الذهاب إلى الحمام ، هل تحمله في كل مكان؟
إذا وجدت نفسك تستعمل الهاتف أثناء القيادة أو في مواقف أخرى تكون غير معقولة بشكل واضح، فإن هذا ليس مؤشراً جيداً.
وتقول العالمة في جامعة ستانفورد "في السابق، كانت هناك بعض العوائق المادية المتعلقة بالأماكن التي تستخدم فيها التكنولوجيا، لكن هذه الأجهزة المحمولة يمكن إيجادها على مدار الساعة وطوال الأسبوع على سريري أو في سيارتي، إنها دائماً هناك".
وترى الدكتورة أن قابلية النقل هي السبب الرئيسي الذي يجعل الهواتف الذكية مسببة للإدمان على نحو أكبر بكثير من سائر الأجهزة الأخرى. وتضيف: لا تعني قدرتك على اصطحاب هاتفك معك في كل مكان أنه عليك فعل ذلك.
3- التخلي عن الأنشطة الأخرى لأنك منشغل بهاتفك: هل تفضل تويتر على الرياضة؟
هل سبق أن تخليت عن ممارسة الرياضة لأنه عليك مواكبة مختلف المستجدات على موقع تويتر؟
ترى الدكتورة ليمبكي أنه عندما يعوض الهاتف أوقاتاً كانت مخصصة لأنشطة أخرى، فإن هذه علامة منذرة للإدمان.
وتقول "يمكن لثقافتنا المتعلقة "بالعمل الجاد والمرح بلا حدود" أن تجعل الأشخاص يشعرون وكأنهم غير قادرين على الابتعاد عن التيار الكهربائي، لأنهم سيفتقدون شيئاً مهماً، وهذه هي الطريقة التي يبررون بها الاستخدام المفرط للهاتف".
4- الشعور بالقلق عندما لا يكون هاتفك بجانبك: هل تفتقده كأنه شيء ضروري؟
من بين العناصر الرئيسية الملازمة للإدمان، الشعور بعدم الارتياح أو القلق عندما لا يكون الهاتف بالقرب منك.
وحيال هذه المسألة، قالت الدكتورة ليمبكي إن "بعض الأشخاص يشعرون بالقلق وكأنهم يفقدون شيئاً ما فيقومون بمسك الهاتف أثناء اجتماعهم أو أثناء إجراء محادثة عاطفية مباشرة".
5- يؤثر سلباً على علاقاتك: أليس هذا ما تفعله مع شريكة حياتك؟
هل حاولت ذات مرة التواصل مع شخص لا ينظر إلى هاتفه ويحرص على التواصل معك بصرياً؟
يمكن أن يؤثر الاستخدام المفرط للهاتف بشكل سلبي على العلاقات الشخصية، لأنه قد يجعل الآخرين يشعرون وكأنهم غير مهمين بالنسبة للشخص الذين يخاطبونه وهو ينظر في الهاتف، فالرسالة التي تصلهم أنهم ليسوا بقدر أهمية ما يحدث في هاتف الطرف المقابل.
وفي هذا السياق، تقول الدكتورة ليمبكي "خير مثال على ذلك أن يطلب منك شريك حياتك أن تضع الهاتف على جنب، وأن تقضي المزيد من الوقت معه أو مع الأطفال ولكنك تتجاهل هذا الطلب".
6- يمكنك استخدام هاتفك كغطاء في المواقف غير المريحة: ألا تنظر إليه في هذه المواقف؟
عندما تكون في وضع اجتماعي حرج أو متوتر، من المغري في الكثير من الأحيان الانشغال بهاتفك والهروب من حالة عدم الارتياح التي تطغى على الأجواء. ومع ذلك، يعد هذا النوع من السلوك مؤشراً شائعاً على ارتباطك الشديد بهاتفك.
ما الحل إذن لمواجهة هذا الخطر؟
"الابتعاد عن هذه الأجهزة يشبه التخلي عن أي شيء آخر له عنصر إدماني، إذ تتملكنا في الواقع مشاعر سيئة لبعض الوقت"، حسبما يحذر الدكتور ستيف بيا.
وقال الدكتور "لن تحصل أدمغتنا على هذه الطفرات أو المكافآت الصغيرة من الدوبامين (مادة كيميائية تتفاعل بالدماغ لتؤثر على كثير من الأحاسيس وتؤدي دوراً رئيسياً في الإحساس بالمتعة والسعادة)، وقد نمر بفترة من الضياع، أو حتى القليل من الانعزال".
أوضح الدكتور بيا أن الاستهلاك المفرط للأجهزة الذكية يتطلب الكثير من الانضباط. ويتمثل الحل في الحد من مستوى إثارة الإخطارات، وسيؤدي ذلك إلى تقليل كمية الكورتيزول التي يفرزها الدماغ، التي تحد بدورها من مستوى القلق والتوتر، خاصة عند غياب إخطار أو تنبيه. وذكر الدكتور بيا أنه لتغيير كيمياء الدماغ نحتاج إلى تعويده على عادة جديدة.
ستعاني في البداية من عدم ارتياح
"في البداية، عندما تحاول الابتعاد عن التكنولوجيا أو حصر استخداماتها، ستشعر بشيء من عدم الارتياح"، حسب الدكتور بيا.
وأضاف "سيعتريك الخوف من فقدان شيء ما أو القلق من أن تتجاوزك بعض الأحداث، ولكن بالممارسة يمكن للدماغ أن يعتاد على ذلك".
وعليك أن تتوقف عن استخدام الهواتف الذكية خلال العمل
ومن المهم بشكل خاص عدم استخدام الهواتف الذكية خلال العمل، لأنك بذلك تعلّم دماغك الفرق بين وقت العمل وما بعده.
وقد كشف باحثون من كوريا عن خلل في كيمياء الدماغ بالنسبة للشباب المدمنين على هواتفهم الذكية. وقد أظهرت فحوصات الدماغ أن المراهقين الذين يعانون من إدمان على أجهزتهم لديهم درجات أعلى بكثير من الاكتئاب والقلق وشدة الأرق والاندفاعية.
كما أظهرت التحاليل وجود مستويات حمض الغاما أمينوبوتيريك وهي مادة كيميائية تبطئ إشارات الدماغ، وغلوتامات غلوتامين وهي مادة كيميائية تجعل خلايا الدماغ أكثر إثارة للكهرباء، في دماغ كل مشترك.
وقد كشفت الدراسات السابقة أن حمض الغاما أمينوبوتيريك مرتبط بالرؤية والتحكم الحركي وتنظيم وظائف الدماغ المختلفة، بما في ذلك الشعور بالقلق.