في أكتوبر/تشرين الأول 2011، أصدر والتر إيزاكسون كتابه الأشهر عن سيرة حياة ستيف جوبز، الذي يعد من أنجح السير الذاتية وأصدقها التي كُتبت عن مؤسس شركة آبل، واستمر شغفه بالعصر الرقمي في كتابه التالي "المبتكرون: كيف تمكنت مجموعة من القراصنة الإلكترونيين وعباقرة وخبراء الحاسب من إحداث الثورة الرقمية؟"، الذي صدر عام 2014، وتُرجم إلى العربية في أواخر 2016.
في هذا الكتاب، يقدم والتر إيزاكسون نظرةً عميقة لتاريخ عصر المعلومات الذي نحيا فيه، وعلى أولئك العباقرة الذين جعلوا العصر الرقمي ممكناً.
ويلقي الضوء على عملية الإبداع، أغلبنا يعتقد أن أشخاصاً بعينهم (ستيف جوبز، بيل غيتس…) هم من قاموا بتلك الثورة الرقمية بشكل فردي، إلا أن والتر كان له رأي آخر؛ فالثورة التكنولوجية كانت وليدة عمل جماعي دؤوب لمجموعة من العقول النابغة، يمتد من العام 1833 وحتى العام 2014 (عام صدور الكتاب).
ولاحظ والتر إيزاكسون أن الأشخاص المبدعين في تلك المجالات، هم من كانوا قادرين على دمج العلم بالفن، ولم يغفل هذا الكتاب الدور المحوري الذي لعبته النساء فى إحداث تلك الثورة الرقمية.
البداية نسائية
يبدأ الكاتب قراءته انطلاقاً من القرن الثامن عشر، عام 1833، مع شخصية نسائية، هي آدا كونتيسة لوفلايس، ابنة الشاعر لورد بايرون، التي درست الرياضيات في صغرها ونبغت فيها، وقد التقت تشارلز بابيج، وتأثرت بعمله، وانبهرت بالمحرك التحليلي (والذي يعد آلة حاسبة عملاقة)، وأدركت أن تلك الآلات يمكنها أن تستخدم رموزاً مختلفة وليست الأرقام فقط، فالموسيقى والصور والأصوات يمكن تمثيلها بشكل رقمي.
وصفت آدا خوارزمية المحرك التحليلي لحساب أعداد برنولي، والتي تعد الخوارزمية الأولى المصممة خصيصاً للتنفيذ على جهاز الكمبيوتر، ولهذا تُعد "آدا" أول مبرمجة حاسب آلي، رغم أن المحرك لم يتم تنفيذه في حياتها.
الأب الروحي
بعد مرور مائة عام على وفاة آدا بيرون، في 1937، استطاع آلان تورنج (الذي عرضت سيرته الذاتية في الفيلم السينمائي Imitation Game) أن يضفي الطابع العلمي والرسمي على مفاهيم الخوارزمية والحوسبة بواسطة آلة تورنج، ويمكن اعتبار آلان الأب الروحى لعلوم الحاسب والذكاء الاصطناعي، وقد أسهمت الحرب العالمية الثانية في تطوير أجهزة الكمبيوتر، لاستخدامها في فك الشيفرات التي كان الألمان يستخدمونها في الحرب.
أول حاسب آلي
في عام 1945، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، استطاع بريسبر إيكارت وجون موشلي، تطوير آلة أطلقوا عليها إنياك (ENIAC)، وتعد أول حاسب آلي إلكتروني عام الأغراض، وقد بلغ طوله أكثر من 30 متراً (100 قدم)، وارتفاعه مترين (8 أقدام)، ووزنه 27215.5 كيلة غرام (30 طناً)، وكان من أول برامجه برنامج لدراسة إمكانية تصميم القنبلة الهيدروجينية.
وقد ركز والتر إيزاكسون على العلاقة التكاملية بين إيكارت وموشلي في طريقة القيادة، وذكر العديد من الروايات والمواقف، وأيضاً بعض التفاصيل القانونية المتعلقة بالملكية الفكرية.
ظهور الترانزستور
وفي عام 1974، في معامل بل، توصل ثلاثة من العلماء (جون باردين، ووالتر براتين، وويليام شوكلي)، لاختراع مقاومة النقل المعروفة بالترانزستور، ما أسهم في تصغير حجم جهاز الكمبيوتر.
وتحدث والتر إيزاكسون عن تاريخ ظهور الرقاقات الإلكترونية (Microchip)، وكيف أسهمت في تقليص حجم أجهزة الحاسب الآلي، وسرعة أدائها، ما أدى لظهور الحواسيب الشخصية (Personal computer).
ومع تطور أجهزة الحاسب الشخصية، ظهر الاحتياج لأنظمة التشغيل، ومن هنا بدأ بيل غيتس وبول آلان في تطوير نظام النوافذ، بالتزامن مع تطوير ستيف جوبز وستيف وزنياك لنظام ماكنتوش، وفي الوقت نفسه الذي احتفظ فيه جوبز وغيتس بحقوق الملكية، اجتهد العديد من المبرمجين لوضع أسس للبرامج المفتوحة المصدر، فطور الشاب الفنلندي لينوس تورفالدس نظام تشغيل لينكس، وأتاحه للجميع بلا مقابل.
وتتبع أيضاً والتر إيزاكسون ظهور الشبكة العنكبوتية، من بداية نشأتها حتى وقتنا الحالي، وظهور جوجل.
وبالرغم من كبر حجم الكتاب، واحتوائه على العديد من المصطلحات التقنية، التي قد يجدها غير المتخصصين مملة إلى حد ما، إلا أن هذا الكتاب فائق الإمتاع، مليء بقصص كثير من العباقرة والحالمين والمهووسين، وكيف استطاعوا بتراكم إنجازاتهم وإخفاقاتهم تشكيل واقعنا المعاصر، وتغيير شكل العالم.