قال المتحدث باسم موقع فيسبوك: "هذه جريمةٌ مروِّعة، ولا نسمح بعرض هذا النوع من المحتوى على الموقع"، وذلك في إشارةٍ إلى فيديو جريمة قتل الجَد روبرت غودوين، البالغ من العمر 74 عاماً، الذي تعرَّض لإطلاق النار من مسافةٍ قريبة في مدينة كليفلاند ظُهر أمس الأحد، 17 أبريل/نيسان 2017، حين كان عائداً إلى منزله بعد تناوله وجبة عيد الفصح مع عائلته.
وكان ستيف ستيفنس، البالغ من العمر 37 عاماً، والمُتَّهم بقتل غودوين، قد صوَّر مشهداً له وهو يرتكب جريمة القتل، ونشره على صفحته بموقع فيسبوك، حيث ظلَّ موجوداً لأكثر من ساعتين قبل حذفه، ولكن بعد أن نُسِخَ الفيديو، وأُعيد نشره، وشاهده ملايين الأشخاص.
وكتب ريان غودوين، حفيد الضحية، على موقع تويتر، يرجو من الناس التوقف عن نشر الفيديو قائلاً: "هذا جَدِّي، أظهِروا بعض الاحترام".
Please please please stop retweeting that video and report anyone who has posted it! That is my grandfather show some respect #Cleveland
— Ryan A. Godwin (@god_winr) April 16, 2017
وأعادت القضية إثارة تساؤلاتٍ حول مدى قدرة الشبكات الاجتماعية على التحكم في المحتوى المنشور عليها، وخاصةً حين يعرض بثاً مباشراً لجريمةٍ ما.
جرى الحادث قبل يومين من عقد مؤتمر "إف 8″، وهو فعالية سنوية تعقدها شركة فيسبوك للمطورين، وفي وقتٍ تعمل الشركة فيه على قدمٍ وساق لتعزيز دورها في المشاركة المدنية الفعَّالة. وقبل شهرين، كتب مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك بياناً مكوَّناً من 5700 كلمة، يستعرض فيه الإجراءات التي يتخذها موقعه للعمل على التحديات المختلفة التي تواجهها الإنسانية.
وفي البيان، أوضح زوكربيرغ أنَّ الشركة تبحث عن أنظمة تستخدم الذكاء الاصطناعي لفحص الصور ومقاطع الفيديو، وتحديد المحتوى الذي يحتاج إلى مراجعة قبل عرضه. وقال زوكربيرغ: "لا تزال هذه الأنظمة قيد مرحلةٍ مبكرة جداً من التطوير، ولكننا بدأنا عرضَ بعض المنشورات عليها، وحالياً ترسل هذه الأنظمة بالفعل حوالي ثُلث إجمالي التقارير التي تصل إلى الفريق المختص بمراجعة المحتوى لنشره على الموقع".
ولم تُجب شركة فيسبوك عن سؤال صحيفة الغارديان عمَّا إذا كانت هذه الأنظمة الآلية قد لعبت دوراً في التعرُّف على فيديو القتل.
حوادث متكررة
وتأتي هذه الحادثة ضمن سلسلةٍ طويلة من الجرائم عُرضت عبر خاصية البث المباشر على فيسبوك. ففي الشهر الماضي، اغتُصِبَت فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً على يد عدة أشخاص في مدينة شيكاغو، وعُرِضَت الجريمة عبر خدمة البث المباشر على فيسبوك.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، اعتُقِل ثلاثة رجال على خلفية حادثة مشابهة تضمَّنت البث المباشر لاغتصاب امرأة في السويد.
وفي العام الماضي، استخدمت كورين غاينز، البالغة من العمر 23 عاماً، موقع فيسبوك لبثِّ مواجهة مع رجال الشرطة في مدينة بالتيمور، انتهت بإطلاق النار على كورين، التي كانت أُماً لطفلةٍ واحدة، ومقتلها. وذلك فضلاً عن استخدام موقع فيسبوك في بثِّ مقاطع فيديو تُظهِر تعرُّض شاب معاق للتعذيب في مدينة شيكاغو، وتأملات قاتلٍ مُتلذذ بجرائمه أثناء مطاردة الشرطة له، بالإضافة إلى بثِّ مقاطع إيذاء جسدي للأطفال، وجرائم قتل.
وقالت سارا روبرتس، وهي أستاذة في دراسات المعلومات بجامعة كاليفورنيا، وتدرس الإجراءات واسعة النطاق لإدارة المواقع الإلكترونية: "حوادث ضرب، واغتصاب، وانتحار، ويبدو أنَّ هناك حوادث أخرى ستُضاف إلى هذه السلسلة. وأنا أتساءل: متى سنلقي بجزءٍ من المسؤولية عن هذه الأفعال على عاتق منصات الإنترنت؟".
سهولة الوصول للجمهور
لطالما استخدم إرهابيون، ومتظاهرون، ومجرمون نرجسيون الإعلام للتأكد من أنَّ الجرائم "التي يشاهدها الناس مباشرةً" تُحدِث أقوى تأثير ممكن. كل ما اختلف الآن هو سهولة وصول الناس إلى الأدوات عبر هواتفهم الذكية لإنشاء أي محتوى، ونشره، وتوزيعه بضغطة زر. لم يكن ارتكاب الجرائم على مرأى ومسمع من الناس بهذه السهولة من قبل.
وقال ريموند سوريت، وهو أستاذ في العدالة الجنائية بجامعة سنترال فلوريدا، ودرس هذه الظاهرة من قبل: "الشبكات الاجتماعية أزالت الوسطاء والمراقبين بين الحدث والمستهلكين. وتُعَدُّ هذه وسيلةً تستخدمها أنواع معينة من المجرمين لنشر رسائلهم دون أي تعديلات".
ويمكن لمزيجٍ من عدة عوامل في هذا النوع من الجرائم، أبرزها جذب انتباه مستخدمي الإنترنت، والتفاعل الفوري مع الجريمة في صورة تعليقات، وردود أفعال، ومشاركات، أن يُشعِر المجرمين بالنشوة. ولا يهتم بعض المجرمين بكون مقاطع الفيديو تُثبت إدانتهم.
وقال سوريت: "يُفضِّل بعض الناس أن يشتهروا بفسادهم، بدلاً من أن يكونوا أناساً صالحين مجهولين"، مُضيفاً أنَّه لو كان منفذو أحداث 11 سبتمبر/تموز "قادرين على عرض اختطاف الطائرات وتفجيرها عبر البثِّ المباشر، لما ترددوا في فعل ذلك".
ولا يعتقد سوريت أنَّ إدارة فيسبوك لديها الكثير من الخيارات لمنع نشر مشاهد هذه الجرائم على الموقع، وقال سوريت: "إذا تلقيتَ مكالمةً مُزعجة، فأنت لا تلوم الشركة المُصنِّعة للهاتف"، ولكنَّه يؤمن بأنَّ شركة فيسبوك مسؤولة عن حذف مقاطع الفيديو ومشاهد البث المباشر بأقصى سرعةٍ ممكنة.
وأضاف: "كلما قلَّت فترة وجود المقطع على الموقع، قلَّت احتمالية نسخه".
وفي ظُهر يوم الإثنين، 17 أبريل/نيسان، نشرت إدارة فيسبوك مدوَّنةَ تستعرض فيها الجدول الزمني لتفاصيل الحادثة، وسلَّطت الضوء على أنَّ ستيفنس نشر 3 مقاطع فيديو إجمالاً، أعلن في المقطع الأول أنَّه ينوي ارتكاب جريمة قتل، ثم بث المقطع الثاني بعد دقيقتين، وظهر فيه مشهد القتل نفسه، ثم بثَّ مقطعاً ثالثاً يعترف فيه بارتكابه الجريمة.
وقال جاستين أوسوفسكي، نائب رئيس العمليات في الشركة: "نظراً إلى هذه السلسلة المروِّعة من الأحداث، نراجع سياسات تدفق البلاغات عن المنشورات المسيئة للتأكد من قدرة مستخدمي الموقع على الإبلاغ عن مقاطع الفيديو والمواد الأخرى التي تنتهك معاييرنا بأقصى سهولة وسرعة ممكنتين".
وقال أوسوفسكي إنَّ مستخدمي فيسبوك لم يبلغوا عن المقطع الأول، وإنَّ الشركة لم يصلها سوى تقريرٍ واحد عن المقطع الثاني بعد نشره بأكثر من ساعةٍ و45 دقيقة.
وقال أوسوفسكي: "لقد أوقفنا حساب المشتبه به في خلال 23 دقيقة من استقبال التقرير الأول عن فيديو القتل، وفي خلال ساعتين بعد استقبال أول تقرير عن الموضوع ككل. ولكنَّنا نعرف أنَّنا نحتاج إلى تحسين أدائنا".
وبالإضافة إلى تحسين جودة تدفق التقارير، ستستخدم شركة فيسبوك الذكاء الاصطناعي لمنع إعادة مشاركة المحتوى نفسه، وتعهَّدت بتحسين عملية المراجعة في الموقع.
وبغض النظر عن مسؤولية شركة فيسبوك، حقيقة أنَّ مشهد القتل حظيَ بهذا العدد الهائل من المشاهدات، وأنَّ إصداراً واحداً من الفيديو حظيَ بأكثر من 1.6 مليون مشاهدة، سلَّطت الضوء على الجانب السيئ من الطبيعة الإنسانية.
وقال سوريت: "هذا هو السبب نفسه الذي يدفع الناس إلى الإبطاء لمشاهدة حوادث تصادم السيارات. إذ يجذب الجانب المظلم جميع الناس".
وبالتأكيد لا يريد جميع الناس الإبطاء، والتحديق في الحادثة شاغرين أفواههم، بيد أنَّ طبيعة مُشاركة المحتوى على فيسبوك، وتويتر، والمنصات الأخرى تعني أنَّ الفيديو الذي انتشر انتشاراً واسعاً، والذي تحوَّل في بعض الأماكن إلى صور GIF متحركة، قد وجده مستخدمو موقع فيسبوك على صفحاتهم دون رغبةٍ منهم نتيجة مشاركة الناس له بكثرة.
وقالت سارا: "يتوقف انتشار هذا النوع من المواد غالباً لأنَّ هناك أشخاصاً مثلك أو مثلي رأوه بالصدفة. وهذا يعني أنَّ هناك مجموعةً من الناس قد شاهدوه وأبلغوا عنه، مساهمين بمجهودهم في منع انتشار الفيديو، ومعلنين عدم قبولهم للتعرض لمثل هذا المحتوى المروع. كيف سنتعامل مع أفراد المجتمع الذين قد يكونون أُصِيبوا بصدمةٍ نفسية جرَّاء مشاهدة الفيديو اليوم؟".
ولا يزال ستيفنس هارباً، وقد طلبت شرطة مدينة كليفلاند من المقيمين في ولايات بنسلفانيا، ونيويورك، وإنديانا، وميشيغان أن يأخذوا حذرهم.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.