كل ما سيحتاجه أن يهز رسغه الذي يلتف حوله السوار الإلكتروني لتفتح أمامه مغارة الإنترنت وتستعرض كنوزها على ذراعه التي تتحول فوراً إلى شاشة تعمل باللمس، كما تعمل شاشات الهواتف الذكية وغيرها من الأجهزة الرقمية.
ومن المتوقع طرح السوار في الأسواق بنهاية عام 2016، وهو سوار يبدو كقطعة إكسسوار أنيقة، تأتيك بألوان عدة تختار منها ما يناسبك، وبسعر من المتوقع ألا يتجاوز 300 دولار.
سيمكنك السوار من استخدام الإنترنت بكل تطبيقاتها كما تفعل حالياً باستخدام الهاتف أو الحاسب، إلا أن ذراعك ستحل محل شاشة العرض والتفاعل.
كما أن الاهتمام المحموم بمتابعة الحالة الصحية والسعي الدائم للوصول إلى الكمال تسبب في نتائج عكسية كانت سبباً في اكتئاب المستخدمين وتوترهم.
وفي عبارة حكيمة جاءت في الدراسة يقول الدكتور كارل إن تتبع كل تلك البيانات يجب أن يكون في أوقات بعينها عندما يوجد مبرر للمتابعة كأن يعاني الإنسان من وعكة أو ما شابه، لا أن يتم تتبعها طوال الوقت وبهذه الكثافة.
تضافرت العوامل السابقة جميعها إلى جانب مساحة شاشة الساعة المحدودة وطريقة ارتداء الساعة التي حالت دون استخدامها كهاتف أو كاميرا رغم توافر تلك الإمكانيات بها فحولتها إلى أداة "اطلاع" أكثر منها أداة تفاعل، مما تسبب في عدم تحقيقها النجاح المتوقع.
يأتي السوار الإلكتروني مدشناً بداية حقبة تكنولوجية جديدة يتماهى فيها جسم الإنسان مع الآلة ليكملها، فباستخدامه ذراع المستخدم كشاشة عرض وتفاعل بمساحة معقولة، يتلافى الكثير من العيوب التي أفشلت الساعات الذكية.
يعيد السوار الإلكتروني إلى الأذهان الكثير من أفلام وروايات الخيال العلمي القديمة التي تناولت فكرة زرع شرائح تحكم في جسد الإنسان يتم من خلالها برمجته وتوجيهه، ومن التطور المتسارع في مجال التكنولوجيا يبدو أن ذلك اليوم أصبح أقرب مما نتصور!
ولا أستطيع أن أمنع نفسي من تخيل مشهد تصادم اثنين أحدهما يجري وراء البوكيمون والآخر يجري وراء أكل عيشه في صباح مزدحم مشحون من صباحات القاهرة!
ما زلنا نملك حرية غلق الهاتف أو الانعزال عن التكنولوجيا من وقت لآخر، لكن يبدو أنه قريباً جداً ستحتل التكنولوجيا جسد الإنسان ربما بما يستحيل معه الانفصال عنها، استيلاء على الجسد بعد أن استولت على الروح!
وسننساق جميعاً ونتنافس على شراء أحدث ما يبرمجنا ويجردنا من حريتنا ويجعل حياتنا بكل تفاصيلها مستباحة لشركات التكنولوجيا لتتكسب منها بشتى الطرق، بين بيع البيانات التي تكشف طباع وعادات الجماهير للشركات المعنية، إلى ما لا يخطر على بال من ممارسات تجارية.
فقد أدهشني مؤخراً قيام شركات البرامج المتخصصة في حجب الإعلانات بتقديم خدمة عرض الإعلانات استثنائياً للمعلنين إذا دفعوا لها مقابل ذلك!
في خيانة للمستخدم الذي اشترى البرنامج لحجب الإعلانات، وفي بلطجة صريحة على المعلنين الذين يتوجب عليهم الآن دفع تكاليف الإعلان ثم دفع المزيد لشركات حجب الإعلانات التي نصبت نفسها وصية على المستخدمين!
أموال طائلة تتدفق على أصحاب الشركات التجارية والتقنية وكلها تعتمد على عدد ساعات تسمرك أمام الشاشة، حيث تتم دراسة سلوكك وتحليل طباعك وعاداتك والتلاعب بمشاعرك، والسيطرة على حالتك النفسية، واستخدام كل معلومة عنك لصالح المعلنين.
كل تطوير هدفه الأساسي ضمان تعلقك بالبرامج وتطوير ما يتم جمعه من بيانات وجعلها أكثر دقة، وقد كان آخرها رموز التفاعل المتعددة التي ظهرت تحت منشورات الفيسبوك منذ عدة أشهر لتحل محل الاختيار الأوحد السابق وهو "الإعجاب"، فما هي إلا أدوات ووسائل تحليل سريعة لمعرفة ما الذي يبهجك ويحزنك ويضحكك واستخدام ذلك في التحكم في رغبتك الشرائية وتطبيق كل ما في جعبة علم التسويق والبيع عليك وربما ما هو أبعد من ذلك لو تبنينا نظرية المؤامرة.
وعلى خط موازٍ تشهد صناعة الروبوتات تطورات فريدة وتطبيقات لم تخطر على بال، فلم يعد استخدامها مقتصراً على المجالات العملية المختلفة في الحياة بل بدأت تخترق عالم الفن والإبداع.
فقد قام المبرمج "روس غودوين" بالتعاون مع صانع الأفلام "أوسكار شارب" بتصميم أول روبوت سمّوه "جيتسون"، ويعمل جيتسون "كمؤلف" لقصص الخيال العلمي؛ حيث تمت تغذيته بآلاف من روايات الخيال العلمي ونصوص الأفلام؛ ليقوم بتأليف قصص جديدة، ومن الجدير بالذكر أن "جيتسون" الروبوت قد قرر أن يغير اسمه إلى "بنيامين" وطالب الآخرين بمناداته بالاسم الجديد! في تمرد يذكرنا مرة أخرى بقصص وأفلام تنبأت بتمرد الإنسان الآلي على صانعه!
كاتبة هذه السطور متخصصة في التكنولوجيا ومبرمجة سابقة وتهوى الكتابة، ويخطر في بالها الآن عبارة شهيرة من مشهد شهير في مسلسل "المال والبنون": "عباس الضو قال لأ"!
لا لكل ما يتحكم في الإنسان ويتلاعب بمشاعره ويسلبه إرادته الحرة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وحتى نتحرر من أسر المنتجين والمعلنين وتلاعبهم بنا سنكون كما قال "ديف رمزي" الخبير المالي ومقدم البرامج التليفزيونية الشهير: "نرهق أنفسنا في كسب الكثير من المال؛ لنقتني سلعاً لا نحتاجها، لنبهر بها من لا نحبهم!".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.