تُعد أنشطة ومشاركات توصيل وتبسيط العلوم إحدى التقاليد العريقة التي تتمتع بها مصر منذ مدة ليست باليسيرة، ربما بدأت تنجلي بشكلٍ ظاهر في عهد محمد علي من خلال البعثات التعليمية التي كانت تعود لشرح مختلف المعارف وتوصيلها بوسائل مختلفة، وازدادت في الانتشار في القرن الماضي حينما بدأت كتب وسلاسل ومجلات الثقافة العلمية تتنتشر تزامناً مع إنشاء المجمع المصري للثقافة العلمية، إلا أن تلك الأنشطة والممارسات كانت قاصرة على النخبة فقط حتى عهدٍ قريب.
مع بداية الألفية الجديدة، بدأت أنشطة وممارسات توصيل وتبسيط العلوم تكتسب زخماً متبوعاً باشتراك العامة في عملية التوصيل ذاتها من خلال بدء انتشار الأحداث العلمية مثل يوم الهندسة المصري، وانتشار المسابقات العلمية والتكنولوجية بين الشباب، الأمر الذي دفع الكثيرين الى المشاركة في عملية توصيل العلوم من أجل خدمة أهدافهم.
أما عن انتشار الإنترنت فقد ساهم هذا الأمر في خلق مساحات مختلفة لتوصيل العلوم عبر الشبكات الاجتماعية التي يتابعها الآلاف بشكل يومي، حيث تقوم بتبسيط العلوم بوسائل مختلفة سواءً من خلال الصور، أو الفيديو، أو المقالات، أو الرسوم التوضيحية.
هذا العام، ومع انتشار المبادرات المختلفة التي يقوم كل منها بتبسيط العلوم بطريقته، أصبحت هناك حاجة للتعاون بين جميع تلك المبادرات من أجل الخروج بمبادرة شاملة يندرج تحتها جميع المشاركين في عمليات تبسيط العلوم، وهو ما أصبح الأمر عليه بالفعل، حيث تم إطلاق "أسبوع العلوم المصري" على مبادرة خرج بها مجموعة من العاملين والمهتمين بمجالات تبسيط العلوم، يتم خلالها تنظيم أكثر من 100 حدث في الفترة من 11 إلى 18 مارس/آذار في مختلف محافظات مصر ضمن فعاليات شهر العلوم المصري الذي تنظمه أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا.
تفاصيل عن أسبوع العلوم المصري
يأتي أسبوع العلوم المصري متزامنًا مع فعاليات أسبوع العلوم البريطاني الذي يُنظم في الفترة من 11 إلى 20 مارس/آذار كل عام، وينظم الحدث شركة حدث للإبداع وريادة الأعمال وأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، بالإضافة الى الشركاء المنظمين مثل شركة فصلة، Bring Up Genius، اتحاد طلاب جامعة العلوم بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، الدحيح، IEEE YP، ومجلة Science Shop، باللإضافة الى الشركاء الأكاديميين مثل الجامعة الأميركية ومدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا وجامعة النيل وغيرها من الجامعات المرموقة، والمبادرات المختلفة التي تشارك في فعاليات هذا الأسبوع.
يتناول الأسبوع مجموعة مختلفة من الأحداث العلمية تهدف جميعها الى تبسيط العلوم الى الجمهور العام من أجل زيادة الاهتمام بالمجال العلمي، وفتح أسس وأبواب الحوارات والنقاشات العلمية، وزيادة فرص التشبيك والتعاون بين المبادرات العلمية المختلفة من أجل تعزيز الوصول الى أهدافها بشكلٍ أسرع وأكثر تأثيرًا.
لذا سيشمل الحدث مجموعة من المحاضرات العامة التي يلقيها مجموعة من المتخصصين في المجالات المختلفة الى الجمهور العام. كذلك يشمل الأسبوع مسابقات علمية في أدب الخيال العلمي، وسينما علمية، ومعارض علمية يتم بها عرض المشروعات البحثية وشرحها ببساطة للجمهور من ناحية، أو عرض مجموعة من التجارب العلمية التي تشرح بعض القواعد والقوانين والنظريات العلمية من ناحية أخرى.
كذلك هناك بعض الأنشطة التي تتضمن مؤتمرات علمية، ومسرحيات علمية، ورحلات رصد، ومهرجانات علمية، أو حتى مجموعة من المحتوى المرئي أو المقروء على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
مصر بتتكلم علم
هذا هو الشعار الذي تم اختياره ليعبر عن اسم الحدث الافتتاحي لفعاليات أسبوع المصري الذي تم إطلاقه أمس السبت 12 مارس/آذار بقاعة إيوارت بالجامعة الأميركية بالتحرير. شهد الحدث الافتتاحي مجموعة من الأنشطة والمبادرات المختلفة، كما أنه قام بحضور للحدث أكثر من 2000 شخص وحضور بعض الشخصيات العامة مثل د. عصام شرف، رئيس وزراء مصر الأسبق رئيس مجلس أمناء مؤسسة شرف للتنمية المستدامة.
أبرز ما تم في الحدث هو حلقة نقاش حول "شعبنة العلوم" شارك بها نخبة متخصصة من العلماء أصحاب الإسهامات في مجال توصيل العلوم مثل د. عصام شرف، د. يحيى إسماعيل رئيس مركز إلكترونيات النانو بالجامعة الأميركية ومدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، د. علاء إبراهيم مدير شهر العلوم المصري بأكاديمية البحث العلمي، م. سامح الملاح مدير شركة إنتل بمصر، د. ديفيد ستورك أحد أشهر العلماء المتخصصين في العالم في مجال Mems Camera، وأدار الجلسة أ. أشرف أمين رئيس القسم العلمي بالأهرام ورئيس نوادي علوم الأهرام.
كذلك تضمن اليوم بعض الفقرات العلمية التي تتميز بالطابع الفكاهي والخفيف مثل Stand Up Science قام بتقديمه أحمد سمير، وأحمد الغندور أصحاب قنوات إيجيكولوجي، والدحيح على الترتيب على موقع يوتيوب، حيث يقومان بنشر العلم بشكلٍ مبسط وترفيهي بعيدًا عن التعقيد.
أيضًا تناول اللقاء مجموعة من الكلمات القصيرة في مجالات علم الفلك للمبتدئين، والتنوير، وتاريخ الروبوت، تم بعدها عرض مسرحية علمية بعنوان "الثقب الأسود ينفع في اليوم الأبيض". أما في ختام اليوم، فتم عقد حلقة نقاش حول "الكون بين الفلسفة والعلم" شارك بها د. سامح سعد علي مدير مركز الشيخوخة والأمراض المصاحبة لها بمدينة زويل، د. أحمد فرج علي أستاذ مساعد بقسم الفيزياء بكلية العلوم جامعة بنها، أ. أحمد سعد زايد المحاضِر في القضايا الفلسفية، ود. شادي عبدالحافظ مؤسس نادي هواة الفلك بالدلتا الذي قام بإدارة هذا النقاش، بعدها تم ختام اليوم بعرض لفرقة موسيقية ثم كلمات الختام للمنظمين.
على هامش الحدث، تم تنظيم معرض مصاحب للمحاضرات داخل القاعة، حيث قام 14 كياناً علمياً مختلفاً بعرض كافة أفكارهم وتجاربهم العلمية التي تنوعت بين الهندسة، الفلك، الروبوت، الجيولوجيا، الكيمياء، وغيرها من الأمور التي تم عرضها ببساطة خلال هذا المعرض والذي نجح في جذب اهتمام الجميع.
ربما تمتلك كل مبادرة طريقتها الخاصة في تبسيط العلوم ما يجعل التعاون بين تلك المبادرات صعبًا نظرًا لصعوبة التنسيق بينها، إلا أن أسبوع العلوم المصري يعمل على حل تلك المعضلات من خلال مشاركة الجميع في عملٍ واحد يعبر عن الكل، وفي الوقت ذاته يقوم الجميع بالمشاركة بأسلوبهم الخاص دون أن يتدخل أحد في الآلية أو المنهجية التي يقومون باستخدامها وهذه هي الغاية من تلك المبادرة ومثيلاتها.