هل يمكن أن يبعث الموتى من جديد؟
هذا ما تسعى إليه إحدى الشركات الروسية التي ما إن تدخل مبناها حتى تصادفك أحواض ممتلئة بسائل تسبح فيه أدمغة وأجساد بشرية وحيوانية متجمدة.
هل تعلم أين أنت؟ أنت في مبنى شركة كريوروس، الشركة الأولى من نوعها في روسيا والمتخصصة في خدمة تجميد الموتى.
تقع الشركة في بلدة سيرغييف بوساد في ضواحي موسكو، وتقدم خدماتها للموتى الذين قضوا بسبب أمراض مميتة عجز العلم حالياً عن الشفاء منها، فيطلب هؤلاء تجميد جثثهم إلى أجل غير مسمى على أمل إعادة إحياء أصحابها عندما يتطور العلم مستقبلاً ويجد حلولاً للعلل التي أسقمت أجسادهم، بحسب تقرير نشرته صحيفة دايلي ميل البريطانية، الثلاثاء 5 يناير/كانون الأول 2015.
روسيا ستتفوق على أميركا
يعتقد صاحب الشركة، دانيلا ميدفيديف (35 عاماً)، أن بلده روسيا ستتفوق يوماً ما على الولايات المتحدة في مجال إعادة نضارة الشباب والطب الحيوي وطب الحياة الأبدية.
والده كان عالماً وقضى طفولته في قراءة كتب الخيال العلمي، كما عمل في بنك استثماري ويشارك أيضاً في منظمة لمكافحة الاتجار بالبشر.
أما هذه الأيام فمهنته تجميد البشر. افتتن ميدفيديف بفكرة تجميد الأجساد والقائلة أن الجسم إن جمد إلى درجة -196 درجة سيليزية تحت الصفر لحظة الموت السريري فيمكن لاحقاً إعادة إنعاش الجسم وجعل الحياة تدب فيه من جديد عندما يكون العلم قد تطور وتوصل إلى حلول للهرم والأمراض.
وعكف ميدفيديف على ترجمة نصوص لهذا العلم من الإنكليزية إلى الروسية وألقى محاضرات حول الموضوع، ثم في عام 2008 جمع 8 مساعدين وأسسوا شركة كريوروس.
يتألف مبنى الشركة من طابقين يضمان رفات 45 شخصاً متجمداً محفوظة في أسطوانتين بهما سائل النيتروجين، يشرف عليهما عاملٌ حرره ميدفيديف من العبودية عبر منظمته، ويتفقد ميدفيديف المكان شخصياً كل شهر.
غير أن 24 جسماً فقط محفوظ بالكامل داخل هاتين الأسطوانتين، حيث تعلق جثثهم رأساً على عقب داخل السائل الحافظ، أما بقية الزبائن فقد اختاروا حفظاً غير كامل لا يشمل كل الجسد، بل يغطي خيارهم الرأس والدماغ فقط، وتحفظ هذه في قاعدة الأسطوانتين.
ولم يتوقف الأمر عند البشر فحسب، بل تضم الأسطوانات أيضاً أكثر من مجموعة حيوانات أليفة محفوظة مع البشر، لكن ميدفيديف يستدرك: "نحاول ألا نلفت الانتباه إلى أننا نخزن البشر والحيوانات سوياً [في الأسطوانة ذاتها]".
تاريخياً ظهرت الفكرة أول مرة في ستينيات القرن الماضي على يد أستاذ جامعي في جامعة ميتشيغان هو روبرت إيتينغر، وسرعان ما انتشرت الفكرة في أميركا فكان أول مريض أوصى بتجميد جسمه هو أستاذ في علم النفس بجامعة كاليفورنيا حفظ جسمه عام 1967. ومع انتهاء عام 1972، كان 6 مرضى آخرين قد انضموا إليه.
لكن جمعية تجميد المرضى في كاليفورنيا عانت بعض المتاعب لأن صاحبها –الذي كان في الأصل يقوم بأعمال صيانة أجهزة التليفزيون دون أي خلفية طبية- نفدت من عنده النقود اللازمة لحفظ الأجساد واستمرار تجميدها وبدأ يحشر عدة أجساد داخل كبسولات معدة لنزيل واحد فقط.
وسرعان ما تعطلت الكبسولات وتعفنت وتحللت 9 جثث بداخلها، ورفع الأهالي دعاوى قضائية قبل استصدار حكم عام 1981 يغرمه بـ800 ألف دولار. ومنذ ذلك الحين هبطت شعبية علم التجميد إلى أدنى مستوياتها.
لكل شيء استثناء
لكن لكل شيء استثناء ومازال لهذا العلم بعض الهواة والراغبين.
فرأس نجم البيسبول، تيد ويليامز، محفوظ في حافظة حديدية بأريزونا، كما أن مؤسس موقع بي بال الشهير للخدمات المالية على الإنترنت، بيتر ثييل، حجز بطاقته لتجميد نفسه، كما يشاع أن مذيع السي إن إن المعروف، لاري كينغ، يتأهب هو الآخر لتوقيع عقد اتفاق التجميد.
وذكرت دايلي ميل أننا نشهد حالياً عصر الهوس بالصحة وبالحياة المديدة، فسيلفيو بيرلسكوني، رئيس وزراء إيطاليا السابق، عبر عن رغبته في تمويل معهد أبحاث لتعمير الناس حتى 120 سنة، كما أن رئيس كازاخستان، نورسلطان نزارباييف، أسس أكاديميته الخاصة بصنع إكسير الحياة.
ولشركة كريوروس الروسية منافسة أميركية هي ألكور في ولاية أريزونا، والحرب بينهما باردة.جداً، بحسب الصحيفة البريطانية.
فشركة ألكور الأميركية متفوقة في عدد زبائنها الذي يبلغ 140 وفي تصاعد، لكن الروسية تتفوق في أسعارها التنافسية لأنها ذات أسلوب اشتراكي في تخزين الأجساد سوية في أسطوانة تتسع لعدة جثث، في حين تقوم الشركة الأميركية بتخزين كل جسم على حدة لتبلغ تكلفة الجسم كاملاً حوالي 195 ألف دولار والرأس منفصلاً 78 ألفاً قابلة للدفع عبر شركات تأمين مدى الحياة.
فيما تقل التكلفة لدى شركة كريوروس الروسية، وتبلغ تكلفة تجميد الجسد حوالي 35 ألف دولار، أما الرأس وحده فلا يتعدى 12 ألف دولار.
كما أن لشركة لكريوروس سمعة أفضل من نظيرتها الأميركية ذات التاريخ الأسود في السبعينيات، لذلك تحوز على ثقة الروس، بحسب أقوال ميدفيديف.
ولكن كيف تتم عملية التجميد؟
يبرد الجسم في غضون ساعات من إعلان وفاة الميت، ثم يستبدل دمه بسائل حافظ لأنسجة الجسم خوفاً من أن يضر بها التجميد، ثم على مدى بضعة أيام يسلط غاز النيتروجين على الجثة لتجميدها حتى درجة -196 سيليزية.
أليست فكرة مخيفة؟ لا، تجيب ماريا إنترايغ-أبرامسون، أحد الموقعين على عقد اتفاق مع ألكور الأميركية.
"يظن الناس أن تجميد الموتى أمر مخيف بينما التحلل تحت الأرض ليس كذلك؟! أين الفرق بينهما؟!"
العديدون يختارون حفظ رؤوسهم فقط إما لأسباب مالية أو لاعتقادهم أن الدماغ مركز إدراك الإنسان لهويته ومركز ذاكرته لذا ليسوا بحاجة إلى كامل الجسم.
ورغم تشكك الكثيرين وغياب الأدلة العلمية على نجاعة الفكرة، إلا أن الإقبال موجود، وأصحاب الشركة أنفسهم لديهم أقارب محفوظة رؤوسهم داخل السوائل.
وفي القريب ستنتقل الشركة إلى مبنى أوسع تتشاركه مع مؤسسة لأورام السرطان، وتأمل الشركة في القريب العاجل فتح فروع لها في الصين وسويسرا.
ماذا عن آفاق إحياء هذه الأجساد مستقبلاً؟ يجيب ميدفيديف: "من المتوقع أن نتوصل إلى تكنولوجيا إعادة إنعاش الدماغ البشري بحلول عام 2050، أو في غضون القرن الـ21 بكل تأكيد – هذا إن لم تكن البشرية دمرت نفسها حينئذٍ."