هل حدث مرة أن مددت يدك لعراف يخبرك عن طول عمرك من خلال "خط العمر" الذي يخترق وسط راحة اليد؟ كيف لرجل لم يلتحق بصف الدرس يوماً أن يدرك علماً كهذا؟ الأمر محير حقاً! نحن لن نقتفِ خطى هذا العراف بل سنسير على طريق العلماء الإحيائيين. ما هو جدير بالعرافين حالياً هو الانكباب على دروس الإحيائيين، لأنه أصبح بإمكانهم إعادة عقارب الساعة البيولوجية للوراء، وإن تعلق الأمر إلى حد الساعة بالخلايا المخبرية، وهو ما سيربك تنبؤات العرافيين مستقبلا.
إن الخلية الحيوانية عالم قائم بذاته، من حيث هي منتجة للطاقة، ومصنعة لعناصرها الداخلية وتتواصل بمحيطيها من خلال استقبال رسائل وعناصر طاقية أو تصدير مركبات أنتجتها. بل وأكثر من ذلك تتحكم في دورة حياتها من خلال انقسامات متعددة ووفاة مبرمجة Apoptose لكن هل يمكن اعتبار موت الإنسان موت مبرمج لخلاياه جميعها؟
لقد أثبتت الأبحاث وجود جزء من الكروموزوم يمكن توصيفه بزائدة DNA يتكون من حوالي عشرة آلاف من النيكيوتيدات. وتتضاءل هذه الأخيرة مع كل انقسام للخلايا الجسمية التي لا تنتج أنزيم تيلوميراز telomerase الذي يركب هذه الزائدة في أطراف الكروموزم، عكس الخلايا الجنينية التي تنتج هذا الأنزيم.
بيد أن هذه الظاهرة تعتبر ساعة للعد العكسي الذي يفصلنا عن الموت. ولما كان حب الخلود لدى الإنسان حلماً أزلياً، فقد انكبت المختبرات العلمية على محاولة جعل الخلايا تقاوم الموت، لكن لم يتحقق هذا إلا من خلال دراسة أجريت في كلية الطب بجامعة ستاندفورد. حيث تمكنت الدكتورة Helen Blau وفريقها من دمج ARNm المشفر لأنزيم التيلوميراز داخل الخلايا باستعمال أحد الفيروسات كوسيلة للحقن، دون أن يكون لهذه الأخيرة تأثيرات جانبية مرافقة. كما تم تعديل هذا ARN حتى لا يتم تفكيكه داخل الخلية دونما أن يمنع هذا التعديل آليات الخلية من ترجمته إلى تيلوميراز فعال. "لقد وجدنا الآن طريقة لإطالة تيلومير الإنسان بمقدار 1000 نيوكليوتيد، وهو ما يعني إعادة عقارب الساعة الداخلية للخلايا إلى الوراء بما يعادل سنوات عديدة من حياة الإنسان" تعلق Helen Blau.
وبعد ثلاث "حقنات" يتمدد التلومير بألف نيكليوتيد مما يمكن الخلايا من 28 انقساماً إضافياً قبل موت الخلايا بالمقارنة مع الخلايا التي لم تخضع للحقن. رغم أن التجربة لم تسفر عن خلايا أبدية كالخلايا Hela (هي خلايا سرطانية تستعمل في البيولوجيا الخلوية تم استخلاصها من ورم عنق الرحم لسيدة تدعى Henrietta Lacks توفيت سنة 1950 وهي أول فصيلة من الخلايا التي لا تموت ذات الأصل الإنساني) إلا أنها مكنت من إضافة مدة معينة إلى عمر الخلايا، مما يتيح للخبراء آفاق جديدة لتجارب سريرية وبيولوجية مع هامش مريح من الوقت. كما يمكن استعمال هذا الإنجاز في عدة تطبيقات، لا سيما أن الخلايا لم تتعرض لتعديلات كثيرة فهي أقرب ما يكون للخلايا الحقيقية، خصوصاً فهم آليات بعض الأمراض كمرض Duchenne الذي يتلف الخلايا العضلية أو استعماله في مقاومة شيخوخة الجلد الذي يؤرق النساء والرجال على حد سواء. "هذه المقاربة الجديدة تمهد الطريق نحو الوقاية أو علاج أمراض الشيخوخة" تقول Helen Blau.
إن رغبة الإنسان في الخلود ليست وليدة اليوم، وإنما ترجع إلى قضمة آدم من تفاحة الشجرة المحرمة، ورغبة الفراعنة في تخليد أجسادهم عبر التحنيط وغيرها من مزاعم البشر. وإلى اليوم لا يزال الإنسان يغازل نفس الرغبة دون كلل أو ملل بل وبطموحات لا أفق لها. فإذا كانت عمليات التجميل هي الجزء البارز من الجليد في صراع الإنسان ضد الشيخوخة، فان ما يجري داخل أنابيب المختبرات يشكل الحرب الحقيقية ضد الشيخوخة في محاولة لإعادة عقارب الساعة البيولوجية إلى الوراء. وما دام الأمل قائم فلن يتوقف الإنسان عن البحث.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.