الهاتف نعمة أم نقمة

من المستغرب حقا أن يجلس خمسة أصدقاء في طاولة واحدة ولا تسمع أي صوت أو ضحكات صادر منهم, كيف جعلنا هذا الجهاز أكثر أهمية من صنع ذكريات يمكننا الرجوع إليها عند الكبر, ذكريات تستحق أن نخبر تفاصيلها لأولادنا وأحفادنا, فلا أظن أن هناك من يجد قصة كيف استخدمنا الهاتف وقتلنا وقتنا به, قصة ممتعة أو مشوقة..

عربي بوست
تم النشر: 2015/10/28 الساعة 04:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/10/28 الساعة 04:43 بتوقيت غرينتش

لقد أصبح له كرسيه الخاص في حقيبتي، أحمله في حلي وترحالي.

به يتلاقى عالمي مع عالمهم، في كل مكان، بأي زمان، إنه الصديق العزيز للكل، الهاتف الجوال.

فهل هو نعمة أم نقمة؟

يرى البعض أنه لذة الفارغين للمشاكسة، فأصبح الهاتف شريك حياتهم وهو المفتاح لصندوق فراغهم، ليشغلهم بتفاهات لا جدوى منها.

فلهبه يخطف أبصارهم ثم ما يلبث أن يجعلهم من رمادها في حياتهم.

هو كسرعة الضوء في نشر الإشاعات وكالجاسوس الصامت في تدخله بخصوصيات الناس وشؤونهم.

فيا له من جهاز منافق، صغير، بسيط في وصفه، شرير عند سوء استخدامه.

وهناك من الأشخاص من أدمن الأكل من شجرة التباهي فأصبح الهاتف مجالاً للإسراف والتبذير، فهو سلاحهم للتفاخر والمنافسة إلى من يمتلك الأحدث والأفضل.

وتأتي الشكوى الكبرى من أولياء الأمور فمعظمهم يجد أن هذا الاختراع مضيعة لوقت فلذات أكبادهم، يصنعون عالماً وهمياً مع الهاتف تاركين خبرات والتجارب العلمية من الحياة تغرق لتندثر في أعماق جهلهم.

قد يؤثر الهاتف على صحة الإنسان أيضا وذلك من كثرة التعرض إلى إشعاعته أو من خلال السهر من دون نوم إلى أن يشق النور السماء، فيكمل يومه بكسل وإرهاق.

الانشغال بالهاتف أثناء القيادة أصبح أيضاً من الأفعال المنتشرة بالعصر الحالي، فيسلط عليه الضوء دائماً عند التكلم عن الحوادث اليومية، جاعلاً من مستخدمه طعماً للسيارات الأخرى.

إن الشبكات الاجتماعية تجعلنا نقيم علاقات فارغة وهمية. فتجد هذه تبارك لصديقتها على فيسبوك، وهذا يرسل بريداً الكترونياً بكارت تهنئة ليوم ميلاد أخته، وآخر يقوم بواجب العزاء عن طريق تعليق على بوست!
فبدلاً من زيادة الأواصر والعلاقات بين الأهل والأصدقاء، ساهمت الشبكات -غير الاجتماعية-في تفكيك هذه الروابط وتجاهل الكثير من الواجبات المهمة تجاه أفراد العائلة والأصدقاء…

جمود العلاقات بهذه الطريقة قد تؤدي إلى فقدانها, فكم مرة خرجت مع أصدقائك ولم يكن الهاتف بأيديهم.

من المستغرب حقا أن يجلس خمسة أصدقاء في طاولة واحدة ولا تسمع أي صوت أو ضحكات صادر منهم, كيف جعلنا هذا الجهاز أكثر أهمية من صنع ذكريات يمكننا الرجوع إليها عند الكبر, ذكريات تستحق أن نخبر تفاصيلها لأولادنا وأحفادنا, فلا أظن أن هناك من يجد قصة كيف استخدمنا الهاتف وقتلنا وقتنا به, قصة ممتعة أو مشوقة..

مع ذلك فإنني لا أنكر فوائد الجوال العديدة فقد أصبح الهاتف لذتهم عند الاشتياق فهو الطريق السلس، السهل لمشاركة شريط وتفاصيل حياتهم مع أحبائهم ليصبح الجوال سلما للتواصل مع من هم في الغربة، جاعلين الغربة ما هي إلا بالجسد،لا القلوب، بمشاركتهم تجاربهم اليومية كما وأنهم معهم.

وما إلى ذلك قد استطاع الهاتف ترك بصمة بارزة في عمليات التبادل التجاري وساعد الطلاب والباحثين على الحصول على معلومات مفيدة بسرعة وسهولة، فقد أصبحنا في عصر يمكنك استخراج أي معلومة في أقل من دقيقتين هي نعمة استشعرت بها عندما أخبرني أبي عن صعوبة أبحاثهم الجامعية والمدرسية, فقد كانواً يقضون ساعات وساعات في المكتبة مشتتين بين الكتب بحثاً عن معلومة هي اليوم في متناول أيدينا نجدها بسرعة البرق.

الهاتف مع كثر الجدال إن كان نعمة أو نقمة فأنا أؤمن تماماً أنه سلاح ذو حدين، إن كان مستخدمه إنساناً مسؤولاً واعياً وأحسن استخدام الهاتف فيستغل كل إيجابياته تصبح نعمة لا محالة، أما إن استخدمه بطريق السوء والتفاهة لأصبح نقمة .

لا يمكن لوم الهاتف الجوال على أي أضرار ناتجة منه، كفانا نقداً للهاتف ولنوعّي مستخدمه بكيفية استخدامه بعيداً عن سلبياته، كيف نستخدم هذا الجهاز بالشكل الأمثل الذي يخدمنا لا يضيعنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد