البرمجة في الخيم.. لا تحتاج عبقرياً ليتقنها

أن تحمل طفلاً من بين قماش خيمته وتضعه خلف جهاز حاسوب هو أمر قد يستغربه البعض، فمن حكمت عليه ظروف الحياة العيش بلا وطن، مع مرور الوقت يعتاد من حوله أن يراه مجرّداً من حقوق المواطنة فقيراً حدود أحلامه لا تتجاوز خيمته.

عربي بوست
تم النشر: 2015/08/17 الساعة 08:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/08/17 الساعة 08:34 بتوقيت غرينتش

أن تحمل طفلاً من بين قماش خيمته وتضعه خلف جهاز حاسوب هو أمر قد يستغربه البعض، فمن حكمت عليه ظروف الحياة العيش بلا وطن، مع مرور الوقت يعتاد من حوله أن يراه مجرّداً من حقوق المواطنة فقيراً حدود أحلامه لا تتجاوز خيمته.

"من يفقد مكانه يفقد كل شيء مع ذاك المكان" هذا ما عاشه الفلسطيني ناصر الجابر الأمر الذي دفعه إلى تركيز اهتمامه بأطفال المخيمات الفلسطينية في لبنان كي يعوّضهم عن جزءٍ ولو صغيرٍ مما فقدوه، وذلك من خلال استغلال التكنولوجيا لتطوير قدراتهم وإتاحة فرص جديدة لهم في سوق العمل.

الجابر الذي نشأ في قرية صغيرة بفلسطين ومن عائلة فقيرة نوعاً ما، اختار أن يكرّس حياته لمساعدة الأطفال الفلسطينيين في لبنان، لأنه كما يرى أن "مشكلة اللاجئين في العالم العربي مشكلة طويلة ومعقدة ومتعددة الطبقات، والفقر مشكلة أكثر تعقيداً بكثير يمكن البدء بعلاجها من خلال التكنولوجيا التي تصبح مع الوقت أرخص وبمتناول اليد".


البرمجة هي 100 دولار!

مشروع الجابر الذي من المتوقع أن تكون انطلاقته 2016، يقوم على تعليم الطلاب اللاجئين "كيفية كتابة التعليمات البرمجية خلال 24 أسبوعاً".

وعن ذلك يقول الجابر لـ "عربي بوست" إن "هذه المهارة تسمح للطالب بالدخول في سوق العمل العالمي على شبكة الانترنت بتوفير الدعم الخلفي للمواقع والتطبيقات فضلاً عن المساعدة في تصميم الصفحات الالكترونية".

قد يكون العنوان العريض للمشروع معقداً إلا أنّ كل ما يحتاجه هو أجهزة حواسيب ومدربين يقومون بتعليم الطلاب البرمجة التي يجدها الجابر، "ولا تحتاج إلى موهبة أو درجة عالية من الذكاء لكي يتقنها الطالب، هي تماماً مثل أي مادة تعليمية يمكن دراستها وإتقانها فقط بمدة لا تتجاوز الشهرين".

وإنّ هذه المادة التعليمية كافية كما يراها الجابر كي يخوض الطالب مضمار العمل والحصول على فرصة كفيلة بتحسين وضعه المادي والنفسي أيضاً، وإخراجه من مخيمات الفقر، فالتكنولوجيا "تساعد على زيادة دخل الشخص نحو 100 دولار" على حدّ قول الجابر الذي أضاف "إن القدرة على العمل كفيلة بإخراج اللاجئين في لبنان من يأسهم وخاصة مع عدم القدرة على العمل في أكثر من 70 مهنة بسبب حقوق المواطنة التي يفتقرون إليها هناك".


الإناث أولاً ثم الذكور

وتحول أقساط الجامعات العالية دون متابعة طلاب المخيمات تعليمهم، وفي الوقت نفسه من الصعب تأمين قروض للجميع. ولهذه الأسباب وجد الجابر في هذا المشروع طريقة لتعليم من لم تتاح له متابعة الجامعة.

وعن خطوات تنفيذ هذا المشروع يقول لـ "عربي بوست"، إن "شركة Aspire الأردنية للتكنولوجيا قامت بتقديم أجهزة كمبيوتر يتم شحنها إلى لبنان، حيث وافق ماركوا غورن المسؤول في الشركة على تقديم الأجهزة وخاصة أنهم يقومون باستبدالها سنوياً، لذلك تبرع بالقديمة للاستفادة منها في المخيمات".

وأضاف "أحرص على التوجه في هذا المشروع إلى الفتيات أكثر من الذكور، لأن الأنثى من وجهة نظري لديها إحساس بالمسؤولية أكبر من الذكر من جهة. ومن جهة أخرى، كوننا لا نستطيع تغيير التكوين الاجتماعي في المخيّم وإخراج الفتاة من خيمتها إلى سوق العمل، لكن من خلال البرنامج التعليمي يمكنها العمل وكسب رزقها وهي في المنزل".

أجهزة الحواسيب التي من المتوقع تصل إلى لبنان في القريب العاجل لن يتم وضعها في المخيمات الفلسطينية، بل سيتم اختيار موقع يحفظها من غبار الخيم، وسيعتمد الجابر في تعليم الأطفال على متطوعين من مختلف أنحاء العالم منهم من يسافر لتدريبهم، ومنهم من يقوم بتقديم دورات تدريبية عبر الانترنت، وسبق أن اتفق الجابر مع مهندسين منهم من يعمل في جوجل وفيس بوك.

"إنّ التبرع بالنقود قد يكون صعباً على البعض ولكن التبرّع بالوقت والخبرة هو أمر سهل على الجميع" بهذه الكلمات برر الجابر أهمية مشاركة الجميع في العمل التطوعي، وخاصة "ذاك الفلسطيني الذي أجبرته الظروف على مغادرة أرضه إلى أقاصي البلاد ليدرس ويتعلم ويبني مستقبلاً من لا شيء ليجد نفسه تائهاً بعيداُ عن هويته الفلسطينية ويرغب بالقيام بأمر ما ليساعد اللاجئين، حيث يمكنه من خلال التطوع بالمشروع تقديم خدمة كبيرة وتغيير مستقبل طلاب النزوح".

إن المشروع كخطوة أولى يهدف إلى تشغيل أكثر 10 طلاب تميزوا خلال التدريب، حيث وعدت عدد من الشركات أن تتبنى هذه المهارات وتتكفل بتأمين وظائف لها، وإن هذا الرقم من المتوقع أن يكبر من الوقت مع زيادة حجم المشروع.


أربعة أطفال إلى 1500 طفل

وكانت أول خطوة للجابر في مجال التطوّع ومساعدة النازحين الفلسطينيين في لبنان في العام 2006، حيث بدأ الأمر صدفة عندما التقى صديقة له في جامعة كولومبيا وهناك تعرف على مشروعها الذي تحاول من خلاله الاستفادة من مهارات متطوعين فلسطينيين درسوا في الجامعات الأجنبية وتقديمها للطلاب.

وعن ذلك يقول "إن رسوب طالب المخيم يشعره الجميع أنه غبي، دون البحث عن سبب تراجع أدائه التعليمي الذي قد يكون سببه قلة اهتمام، الأمر الذي استطعنا تجاوزه من خلال هذا المشروع الذي غطى أكثر من خمس مخيمات ورفع مستواهم التعليمي من خلال تقديم دورات تعليمية صيفية وإشراف مهاجرون عرب قادمون من أوروبا وأمريكا لمساعدتهم في مختلف المواد التعليمية".

وللفنان مارسيل خليفة دور أيضاً في مساعدة هؤلاء الطلاب من خلال حفلة أحياها في بروكلين ألمانيا عاد ريعها لدعم التعليم في المخيمات.

وختم الجابر بالقول، "ببعض من التفاني، الدعم والإبداع، نحن كمجتمع عربي يمكننا أن نساعد اللاجئين والمواطنين على الخروج من الفقر".

تحميل المزيد