يكشف "عربي بوست" في هذا التقرير، تفاصيل ووثائق تتعلق بأحد حقول النفط والغاز الهامة في ليبيا، والتي تثير شكوكاً حول شفافية العقود المتعلقة بها، ومعلومات عن الصراع الداخلي عليه، وارتباطه بشركات أجنبية، وهو حقل NC7 الليبي.
ففي عمق الصحراء الليبية، وعلى تخوم حوض غدامس الغني بالنفط والغاز، يقع حقل NC7، الذي يعد أحد أكثر الملفات حساسية في قطاع الطاقة الليبي، بسبب ما له من أهمية اقتصادية وسياسية.
ورغم أنه ليس من أضخم الحقول من حيث الإنتاج، إلا أن أهميته السياسية والاقتصادية والأمنية جعلته عنواناً للصراع، وتتقاطع فيه مصالح محلية، ويثير تساؤلات عن إدارة الثروات الليبية.
في الوقت الذي خصصت فيه حكومة الوحدة الوطنية أكثر من 1.2 مليار دولار لتطوير الحقل بالشراكة مع شركة "إيني" الإيطالية، تثار شكوك حول شفافية العقود وتوزيع العوائد، وسط انقسام مؤسسي بين وزارة النفط والمؤسسة الوطنية للنفط، وضعف أمني يهدد استقرار المنطقة المنتجة بأكملها، وفق مصادر ليبية تحدثت في هذا التقرير.
الموقع والأهمية.. حقل وسط الرمال
يقع حقل NC7 الليبي في الجزء الغربي من حوض غدامس، وهي منطقة تمتد حتى الحدود الجزائرية وتُعرف بثروتها من النفط الخفيف والغاز المصاحب.
تقديرات الإنتاج الأولية تشير إلى قدرة تتراوح بين 10 إلى 30 ألف برميل يومياً من النفط الخام، إلى جانب كميات من الغاز الطبيعي، بحسب مصادر حكومية في طرابلس، التي أشارت إلى أن ليبيا تراهن على هذا الحقل لتعزيز صادراتها نحو أوروبا في ظل الطلب المتزايد على الطاقة.
في أعقاب الحرب الأوكرانية، تحوّل الاهتمام الأوروبي نحو شمال أفريقيا كمصدر بديل للغاز الروسي، لتصبح ليبيا، وبالأخص مشاريعها في غدامس، ضمن أولويات دول مثل إيطاليا وتركيا، وفق المصادر ذاتها لـ"عربي بوست".
مع توقيع عقود التطوير الجديدة، برز اسم NC7 كمشروع واعد قد يساهم في إعادة ليبيا إلى خريطة مورّدي الغاز الإقليميين، إذا ما توفرت له البيئة الإدارية والأمنية المستقرة.
صراع داخل الدولة.. من يملك القرار؟
منذ توقيع عقود التطوير، اندلع خلاف حاد بين وزارة النفط والمؤسسة الوطنية للنفط حول قانونية الإجراءات.
الوزارة أكدت أن العقود تمت دون علمها الكامل، في حين ردت المؤسسة بأنها الجهة السيادية المخوّلة بالتوقيع والتفاوض، وليست وزارة النفط.
هذا الخلاف فتح الباب أمام صراع صلاحيات داخل حكومة الوحدة الوطنية نفسها، حيث أوقف رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة وزير النفط محمد عون عن العمل، وعيّن بديلاً مكلفاً بإدارة الوزارة، رغم حصول عون على حكم قضائي بعودته.
تحوّل النزاع من خلاف إداري إلى صدام سياسي بين مؤسستين تتنازعان الشرعية داخل الدولة ذاتها، فيما يقف الحقل "كمؤشر على غياب التنسيق بين المؤسسات، وتضارب الولاءات، واستمرار منطق إدارة الثروة عبر القرارات الفردية والمساومات السياسية"، بحسب مصادر مسؤول تعليقاً على الخلافات داخل الحكومة حول حقل النفط والغاز NC-7.
جدل الشرعية والشفافية
أوضحت المؤسسة الوطنية للنفط في بيانات وتصريحات سابقة علنية، أن جميع إجراءاتها في ملف تطوير حقل NC7 الليبي تمت وفقًا للتشريعات النافذة، وبالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، مؤكدة أنها الجهة الفنية الوحيدة المخولة بإبرام اتفاقيات الاستكشاف والتطوير والإنتاج.
وأكدت المؤسسة أن الهدف من الاتفاق المقترح مع التحالف الدولي، كان رفع الإنتاج الوطني بأكثر من 25 ألف برميل يومياً، وضمان ضخ الغاز للأسواق المحلية والدولية في ظل الطلب الأوروبي المتزايد بعد الحرب الأوكرانية.
نفت المؤسسة وجود أي "تفريط في السيادة" أو "فساد"، موضحة أن نسبة الـ40% المخصصة للشركاء الأجانب تُحتسب فقط خلال مرحلة استرداد الكلفة، كما هو معمول به في اتفاقيات المشاركة بالإنتاج (EPSA).
كما أنها شددت على أن "المشروع سيوفر فرص عمل محلية، وسيساهم في نقل التقنية الحديثة إلى الشركات الليبية، مؤكدة أن التأخير في إطلاق المشروع كلّف الدولة خسائر بملايين الدولارات، وأنها تعمل وفق أعلى معايير الشفافية والمحاسبة، وتخضع جميع عقودها لمراجعة ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية".
حاول "عربي بوست" التواصل مع المؤسسة الوطنية للنفط للحصول على تعليق رسمي إضافي حول تفاصيل العقود وآلية اختيار التحالفات الأجنبية، لكن لم يتلقَّ أي رد حتى موعد نشر هذا التقرير.
وزير النفط الليبي لـ"عربي بوست": صفقة NC7 غير قانونية
في المقابل، أكد وزير النفط والغاز محمد أحمد عون، أن أي إجراءات اتخذتها المؤسسة الوطنية للنفط بخصوص تطوير حقل الحمادة (NC7) تُعدّ "مخالِفة للقانون واللوائح المنظمة للقطاع"، مشيراً إلى أن الوزارة لم تُبلَّغ بتوقيع أي عقود، ولا تعلم ما إذا كان قد بدأ العمل فعلياً في تطوير الحقل أم لا.
وأضاف لـ"عربي بوست"، أن "مشروعاً بهذه الضخامة لا يمكن للشركات الأجنبية إخفاؤها عن مساهميها أو الرأي العام".
وأوضح عون أن الخلاف بين الوزارة ورئاسة الحكومة يتمحور حول شكل التعاقد مع الشركات الأجنبية، إذ ترى الحكومة أن يتم إشراكها كشريك بنسبة 40% من الإنتاج، بينما تصر الوزارة على أن تعاقد هذه الشركات يجب أن يكون كمقاولين فقط، يتقاضون أجوراً مقابل خدمات التطوير دون تقاسمٍ للعائدات.
واعتبر أن منح نسب إنتاج للأجانب يمسّ جوهر السيادة الوطنية، ويخالف القوانين الليبية المنظمة للاستثمار في قطاع النفط.
ويستند الوزير في موقفه إلى الإطار القانوني المتمثل في قانون النفط رقم (25) لسنة 1955 (المادتان 2 و17)، الذي يشترط موافقة وزارة النفط كتابةً على أي نزول عن التراخيص أو عقود الامتياز.
إضافةً إلى قانون إنشاء المؤسسة الوطنية للنفط رقم (24) لسنة 1970 والقرار رقم (10) لسنة 1979 بشأن إعادة تنظيمها، وكذلك القرار رقم (232) لسنة 2021 (المادة 20/فقرة 8) الذي يمنح الوزارة صلاحية الإذن للمؤسسة بالتفاوض وإبرام العقود باسم الدولة الليبية.
وأشار عون إلى وجود قرارات وضوابط نافذة جرى تجاهلها، منها قرار مجلس النواب رقم (15) لسنة 2023 الذي يحظر الدخول في اتفاقيات جديدة أو تعديل القائم منها في قطاع النفط، وكتاب مكتب النائب العام المؤرخ في 27 ديسمبر/كانون الأول 2023 القاضي بوقف جميع المفاوضات الخاصة بالمشروع لحين استكمال الفحص القانوني والفني.
وعن الوضع الحكومي والتمويلي، أوضح الوزير أن حكومة الوحدة الوطنية سُحبت منها الثقة في أكتوبر/تشرين الأول 2021 ثم مجدداً في سبتمبر/أيلول 2024، ما يجعل "تصرفاتها في الملفات السيادية غير مشروعة"، بحسب قوله.
وأكد أن مجلس النواب خصّص مبلغ 6 مليارات دينار ليبي بتاريخ 30 أبريل/نيسان 2024 لتطوير الحقل بتمويل وطني، إلا أن التنفيذ لم يبدأ رغم مراسلات لجنة الطاقة بالمجلس.
كما أنه أشار إلى أن "خبراء وطنيين قدّموا مقترحات فنية لتطوير الحقل محلياً دون الحاجة لشراكات أجنبية".
أما على الصعيد الدبلوماسي والرقابي، فأكد عون أنه أخطر سفراء الدول المعنية بأن أي اتفاق يجري خارج الأطر القانونية يُعد "مساساً بالثروة والسيادة الوطنية"، لافتاً إلى أن الوزارة تلقت مذكرات دعم رسمية من مجلس الدولة والمجلس الرئاسي وديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية ومجلس المنافسة ومنع الاحتكار، تؤيد موقفها القانوني الرافض لصيغة التعاقد المقترحة، وفق قوله.
أما فيما يخص ملف عودته إلى منصبه، قال الوزير الليبي إن رئاسة الحكومة امتنعت عن تنفيذ أحكام قضائية صادرة لصالحه خلال عامي 2024 و2025، معتبراً ذلك "ازدراء لأحكام القضاء وتطاولاً على مؤسسات الدولة".
وداعا الوزير عون، النائب العام وهيئة الرقابة الإدارية إلى التدخل لإنفاذ الأحكام وفق نص المادة (234) من قانون العقوبات الليبي، الذي ينص على الحبس والعزل لكل من يمتنع عن تنفيذ الأحكام القضائية.
ويختم عون تصريحه بالتأكيد على أن "استعادة الشفافية في قطاع النفط الليبي تمر عبر إنفاذ القوانين، وتكليف الكفاءات الوطنية النزيهة، ووقف تدخل رئاسة الحكومة في عمل القطاع، ومحاسبة المسيئين، وترسيخ مبادئ الحوكمة والنزاهة لضمان أن تبقى الثروة النفطية ملكًا للشعب لا أداة للنفوذ السياسي".
بين نظامي الشراكة والمقاولة
يقول الخبير في الملف النفطي الليبي محمد الشحاتي، في تصريحاته لـ"عربي بوست"، إن "الفارق الاقتصادي الجوهري بين نظام الشراكة في الإنتاج ونظام المقاولة النفطية يكمن في طريقة تقاسم العوائد والمخاطر".
وأوضح أنه "في نظام الشراكة، يحصل كل طرف على حصته من الإنتاج عيناً (in kind)، أي أن الشريك الأجنبي يستلم جزءاً من النفط الخام مباشرة، ما يتيح له بيعه في السوق العالمية بالدولار، دون المرور بالنظام النقدي المحلي. وبهذا الشكل، يربح المستثمر الأجنبي إذا ارتفعت الأسعار، لكنه يتحمّل الخسائر في حال انخفاضها".
أما نظام المقاولة أو الخدمات النفطية، فأكد أنه "يعني أن الدولة عبر شركتها الوطنية، تستأجر الشركة الأجنبية لتنفيذ التطوير مقابل أجر مالي ثابت. هنا لا تتحمل الشركة الأجنبية أي مخاطر تتعلق بأسعار النفط، لكنها أيضاً لا تستفيد من ارتفاعها".
ويرى الشحاتي أن هذا النموذج "يُجنّب الدولة فقدان سيادتها على العوائد"، لكنه قد يضعف الجدوى الاقتصادية على المدى الطويل، نظراً لثبات الإيرادات التي تتقاضاها الشركة الأجنبية.
وأضاف أن نموذج المقاولة هو الأفضل للدول المنتجة المستقرة مالياً، شرط أن تكون قادرة على تمويل مشاريعها النفطية بانتظام.
أما الدول التي تعاني من نقص العملة الصعبة أو اضطراب سياسي، فتواجه صعوبة في تمويل المشاريع، ما يدفعها نحو نظام الشراكة لتقاسم المخاطر والتمويل، وفق قوله.
وأشار الشحاتي إلى أن الحقول منخفضة المخاطر والتكاليف، مثل حقل الحمادة (حقل NC7 الليبي)، يمكن تطويرها بنظام المقاولة الوطني، بينما يُفضل نظام الشراكة في الحقول الاستكشافية أو عالية المخاطر.
وفيما يخص التمويل الذاتي، يرى الخبير أن نجاحه يعتمد على الاستقرار السياسي وحياد السلطة التنفيذية، إضافة إلى قوة الشركات الوطنية فنياً، لكنه لفت إلى أن الواقع الحكومي الحالي غير مشجع.
وأوضح أن ذلك "بسبب البيروقراطية، وضعف الثقة في مؤسسات الدولة"، محذراً في الوقت ذاته من أن "إسناد المشاريع لشركات أجنبية دون شفافية كافية يفتح الباب أمام الفساد والانحراف في التشغيل".
وحول تحقيق التوازن بين جذب الاستثمار الأجنبي وحماية السيادة الوطنية، أوضح الشحاتي أن "ذلك يتطلب تشريعات متوازنة مبنية على دراسات معمقة، مع وجود آليات مراقبة وتشغيل واضحة ونخب نزيهة تشرف على التنفيذ، حتى لا تتحول الشراكات إلى باب نفوذ أو هيمنة".
أما عن التجارب الدولية، فيلفت إلى أن "ليبيا نفسها تمتلك تاريخاً مميزاً في إدارة الاستثمارات النفطية، وكانت نموذجاً يُحتذى به في الصناعة العالمية"، مشيراً إلى إمكانية الاستفادة من تجارب دول مثل الجزائر، وماليزيا، والإمارات، وإندونيسيا في تصميم هياكل تعاقدية مرنة تجمع بين الكفاءة والشفافية.
أحد أكثر الجوانب إثارة للجدل في مشروع حقل NC7 الليبي هو غياب الشفافية المالية، كما أكدته المصادر التي تحدثت في التقرير.
ففي حين تتحدث المؤسسة الوطنية للنفط عن التزامها الكامل بالمعايير الدولية، أبدى ديوان المحاسبة الليبي والنيابة العامة اعتراضات جوهرية على مسار العقود والصفقات الخاصة بالمشروع.
في مطلع عام 2025، دخل مشروع تطوير امتياز الحمادة (حقل NC-7 الليبي) مرحلة جديدة من الجدل، بعد تدخّل ديوان المحاسبة الليبي والنيابة العامة، اللذين طالبا رسمياً بوقف كل الإجراءات التمهيدية لتوقيع عقود التطوير مع التحالف الأجنبي المقترح، إلى حين استكمال الفحص القانوني والمالي والفني للملف.
ووجه ديوان المحاسبة انتقادات عدة كما أكدته مصادر في الديوان، لخصتها بما يلي:
- غياب التنافسية والشفافية في اختيار التحالف الأجنبي.
- المبالغة في تقديرات الكُلفة مقارنة بمشروعات مماثلة.
- تأخر إشراك الشركات الليبية كشركاء أو موردين.
- التزامات طويلة الأمد تحدّ من قدرة الدولة على المراجعة.
- بنود تمسّ السيادة الوطنية على الموارد.
بناءً على هذه الملاحظات، أوصى الديوان بإيقاف جميع المفاوضات إلى حين معالجتها، وتعديل البنود بما يضمن المصلحة الوطنية والشفافية الكاملة.
أما عن موقف النيابة العامة، فقد وجّه النائب العام الصديق الصور، في يناير/كانون الثاني 2025 مراسلةً رسمية إلى ديوان المحاسبة، أكّد فيها استمرار قرار وقف المفاوضات بشأن تطوير الحقل، وطلب نتائج التحقيق المالي والفني.
ويأتي ذلك ضمن متابعة قضايا الفساد المحتملة في العقود الاستراتيجية طويلة الأمد التي تمسّ السيادة الاقتصادية للدولة.
حصة 40% للشركات الأجنبية في حقل NC7 الليبي
وشكّل منح 40% للشركات الأجنبية في مشروع حقل NC7 الليبي سابقة في تاريخ ليبيا، بحسب الباحث في الشأن الليبي جلال الحرشاوي، الذي قال لـ"عربي بوست"، إن "السبب الحقيقي لتعليق مشروع NC7 في ديسمبر/كانون الأول 2023 من قِبل النائب العام وديوان المحاسبة لم يكن تنافس الدول الأجنبية، بل لأن المشروع منح ولأول مرة رسمياً حصة 40% للشركات الأجنبية".
وفي تفاصيل المشروع، فإن الائتلاف المقترح كان يضم أربع شركات كبرى، هي:
إيني الإيطالية – توتال إنيرجيز الفرنسية – أدنوك الإماراتية – TEC التركية.
ويرى الحرشاوي أن هذه السابقة أثارت اعتراضات من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ووزير النفط محمد عون وآخرين، لينتهي الأمر بتعليق المشروع في نهاية 2023.
مراسلات مجلس النواب، جاء فيها قرارات تشريعية تقيد التعاقدات النفطية الجديدة.
وتُظهر المراسلات الرسمية الصادرة عن مجلس النواب الليبي ولجنة الطاقة والموارد الطبيعية منذ منتصف عام 2023، أن السلطة التشريعية تتبنى موقفاً واضحاً وحاسماً من ملف التعاقدات النفطية، خاصة في ما يتعلق بحقل الحمادة (حقل NC7 الليبي).
وينص هذا القرار على منع أي حكومة تنفيذية من إبرام اتفاقيات جديدة أو تعديل الاتفاقيات القائمة في مجالات النفط والثروات الطبيعية، إلى حين تشكيل حكومة موحدة ومخولّة دستورياً.
جاء القرار في سياق رفض البرلمان "لأي تصرف يمسّ الثروات السيادية للدولة خارج إطار التفويض التشريعي"، مؤكداً أن "أي خرق لذلك يُعدّ مخالفة صريحة للقانون".
من جانبه، وجّه رئيس اللجنة عيسى محمد العريبي، خطاباً رسمياً إلى رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، يؤكد فيه على ضرورة وقف أي تفاوض جديد بشأن الحقل أو مع أطراف أجنبية.
وطالب بحسب المراسلات التي حصلت "عربي بوست" على نسخة منها، بالإسراع في تنفيذ المشروع باستخدام التمويل المحلي بعد أن خصص البرلمان ميزانية بقيمة 6 مليارات دينار ليبي لتطوير الحقل ضمن ميزانية الدولة العامة.
وخاطبت رئاسة المجلس كلاً من رئيس الحكومة ومحافظ مصرف ليبيا المركزي ورؤساء الأجهزة الرقابية، مرفقة بقرار رسمي يُؤكد إقرار المجلس -بالإجماع- تخصيص 6 مليارات دينار لتطوير حقل الحمادة، مشددة على ضرورة التنسيق بين المؤسسات التنفيذية والرقابية لضمان صرف الأموال وفق القنوات القانونية، ومنع أي تجاوزات أو اتفاقيات موازية مع جهات أجنبية.
وتُبرز هذه الوثائق أن البرلمان تبنّى موقفاً رافضاً لإدخال شركاء أجانب، وهو ما يتقاطع جزئياً مع رؤية وزير النفط محمد عون الرافضة لأي شراكات إنتاجية تمنح نسباً من العائدات لشركات أجنبية.
موقف مجلس المنافسة ومنع الاحتكار من صفقة NC7
لم يقتصر الجدل حول حقل الحمادة الحمراء (حقل NC7 الليبي) على المؤسسة الوطنية للنفط وديوان المحاسبة فحسب، بل امتد إلى مجلس المنافسة ومنع الاحتكار، الذي تدخّل رسمياً في نهاية عام 2023 ليوقف المشروع بالكامل، معتبراً أن الإجراءات المتخذة في ملف التفاوض مع التحالف الأجنبي "تشوبها مخالفات قانونية جوهرية".
ففي سلسلة مراسلات صدرت عن المجلس بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول 2023 وُجهت إلى كلٍّ من المؤسسة الوطنية للنفط وديوان المحاسبة، أكّد رئيس المجلس سلامة إبراهيم الفويل، أن منح مشروع تطوير الحقل لتحالف الشركات الأجنبية الأربع، "تمّ بشكل يخالف قواعد المنافسة وتكافؤ الفرص"، وبطريقة وصفها بـ"الاحتكارية".
وأوضح المجلس أن التعاقد المباشر مع التحالف دون طرح المنافسة العامة يمسّ مبادئ الشفافية ويخلّ بالقوانين المنظمة للنشاط التجاري، مستنداً إلى مواد من قوانين النفط (رقم 25 لسنة 1955) والمنافسة ومنع الاحتكار (رقم 23 لسنة 2010 والمعدل بالقانون 7 لسنة 2023).
كما شدد المجلس على أن الحقل مكتشف منذ عام 1960 بواسطة شركة الخليج العربي للنفط، وأن تطويره لا يتطلب تقنيات عالية أو مشاركة أجنبية موسعة، ما يجعل الشركات الوطنية قادرة على تنفيذه بالتمويل المحلي.
وأشار إلى أن نسبة الـ40% الممنوحة للشركات الأجنبية في الاتفاق المقترح تُعد "سابقة خطيرة في تاريخ القطاع، وقد تفتح الباب أمام مطالب مماثلة في عقود أخرى، ما قد يُضر بالمصلحة الوطنية ويضعف سيطرة الدولة على مواردها النفطية".
وفي مراسلة لاحقة بتاريخ 9 يونيو/حزيران 2024، وجّه المجلس كتاباً إلى ديوان المحاسبة أعاد فيه التأكيد على سريان قرار المنع السابق، منتقداً ما وصفه بـ"محاولات تجاوز قراراته وإعادة فتح الملف".
وأكد أن أي تفاوض أو توقيع عقود مع التحالف المذكور يُعد باطلاً من الناحية القانونية، ما لم يُستكمل مسار المنافسة والشفافية.
واختتم المجلس موقفه بالتنبيه إلى أن استمرار المؤسسة الوطنية للنفط في التفاوض مع التحالف الأجنبي رغم قرارات الإيقاف قد يشكّل شبهة احتكار وتواطؤ تمسّ الاقتصاد الوطني، مطالباً بفتح تحقيق شامل حول الإجراءات التي اتُّخذت دون استشارة المجلس أو احترام نصوص القوانين المنظمة للمنافسة.
تقاطُع الأجهزة الرقابية
كانت مواقف ديوان المحاسبة والنيابة العامة ومجلس المنافسة ومنع الاحتكار بخصوص حقل الحمادة (حقل NC7 الليبي) منسجمة رقابياً، إذ اتفقت هذه المؤسسات على ضرورة إيقاف المشروع وإعادة مراجعته قانونياً وفنياً، قبل الشروع في أي اتفاق نهائي مع التحالف الأجنبي.
فبينما ركّز ديوان المحاسبة على المخالفات الإجرائية والمالية، رأت النيابة العامة أن الملف يحمل شبهات فساد وإضرار بالمال العام، في حين ذهب مجلس المنافسة إلى أبعد من ذلك، معتبراً أن طريقة التعاقد ذاتها تمسّ جوهر مبدأ المنافسة وتكافؤ الفرص، وتخلق حالة من الاحتكار المؤسسي داخل قطاع النفط.
وأشارت مصادر في تلك الأجهزة الرقابية الثلاثة، أن موقفها "لا يعبّر فقط عن حالة قانونية تقنية، بل عن تحوّل سياسي تدريجي في مؤسسات الدولة لاستعادة قدر من السيطرة على الموارد السيادية، بعد سنوات من الانقسام والهيمنة التنفيذية للمؤسسة الوطنية للنفط ورئاسة الحكومة".
إلا أنها أشارت إلى أن قرارات هذه المؤسسات تبقى محدودة الفاعلية، في غياب احترام قراراتها، إذ لم يُعلن حتى الآن عن تشكيل لجنة تحقيق مشتركة أو إحالة رسمية للملف إلى القضاء.
لكنها اعتبرت أن "التوافق الرقابي يُعد سابقة مهمّة في مسار إعادة ضبط العلاقة بين الدولة وقطاع النفط، ويعزز من المطالب بإنشاء هيئة مستقلة للحوكمة والشفافية النفطية تضمن مشاركة مؤسسات الجنوب الليبي وتكافؤ الفرص بين الشركات الوطنية والأجنبية".
الحاجة إلى تمويل واستراتيجية واضحة
الخبير النفطي الدكتور عبد الجليل معيوف، أكد لـ"عربي بوست"، أن حقل الحمادة النفطي (حقل NC7 الليبي) يُعد من الحقول التابعة لشركة الخليج العربي للنفط، ويبلغ إنتاجه الحالي ما بين 8 إلى 10 آلاف برميل يومياً من النفط الخام.
وأكد أن الحقل كان ولا يزال ضمن خطة شركة الخليج لتطوير الحقول المكتشفة (شركة ليبية مقرها في بنغازي)، إلا أن نقص التمويل المالي يمثل العقبة الرئيسية أمام تنفيذ برامج التطوير والإنتاج الكامل.
وأشار معيوف إلى أن هناك محاولة سابقة لإعطاء هذا الحقل إلى شركة إيني الإيطالية بعقد "يشوبه كثير من الغموض"، وفق تعبيره.
وأوضح أنه ومجموعة من خبراء قطاع النفط، تقدّموا باحتجاج رسمي على هذه الصفقة، وأرسلوا مذكرة إلى النائب العام للمطالبة بالتحقيق في تفاصيلها ووقفها إلى حين مراجعتها قانونياً وفنياً.
وأضاف أن شركة الخليج تمتلك القدرة الفنية على تطوير الحقل بنفسها "لكنها تحتاج إلى التمويل"، لافتاً إلى أن الحقل، رغم محدودية إنتاجه من النفط، يحتوي على مؤشرات واعدة للغاز الطبيعي، وهو ما أغرى شركات كبرى مثل إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية لمحاولة دخول المشروع.
وتابع معيوف أن "شركة إيني تتمتع بخبرة فنية كبيرة، لكن المشكلة لا تكمن في الشريك الأجنبي، بل في غياب الاستراتيجية الوطنية الواضحة لإدارة قطاع النفط في ليبيا، الذي يمثل العمود الفقري للاقتصاد الوطني".
وحذّر من أن انعدام الشفافية وتعدد مراكز القرار جعلا القطاع عرضة للتراجع، في ظل ترهل الحقول والموانئ وقدم المعدات السطحية، إلى جانب تكدس العمالة التي تجاوزت نحو 70 ألف موظف، في وقت لا يتجاوز فيه الإنتاج الوطني مليونًا وربع المليون برميل يومياً.
وختم معيوف بالتأكيد على أن "إدارة قطاع بهذه الأهمية بعقلية بيروقراطية قديمة دون تحديث البنية التحتية ولا تحسين نظم الشفافية والمساءلة، سيُبقي ليبيا رهينةً لتقلبات السوق والفساد السياسي، مهما كانت ثروتها النفطية".
البعد الأمني – نفط تحت الحراسة
بعيداً عن الجدال السياسي والرقابي حول حقل NC7 الليبي، فإنه تجدر الإشارة إلى أن يقع وسط بيئة أمنية معقدة وغير مستقرة.
فالمنطقة الممتدة بين غدامس والحمادة وأوباري تخضع لتوازنات ميدانية، حيث تتقاسم السيطرة مجموعات محلية مسلحة، بعضها يتبع شكلياً لجهاز حرس المنشآت النفطية، وأخرى تعمل بصورة مستقلة مقابل مخصصات مالية.
غياب خطة أمنية وطنية موحّدة جعل الحقول عرضة للتجاذب أو الابتزاز، بحسب مصادر أمنية هناك، إذ يمكن لأي مجموعة محلية أن توقف الإمدادات أو تُغلق الطرق الصحراوية في حال نشوب نزاع أو تأخر في صرف المستحقات.
وتزداد المخاطر مع تقارير تتحدث عن نشاط عناصر أجنبية ومرتزقة قرب الحقول الجنوبية منذ عام 2020، خاصة من بقايا عناصر مجموعة "فاغنر" الروسية، ما يثير القلق من تحول الجنوب إلى ساحة تنافس أمني دولي.
الخبير الأمني محمد السنوسي، قال لـ"عربي بوست"، إن السيطرة على حقل NC7 الليبي يمكن وصفها بـ"الهجينة"، إذ تتداخل فيها قوات حرس المنشآت النفطية (اسمياً) مع تشكيلات مسلحة قبلية من الزنتان، وربما عناصر محدودة وغير معلنة تابعة للقيادة العامة بقيادة خليفة حفتر، إلى جانب قوات تابعة لأسامة الجويلي.
وأضيف أن المنطقة شاسعة جغرافياً، ما يجعل السيطرة الأحادية عليها أمراً غير واقعي.
وأكد أن أبرز التحديات الأمنية المتعلقة بهذا الحقل هي:
- •تهريب الوقود عبر شبكات منظمة نحو الحدود.
- •السيطرة القبلية الرافضة لدخول قوات حكومة الوحدة الوطنية.
- •تأثير القوى الأجنبية (مستشارون ومرتزقة) بشكل غير مباشر.
- •انتشار السلاح والجريمة المنظمة لقربها من الحدود الجزائرية والتونسية.
وحول التنسيق بين الأجهزة الأمنية، يرى السنوسي أنه لا يوجد تنسيق مؤسسي فعلي، بل تنافس على السيطرة.
وشدد على أن استمرار الإنتاج رهين باستقرار المجموعات المسلحة، القادرة على إيقاف الإنتاج للمطالبة بامتيازات في أي وقت.
أمام التحديات الأمنية والسياسية، ما يزال الحقل لا يعمل بسبب التجاذبات والجدل سابق الذكر، في حين لم يتم حسم هذا الملف بعد داخل الحكومة الليبية في طرابلس، أم التوصل إلى اتفاق بشأنه بين الفاعلين المحليين في ليبيا حتى الآن.