شهدت الساحة السياسية والحزبية الإسرائيلية في الساعات الأخيرة فور توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، سجالاً حاداً، بين من اعتبره استحقاقاً تأخر طويلاً بسبب مماطلة الحكومة، وآخرون رأوا فيه خضوعاً لإملاءات واشنطن، وفريق ثالث نظر إليه بأنه مناسبة مهمة للتحضير لطي صفحة الحكومة، والتحضير للانتخابات القادمة، لأنهم يرون بالاتفاق بداية النهاية لمستقبل حكومة نتنياهو.
رصد ردود الفعل التي شهدتها المنظومة السياسية الإسرائيلية، يُظهِر أن كلا المعسكرين: اليمين المتطرف، والوسط وما تبقى من اليسار، رحّبا بما اعتبراها "اللحظة التاريخية"، والعودة المتوقعة للمختطفين، لكن ذلك لم يمنع من ظهور تباينات في الردود، التي يمكن استنباطها بصورة ضمنية، وحملت قراءات حزبية واضحة، مع التركيز على مستقبل حكومة نتنياهو بعد الاتفاق.
مستقبل حكومة نتنياهو على المحكّ
آنا بارسكي مراسلة الشؤون السياسية بصحيفة معاريف، كشفت عن أن نتائج آخر استطلاع للرأي أُجري على عينة تمثيلية من ناخبي حزب الليكود الذي يترأسه نتنياهو، أظهرت أن أغلبية مطلقة منهم تؤيد إنهاء الحرب كجزء من صفقة شاملة، ويعتقدون أن على إسرائيل الاستماع لرغبة ترامب في الترويج لإنهاء سريع للقتال.
لكنها لفتت إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار يأتي في أوقات حساسة للغاية بالنسبة لنتنياهو على الصعيد السياسي والحزبي الداخلي، لأنه سيُحدد جدوله الزمني السياسي للأشهر المقبلة، وربما يُغير أيضاً خريطة القوى الحزبية حول طاولة الحكومة.
وأوضحت أن شركاءه من العصبة اليهودية والصهيونية الدينية وضعا خطاً أحمر واضحاً، مفاده أنه إذا بقيت حماس قائمة بعد انتهاء الحرب، فسينسحبان من الحكومة.
وبحسب أفراهام بلوخ الكاتب في صحيفة معاريف، فإنه "صحيح أن الحزبين في الساعات الأخيرة تجنّبا التهديدات العلنية، لكن من الواضح أنه سيكون من الصعب عليهما دعم أي اتفاق يتضمن انسحاباً أو تنازلات جوهرية".
ووفق تقديره، فإن "هذا يعني أن نتنياهو يقف هذه الأيام في قلب معادلة معقدة، لأن خطوة دبلوماسية إضافية قد تمنحه دعماً دولياً، لكنها قد تُفكك التحالفات السياسية التي تُبقي حكومته متماسكة".
بذلك رأى أن "اختبار نتنياهو لا يقتصر على مدى نجاح الاتفاق على الأرض في غزة، بل يشمل أيضاً مدى قدرته على الحفاظ على سيطرته على الساحة السياسية والحكومية في اليوم التالي".
"أجواء انتخابات مبكرة تلوح في الأفق"
موران أزولاي مراسلة الشؤون الحزبية بصحيفة يديعوت أحرونوت، ذكرت أن الاتفاق، من وجهة نظر المعارضين له من داخل الحكومة، لا يضمن تدمير حماس، ما يسمح لها باستعادة أسلحتهم إن أرادوا، ما يعني أن هناك أجزاء من الاتفاق تتعارض تماماً مع شروط الحد الأدنى التي وضعها مجلس الوزراء.
بل ذهبت بوصف الاتفاق بأنه "تراجع كامل عن أهداف الحرب، وشروط الحد الأدنى، ما يجعله يشكل شهادة ضعف لإسرائيل، بالتالي فسيكون صعباً عليهم ابتلاع الأمر، ودعم استمرار البقاء في الائتلاف".
مع العلم أن نتنياهو الذي تعمّد عدم إشراك سموتريتش وبن غفير في النقاشات الحاسمة حول صفقة ترامب قبل أيام، تحدث معهما مرات عدة ، مؤكداً لهما أن "المصالح الأمنية لإسرائيل محفوظة"، واعداً بأن حماس لن تهدد مجدداً المستوطنات في الجنوب والمناطق المحيطة، وفق ما نقلته أزولاي.
من المؤشرات اللافتة في المواقف الإسرائيلية من اتفاق وقف إطلاق النار، ذلك الصمت الذي يلف إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي، وزعيم حزب العصبة اليهودية، بما يختلف عن موقفه قبل أيام، حين عرضت عليه خطة ترامب لوقف الحرب.
وقال حينها: "لن نكون جزءاً من حكومة مهزومة ستكون وصمة عار عالمية، وستصبح قنبلة موقوتة للهجوم الحمساوي القادم".

شيريت أفيتان كوهين مراسلة الشئون السياسية بصحيفة إسرائيل اليوم، اعتبرت أن اتفاق وقف إطلاق النار عمل على انقلاب الساعة الرملية مع اقتراب انعقاد الدورة الشتوية للكنيست الأسبوع القادم.
وتوقعت أن الكنيست سيشهد صراعات سياسية، وخطابات في الجلسة العامة، وتهديدات بإسقاط الحكومة، وخلال ذلك سيُقرر الائتلاف اليميني ما إذا كانت الانتخابات ستُجرى في أبريل أم سبتمبر المقبلين.
وأشارت إلى أن ذلك يأتي رغم أن نتنياهو لا يزال يسعى جاهداً لإكمال أيام الحكومة حتى أكتوبر 2026، وتأجيل الانتخابات قدر الإمكان، في محاولة منه لاستغلال ما تبقى له من عام في الحكم، لتنفيذ هجوم جديد على إيران، وإتمام عملية نزع السلاح في لبنان، وتوقيع اتفاقيات تطبيع إضافية في حدائق البيت الأبيض.
اتفاق وقف إطلاق النار والحسابات الانتخابية الإسرائيلية
عاميت سيغال مراسل الشؤون الحزبية في القناة 12، أكد أن الأغلبية الساحقة في المجلس الوزاري للشؤون الأمنية والسياسية، وكذلك الحكومة الموسعة، تؤيد الاتفاق، لكن لا يزال هناك من يُتوقع أن يعارض.
فقد أعلن سموتريتش معارضته للصفقة، لكنه لن يستقيل من الحكومة، مطالباً الحكومة بالالتزام بضمان عدم العودة لما وصفه "مسار أوسلو"، ومفاهيم السادس من أكتوبر، وعدم الانغماس مجدداً في الهدوء الأمني المصطنع، والعناق الدبلوماسي، والاحتفالات المبتسمة، "لأننا دفعناً ثمناً باهظا لكل هذه السلوكيات"، وفق تعبيره.
ومن المتوقع أيضاً أن يُعارض وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الاتفاق أيضاً، مع التوضيح أنه رغم المعارضين داخل الكابينت والحكومة، فإن نتنياهو لا يفتقر للأغلبية، ولذلك من المتوقع أن تتم الموافقة على الاتفاق بأغلبية ساحقة، بحسب سيغال.
والسؤال السياسي الرئيسي الذي طرحه المحللون الإسرائيليون هو: هل ستكون هناك حكومة في اليوم التالي للاتفاق؟
بيني أشكنازي مراسل صحيفة إسرائيل اليوم، أشار إلى أن رفض سموتريتش وبن غفير وبعض وزراء الليكود للاتفاق يعود إلى ادعاء يرددونه بأنه أضاع فرصة تاريخية لن تتكرر تتعلق بالاستيطان في غزة.
ورغم ما يعتبرانه فداحة الثمن الذي دفعته إسرائيل في هجوم حماس صباح السابع من أكتوبر، والحرب التي تلته، لكنها عادت مجدداً للاعتراف بالحدود الدولية التي ترسخ قطاع غزة كياناً فلسطينياً، وليس تابعا لإسرائيل.
وربطت المواقف الإسرائيلية الحالية من اتفاق وقف إطلاق النار بالحسابات السياسية والحزبية، لاسيما وأن الإسرائيليين دخلوا عامهم الانتخابي الحاسم.
بالنسبة لسموتريتش، فإن استطلاعات الرأي لا تمنحه إمكانية اجتياز عتبة الحسم، أما بن غفير فهو بمنأى عن هذا الإنذار، ومع ذلك، فإن لكليهما قد تكون مصلحة في الاستقالة من الحكومة في مرحلة ما، لمراكمة المزيد من الرصيد السياسي.
ورغم أنهما سمحا للصفقة بالحدوث، لكنهما سيتخذان خطوات قد تؤثر على مستقبل الحكومة، بحسب تقدير أشكنازي.
قواسم مشتركة بين الائتلاف والمعارضة في تقييم الاتفاق
يارون أفراهام، مراسل الشؤون السياسية في القناة 12، اعتبر أن المواقف السياسية والحزبية الإسرائيلية من اتفاق وقف إطلاق النار مرهون بما تعتبره إنجازات حققته الحكومة، وإخفاقات وقعت بها، وهو ما ينطبق على حماس أيضاً.
ففيما تعتبر إسرائيل أن الاتفاق يحقق لها أحد هدفي الحرب وهو إطلاق سراح جميع الرهائن، بجانب مزيج من الإنجازات الأمنية والسياسية التي تُعزز مكانتها، وتُمكّنها من الحفاظ على سيطرة واسعة على قطاع غزة، وهي خطوةٌ تُمكّنها من الحفاظ على سيطرتها الاستراتيجية على المواقع الرئيسية فيه، والتحرك عند الضرورة، لكنه من جهة أخرى، حقّق لحماس إنجازات تكتيكية وإنسانية ذات أهمية أيديولوجية وسياسية.
أبرز هذه الإنجازات للمقاومة، إطلاق سراح عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، ما يُعزز مكانتها في الشارع الفلسطيني، ويمنحها مساحة لالتقاط أنفاسها من الناحية العسكرية.
في الوقت ذاته، يرى مؤيدو الاتفاق من داخل الائتلاف والمعارضة، أنه يمنح إسرائيل فرصة استعادة مكانتها الدولية، ويُوقف تحركات العقوبات التي بدأت تتبلور ضدها، ويُعزز تحالفها مع الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس ترامب، التي لعبت دوراً محورياً في صياغة الاتفاق.
وبهذه الطريقة، تُعيد بناء تحالفاتها الدبلوماسية والأمنية، مع أن هناك مسألة تتوافق بشأنها المعارضة والائتلاف في إسرائيل وتتعلق بتوفر ضمانات عربية لإزاحة حماس من حكم غزة، وتغيير الواقع فيها بعد وقف إطلاق النار، وهي خطوة إقليمية غير مسبوقة.
القناة 14 ذكرت أن رافضي الاتفاق من التيار اليميني المتطرف داخل الائتلاف يستندون الى أن حماس حققت إنجازات لا يستهان بها، أهمها بقاؤها السياسي والعسكري.
فرغم أشهر طويلة من القتال العنيف، تمكنت من البقاء على قدميها، و"لم تسقط مدينة غزة"، وهذا إنجاز رمزي تؤكد عليه الحركة على الصعيدين المحلي والإقليمي.
ويعتبر الرافضون للاتفاق، أن إطلاق سراح كبار الأسرى الفلسطينيين على نطاق غير مسبوق يدفعهم لرفضه، لأن عددهم يقترب من 2000 أسير، بينهم 250 مؤبداً، و1700 آخرين ممن تم اعتقالهم منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر، وبعضهم شارك في هجوم الطوفان.
وتعد هذه الصفقة أكبر صفقة إطلاق سراح في تاريخ القضية الفلسطينية، ومن المتوقع أن تعزز الدعم لحماس في الشارع الفلسطيني، بحسب المخاوف الإسرائيلية، إذ سيعرض رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، ديفيد زيني، الموقف من إطلاق سراحهم على مجلس الوزراء.

شكر ترامب وتجاهل نتنياهو
على الدِّفَّة الأخرى من الخارطة السياسية الاسرائيلية، نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن رئيس حزب أزرق- أبيض، بيني غانتس، ترحيبه بالاتفاق، معتبراً إياه أنه يوحّد الإسرائيليين حول هدف واحد، وهو عودة الأسرى الإسرائيليين إلى عوائلهم.
وفيما أكد أيمن عودة، رئيس حزب الجبهة العربية للتغيير، أن "إنجاز الاتفاق إثبات جديد بأن الحرب أكدت استحالة الحل العسكري"، فقد ذكر عضو الكنيست أحمد الطيبي، أن "هذه الحرب يجب أن تكون الأخيرة، وهذا ممكن بعد كل الدماء والدمار والألم، وقد حان الوقت لتحرير الشعبين من نيران الاحتلال والحصار".
وجاء المؤشر الأكثر وضوحاً في مواقف قوى المعارضة، أنها وجهت جزيل شكرها للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع إغفال لافت لدور رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
وهو ما ينطبق على زعيم المعارضة يائير لابيد وشركائه نفتالي بينيت ويائير غولان وغادي آيزنكوت، باستثناء غانتس الذي اختار توجيه الشكر لنتنياهو، شريكه السابق.
انقسام داخل الائتلاف الحكومي، بين مؤيد ومعارض للاتفاق
آفي سولومون مراسل موقع ويللا، نقل عينة من هذه ردود الفعل على اتفاق وقف إطلاق النار، ومنها ما أعلنه وزير القضاء، ياريف ليفين، وهو نائب نتنياهو، الذي اعتبر أن "الاتفاق يتضمن أثماناً باهظة تتضمن إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وهو ثمن باهظ للغاية".
وأضاف: "لكننا سنواصل العمل لضمان عدم امتلاك حماس للأسلحة، والسيطرة على غزة مرة أخرى"، زاعماً أنه "لن تكون هناك قواعد عسكرية في الخطوط الأمامية بجوار حدودنا".
فيما اعتبر كتب عضو الكنيست أفيخاي بورون من حزب الليكود أن الاتفاق على ما فيه من فرحة عارمة بعودة المختطفين، لكن من الضروري ضمان استمرار نزع سلاح حماس وغزة".
أما رئيس الائتلاف، أوفير كاتس، فاعتبر أن الاتفاق ما كان ليتحقق لولا ما وصفها "مقاومة نتنياهو للضغوط المستحيلة".
باقي الوزراء رحبوا بالاتفاق، دون إصدار مواقف سياسية معينة مثل: التعليم يوآف كيش، الحرب السابق يوآف غالانت، الطاقة إيلي كوهين، النقل ميري ريغيف، يتسحاق فاسرلاوف، زعيم حزب شاس الديني أرييه درعي، الاتصالات، شلومو كيري.
لكن القناة "آي 24" اعتبرت أن الموقف الذي أعلنه رئيس حزب الصهيونية الدينية، بيتسلئيل سموتريتش، وزيرة المالية، ويتولى موقعاً وزاريا بوزارة الحرب، جاء لافتاً، فقد أكد أن "هناك قلقاً بالغاً بشأن عواقب إخلاء السجون الاسرائيلية، وإطلاق سراح الجيل القادم من قادة المقاومة الفلسطينية"، وفق وصفه، مؤكداً أنهم "سيبذلون قصارى جهدهم لمواصلة سفك دماء اليهود هنا"، بحسب تعبيره.
ولذلك، قال إنه لا ينوي التصويت لصالح الاتفاق، وأنه "لهذا السبب وحده، لا يمكننا الانضمام للاحتفالات قصيرة النظر".
كما أن عضوة المجلس السياسي والأمني، أوريت ستروك، وزيرة الاستيطان من حزب الصهيونية الدينية، عبّرت عن موقفها من الاتفاق بقولها إن "فرحنا بعودة المختطفين لا يلغي حقيقة أننا أصبحنا اليوم على أخبار مليئة بـ"العار الكبير"، بسبب إطلاق سراح كبار الأسرى الفلسطينيين مقابل المختطفين.
الأمر ذاته ذهب إليه ليئور كينان مراسل القناة 13، بالقول إنه "عارٌ مُسبق على جميع من سيتبع هذا النهج في المستقبل، لأنه سيسفر عن مزيد من الخسائر الإسرائيلية، وتنفيذ مزيد من عمليات الاختطاف اللاحقة".
ريفكا سوريك مراسلة القناة 14، نقلت عن ستروك قولها أيضاً إنه "عارٌ على نهج يضع أمن الدولة في أيادٍ أجنبية، ويُدير ظهره لقطاع غزة بلا مبالاة، رغم أنه جزء من دولة إسرائيل، وفقًا لحدود الشريعة اليهودية "الهالاخاه"، وكأن التخلي عنه مجددًا أمرٌ بديهي"، بحسب زعمها.
وقالت: "من العار الشديد أن رئيس الوزراء لم يمنع كل هذا، مما يجعل غموضاً كبيراً يحيط بما إذا كان من الصواب والجائز أن نكون جزءاً من حكومة تقبل اتفاقية تُشكل فيها جميع هذه المواقف المشينة جزءاً من مبادئها الأساسية".