انقسامات حادة وتحذيرات من حرب أهلية.. هكذا أثرت حرب غزة في الداخل الإسرائيلي، لتثير مخاوف وجودية

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/09 الساعة 13:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/09 الساعة 13:37 بتوقيت غرينتش
انقسامات الداخل الإسرائيلي تزايدت وتفاقمت منذ بداية حرب غزة/ عربي بوست

حصد الاحتلال الإسرائيلي خلال عامين من الحرب على غزة، نتائج مريرة على الصعيد الداخلي، من حيث تنامي التصدّعات العميقة، وتزايد التوترات بين الرأي العام والحكومة، فضلاً عن انقسامات الداخل الإسرائيلي مجتمعياً بين اليمين واليسار، والعلمانيين والحريديم، وتجسّد ذلك في استمرار المظاهرات والاحتجاجات، وتنامي ظاهرة رفض الخدمة العسكرية، وخلافات بين الساسة والعسكر، وتحذيرات من حرب أهلية.

كذلك، فإنه خلال الحرب، شهد الاحتلال انهياراً للثقة بقدرته على الحسم، بجانب استغلال بنيامين نتنياهو للحرب لضمان بقائه السياسي، وانعكاس كل ذلك على عدم ثقة الإسرائيليين بالدولة.

وما تزال شواهد الانقسامات الحادة مستمرة حتى الآن، مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، إذ إن اليمين المتشدد في حكومة نتنياهو يرفض الاتفاق، ويقول إنه لن يصوت على تمريره، في حين أن المسؤولين الأمنيين يقولون إن انسحاب القوات سيتم بعد تصديق الحكومة على الاتفاق.

الحكومة تخوض حرباً داخلية مع الإسرائيليين

مع تسارع الأحداث السياسية الداخلية والخارجية، دأب الائتلاف اليميني الحاكم على معايشة أزمات تقترب بين حين وآخر من نقطة الغليان، وسط خشية من التداعيات المتوقعة على مستقبله، وفقا لما ذكرته ديفنا ليئيل المراسلة الحزبية للقناة 12.

وأكدت أن بنيامين نتنياهو يريد البقاء في منصبه، وضمان عدم انهيار الائتلاف، مع تزايد الحديث عن اقتراب الانتخابات في الربع الأول من 2026، وهنا يمكن فهم سبب انزعاجه، فهو يُدرك أن قاعدته الانتخابية مُحبطة من أدائه في غزة، ولذلك يلجأ بنفسه لقيادة مستويات جديدة وغير مسبوقة من التحريض والانقسام بين الإسرائيليين، وفق قولها.

أما تال شاليف، مراسلة موقع ويللا، فذكرت أنه خلال عامي الحرب، أنكر الائتلاف مسؤوليته عن أكبر كارثة أمنية في تاريخ الدولة، وبقاء عشرات المختطفين لدى حماس في غزة، وعشرات آلاف الإسرائيليين ما زالوا نازحين من منازلهم، وجماهير تواجه صعوبات بالتعافي من جراحها الجسدية والنفسية.

كما أن الائتلاف الحاكم تعامل وكأن كل هذا لا يهمّه، فقد تمثلت إنجازاته السياسية الرئيسية والمركزية في النواحي التالية، بحسب شاليف:

  • 1- تعزيز الانقلاب القانوني، وخوض معركة إزاحة "حراس البوابة"، خاصة المستشارة القانونية للحكومة ورئيس جهاز الأمن العام- الشاباك، وتعريض النظام القضائي لهجوم غير مسبوق من الوزراء، والتدخل في تعيين كبار قضاة المحكمة العليا.
  • 2- المُضيّ قدماً بتقييد وسائل الإعلام، عبر قوانين من شأنها أن تمس باستقلال هيئة البث العام، وإغلاق إذاعة الجيش.
  • 3- يوفال كارني محلل الشؤون الحزبية في صحيفة يديعوت أحرونوت، ذكر أن الحكومة خلال عامي الحرب واصلت إرسال الجنود إلى غزة للمخاطرة بحياتهم في الحرب العبثية، وفي الوقت ذاته العمل على إقرار مشروع قانون لتهرّب الحريديم من الخدمة العسكرية، وفي سبيل ذلك تم استبدال وزير الحرب السابق يوآف غالانت بالحالي يسرائيل كاتس.
  • 4- شن حملة شعواء ضد عائلات المختطفين التي دأبت على الوصول للكنيست، ولم يمرّ أسبوع دون أن يبدي قادة الائتلاف إنكارهم لآلامهم، حتى أن رئيس الكنيست أمير أوحانا منع دخولها للمقرّ أسبوعاً كاملاً، وتخلى رؤساء اللجان البرلمانية عن مناقشة مطالبها، وصولاً للمواجهات العنيفة مع حراس الكنيست، الذين رفضوا السماح لها بدخول القاعة.
  • 5- الاستمرار برفض تشكيل لجنة التحقيق الرسمية في فشل السابع من أكتوبر، وشنّ حملة ضد المطالبين بها، واقتراح إنشاء لجنة من أعضاء الكنيست فقط، وهو كفيل يدفن فكرة إنشاء لجنة التحقيق الحكومية لأكبر كارثة في تاريخ الدولة، وفق تعبيره.

ووفق توصيف موتي شكلار الكاتب بصحيفة يديعوت أحرونوت، فإن "الحكومة حطّمت أرقاماً قياسية في معدّلات الانفصال عن الواقع، والتعتيم، والشر، والوقاحة، من خلال سلوكيات مشينة ومخزية، وأخذ الدولة نحو مزيد من التدهور، دون وجود من يكبح جماحها للمنحدر الزلق، وينتشلها من الحفرة العميقة". 

الأكاديمي أبراهام فرانك، تساءل بمقال على موقع زمن إسرائيل: "كيف يسمح الليكود منذ عامين لنتنياهو بقيادة سياسته على أنغام زعماء اليمين المسيحانيين القادمين من المستوطنات، دون النظر لعواقبها، المتمثلة بتدمير "الدولة اليهودية"، وانهيارها".

وتساءل: "لماذا يتم السماح لهذه الحكومة بانتهاج خطة سياسية تُبقي الحروب مستمرة لسنوات عديدة، لأن الإسرائيليين ذاقوا الطعم المرّ بسبب حكوماته المستمرة منذ ستة عشر عاماً، ما عرّضهم لخطر وجودي، وجعل الدولة تواجه العديد من الأسئلة المصيرية دون إجابات".

وأشار البروفيسور يديديا شتيرن، رئيس معهد سياسة الشعب اليهودي (JPPI)، إلى أن قرارات الحكومة تشعل الجبهة الداخلية الثامنة، وهي "إسرائيل ضد إسرائيل"، وكأنها "تقطع اللحم الحي أثناء الحرب"، على حدّ وصفه.

وأكد في مقاله بصحيفة يديعوت أحرونوت، أن "هذه السياسة تثير عواقبها قلقاً هائلاً وإحساساً واضحاً بالطوارئ بين غالبية الجمهور الإسرائيلي، ما يثير أسئلة مهمة ذات طبيعة وجودية، وأخلاقية، وأمنية، وتعتبر مقدمة لهدم المعبد على رؤوس الإسرائيليين جميعاً، وفق صيغة عليّ وعلى أعدائي".

أسئلة وجودية حول فرضية انهيار الدولة

وواجه الاحتلال خلال عامي الحرب، تساؤلات هامة، منها ما يتساءل عن أن الدولة في طريقها لأن تموت، وقد تصبح خلال فترة قليلة "بلا حراس"، وما مآلات ذهابها بسرعة في اتجاه استبدادي. 

حتى أن حاييم تومار، المسؤول الكبير السابق في معهد الاستخبارات والعمليات الخاصة، أكد في مقاله بصحيفة يديعوت أحرونوت، أن مؤشرات هذه التساؤلات الخطيرة متزايدة، ومن شأنها أن تقود الدولة إلى حافة تغيير خطير يؤثر بشكل كبير عليها.

وأثار مخاوف أهمها: 

  • 1- إسرائيل في الطريق لمزيد من الإكراه الديني، حيث تتحرك الحكومة بلا فرامل، دون استبعاد أن تسنّ قوانين تُغير الوضع الاجتماعي الراهن الذي تم قبوله منذ تأسيسها.
  • 2- انخفاض كبير في حرية الرأي، عبر القيود المفروضة على حرية الإعلام، حيث تدرك الحكومة ثقله الهائل بتشكيل الرأي العام، وتأثيره على درجة السيطرة على النظام السياسي.
  • 3- تقليص تبعية المستوى السياسي للنظام القانوني، فتتحرك الحكومة من خلال الكنيست لمواصلة الانقلاب القانوني، لتقليص تبعيتها للسلطات القضائية وأحكامها.
  • 4- ميل النظام الاستبدادي الحاكم لإقصاء المعارضين المحتملين، والانضمام لأنظمة ذات طبيعة مماثلة، والحفاظ على الاتصالات مع عناصر اليمين المتطرف في أوروبا.
  • 5- إعطاء الأولوية للمصالح والأيديولوجيات على الاعتبارات والسياسات البراغماتية، حيث يفضّل نتنياهو وشركاؤه مواصلة القتال في غزة بأي ثمن، رغم الخسائر في الأرواح البشرية.

وهدّدت أزمة الثقة العميقة التي ظهرت بعد الفشل بالتصدي لهجوم السابع من أكتوبر الدولة برمّتها، بما فيه استقرارها الاقتصادي والأمني، ما يجعلها أمام خطر حقيقي داهم، وفقاً لما ذكره أورين كانيل، رئيس شركة AppsFlyer التكنولوجية العملاقة، في مقال نشرته القناة 12، حين طرح هذا السؤال الموجه للإسرائيليين: هل ستبقون في هذه الدولة؟

وعلل سؤاله بأن ذلك يأتي بعد 77 عاماً من قيام "إسرائيل"، لتواجه الآن تهديداً وجودياً، ليس من الخارج هذه المرة، بل من الداخل، لأن الخطر الحقيقي على مستقبلها هو فقدان الثقة بها، وقد باتت أزمة ثقة عابرة للحدود، والأزمة التي تمرّ بها لم تعد عادية، بل وجودية، وتهزّ الركائز التي تعتمد عليها، وفق تعبيره.

وأضاف أن الثقة متصدّعة بكل القطاعات: بين مختلف الإسرائيليين أنفسهم، وفي قيادتهم، وفي الجيش، وأجهزة الأمن، وبعد اندلاع الحرب تلقّوا مزيدا من الانقسام والتحريض والاتهامات غير المسؤولة، وبدلاً من أن يتوحّدوا، فإنهم ينقسمون، وبدلاً من تكريم الجنود الذين يُقتَلون في غزة، فإنها تستنزفهم لأقصى حدّ.

واعتبر أن كل هذه مؤشرات لفشل خطير للغاية، وذو عواقب بعيدة المدى في جميع المجالات، مما يدفعنا لطرح السؤال القديم الجديد: هل ستبلغ إسرائيل المئة عام من عمرها؟

ميدان بار رئيس نقابة الطيارين الإسرائيليين، أكد في مقاله بصحيفة معاريف، أنه بعد مرور عامين على الحرب، وسقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى، بدا واضحاً أن الحكومة شكّلت نقطة تحول، وفي نهاية مسيرتها ستحدد شخصية دولة بأكملها، عاشت لمدة 77 عاماً، ولكن من قال إن عمرها سيكمل قرنا من الزمان؟

مسيرات سابقة لأهالي الأسرى الإسرائيلين نحو تل أبيب
مسيرات سابقة لأهالي الأسرى الإسرائيلين نحو تل أبيب"أرشيفية"/الأناضول

وفقاً لما ذكره رونين تسور الكاتب في القناة 12، فإن المؤشرات المتزامنة مع الذكرى السنوية الثانية للحرب تحمل دلائل جديدة على تفكك النظام السياسي الإسرائيلي، وخروج عن القواعد التي وازنت توتراته الداخلية، لأن الحكومة تعمل لتجنيد الدولة العميقة بخدمتها عبر تحريف نظام القضاء، ما يشير لتشكّل واقع لن يدوم طويلاً، والدولة في طريقها لانهيار الأنظمة الأمنية والاقتصادية، وتفشّي الكراهية الداخلية.

وانتقد كذلك "عمى" صناع القرار السياسي، "حتى أصبح النظام السياسي أشبه بحافلة ينطلق سائقها بسرعة فائقة في منحدر حادّ، ودون فرامل، بينما يُشغّل نظام الصوت موسيقى عالية لإسكات صرخات الرعب في ركابها".

شوكي فريدمان المدير التنفيذي لمعهد سياسة الشعب اليهودي، أشار في مقاله بموقع ويللا، إلى أن تصرفات المسؤولين الحكوميين خلال عامي الحرب تُهدّد بتحويل الفوضى إلى سياسة رسمية، وتتمثل معالمها بتزايد العنف اليومي، والفساد المُستشري، وتآكل سيادة القانون، وانخفاض ثقة مجموعات كبيرة من الإسرائيليين في المؤسسات الرسمية إلى 41%، وتراجع شعورهم بالأمن الشخصي إلى 45% فقط.

وقال: "صحيح أن الصراعات بين القضاء والكنيست والحكومة ليست جديدة، لكن ما حصل في العامين الأخيرين يشير أن الساسة اليمينيين، بقيادة رئيس الوزراء، حوّلوا النظام القضائي إلى "كيس ملاكمة"، وباتوا مسئولين عن مشاكل الدولة وإخفاقاتها، مما يشكل هبوطا لمستوى جديد من الانحدار، وتقويض أسس الدولة ذاتها".

الحكومة نحو الديكتاتورية وتدمير الدولة

إيهود باراك رئيس الحكومة الأسبق، اتهم في مقاله على موقع القناة 12، أن ما يقوم به نتنياهو يتمثل بتحويل الدولة إلى دكتاتورية بسحقِه للسلطتين التشريعية والقضائية، وتحييد المعارضة، وإفراغ أدوار "حراس البوابة" من محتواها، وتعيين موالين له.

وأضاف أن ذلك بهدف أن يضمن نتنياهو حكومة خالية من النقد، دون مساءلة أمام الجمهور، يديرها شخص واحد، مدعوم ممن "يعبدون" السلطة والمال خلفه، "ما يؤدي في النهاية إلى دكتاتورية مظلمة وفاسدة، مسيحانية وقومية متطرفة، ملوثة بالفاشية، ضعيفة ومعزولة وجذامية في العالم، ما يجعلنا على بعد خطوة واحدة من السقوط في الهاوية، بحيث يصبح الانهيار حتمياً"، وفق قوله.

آرييه إيغوزي مراسل الشؤون الأمنية لموقع "زمان إسرائيل"، رصد عدداً من الشواهد التي تؤكد أن سحابة كثيفة من الغباء غطّت الدولة، وأثّرت على كل مكان فيها، ورائحتها المنبعثة فظيعة، بسبب إحاطة نتنياهو نفسه بأشخاص غير مهرة، مناسبون له، لكنهم يدمّرون الدولة، مع أن هذا الوضع المهين للدولة، ليس فقط بسبب فشل السابع من أكتوبر، ولكن أيضاً بسبب ما تفعله الحكومة "الدُّمية" كل يوم منذ ذلك الحين، بحسب قوله.

أما يوجين كيندال ورون تسور، مؤسسا "معهد استراتيجية مستقبل إسرائيل لمواجهة التحديات الوجودية ISFI"، أكدا في مقال مشترك نشرته القناة 12، أن التخوفات ما زالت ماثلة من شقوق عميقة في البنية الحكومية والاجتماعية للدولة، ما يستدعي تغيير نظام الحكم كضرورة وجودية، لأن نافذة الوقت تضيق، ولا تضمن مستقبل الدولة، والنقاش المهم هو كيفية منع الكارثة القادمة بالتركيز على جذر المشكلة التي تهدد بسحق اقتصاد الدولة ومجتمعها وأمنها، بوصفه التهديد الاستراتيجي الأعظم لبقائها على المدى الطويل.

واستعرضا أهم جوانب هذا التهديد على النحو التالي:

أولاً: الانقسام الاجتماعي، الذي لم يعد نزاعاً سياسياً عادياً، بل يعكس صداماً أساسياً بين المعتقدات الأساسية لكل فئة، ما يؤدي لحرب قيم لا يرغب أحد بخسارتها، وقد يكون المقطع الدعائي للحرب القادمة.

ثانياً: الأزمة الاقتصادية، مع وجود مجموعات متزايدة تعتمد نمط حياتها على التمويل من مجموعات أخرى، وتصبح أصغر حجماً، وهذا مبلغ يصل عشرات أو مئات آلاف الشواكل سنويا لكل عائلة، وفي ضوء الاتجاهات الديمغرافية من المتوقع أن يتضاعف خلال عقدين من الزمن.

ثالثاً: التصدّع الأمني، لأن الاتجاهات الديموغرافية والاجتماعية الحالية تهدد بسحق نموذج "جيش الشعب"، ولذلك يعاني من نقص في آلاف الجنود، وسيزداد سوءاً مع مرور السنين، بما يُهدّد قدرته العملياتية.

رابعاً: محاولة فريق إسرائيلي فرض نظام دولة واحدة بزعم شعوره بالتفوق الأخلاقي على سواه من التيارات، مما يزيد من حدّة الانقسام، والحديث عن تقسيم الدولة لكيانين، مما سيؤدي لنهاية الحلم الصهيوني بسبب الصراعات المستمرة بين المكونات اليهودية، التي ستكون كافية لعدم مرور 100 عام على إنشاء الدولة.

بيلا إليزيروف المحررة في المكتب الرقمي للقناة 13، أكدت أن نتنياهو يبتزّ شركاءه وخصومه، ويستغل الحرب الدائرة، وحالة عدم اليقين لتعزيز حكمه، ولا يجرؤ أعضاء الائتلاف، حتى من يدركون بينهم مدى الضرر الذي يسببونه للدولة، على الخروج عن صفوفه، وبهذا يثبتون أنه لا يوجد إنسان صالح واحد في الدولة.

أما ليمور ليفنات الوزيرة الليكودية السابقة، والمقربة السابقة من نتنياهو، فأكدت في مقالها بصحيفة يديعوت أحرونوت، أن الهجوم الحاصل على مؤسسات الدولة يأتي من رأس الحكومة، فيما يتنافس الوزراء، الواحد تلو الآخر، لإطلاق المزيد من الاتهامات والهجمات على "حراس البوابة" فيها، وما يعنيه من انتهاك القانون، وإفشاء معلومات سرية، واستغلال الحصانة، واستخدام تعبيرات حادة، إرضاء "للعائلة المالكة" الخاصة برئيس الحكومة.

احتجاجات ضد نتنياهو في تل أبيب/ الأناضول
احتجاجات ضد نتنياهو في تل أبيب/ الأناضول

تراجع صورة الجيش وانهيار الثقة بقدرته على الحسم

مع طي صفحة عامين من الحرب، تزداد القناعات الإسرائيلية بأن الجيش لم يستوعب الدروس الضرورية من هجوم السابع من أكتوبر، ما يحمل في طيّاته مشكلة خطيرة في أدائه، ويكشف عن سلسلة من نقاط ضعفه، وكل هذه الأخطاء كلّفته أرواحا كثيرة من جنوده، كما ذكر المحامي أورييل لين بصحيفة معاريف.

ورغم تأكيدات قادة الجيش بإبقاء الجيش الإسرائيلي بعيدا عن الاستقطاب السياسي والحزبي، لكن تواقيع آلاف الجنود الرافضين لاستمرار الحرب أضرّت كثيراً به، وسحبته قسراً لدائرة الخلافات بين الائتلاف والمعارضة، وفق توصيف دان أركين محلل الشؤون العسكرية بمجلة يسرائيل ديفينس.

وأكد أن حادثة توقيع الجنود والضباط على العرائض قد تكون بداية لتمرد يدعو إليه كبار الجنرالات السابقين، وقد شملت موجة التواقيع آلاف الطيارين، المظليين والمشاة، سلاح المدرعات، الاستخبارات العسكرية، وحدة 8200.

حتى أن البروفيسور آفي ساغيه الباحث بمعهد شالوم هارتمان في القدس المحتلة، اعتبر في مقاله بصحيفة يديعوت أحرونوت، أن رد فعل قيادة الجيش بطرد الموقعين على العريضة إجراء غير مناسب، لأنهم مستعدون وراغبون بالدفاع عن الدولة، لكنهم يرفضون أن يكونوا "بيادق" في حرب أخرى.

خلافات القيادتين السياسية والعسكرية

أخذ توتر العلاقة بين قادة الجيش ووزراء الحكومة أبعاداً تصاعدية، حتى أن قائد الجيش الجديد آيال زامير أدرك مبكراً أنّه لا تزال هناك إخفاقاتٌ كبيرةٌ في الطريق، وفي النهاية سيكون "كبش الفداء" الذي سيُجبر على دفع الثمن، أما الوزراء فغير قادرين على فعل المزيد، لأنّهم سطحيّون، ولديهم أجنداتٌ سياسيةٌ ضيقة، ويبحثون عن عناوينٍ رئيسية، كما ذكر أرييه إيغوزي المراسل الأمني لموقع زمان إسرائيل.

وأكد أن الدولة تُواجه مشاكلَ هائلة مع حكومة كهذه، ومع رئيس وزراء ضعيف، خائف، ومُبتزّ.

البروفيسور أوري بار يوسف، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة حيفا، أكد في مقاله بصحيفة معاريف، أن نتنياهو يطرح مطلباً جديداً بالولاء الشخصي من رؤساء الأجهزة الأمنية، ما بتسبّب بأضرار جسيمة للدولة، وصولاً لتنفيذ عمليات "تطهير" فيها من العناصر غير "الموالية"، وربما طرد مسؤوليها غير "المخلصين" له بدرجة كافية، بحسب قوله.

وكشف أيضاً عن إنشاء إدارة استخبارات بمكتب نتنياهو، تمنحه تقييمات استخباراتية تُلبّي رغباته.

وأكد أن العديد من الهزات عاشتها إسرائيل خلال عامي الحرب بسبب توترات المستويين السياسي والعسكري، لاسيما عقب إقالة نتنياهو لرئيس جهاز الشاباك، رونين بار، وقبله وزير الحرب يوآف غالانت، في ضوء انعدام الثقة الكبيرة بينهما.

ووصل الأمر برونين مانليس المتحدث السابق باسم الجيش، في مقابلة مع القناة 12، لاعتبار أن كلمة "عار" قليلة لوصف هذه الإقالات في ذروة الحرب، "لأن نتنياهو أصبح غير كفؤ، ويتصرف ضد جميع حراس البوابة، ويهددهم بالابتزاز والفصل من مناصبهم إن لم يتصرفوا وفقاً لرغباته.

وأكد أن الأمر وصل إلى مستويات غير مسبوقة من التوتر بين المستويين السياسي والعسكري على النحو التالي:

  • 1- فيما كشف نير دفوري الخبير العسكري في القناة 12، عما أسماها الطريقة المهينة التي يتحدث بها الوزراء مع زامير حين يعرض آراءه المهنية في مناقشات مجلس الوزراء.
  • 2- فقد سرّب بن كاسبيت بصحيفة معاريف مشاحنة بين إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي ورئيس جهاز الشاباك رونين بار، وما تخلله من رفع الصراع بينهما لمستوى جديد، حتى شهد اشتباكاً بالأيدي، ومحاولة الخنق، ووصف الأول للأخير بـ"خائن ومجرم"، ودعا لـ"حبسه في زنزانة".
  • 3- أما بيرنيت غورين الكاتبة بموقع زمن إسرائيل، فكشفت أن وزير الحرب يسرائيل كاتس سارع لمطالبة رئيس أركان الجيش السابق هآرتسي هاليفي لتوبيخ شلومي بايندر، رئيس الاستخبارات العسكرية، ودعا بن غفير لفصله فوراً من الجيش.
  • 4- وصف نمحمان شاي، المتحدث الأسبق باسم الجيش، في مقاله بصحيفة معاريف، سلوك كاتس تجاه هاليفي بأنه "عار"، بسبب تعمّد إهانته، وإذلاله علناً، تمهيداً منه للإطاحة بقيادة المؤسسة الأمنية العسكرية، مما شجع بن غفير للانضمام لهذه "الجوقة"، بمهاجمته.
  • 5- نير كيبنيس الكاتب بموقع ويللا، توقف عند إقالة ديفيد بارنياع رئيس جهاز الموساد، ورئيس فريق التفاوض بصفقة تبادل الأسرى مع حماس، وتعيين وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر بديلاً عنه، مع أنه ليس أكثر من "ختم مطاطي" في مفاوضات لا يكون فيها سوى أداة، وبريد إلكتروني، وفاكس، وحمام زاجل لرئيسه الذي عيّنه.
  • 6- وصلت الخلافات الى قلب العسكر أنفسهم، وهو ما كشفه دان أركين محرر الشؤون العسكرية بمجلة "يسرائيل ديفينس"، وقد تورط فيها وزير الحرب يسرائيل كاتس، ورئيس الأركان السابق هآرتسي هاليفي، ومراقب الدولة متتياهو أنغلمان، والمتحدث السابق باسم الجيش دانيئيل هاغاري، وشكلت المفردات المتداولة في خلافاتهم، نماذج صارخة للانفجار والمواجهة العاصفة والشرسة.

نتنياهو وضمان بقائه السياسي 

أظهر نتنياهو تمسّكاً بالسلطة بصورة أثبتت للإسرائيليين سعيه للبقاء في منصبه، ولو على حسابهم، بحسب تعبير يارون أبراهام المراسل الحزبي للقناة 12.

وأكد أن التساؤل الذي يوجهه الإسرائيليون لأنفسهم على مدار الساعة هو: كيف لا يزال نتنياهو على رأس الحكم، وهو يواجه محاكمة جنائية، وتسبّب في "أخطر كارثة حلّت بالشعب اليهودي في أكتوبر 2023″، ويعلن دائماً استعداده للتضحية بكل شيء مقابل البقاء في مقعده.

أما نداف تامير رئيس الفرع الاسرائيلي لمجموعة الضغط "جي ستريت"، فأكد في مقاله على موقع زمن إسرائيل، أن نتنياهو يرى نفسه الملك "لويس الرابع عشر"، وفي كل مرة يتعرّض فيها لأزمة داخلية يسارع بالإعلان ضمنياً "أنا الدولة".

وقال إن ذلك يأتي "رغم أننا أمام زعيم فاسد، حوّل الدولة أداة لخدمة مصالحه الشخصية ومصالح عائلته". 

ما حدا بألون بن ديفيد، المراسل العسكري للقناة 13، للإشارة في مقاله بصحيفة معاريف، إلى أن نتنياهو يسعى لإنقاذ نفسه من عواقب إخفاقاته التي تسبّبت بالعديد من الهزّات التي تعرضت لها الدولة خلال عامي الحرب، رغم ابتسامته المصطنعة التي تتلاشى، والمكياج الثقيل الذي يضعه، والصفعات التي يتلقاها من العالم.

الاحتجاجات الأضخم ضد نتنياهو في تل أبيب بعد مقتل 6 أسرى في غزة/ هيئة البث الإسرائيلية
الاحتجاجات الأضخم ضد نتنياهو في تل أبيب بعد مقتل 6 أسرى في غزة/ هيئة البث الإسرائيلية

الإسرائيليون والهجرة العكسية

أعلن تقرير المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي بشأن ميزان الهجرة السلبي لليهود، وجود 10 ملايين إسرائيلي، لكن الرقم الصارخ الذي احتل العناوين الرئيسية هو إزالة 82 ألفاً من من هذا الرقم، بسبب الهجرة العكسية.

ووفقاً لما ذكره عكيفا لام الكاتب بصحيفة يديعوت أحرونوت، فإن الإحصائية تحوّلت على الفور إلى جدال سياسي بين الإسرائيليين.

وركزت المعطيات المتوفرة من مكتب الإحصاء عن تركيز الهجرة العكسية بين المهنيين والأطباء والتقنيين بسبب يأسهم من أوضاع الدولة.

تعليقاً على ذلك، قال مؤسس مركز سياسة الهجرة يوناتان ياكوبوفيتش، إن تنامي معدلات الهجرة العكسية، تعبير ممن فقدوا الأمل في الدولة، وضحايا القلق من الحرب، ودليل على أن الحياة في إسرائيل أصبحت لا تطاق.

كوتي شوهام، المحاضرة في الفلسفة السياسية بجامعة تل أبيب، حذرت في مقالها بصحيفة إسرائيل اليوم، أن الموهوبين في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد والطب والثقافة، لا يجدون لأنفسهم مكاناً في دولة تروّج لقوانين تحدّ من حريتهم الشخصية، وتخنق الإبداع، وتقمع ملكيتهم الخاصة.

وأكدت أن ذلك خلق شعوراً بينهم بأن الوقت حان للمغادرة، في ضوء المراسيم الاقتصادية المجحفة، ومعارضة الحريديم للتجنيد الإجباري، والتهديدات الموجهة للمؤسسات الأكاديمية، والتطاول على المحكمة العليا، واستمرار حرب غزة، ما يعيد إشعال مخاوفهم من فقدان أملهم بدولتهم، والتخوف أنهم سيواجهون المزيد من المتاعب، ولن يكون بوسعهم العودة إليها في المستقبل.

على مدار عامي الحرب، واصلت المحافل الإسرائيلية التحذير من هجرة الأدمغة، ورحيل الشباب، خشية العواقب الخطيرة لعدم عودتهم، وفقاً لتحذير إستير لوزاتو، رئيسة جمعية "إسرائيل من أجل النقب" بمقالها بصحيفة معاريف.

وأشارت إلى أنه بحلول نهاية 2024، قُدِّر عدد السكان 10.027 مليون نسمة، 76.9% يهود، و21% فلسطينيين، و2.1% آخرون، لكن تركيز المهاجرين منها يتمحور على فئات خبراء التكنولوجيا العالية والطب، ما يثير قدراً كبيراً من القلق، لأنها تعبير عن فشل تربوي وأخلاقي، وزيادة الانقسام الاجتماعي المتعمق، واتساع رقعة الخطاب والتحريضي، والسماح للقوى المتطرفة بجرّهم لصراعات داخلية خطيرة، وفق قولها.

البروفيسور أرييه الداد الكاتب بصحيفة معاريف، أكد أن أعداد الإسرائيليين الذين هاجروا من الدولة في 2024 أكبر من عدد المهاجرين إليها.

إذ غادرها 83 ألفًا، وعاد إليها 24 ألفًا فقط، ما طرح تساؤلات حول فرضية تخلّيهم عن إسرائيل في نهاية المطاف، وفقدان هويتهم بسرعة مخيفة، وتراجع الارتباط بإسرائيل.

بلغة الأرقام، تحدثت عنات ليف-أدلر الكاتبة بصحيفة يديعوت أحرونوت، أن نسبة المهاجرين للخارج في ازدياد، لأنهم نجوا من الجحيم المحيط بالدولة، ففي 2024، وفي خضم الحرب، غادر 82700، بينما عاد 23800 فقط، والنتيجة رصيد هجرة سلبي قدره 58900 إسرائيلي غادروا.

وبين مارس 2023 إلى مارس 2025، ارتفع عدد المقيمين في الخارج بنسبة 24%، وتقدم 4800 إسرائيلي بطلبات إنهاء إقامتهم في النصف الأول من 2024، بما يزيد بمرتين ونصف عن الفترة ذاتها من عام 2022.

انقسامات الداخل الإسرائيلي: اليمين واليسار، والعلمانيين والحريديم

شهدت الحرب ظهور المزيد من تناقضات المجتمع الإسرائيلي، ومنها أن اليهود الشرقيين "السفارديم"، يُمثَّلون تمثيلاً ناقصًا في الأنظمة الثقافية والأكاديمية والاقتصادية والقانونية وغيرها في الدولة، رغم أنهم مكوّن رئيسي فيها.

لكن نظراءهم الغربيين "الأشكناز"، يستولون على كامل مقدراتها، ومواردها، ما يكشف عن جانب جديد من جوانب العنصرية، حتى بين اليهود أنفسهم، وفقا لما ذكرته يفعات بيتون وسيغال ناغار-رون، في مقال مشترك بصحيفة يديعوت أحرونوت.

واعتبرتا أن السفارديم يتعرضون في الدولة لسياسات عنصرية، وصلت حدّ اتهامهم بإثارة "الشيطان العرقي".

أما ليؤرا مينكا الرئيسة السابقة لحركة "إيمونا" النسائية الدينية الصهيونية، فذكرت مقاله بصحيفة معاريف، أنه في كل عام دراسي، تتكشف صورة قاتمة لنظام التعليم الحريدي، الذي يعاني من تمييز منهجي، فعشرات الطلاب في معاهده الدينية لا يبدأون عامهم الدراسي بعد أن رفضت الإدارة قبولهم بسبب أصولهم السفاردية الشرقية.

وفيما تخوض إسرائيل حرباً دموية في غزة طيلة عامين كاملين، خسرت فيها مئات الجنود القتلى وآلاف الجرحى، فقد تنامى رفض استجابة جنود الاحتياط لأوامر الاستدعاء التي بدأ يصدرها الجيش، فيما يواصل الحريديم تهرُّبهم من الخدمة العسكرية، ويبثّون الخرافات الشائعة حول تجنيدهم، التي رصدتها صوفي رون موريا الكاتبة بصحيفة معاريف.

وفيما يشكو الجيش من نقص أعداد جنوده عقب الحرب على غزة، فقد تزايدت الأصوات الإسرائيلية المطالبة بإلزام الحريديم للانخراط بالخدمة العسكرية.

ووصل الأمر بالمطالبة بفرض العقوبات الشخصية على المتهربين منها، بهدف تقليص الفجوة الاجتماعية بين مختلف اليهود مع تلبية الاحتياجات الأمنية، وصولاً إلى الدعوة إلى عدم اعتبار أي إسرائيلي من "ذوي الدم الأزرق"، وفقاً لتوصيف عاليزة بالوخ، رئيسة المركز الإسرائيلي للتميز في التعليم، في مقال نشرته القناة 12.

إيتاي لاندسبيرغ-نيفو، ذكر في مقاله بموقع زمان إسرائيل، رصد ظواهر جديدة على إسرائيل في محاولة لفرض "تديينها" بزيادة بناء المعابد والكُنس، وطرد النساء بالضرب واللعن، وإيجاد أرصفة منفصلة لهنّ، وتخصيص نصف الجزء الخلفي من الحافلة، والمطالبة بفصلهنّ في الجامعات والمدارس عن الذكور، وتغطية أجسادهن، وفي بعض الأماكن وجوههن أيضًا.

ذهب بالقول إن ذلك يعني أن إسرائيل في الطريق للانتحار، مع أن اتساع ظاهرة التدين في المجتمع الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر، قد تكون طريقاً يؤدي للانفصال، وتفكك الوحدة الداخلية، لأنها تترافق مع مؤشرات الاستقطاب والعزلة، والتحول من هوية وطنية متعددة إلى هوية دينية انفصالية اغترابية بين الدينيين والعلمانيين، وفق إيريت روزنبلوم مؤسسة منظمة "العائلة"، في مقالها بموقع ويللا.

عامي باخار، الكاتب بموقع زمان إسرائيل، أكد أن مرور عامين من الحرب أكد أن هذه الخلية المسماة "إسرائيل"، انقسمت بيولوجياً وجينياً وبيئياً، وبات كل جزء منها بحاج لممرض من نوع خاص لأنها تحتاج للتشافي بإعادة الاندماج. 

وتابع بأنه يمكن توزيع الخلايا الإسرائيلية على: الحريديم، الكاهانيون، الليبراليون، وباتوا جميعا مثل الخلايا الليمفاوية المُشوشة التي فقدت القدرة على التمييز بين "الذات" و"الغريب"، ولذلك فهم يُهاجمون كل ما لا يُمثّلهم بدقة، ويُفرزون ميكانيزمات الكراهية التي تُشعل التهاباً مُزمناً في كل أركان هذا الجسد المُعذب.

مع زيادة حدّة الاستقطابات بين الإسرائيليين حول الخلافات السياسية، لا تتردّد العديد من أصواتهم من التحذير من تسبّب هذه الخلافات الداخلية والكراهية والتنافس إلى "تدمير الهيكل الثالث"، وتمزّق الدولة.

تحميل المزيد