"دراما ليلية"، هو الوصف الأكثر انتشاراً في وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال الساعات الأخيرة، بعد أن قالت حركة حماس "نعم للمفاوضات"، في ردّها على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب على غزة، إذ ركز الإعلام العبري بعد رد حماس على "حرج الحكومة الإسرائيلية داخلياً وخارجياً".
جاء في حركة حماس أنها "تعلن موافقتها على إطلاق سراح جميع الرهائن: أحياءً وأمواتًا، وفقًا لصيغة التبادل التي تضمنها اقتراح الرئيس ترامب، مع تهيئة الظروف العملية على الأرض لتنفيذ التبادل، وهي مستعدة للدخول فوراً في مفاوضات، عبر الوسطاء، حول تفاصيل هذه التسوية"، الأمر الذي دفع ترامب للاقتناع بردّها، وجعله يطالب إسرائيل بوقف القصف على غزة على الفور، حتى يتم التمكن من إطلاق سراح الرهائن "بأمان".
وانشغلت وسائل الإعلام العبري بعدها مباشرة بأهم ما شهدته الساحة السياسية والعسكرية الاسرائيلية رداً على هذه التطورات، ومحاولة استشرافية لمعرفة مآلات الأمور في ضوء الأجواء الإيجابية بإمكانية انتهاء حرب الإبادة الجارية في غزة منذ عامين كاملين.
"حرج" إسرائيل من ردّ حماس وترحيب ترامب به
ليئور بن آري مراسل صحيفة يديعوت أحرونوت، ذكر أنه بعد انتظار طويل دام ثلاث ساعات من نشر بيان الرئيس ترامب المُرحّب بردّ حماس، أصدر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بياناً ليلياً غير اعتيادي أعلن فيه عن "الاستعدادات للتنفيذ الفوري" للمرحلة الأولى المتعلقة بإطلاق سراح جميع الرهائن.
ورغم أنه لم يلتزم في إعلانه بوقف إطلاق النار، لكنه قال إنه سيعمل مع ترامب لإنهاء الحرب وفقاً "للمبادئ التي وضعتها إسرائيل"، وبدء الاستعدادات للإفراج الفوري عن الرهائن الـ48، الأحياء والأموات، المحتجزين في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023.
توقفت يديعوت عند ما وصفته مؤشرات أحرجت إسرائيل من هذه التطورات المتسارعة، ومنها:
- مطالبة ترامب لإسرائيل بوقف العدوان على غزة، وتجميد عمليات القصف، وهو ما استجابت له على الفور، حيث انخفضت حدّة العدوان عما كانت عليه في الأيام الماضية.
- "كيل المديح" الذي وجهه ترامب الى حماس، لاسيما مسارعته للرد على موقفها خلال أقل من ساعة من صدوره، ودون التشاور مع تل أبيب، فضلاً عن المفردات المستخدمة في البيان الصادر عنه، ومنها "أعتقد أن حماس مستعدة للسلام الدائم".
- إشادة ترامب بعدد من الدول التي ساعدت على الوصول لهذه اللحظة، ومنها قطر، تركيا، السعودية، مصر، الأردن، وغيرها، دون الإتيان على ذكر إسرائيل أو نتنياهو.
- مفاجأة نتنياهو ببيان ترامب، غير المُنسّق معه، ما اضطره لعقد مشاورات ليلية طارئة نتيجة لذلك، وخرج ببيان مختصر، حرص فيه على عدم الاصطدام مع ترامب.
- ما زاد في الضغط الممارس على إسرائيل، أن ردّ حماس قوبل بمواقف ترحيبية واسعة النطاق: إقليمية ودولية، ما قد يضيق الخناق على أي محاولة للتنصّل من الخطة، أو التلكؤ في تنفيذها.

ضغوط إقليمية وداخلية على حكومة نتنياهو
يانون شالوم مراسل القناة آي24، أورد ردود فعل إقليمية ودولية متسارعة حول رد حماس الإيجابي، معتبراً أنها تزيد من الضغوط على حكومة نتنياهو.
لم تكن الساحة السياسية والحزبية الإسرائيلية بمنأى عن هذه التطورات المتسارعة، سواء من رموز المعارضة، أو عائلات المحتجزين، الذين استغلوا ما يحصل من تحركات لزيادة الضغط على نتنياهو، وجاءت مواقفهم على النحو التالي:
– زعيم المعارضة يائير لابيد أكد أن "الرئيس ترامب مُحقّ في أن هناك فرصة غير مسبوقة هنا لإطلاق سراح المخطوفين، وإنهاء الحرب، وعلى إسرائيل أن تُعلن انضمامها للمناقشات التي يقودها لإغلاق التفاصيل النهائية للصفقة، وقد أبلغتُ الإدارة الأمريكية أن نتنياهو يحظى بدعم سياسي لمواصلة هذه العملية".
– مسؤولون إسرائيليون مشاركون في المفاوضات اعتبروا أن ردّ حماس ينطوي على "ما يمكن العمل عليه، مُرجّحين أن يُطلب من إسرائيل إرسال فريق تفاوضي أعلى رتبة، لأن المفاوضات ستدور حول إطلاق سراح جميع الرهائن، وإنهاء الحرب.
– منتدى عائلات المختطفين أعلن أنه "يُعزز تصميم الرئيس ترامب على إعادة جميع المخطوفين وإنهاء الحرب، لأن مطالبه هذه باتت الآن ضرورية، وستمنع إلحاق ضرر جسيم لا رجعة فيه بهم، وندعو رئيس الوزراء لإصدار أمر فوري بإجراء مفاوضات فعّالة وسريعة لإعادتهم جميعاً".
– روبي تشين، والد الجندي الأسير لدى حماس إيتاي، قال: "إنني أتفق مع الرئيس ترامب على ضرورة توقف إسرائيل عن قصف غزة من أجل تمهيد الطريق لإطلاق سراح الرهائن".
واعتبر رونين ناوترا، والد الجندي الأسير عومير، أننا أمام "خطوة قيادية شجاعة، ونأمل أن تُفضي الخطوة للإفراج السريع عن الرهائن المتبقين، وألا تجد الحكومة الإسرائيلية سبيلاً لإحباطها".
– عيدان كيفلر مراسل موقع ويللا، نقل عن عانات إنغرست، والدة الأسير لدى حماس ماتان، مخاطبتها لترامب، أنه "بعد عامين من المعاناة، أشعر أنني أقرب من أي وقت مضى لمعانقته مجدداً".
أما يوتام كوهين، شقيق الجندي الأسير نمرود، قال إنه "إذا كانت نتائج الحراك الجاري صفقة رهائن ونهاية للحرب، فلا أحد يستحق جائزة نوبل للسلام أكثر من ترامب".
– وكتبت ريفكا بوخبوت، زوجة الأسير إلكانا: "إنني مُتحمّسة جدًا، وآمل أن يحدث ذلك، لكنني أخشى أن أفرط في الحماس بعد كل ما مررنا به في العامين الماضيين، لكني آمل أن يحدث هذا الأسبوع".
التحركات العسكرية أمام رغبة عدم الصدام مع ترامب
أور هيلر المراسل العسكري للقناة 13، كشف عن سلسلة من التحركات الميدانية في غزة تمثلت بإعلان جيش الاحتلال عن تجميده بالفعل لعملية احتلال المدينة التي بدأت في الأيام الأخيرة عقب التطورات السياسية.
وأصدر رئيس الأركان إيال زامير إعلاناً غير اعتيادي، أعلن فيه عقد اجتماعٍ لتقييم الوضع في ضوء هذه التطورات، زاعماً أن الجيش سيركّز الآن على المهام الدفاعية، وليس الهجومية.
وبالفعل فقد توقف القصف الجوي منذ ساعات الفجر الأولى، وذكر بيان الجيش أنه وفقاً لتوجيهات القيادة السياسية، فقد رفع جاهزيته لتنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب لإطلاق سراح الرهائن.
وعقد زامير تقييماً خاصاً للوضع خلال الليل في ضوء التطورات الجارية، بمشاركة نائبه، ورؤساء أقسام: العمليات، الاستخبارات، التخطيط، ومنسق أنشطة الحكومة في المناطق الفلسطينية، وقائدي القيادة الجنوبية والجوية.
وأسفر عن هذا الاجتماع الاستثنائي، صدور قرار "ضمني" بتجميد عملية الاستيلاء على مدينة غزة، والامتناع عن شن هجمات كبيرة عليها كجزء من هذا التجميد، ومنها استهداف مخيم الشاطئ للاجئين الذي كان يفترض البدء فيه خلال الساعات القادمة في إطار عملية "مركبات جدعون 2".
فلم يصل الجيش بعد لمعاقل حماس وأهدافها في المدينة، حيث نُفِّذت المناورة ببطءٍ مُتعمَّد، وبتنسيقٍ كاملٍ بين المستويين السياسي والعسكري، وفقا لما كشفه يوآف زيتون المراسل العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت.
ليران أهاروني، مراسل موقع ويللا، أكد أن نتيجة تطورات الساعات الأخيرة، فمن الواضح أن الوفد المفاوض سيجري محادثات قريباً لإتمام صفقة التبادل، بالتزامن مع بدء مزاولة عمل رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) الجديد، ديفيد زيني، الذي سيتعين عليه التوقيع على قائمة تضم مئات الأسرى الفلسطينيين الكبار.
وأشار إلى أن "معظمهم من منفذي هجمات مسلحة دامية، سيتم إطلاق سراحهم في الصفقة".

وقال: "فيما سيكون (م)، النائب السابق لرئيس الشاباك، حاضرًا في الغرف المغلقة بإحدى العواصم العربية، لقيادة المفاوضات مع الوسطاء، وهو رجل استخبارات محترف، وذو خبرة كبيرة، وله ثروة من المعلومات، وقاد عشرات الساعات من المفاوضات، ويحظى بتقدير كبير بين الوسطاء والقيادة السياسية في إسرائيل، وترى فيه جهات عديدة قادرا على إنجاز الصفقة".
ونقل عن مصدر مصري مطلع أن الاستعدادات تجري لبدء نقاش حول تهيئة الظروف لعملية إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين.
أمير بوخبوط المراسل العسكري لموقع ويللا، ذكر أن القيادة الجنوبية للجيش تخشى أن تدفع هذه التطورات بتدفّق الفلسطينيين النازحين في جنوب القطاع نحو الشمال بتشجيع من حماس، ما سيضع الجيش في وضع معقد بسبب حساسية الوضع الميداني.
ولفت إلى أن القيادة العسكرية تناقش بالتنسيق مع الأمريكيين والدول الوسيطة، ما سيحدث وما تبقى من إجراءات للدفع بنقل الرهائن خلال 72 ساع، والهدف منع أي سوء فهم قد يؤدي لتجدّد القتال.
إذ تتمثل التعليمات الموجهة للجنود في القطاع بتحليل التضاريس، واختيار النقاط والأماكن التي ستتمركز فيها قوات الجيش، وتطوير خطوط دفاع آمنة للمستقبل، كما يجري تعزيز تعليمات إطلاق النار ضد أي نية أو وسيلة تشكل تهديداً للقوات، حيث يوفر سلاح الجو غطاءً جوياً استثنائياً لأي تطور، مع التركيز على إبعاد التهديدات الناشئة، بحسب مراسل "وللا".
وأفاد بأن "الجيش يركز الآن حصرياً على عمليات حماية القوات المنتشرة في الميدان، فلا تزال مدينة غزة تحت الحصار، والقوات لم تنسحب، بل تبقى على نفس الخطوط التي وصلتها حتى الآن".
ترامب وحماس "قيّدا" إسرائيل
إيتمار آيخنر المحرر السياسي لصحيفة يديعوت أحرونوت، اعتبر أن بيان ترامب "تقييدا" فعلياً لإسرائيل، وسلبها لمبدأ إجراء مفاوضات مع حماس تحت النيران، الأمر الذي عملت عليه منذ بدء الحرب حتى اليوم.
وتابع بانه "بالتالي فإن الكرة الآن في ملعب إسرائيل، ولذلك فهي تواجه معضلة حقيقية، إذ يطالبها ترامب بوقف إطلاق النار دون تحقق أي تفاهمات بعد، ويبدو أن طموحاته للفوز بجائزة نوبل للسلام، قد يكون على حساب إسرائيل، لأن مطالبته بوقف القصف حتى لا يُضرّ بإطلاق سراح الرهائن يُعقّد موقف نتنياهو سياسياً".
وأشار إلى أن ذلك "قد يؤدي لحلّ الحكومة، لأن المفاوضات ستجري من الآن فصاعدا دون اللجوء للضغط العسكري".
وبدأت الساحة السياسية والإعلامية تتفاعل عقب الإعلانات المتلاحقة من الدوحة وواشنطن وباقي العواصم، تعقيباً على الموقف الإيجابي للحركة، حتى أن يارون أفراهام مراسل الشؤون السياسية للقناة 12، ذكر أن حماس أعلنت موقفها بـ"صياغة ذكية"، كان كافياً لترامب لبدء التفاوض.
ويرى أفراهام، أن ردّ حماس يشكل أساسًا للعمل، ومن الصعب تخيّل أن إسرائيل لن تُجرّ لطاولة المفاوضات، لأنه باستخدام الاستعارة القانونية، يبدو أن القاضي حكم ضدها بالفعل.
دانا فايس، رأت أن ترامب تبنى الحجة التي طرحها عليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في محادثتهما قبل ساعات، ما شكل مصدر إحباط إسرائيلي، ومفاجأة كبيرة أشبه ما تكون بـ"دراما حقيقية".
أما باراك رافيد مراسل الشؤون السياسية، فأكد أن نتنياهو الذي شعر نفسه مسيطراً على كل تفاصيل الخطة خلال تواجده في البيت الأبيض مؤخراً، وجد نفسه مجدداً في الساعات الأخيرة في موقف حرج، حين فرض عليه ترامب وقفاً لإطلاق النار في غزة، حتى لو لم يكن وقفًا كاملاً للحرب، واليوم فإذا لم يمتثل لمطلبه، فيتوقع أن يواجه مواجهة صعبة ومباشرة معه.
صياغة رد حماس أربكت الموقف الإسرائيلي
سابير ليبكين الكاتبة في القناة 12، ذكرت أن موقف حماس "الإيجابي" ظهر بصياغة غامضة عمداً، فهي لم ترفض الخطة، بل قدمت رداً إيجابياً في جوهره، ولا يُفصّل تحفّظاتها، وهذا أسلوب متعمد يهدف للحفاظ على المرونة.
وأوضح أن حماس "امتنعت عن التطرق لمسألة نزع السلاح، أحد المطالب الأساسية في الخطة، مُقدِّرة أنها نسَّقت ردها مع الوسطاء مُسبقًا؛ وربما لم يُفاجأ الأمريكيون به".
من الناحية الميدانية، وفي أعقاب التطورات الليلية، أوقف الجيش تقدّمه العسكري في غزة، ويزعم أنه يواصل إطلاق النار دفاعياً فقط، وحذّر المتحدث باسمه أفيخاي إدرعي، مواطني غزة من العودة لشمال القطاع، بزعم أن القوات لا زالت تحاصر المدينة، والعودة إليها خطيرة للغاية.
فيما نقل عن أوساط عسكرية أن شروط إنهاء الحرب مطروحة منذ فترة طويلة، لكن القرار يعتمد على عملية سياسية لم تكتمل بعد، وفقاً لما ذكره نير دفوري المراسل العسكري للقناة 12.