كشفت مصادر دبلوماسية مصرية وليبية لـ"عربي بوست"، عن تفاصيل متعلقة بموقف مصر من سعي رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح تشكيل حكومة جديدة بديلة لحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس.
قالت المصادر عن الرسالة المصرية إلى عقيلة بشأن الموقف المصري، إن "القاهرة وجّهت نصيحة واضحة بعدم اتخاذ هذه الخطوة في الظروف الراهنة دون توافق محلي ودولي، معتبرة أن القفز نحو سيناريو أحادي قد يعيد ليبيا إلى مربع الانقسام والتصعيد".
الرسالة المصرية إلى عقيلة: لا للاستعجال
بحسب المصادر ذاتها، فإن التحذير المصري جاء خلال لقاءات غير معلنة عُقدت في القاهرة مؤخراً، ضمّت مسؤولين مصريين رفيعي المستوى مع شخصيات ليبية، إذ ضمت بعض الاجتماعات عقيلة صالح نفسه، واجتماعات أخرى مع من يمثله.
المصادر الدبلوماسية أشارت إلى أن "مصر، التي ظلت لعقود اللاعب الإقليمي الأقرب للشرق الليبي، تخشى أن أي خطوة غير محسوبة لتشكيل حكومة جديدة دون غطاء سياسي واسع، ستؤدي إلى فراغ مؤسسي يفتح الباب لصدامات مسلحة أو فرض أمر واقع بالقوة، كما حدث في تجارب سابقة".
السفير عبد الله الأشعل، نائب وزير الخارجية المصري الأسبق، شدّد على أن مخاوف القاهرة ليست مجرد تحفظ سياسي، بل تحذيراً استراتيجياً من عواقب الانقسام.
وقال لـ"عربي بوست": "القاهرة كما يهمها استقرار الأوضاع في ليبيا، فهي تريد أن تحذر من الانقسام بين الشرق والغرب، لأن مثل هذه الحكومة –في حال تشكلت على نحو غير توافقي– ستكرّس الانقسام".
وأوضح أن "الرؤية المصرية لا تمانع تشكيل حكومة وطنية جديدة، بشرط أن تكون قائمة على التوافق لا التفرد".
وأضاف أن "الرئيس السيسي اجتمع مراراً خلال السنوات الماضية مع الوفود الليبية، وأكد لهم الموقف المصري، بأن القاهرة ترى أن تشكيل حكومة وطنية واحدة سواء في الشرق أو في الغرب ليس هو المشكلة. بل الأهم أن يكون هناك توافق وطني بين الطرفين".
وبحسب رأي الأشعل، فإن مصر "قلقة جداً من تعمّق الانقسام الليبي، لأن هناك من يخطط مجدداً لتقسيم ليبيا، لذلك فإن أي تقسيم لدولة مجاورة لمصر يُعد خطراً مباشراً على الأمن القومي المصري".
خلفيات التحذير المصري: تجارب حكومية فاشلة
تحذير القاهرة يستند إلى سلسلة تجارب ليبية فاشلة في محاولات نسف الحكومات القائمة، وتشكيل بدائل دون توافق، بحسب ما أكده مستشار ليبي.
التجربة الأبرز كانت حكومة فتحي باشاغا التي تم تشكيلها على إثر الانقسام البرلماني عام 2022، وانتهت إلى حالة "موت سريري" دون أن تتمكن من دخول العاصمة والوزارات أو ممارسة أي سلطة فعلية، بحسب زياد دغيم، مستشار رئيس المجلس الرئاسي للشؤون التشريعية والانتخابات.
وقال المسؤول الليبي دغيم لـ"عربي بوست": "إنتاج سلطة جديدة في ليبيا يؤدي إلى حرب"، موضحاً: "تعودنا أنه عندما يكون هناك استقرار هش ثم تحدث محاولة إنتاج سلطة جديدة، يؤدي ذلك إلى الحرب، ثم تأتي التوافقات بعد الحروب".
وأضاف أن "كل المرجعيات القديمة فشلت، وحان الوقت للذهاب إلى الشعب الليبي عبر الاستفتاءات بدلاً من العنف".
بحسب رأي دغيم، فإن "المجلس الرئاسي هو المؤسسة الأقرب لتحمّل مسؤولية الخروج من الأزمة، بحكم حياده النسبي، وغياب تشريعات واضحة تخصّ بعض الصلاحيات".
الموقف الإقليمي والدولي: لا تغيير بلا تفاهمات
الموقف الدولي لم يعد يتعامل مع ليبيا كأزمة فورية، بل كملف طويل الأجل يحتاج إلى إدارة أكثر من احتواء، بحسب ما عبر عنه دبلوماسيون تحدثوا لـ"عربي بوست".
وأوضحت مفضلة عدم ذكر اسمها، أنه بالنسبة إلى واشنطن وباريس وروما، والأمم المتحدة، فإن أي تغيير في الحكومة الليبية دون تفاهمات محلية ودولية متزامنة سيؤدي إلى فراغ سياسي يملؤه العنف أو الفوضى.
وأظهرت السنوات الماضية أن العواصم الدولية لا تعترف بحكومات يتم تعيينها من غرف مغلقة في طبرق أو مصراتة.
خلافات داخل البرلمان نفسه
رغم أن مجلس النواب هو الجهة التي يُفترض أن تقود أي تحرك نحو تشكيل حكومة جديدة، إلا أن الواقع السياسي لا يسمح في ذلك.
النائب بدر النحيب لخّص المعضلة من وجهة نظره، في حديثه لـ"عربي بوست"، بالقول: "كل ما يقوم به مجلس النواب الآن لن يُعتد به ما لم تتوافق عليه بعثة الأمم المتحدة والمجلس الأعلى للدولة".
وأضاف: "حتى حكومة أسامة حماد (في الشرق ومقرها بنغازي)، ستستمر في عملها، طالما أن المجتمع الدولي لا يعترف بالحكومة التي سيُعلن عنها البرلمان".
من جانبه، رأى المحلل السياسي الليبي محمد فؤاد، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "عقيلة يسعى ليقول: أنا هنا، لأي عملية سياسية جديدة".
وأضاف أن القاهرة تدرك أن الحراك الأحادي لن يغيّر شيئاً فعلياً، وأن "عقيلة يتحرك أحياناً بشكل منفرد، لكن ضابط الإيقاع الحقيقي بينه وبين حفتر هي مصر"، على حد قوله.
وأضاف أن "خطوة عقيلة ليست لإنتاج سلطة، بل لبناء موقع تفاوضي يمكن من خلاله فرض نفسه على خارطة الحل القادم".

سيناريوهات ما بعد الرسالة المصرية
المحلل السياسي الليبي محمد امطيريد ، أشار في حديثه لـ"عربي بوست"، إلى أن "التحذير المصري من التسرع بتشكيل حكومة ليبية جديدة، لم يكن مجرد نصيحة، بل كان خطاً أحمر مبطناً ضد أية محاولة لإحياء سيناريو باشاغا – الدبيبة بصيغة جديدة"، بحسب رأيه.
وقال إن "القاهرة تعلم أن عقيلة لا يملك وحده القدرة على فرض حكومة، لكنها تدرك أيضاً أن تجاهله سيؤدي إلى عرقلة أي تسوية مستقبلية، وهو ما يجعل المشهد محاصراً بين خيارين".
وأوضح أن الخيارين هما:
- شلل ناعم: يبقى الوضع على ما هو عليه، مع بقاء الدبيبة في طرابلس، وتآكل شرعيته سياسياً، ولكن دون بديل قادر على الحل أو الحسم.
- أو تفكك سريع: ينفجر التناقض بين الشرق والغرب سياسياً وربما ميدانياً، إذا ما أُعلنت حكومة جديدة مع رفض الغرب التعامل معها.
في كلا الخيارين، تتجه الأنظار إلى الفاعلين الإقليميين مثل مصر وتركيا تحديداً، باعتبارهما الوحيدين القادرين على فرض حد أدنى من التنسيق يضمن بقاء الدولة موحدة ولو اسمياً، على حد قوله.
في قراءة تحليلية للمشهد، يرى المحلل السياسي الليبي أشرف الشح، أن الموقف المصري بات أكثر واقعية، مدفوعاً بإدراك عميق لفشل التجارب السابقة.
وقال: "مصر لم تعد تقبل بحكومات موازية لا تستطيع دخول طرابلس، بل هدفها الآن تشكيل حكومة مضمونة في الوصول إلى العاصمة والحكم منها".

وأوضح أن "تحركات عقيلة الأخيرة لم تكن بهدف تشكيل حكومة فعلية، بل محاولة لإظهار نفسه كلاعب لا يمكن تجاوزه".
ويرى الشح أن "عقيلة يطمح لتثبيت موقع يسمح له بالمشاركة لاحقاً في المجلس الرئاسي، خصوصاً إذا شُكّلت سلطة تنفيذية موحدة"، مؤكداً أن "الموقف المصري لم يعد منحازاً، بل أقرب للواقعية".
وقال: "القاهرة تعرف أن الوضع الدولي لا يسمح بتكرار الفشل، وأن الطريق الأسرع لإزاحة الدبيبة هو تشكيل حكومة تشاركية حتى مع الخصوم الأقل حدة".
عضو المجلس الأعلى للدولة، فتح الله السريري، رأى من جانبه في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "الحكومة الليبية لابد أن تكون توافقية، لكي تعمل على التراب الليبي كافة، وإلا ستصبح لا معنى لها، وستكون تكراراً للفشل، وتكريساً للانقسام".
وأكد أن "فتح حوارات سياسية جادة أصبح أمراً لا مفر منه للوصول إلى هذا التوافق"، مشيراً إلى أن "السلطات المصرية تدرك أهمية الاستقرار في ليبيا كامتداد مباشر لأمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية".
وأضاف أن "مصر تعتبر ليبيا قدرها، ولابد أن تعمل على الأمن والاستقرار فيها، وهو عمق استراتيجي لمصالحها القريبة والبعيدة".
ولفت السريري أيضاً إلى أن "القاهرة سبق أن استضافت لقاءات واجتماعات بين الفرقاء الليبيين، ومن المتوقع أن تعود للدعوة إلى حوارات جديدة تحت رعايتها".
لكنه شدد على أن أي "توافق لن يكون فعّالًا دون إشراك الأطراف الدولية المتداخلة في الأزمة الليبية، والبعثة الأممية، لضمان عدم عرقلة التسوية، ومنحها غطاءً دولياً ضرورياً لإنجاحها".
وبالتالي، أوضح أن "القاهرة تبقى في موقع الوسيط المُحتمل، بشرط أن تُقنع الداخل الليبي بأنها لا تتحرك لصالح طرف ضد آخر، وأن تُقنع الخارج بأنها لا تعمل بمنطق النفوذ الأحادي، بل بتفاهمات واقعية تراعي التوازنات الجديدة".

يشار إلى مجلس النواب الليبي في طبرق، سبق أن أعلن أنه سيعقد جلسات نيابية لعرض ملفات المرشحين لرئاسة الحكومة، في حين أعلن رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، بدء "مشاورات" مع البرلمان "لاختيار شخصية وطنية لتشكيل حكومة جديدة"، في حين تناول "عربي بوست" في تقرير سابق دوافع وتوقيت هذا التحرك البرلمان لتشكيل حكومة جديدة.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.