عقيلة يقود تحركات برلمان طبرق للإطاحة بحكومة الدبيبة.. هل تلقى قبولاً إقليمياً ودولياً، وما سر التوقيت؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/05/21 الساعة 14:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/05/21 الساعة 14:34 بتوقيت غرينتش
عقيلة صالح يقود التحركات ببرلمان طبرق لتشكيل حكومة ليبية جديدة/ رويترز

تجري تحولات في المشهد السياسي الليبي بما يتعلق بالحكومة، في الوقت الذي يدفع فيه البرلمان في طبرق لتشكيل حكومة ليبية جديدة موحدة، على وقع اشتباكات وحالة أمنية غير مستقرة في العاصمة طرابلس.

بحسب ما أكدته المصادر في البرلمان الليبي في طبرق، فإنه 13 اسماً ترشح حتى الآن لرئاسة حكومة ليبية جديدة، لتشغل مكان حكومتي أسامة حماد في الشرق الليبي، وعبد الحميد الدبيبة في الغرب. 

يجري كل ذلك في حين يعارض الدبيبة هذه التحركات، وهو الذي يرأس الحكومة الليبية المعترف بها دولياً، ومقرها في طرابلس.

يقود تحركات البرلمان لتشكيل حكومة ليبية جديدة، رئيس المجلس عقيلة صالح، الأمر الذي يثير تساؤلات عن إمكانية تحقيقه ذلك، وعن توقيت هذه التحركات الجديدة لمحاولة إنهاء شرعية حكومة الدبيبة، وهل تلقى محاولات البرلمان دعماً إقليمياً ودولياً لإعلان حكومة جديدة؟ 

لم تبدِ الدول الإقليمية والدولية المتداخلة في الشأن الليبي مواقفَ تتبنى فيها علناً تشكيل حكومة جديدة موحدة في ليبيا أو معارضة لهذا المسار، إلا أن خبراء وسياسيين ليبيين كشفوا بعض التفاصيل المتعلقة بكواليس مواقف تلك الدول من محاولات برلمان طبرق الأخيرة المتعلقة بالحكومة الليبية.

المواقف الإقليمية من حكومة ليبية جديدة

كشفت مصادر دبلوماسية ليبية لـ"عربي بوست"، عن وجود تنسيق مسبق بين عقيلة وبعض العواصم العربية التي تدعم مشروع تغيير السلطة في طرابلس.

وقالت إن "القاهرة وأبو ظبي، تضغطان منذ أشهر لإعادة ترتيب المشهد التنفيذي، بما يصب في صالح تطلعاتهما الأمنية، وسعياً لتقليص النفوذ التركي".

الدبلوماسي والسفير الليبي السابق محمد عميش، علق في حديثه لـ"عربي بوست"، بالقول إن يرى أن "تحرك مجلس النواب بقيادة عقيلة صالح، رغم تقديمه كاستجابة للأزمة ومسار نحو الانتخابات، إلا أنه يبدو فصلاً آخر في صراع السلطة المطوّل في ليبيا، ويتأثر بشدة بالأجندات الإقليمية".

وقال إنه يعتقد بأن هناك "ضوء أخضر إقليمياً من مصر والإمارات لهذا المسار، ولكنه ليس تفويضاً مطلقاً، بل دعم مشروط لإعادة هندسة سياسية، تهدف إلى إنتاج سلطة تنفيذية أكثر مواتاة للإشراف على الانتخابات، دون خطوات أُحادية قد تؤدي لزعزعة الاستقرار دون توافق داخلي".

أما عن الموقف التركي، رغم كون أنقرة الحليف الإقليمي الأبرز لحكومة الدبيبة، إلا أن تركيا لم تُبدِ حتى الآن معارضة صريحة لفكرة استبداله بحكومة جديدة.

بحسب عميش، "هذا الموقف يعكس براغماتية تركية متقدمة، تعتبر أن مصالحها في ليبيا لا يجب أن ترتبط بشخص، بل بمنظومة نفوذ قادرة على الصمود".

رئيس حكومة طرابلس الدبيبة يرفض محاولات تشكيل حكومة ليبية جديدة/ الأناضول
رئيس حكومة طرابلس الدبيبة يرفض محاولات تشكيل حكومة ليبية جديدة/ الأناضول

الأكاديمي والباحث في الشأن الليبي، فرج دردور، علق على الموقف التركي في حديثه لـ"عربي بوست"، بالقول إن "تركيا ليست في عجلة من أمرها. فالأحداث في طرابلس ليست جديدة، وأنقرة تتمهل دائماً قبل اتخاذ موقف معلن. لكنها لن تقبل بحكومة يُفرضها طرف واحد على حساب طرف تعتبره حليفاً لها"، بحسب تقديره.

وتابع بأن "أي تحرك تركي مستقبلي في الملف الليبي، سيسعى للحفاظ على التوازنات المحلية والدولية، خصوصاً في ظل تفاهماتها الأخيرة مع القاهرة، وتقاطع مصالحها مع رؤية إدارة ترامب حول الاستقرار".

وفي تطور لافت متعلق باستمرار الحضور الأمني التركي العميق في العاصمة الليبية طرابلس، كشف عضو مجلس النواب عبد النبي عبد المولى، عن أن "نائب رئيس جهاز الاستخبارات التركية كان متواجداً في طرابلس خلال الأيام القليلة الماضية، ولعب دوراً مباشراً في منع اندلاع مواجهة عسكرية واسعة كانت ستندلع في طرابلس، وبعض مناطق غرب ليبيا".

وقال النائب الليبي لـ"عربي بوست": "هذه معلومة مؤكدة، فالمسؤول التركي هو من أوقف الحرب فعلياً. والحرب لم تتوقف بقرار محلي، بل بتدخل استخباراتي مباشرمن تركيا"، على حد قوله.

توقيت ودوافع تحركات عقيلة

من جانبه، يرى المحلل السياسي الليبي، أشرف الشح، في تصريحات لـ"عربي بوست"، أن تحرك عقيلة صالح لإعلان نهاية شرعية حكومة الدبيبة يأتي امتداداً لمحاولات سابقة منه، قام باتباعها منذ سحب برلمان طبرق الثقة من الدبيبة، وإعلان تشكيل حكومة أخرى مقرها في بنغازي، ويقودها أسامة حماد".

ووصف الشح ما يقوم به عقيلة بأنها "استراتيجية مكرّرة يحاول بها فقط الضغط السياسي"، لكنه أوضح أن "عقيلة لا يملك سوى ورقة تشكيل حكومة بديلة، وهي الورقة الوحيدة التي يستخدمها لإحراج الدبيبة، ومحاولة استقطاب موقف أممي جديد".

بالنسبة إلى الشح، فإنه "لا يرى في طرح عقيلة بديلاً حقيقياً، بل استثمر فقط في الأزمات المتصاعدة، خصوصاً ما حدث مؤخراً في طرابلس"، من اشتباكات وفوضى أمنية.

هذا الأمر مرتبط بتوقيت تحركات عقيلة في ملف تشكيل حكومة جديدة، بسحب الشح، الذي أكد أن "الأزمة الأخيرة في طرابلس، فتحت شهية رئيس مجلس النواب لمحاولة تحريك ملف الحكومة، لكن الحسابات داخل الشرق تغيّرت"، على حد قوله.

إذ أوضح أن "الكثير من نواب المنطقة الشرقية، وبدفع مباشر من بلقاسم حفتر (دير صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا)، لا يرون في تشكيل حكومة جديدة مصلحة لهم، لأنها قد تعني ضمنياً سحب الشرعية من حكومة أسامة حماد، التي تُستخدم كغطاء إداري لمشاريعهم وتحالفاتهم"، وفق تعبيره.

تابع كذلك بأن "هذا الانقسام الداخلي في الشرق الليبي، سيجعل من تحرك عقيلة محاولة قصيرة الأمد، فمن الواضح أن عقيلة سيوقف هذا الإجراء في مرحلة ما".

بناء على ما سبق، يرى الشح أن محاولات عقيلة لتشكيل حكومة جديدة الهدف منها "استخدامها وسيلة ضغط على الدبيبة، للدفع باتجاه أن تأخذ البعثة الأممية مسألة تغيير الحكومة بجدية، خاصة بعد أحداث طرابلس".

أما بخصوص المواقف الدولية، فهو يرى أنه "لا أحد من الفاعلين الخارجيين يدعم فعليًا تحرك عقيلة"، بحسب تقديره.

وقال: "لا مصر، ولا تركيا، ولا أي دولة أخرى داعمة فعلياً لهذه الخطوة (تشكيل الحكومة)"، مضيفاً أن "الموقف المصري واضح جداً، بأن أي تحرك منفرد لتشكيل حكومة جديدة لن يُنتج مشهداً سياسياً بديلاً، بل سيغذي الفوضى، فالمصريون منسجمون مع مسار البعثة الأممية، ويعتقدون أنه الإطار الوحيد القادر على إخراجهم من عباءة الدبيبة، إذا استمرت البعثة في برنامجها".

وشدد على أنه يرى في تحرك عقيلة أنه "ليس جزءاً من خطة دولية، بل مجرد روتين سياسي يعيد تكراره لأنه لا يملك غيره"، على حد وصفه.

تسارعت تحركات برلمان طبرق لتشكيل حكومة ليبية جديدة بعد اشتباكات طرابلس/ عربي بوست
تسارعت تحركات برلمان طبرق لتشكيل حكومة ليبية جديدة بعد اشتباكات طرابلس/ عربي بوست

في المقابل، قال عضو مجلس النواب في طبرق، عبد المنعم العرفي، لـ"عربي بوست"، إن "الذي يدفع رئيس مجلس النواب لطرح تشكيل حكومة جديدة في هذا التوقيت بالذات، هو ما يحدث في مركز صنع القرار، في العاصمة التي يوجد بها كل المؤسسات، من حكومة منتهية بصفة رئيسها، ووجود عشرات التشكيلات المسلحة التي تبتز الدولة، ويجب العمل على إنهائها".

وقال إن عقيلة والبرلمان يعتقد أنه "لا استقرار وخروج من الأزمة الحالية، إلا بحكومة جديدة، بعيداً عن تحكم الجماعات المسلحة في الوزارات، فهذا هو سبب ما حدث من اشتباكات ونزاعات من أجل المال"، على حد قوله. 

وتابع بأنه يرى أن "الحاجة ملحة إلى تشكيل حكومة جديدة موحدة".

تعليقاً على سؤال عن واقعية قدرة البرلمان على تنفيذ تشكيل حكومة جديدة، اكتفى العرفي بالقول: "لا أعتقد أن ما يجري مجرد ضغط سياسي على حكومة الدبيبة، وإنما إرادة حقيقية تنبع من ضرورة إنهاء هذه الحكومة".

ماذا عن المجتمع الدولي؟

لم تصدر حتى الآن، مواقف واضحة وحاسمة من البعثة الأممية أو العواصم الغربية بشأن تحركات البرلمان الليبي الأخيرة لإزاحة حكومة الدبيبة، رغم تصاعد الحراك الإقليمي والضغوط المحلية على الأخير.

الدبلوماسي الليبي محمد عميش، قال لـ"عربي بوست"، إن "المجتمع الدولي، ولا سيما الأمم المتحدة والدول الغربية الرئيسية مثل الولايات المتحدة وإيطاليا تبدو حذرة، وتعطي الأولوية لنهج قائم على التوافق، وتخشى أن تؤدي التحركات الأُحادية إلى تعميق الانقسامات بدلاً من حلها".

لكنه رأى أن "موقف فرنسا يُعدّ أكثر انسجاماً مع السعي لإيجاد بديل عن الدبيبة".

وأضاف أن "غياب موقف دولي واضح وموحد بشأن كيفية تحقيق سلطة تنفيذية شرعية قادرة على إجراء الانتخابات، بخلاف الدعوات العامة للتوافق، يسمح للفاعلين الداخليين والإقليميين بمواصلة اتباع استراتيجيات متباينة ومتضاربة في كثير من الأحيان".

هل يمتلك عقيلة بديلاً عن الدبيبة؟ 

رغم إعلان رئيس مجلس النواب عن اتفاق لتكليف حكومة جديدة، لم تتضح ملامح هذه الحكومة، أو موقعها الجغرافي، أو حتى الشخص المقترح لقيادتها.

بهذا الخصوص، قال المحلل السياسي عز الدين عقيل لـ"عربي بوست"، إن "كل ما يفعله عقيلة لا يتجاوز حدود إزعاج الدبيبة سياسياً، من خلال تكرار أسطوانة تشكيل حكومة بديلة، مؤكداً أن الفاعلين الدوليين هم من يحددون من يحكم ليبيا، وليس النظام الدستوري أو البرلمان"، وفق رأيه.

وتابع بأن "عقيلة لا يملك مكاناً ليضع فيه الحكومة المفترضة التي يريد تشكيلها، فمقرات السلطة محجوزة في الرجمة لصالح حماد (شرق ليبيا)، وأما في طرابلس (غرب البلاد)، فإنه لا يمكن لأي وزراء الدخول إلى مؤسساتها دون تفاهمات، فسيعرضهم ذلك إلى أن يتحولوا إلى رهائن أو سجناء".

ويرى عقيل أن الموقف الأمريكي الحالي يدعم إعادة تفعيل لجنة الحوار، بمسار تقوده المستشارة الخاصة للأمين العام المعنية بالشأن الليبي، ستيفاني وليامز.

واعتبر أن هذه اللجنة "ترسّخ وجود الدبيبة والمنفي في السلطة".

يشار إلى مجلس النواب الليبي في طبرق، سبق أن أعلن أنه سيعقد جلسات نيابية لعرض ملفات المرشحين لرئاسة الحكومة، في حين أعلن رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، بدء "مشاورات" مع البرلمان "لاختيار شخصية وطنية لتشكيل حكومة جديدة".

توافق بين البرلمان والأعلى للدولة على أهمية تشكيل حكومة ليبية جديدة/ عربي بوست
توافق بين البرلمان والأعلى للدولة على أهمية تشكيل حكومة ليبية جديدة/ عربي بوست

بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.

تحميل المزيد