في لقاء دبلوماسي برعاية الدوحة، التقى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني برئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، في وقت سابق من شهر أبريل/نيسان، وهو أول لقاء لهما منذ سقوط بشار الأسد في نهاية العام الماضي. كانت هذه المحادثات الثنائية برعاية أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، سرية حتى كشف عنها أحد مستشاري رئيس الوزراء العراقي.
ووفقاً لمصادر سياسية عراقية مطلعة، ناقش رئيس الوزراء العراقي والرئيس السوري ملفات عديدة، على رأسها خطط ضبط الحدود بين البلدين، ومكافحة الإرهاب، والعمل على ضبط الأمن في المناطق الواقعة على الحدود العراقية السورية. وبعد هذا اللقاء، قام رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بتوجيه دعوة رسمية إلى أحمد الشرع لحضور القمة العربية المقرر إجراؤها في بغداد يوم 17 مايو/أيار الجاري.
لكن هذا اللقاء والدعوة التي تلته لم يمرّا بسهولة داخل بغداد، وخاصة وسط حلفاء إيران في العراق.
يقول مصدر سياسي مقرّب من رئيس الوزراء العراقي لـ"عربي بوست"، "لم يكن اللقاء بين السوداني والشرع لقاءً عادياً، أو محاولة دبلوماسية لتجنب أي اضطرابات محتملة، ولكن كان اتجاهاً سياسياً محسوباً بعناية ويحمل الكثير من الرسائل للداخل العراقي والمحيط الإقليمي والدولي".
ووصف المصدر ذاته هذا اللقاء بأنه كان "اختباراً" لقدرة العراق على الانتقال إلى مكانة إقليمية أفضل، على حد تعبيره.
هدف الانفتاح العراقي على سوريا الجديدة
بالرغم من إدراك السوداني للانتقادات الداخلية التي سوف يتعرض لها بمجرد الإعلان عن لقائه بأحمد الشرع، وتوجيه دعوة رسمية له، إلا أن السوداني، وفقاً للمصادر التي تحدثت لـ"عربي بوست"، يرغب في السير على طريق سلفه مصطفى الكاظمي، في إعادة العراق كلاعب مهم ورئيس في المنطقة.
ويقول المصدر السياسي المقرب من السوداني لـ"عربي بوست"، "بالإضافة إلى أن الانفتاح العراقي على سوريا الجديدة يضمن أمن العراق واستقرار حدوده، إلا أنه يحمل رسالة للجميع، داخلياً وخارجياً، بأن العراق يرغب في استعادة مكانته الإقليمية والابتعاد عن كونه تابعاً لأي محور من المحاور".
وفي السياق نفسه، كرّر قيادي سياسي شيعي من الإطار التنسيقي ومؤيد للانفتاح العراقي على سوريا، الحديث ذاته، قائلاً لـ"عربي بوست"، "العراق سئم أن يكون ساحة خلفية لصراعات المحاور، وحان الوقت لتبنّي بغداد موقفاً دبلوماسياً إقليمياً يليق بمكانة العراق، وكان لقاء السوداني والشرع من أهم الأدوات للمضي قدماً في هذا الطريق".

وأضاف المتحدث ذاته قائلاً: "بعد الأحداث والصراعات والرؤى الجديدة للشرق الأوسط، وتهديد العراق مع أي صراع محتمل بين واشنطن وتل أبيب وطهران، يرى العراق أنه لا بد من الخروج من معادلات التبعية السياسية التي كلفته الكثير على مدى السنوات الماضية. هناك تحولات إقليمية جديدة ويجب أن نتعامل معها في العراق بعقلية سياسية جديدة ومرنة".
ووصف القيادي السياسي الانفتاح العراقي على سوريا ولقاء السوداني بالشرع بأنه البداية لاستقلال العراق سياسياً، والاشتباك مع التوازنات السياسية المتغيرة لصالح العراق، فيقول لـ"عربي بوست"، "دائماً ما كان العراق تابعاً سياسياً، وحان الوقت للتخلص من هذه التبعية، لا يمكن للعراق أن يستمر ويزدهر وهو تابع لأي محور في المنطقة، لا بد أن ينتهز الفرص لتحقيق المكاسب ولضمان استقراره سياسياً".
الضوء الأخضر الإيراني
لكن بالرغم من رغبة رئيس الوزراء العراقي وبعض السياسيين العراقيين الشيعة في التخلص من التبعية السياسية والانفتاح الإقليمي، ما كان انفتاح بغداد على دمشق ليتم بدون موافقة إيرانية، بحسب المصادر التي تحدثت لـ"عربي بوست".
وفي هذا السياق، يقول سياسي شيعي عراقي مقرّب من طهران لـ"عربي بوست"، "بالتأكيد السوداني حصل على ضوء أخضر من الإيرانيين للقاء أحمد الشرع، فكانت هناك اتصالات مكثفة بين السوداني والإيرانيين لبحث هذه المسألة، وحتى دعوة الشرع لحضور القمة العربية تمت مناقشتها في اتصالات السوداني بطهران".
وأضاف المصدر ذاته قائلاً: "طهران لا تريد أن تخسر العراق بشكل كامل، وترى الآن، في ظل المعادلات السياسية الجديدة، أن فتح باب من الحرية السياسية للعراق وتعميق علاقاته الإقليمية أمر ضروري لعدم ضياع العراق من يدها".
وأشار المتحدث إلى رغبة طهران في إظهار العراق بمظهر الاستقلالية، خاصة في ظل مواجهة بغداد لضغوط أمريكية لتفكيك النفوذ الإيراني في العراق، فيقول لـ"عربي بوست"، "صحيح أن طهران وافقت على انفتاح العراق على سوريا، وهذا يُعتبر موقفاً غريباً للبعض، ولكن في نفس الوقت، الإيرانيون ليسوا بالسذاجة التي تسمح لهم بترك العراق يتصرف بحرية كاملة؛ تضمن طهران أن بغداد تتصرف باستقلالية محدودة وضمن مدارها".
انقسامات داخل الإطار التنسيقي
بمجرد الإعلان عن لقاء رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بأحمد الشرع، ودعوة السوداني للشرع لحضور القمة العربية في بغداد، انقسم السياسيون الشيعة في العراق ما بين مؤيد ومعارض، ووصلت المعارضة إلى حد التهديد باعتقال أحمد الشرع إذا جاء إلى العراق، بموجب مذكرة اعتقال صدرت في العراق ضد أحمد الشرع.
ولكن حتى المؤيدين للانفتاح على سوريا لم يُظهروا كامل دعمهم لخطوات السوداني بشكل كبير. على سبيل المثال، يقول السياسي العراقي المقرّب من طهران لـ"عربي بوست"، "نوري المالكي يدعم انفتاح العراق على سوريا لحماية المصالح العراقية والتخلص من النفوذ الإيراني، وليس حباً في قادة سوريا الجديدة، ولكنه لا يعلن ذلك بشكل واضح وصريح".
ويعلق المصدر ذاته على موقف نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق وزعيم ائتلاف دولة القانون (التكتل السياسي المنضوي داخل الإطار التنسيقي الشيعي)، قائلاً لـ"عربي بوست"، "يرى المالكي أن البراغماتية الآن هي الحل في مواجهة الضغوط الأمريكية، ويجب على قادة الإطار التنسيقي أن يبلعوا بصعوبة التطبيع مع سوريا، في مقابل إظهار العراق بمظهر الاستقلالية عن إيران لحماية بغداد من الانتقامات الأمريكية".
وعلى الجهة المقابلة، رفضت قوى من الإطار التنسيقي التطبيع مع سوريا في بداية الأمر، مثل هادي العامري، رئيس منظمة بدر المسلحة، والأقرب إلى إيران.

ولكن بحسب المصادر العراقية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن طهران أرسلت رسالة إلى حلفائها في العراق بتخفيف معارضتهم لدعوة أحمد الشرع إلى بغداد، وقبول التطبيع العراقي مع سوريا من أجل حماية المصالح العراقية.
وفي هذا الصدد، يقول القيادي في تحالف فتح (الجناح السياسي الذي يضم أغلب الفصائل المسلحة والسياسية الموالية لإيران ويتزعمه هادي العامري)، عدي الخدران، لـ"عربي بوست"، "بعد الكثير من الشد والجذب والانتقادات والاختلافات، قرر قادة الإطار أن يساعدوا السوداني على إنجاح إتمام القمة العربية في بغداد، وقبلوا بحضور الشرع".
وأضاف المتحدث قائلاً: "العراق يحتاج إلى تحركات سياسية ودبلوماسية جديدة تُعيد له علاقاته مع محيطه العربي، ونجاح القمة العربية في بغداد سيعزز مكانة العراق الإقليمية ويؤكد على دوره المحوري في المنطقة".
وفي محاولة من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لطمأنة قادة الإطار التنسيقي بأن التطبيع مع سوريا كان هدفه الأول والأساسي حماية المصالح العراقية، زار وفد أمني عراقي برئاسة رئيس جهاز المخابرات العراقية حميد الشطري سوريا، والتقى بالرئيس السوري أحمد الشرع، ويُعتبر هذا هو ثاني لقاء للشطري مع الشرع منذ سقوط بشار الأسد، لمناقشة المسائل الأمنية بين البلدين.
وفي هذا الصدد، يقول القيادي السياسي في الإطار التنسيقي لـ"عربي بوست"، "يريد قادة الإطار التنسيقي أن يتأكدوا من أن فائدة التطبيع مع سوريا هي الحفاظ على أمن العراق، وهذا ما فعله السوداني بزيارة الشطري إلى سوريا. بعبارة أخرى، يريدون تبريراً لموافقتهم على التطبيع مع سوريا، لذلك يركّزون على أن هذا التطبيع هدفه خدمة المصالح الأمنية العليا للعراق، دون الدخول في تطبيع سياسي كامل".
الموقف السُنّي والكردي
رحبت القوى السُّنية بالتقارب بين بغداد ودمشق، وأيّدت خطوات السوداني لاستعادة الدور الإقليمي العراقي والعمل على تحسين الدبلوماسية العراقية.
في هذا الصدد، يقول الخبير السياسي العراقي سجاد سعيد، لـ"عربي بوست"، "الانفتاح العراقي على سوريا الجديدة، إذا كان جدياً، فبالتأكيد سيكون من مصلحة المكون السُّني في العراق، الذي عانى من التمييز الطائفي في سنوات ما بعد عام 2003، كما أن هذه الخطوة تُنذر باتخاذ خطوات أكبر لإعادة تواصل العراق مع محيطه العربي والابتعاد قليلاً عن المدار الإيراني".
لكن في أربيل والسليمانية، فضّل الأكراد مراقبة التقارب العراقي السوري الناشئ بحذر، دون تفاؤل أو تشاؤم. ويقول مصدر سياسي كردي من الحزب الديمقراطي الكردستاني (أكبر الأحزاب الحاكمة في أربيل)، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الإسناد، "صحيح أننا نرحب بانفتاح العراق على كل بلدان المنطقة، ولكن في نفس الوقت يظل القلق الدائم بأن استعادة بغداد لقوتها تعني المزيد من الظلم لأربيل، وهذا بناءً على تاريخ طويل في العلاقة المتوترة بين حكومتي بغداد وأربيل".
وأضاف المصدر ذاته قائلاً: "لذلك نحن نراقب بحذر".
أما بالنسبة لموقف التيار الصدري، فجاء موقفه صامتاً تماماً، يراقب الأمور عن بُعد فقط، خاصة أن الانفتاح العراقي على سوريا الجديدة جاء في وقت إعلان مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، مقاطعته للانتخابات البرلمانية المقبلة وانسحابه من المشهد السياسي العراقي.