يحرز الجيش السوداني انتصارات مؤخراً ضد قوات الدعم السريع، آخرها تقدمه في ولايات في كردفان ودارفور ووسط السودان، منذ تمكنه في 21 مارس/آذار 2025، من السيطرة على مباني القصر الرئاسي في قلب العاصمة الخرطوم، وسط تغير كبير في خريطة النفوذ في السودان.
أعلن الجيش السوداني، الأربعاء 26 مارس/آذار 2025، اقترابه من السيطرة على الخرطوم بعد استعادته عدداً من المنشآت الاستراتيجية والمناطق، على رأسها معسكر "طيبة" جنوبي العاصمة، الذي يعد أكبر معسكرات قوات الدعم السريع.
ويرصد هذا التقرير التغيّرات الأخيرة التي حدثت على خريطة النفوذ والصراع في السودان، بعد التطورات العسكرية الأخيرة على الأرض بين الجيش السوداني قوات الدعم السريع.
تركزت التطورات في 3 مناطق رئيسية في السودان، هي:
- العاصمة الخرطوم.
- ولايات كردفان (وسط جنوب البلاد).
- إقليم دارفور (غرب السودان).
خريطة حديثة توضح مواقع سيطرة الحكومة السودانية ..
— القوات المسلحة السودانية (@SudaneseAF) March 25, 2025
القوات المسلحة السودانية والقوات النظامية الأخرى مسنودة بالشعب السوداني تستمر في عمليات تطهير البلاد من مليشيا أسرة دقلو الإرها_بية في طريق إنهاء التمرد ونشر الأمن والاستقرار والإنطلاق لإعادة البناء و التعمير في كل ربوع الوطن -… pic.twitter.com/dB7DGPgIMk
تغير خريطة النفوذ في السودان
وتغيرت خريطة النفوذ في السودان على مدار سنوات الحرب، ورصد "عربي بوست" ذلك من خلال الخرائط.



الخرطوم.. هل يحسم الجيش السيطرة عليها؟
أبرز التطورات في العاصمة السودانية الخرطوم، تمثّلت في استعادة الجيش السوداني القصر الرئاسي من قوات الدعم السريع، بالإضافة إلى عدد من الوزارات في منطقة السوق العربي.
وقال مصدر عسكري من الجيش السوداني لمراسل "عربي بوست"، الأربعاء 26 مارس/آذار 2025، إن الجيش يستعد للإعلان عن خلو الخرطوم بالكامل بعد الانتهاء من ملاحقة "فلول قوات الدعم السريع".
وسبق أن أعلن بيان مصوّر للجيش بثه التلفزيون الرسمي، في 21 مارس/آذار 2025، السيطرة على القصر الرئاسي، وأنها تمثل استعادة "رمز سيادة وكرامة الأمة السودانية"، معلنة تدمير أفراد ومعدات الدعم السريع بالكامل، والاستيلاء على كميات كبيرة من أسلحتها ومعداتها في منطقة القصر والوزارات.
تُعدّ السيطرة على القصر الرئاسي تقدماً هاماً، يشير إلى إمكانية اقتراب المعارك في الخرطوم من نهايتها، بحسب خبير عسكري تحدث إلى "عربي بوست" مفضلاً عدم ذكر اسمه، بسبب مخاوف أمنية متعلقة بتواجده في مناطق اشتباك في الخرطوم.
لفت الخبير إلى أنه عقب نجاح الجيش السوداني في استعادة القصر الرئاسي، بات مطار الخرطوم الموقع الاستراتيجي الوحيد ذو الأهمية الكبرى الذي لا يزال تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
وقال إن هناك تقارير تشير إلى أن قوات الدعم السريع تلجأ حالياً إلى الاختباء داخل بعض مباني الوزارات والشركات والمتاجر في أنحاء العاصمة، لكن قوات الجيش السوداني تواصل العمليات في تمشيط كامل للمنطقة، لطرد بقايا تلك العناصر التي فرت إلى هذه النقطة.
لكن أحد القادة الميدانيين في الجيش السوداني، قال في منشور له على "فيسبوك" إن المعارك في هذه المنطقة قد تطول.
وبعد استعادة القصر الرئاسي، يواصل الجيش السوداني عملياته لتعقب فلول قوات الدعم السريع في منطقة السوق العربي، مع تقدمه للسيطرة على مواقع استراتيجية مثل برج الفاتح وجزيرة توتي.
وأفاد الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة بأن الجيش السوداني يواصل زحفه في غرب الخرطوم بعد استعادة القصر الرئاسي، مشيراً إلى أن القوات المسلحة بسطت سيطرتها على مواقع حيوية تشمل برجي شركة زين ومصرف الساحل والصحراء، إلى جانب بنك السودان وحي المقرن.
في السياق ذاته، جدد رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان رفضه التام لأي مفاوضات مع الدعم السريع ما لم تستسلم، مؤكداً في تصريحات عقب استعادة القصر الرئاسي، أن الخرطوم "أصبحت على بعد خطوات من التحرر الكامل، ما قد يفتح الباب أمام عودة تدريجية لمؤسسات الدولة إلى العاصمة".
صور لهروب جماعي لعناصر الدعم السريع عبر جسر خزان جبل أولياء جنوب #الخرطوم#الأخبار pic.twitter.com/QhQmWvHqdF
— قناة الجزيرة (@AJArabic) March 26, 2025
ولايات كردفان
بحسب المصادر العسكرية ذاتها في الجيش السوداني، فإن المعارك تتجه إلى ولايات كردفان، وذلك بعد الانتصارات في الخرطوم.
وتبعت معارك الخرطوم عمليات هجومية كبرى، شملت تحرير مدينة الأبيض في شمال كردفان عبر قوات "متحرك الصياد"، وهي تحركات عسكرية ضخمة في طريقها إلى دارفور أيضاً.
وأفادت المصادر بأن وصول متحرك الصياد الذي يضم قوات من الجيش وفصائل متحالفة معه، إلى الأبيض، يعني بداية إعادة السيطرة على أجزاء واسعة من ولاية غرب كردفان وشمال ولاية جنوب كردفان والزحف نحو إقليم دارفور.
ومنذ نحو عام، قام الجيش السوداني بتشكيل "متحرك الشهيد الصياد" من قوات الجيش في ولاية النيل الأبيض (جنوباً) والقوة التي انسحبت من نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، وقوات من فرقة الهجانة-وهي الفرقة الخامسة مشاة التابعة للجيش السوداني في ولاية شمال كردفان، وقوات مكافحة الإرهاب في جهاز المخابرات.
وكلف الجيش هذه القوة بفتح الطريق الذي يربط كوستي بولاية النيل الأبيض مع الأبيض حاضرة شمال كردفان في طريقه إلى دارفور، وفك الحصار الذي تفرضه قوات الدعم السريع على المدينة، مند الأيام الأولى للحرب، ما عطل وصول الشاحنات التجارية والقوافل الإنسانية وتصدير المواشي والمحاصيل الزراعية التي تشتهر بها، بالإضافة إلى توفرها على أكبر بورصة للصمغ العربي في العالم.
وتاليا خريطة عن آخر التطورات الميدانية من منصة Vista السودانية لرصد المعارك في السودان:
إقليم دارفور
تتجه أرتال من الجيش السوداني والقوات الشعبية المتحالفة معه، إلى إقليم دارفور عبر ولايات كردفان، بحسب ما أكده مراسل "عربي بوست" في الإقليم غربي السودان.
وتتركز الجهود العسكرية للجيش السوداني حالياً على فك الحصار عن مدينة الفاشر (في ولاية شمال دارفور)، آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور.
وتشهد الفاشر معارك عنيفة، ولا تزال تقاوم هجمات قوات الدعم السريع، التي لم تستطع السيطرة عليها رغم مرور نحو عام على سيطرتها على كامل غرب السودان باستثناء ولاية شمال دارفور التي تمثل الفاشر حاضرتها.
وأفاد أهالي في شمال دارفور، بأن مدينة المالحة الاستراتيجية، التي كانت تحت سيطرة القوات المشتركة الداعمة للجيش، سقط تحت سيطرة قوات الدعم السريع، بعد هجوم كبير بدأته منذ نحو أسبوع.
تقع المالحة على بعد 210 كيلومترات من الفاشر، وشهدت اشتباكات عنيفة انتهت بإعلان الدعم السريع سيطرتها عليها، فيما لم تصدر القوات المشتركة للجيش تعليقاً رسمياً عن ذلك حتى الآن.
وخلال الأسابيع الأخيرة بدأت مناطق النفوذ لقوات الدعم السريع تتقلص، وبشكل متزايد، لصالح الجيش السوداني في ولايات الخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض وسنار والنيل الأزرق.
يأتي ذلك في سياق ما أعلنه الجيش السوداني منذ 25 يناير/كانون الثاني 2025، بإكمال المرحلة الثانية من العمليات الحربية في الخرطوم، بربط قواته القادمة من أم درمان وشمال بحري بجنوده في مقر سلاح الإشارة أقصى جنوب مدينة الخرطوم بحري، وهي خطوة أنهت حصار مقر القيادة العامة للجيش بوسط الخرطوم.
المسيّرات وخطة الاستنزاف
شهدت خارطة الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تحولاً كبيراً، بعد نحو عامين من المواجهات العنيفة التي شهدت معارك ضارية وحصاراً على المدن، ما يثير تساؤلات عن أسباب التغير الكبير في خط سير المعركة لصالح الجيش.
خلال الفترة الأولى من الحرب، اعتمد الجيش السوداني استراتيجية دفاعية كما قال، بينما شنت قوات الدعم السريع هجمات مكثفة على مقرات الجيش في الخرطوم وولايات أخرى، ما مكنها من السيطرة الكاملة أو الجزئية على مدن في دارفور، وكردفان، ووسط السودان.
رغم ذلك، نجح الجيش في استنزاف قوة الدعم السريع تدريجياً عبر استخدام الطيران الحربي والمسيرات، بينما اعتمدت الأخيرة على الأسلحة الثقيلة والمضادة للطائرات، بحسب خبراء عسكريين.
وفقاً لمصادر عسكرية، لـ"عربي بوست"، نجح الجيش السوداني في تغيير ديناميكيات الصراع من خلال استنزاف قوات الدعم السريع، واستهداف مناطقها الاستراتيجية، وقطع خطوط إمدادها الحربية واللوجستية.
بدأ ذلك بالسيطرة على ولاية الجزيرة، وتأمين المعابر البرية بالتعاون مع الحركات المسلحة في دارفور وكردفان.
وأشارت المصادر إلى أن الجيش السوداني حصل على أسلحة متطورة، بما في ذلك مسيرات استراتيجية من تركيا، وإيران، والصين، وروسيا، بعد جولات دبلوماسية لعبد الفتاح البرهان.
وأكدت أن هذه التقنيات ساهمت في استهداف قادة الدعم السريع الميدانيين وتحييد قدراتهم.
وأضافت أن انضمام قادة بارزين إلى جانب الجيش، مثل أبو عاقلة كيكل من قوات درع السودان، ساهم في التقدم، لا سيما أنهم قدموا معلومات استخباراتية حاسمة، وفق قولهم.
في المقابل، لم تنجح مسيّرات الدعم السريع في تغيير المعادلة، رغم استخدامها في هجمات انتحارية، بحسب مصادر عسكرية من الجيش.
ما الذي تعنيه استعادة القصر الرئاسي؟
يرى الكاتب الصحفي السوداني الصادق الرزيقي، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "استعادة الجيش للقصر الرئاسي تحمل أبعاداً عميقة تستحق التأمل، ليس فقط كانتصار عسكري، بل ضربة موجعة للمشروع السياسي للدعم السريع، وللمخططات الخارجية التي تستهدف تفكيك السودان"، على حد قوله.
وأشار إلى أن هذه التطورات تعيد إلى الأذهان استراتيجيات غربية طويلة الأمد، بدأت بوضوح مع دراسات أعدتها مراكز بحثية استراتيجية في واشنطن عام 1981، إلى جانب كتابات برنارد لويس وخبراء غربيين وإسرائيليين، هدفت إلى إعادة صياغة السودان سياسياً واجتماعياً، أو تقسيمه إلى كيانات صغيرة إذا فشلت محاولات تجريده من هويته العربية والإسلامية، وتحويله إلى دولة أفريقية منعزلة عن جذورها الحضارية.
وأضاف الرزيقي أن "انتصارات الجيش في الخرطوم، التي جاءت تتويجاً لنجاحات سابقة في سنار والجزيرة وشمال كردفان وشمال دارفور، كشفت عن تراجع كبير للدعم السريع التي كانت قد سيطرت على جبهات متعددة في العام الأول للحرب".
وقال: "اليوم، تعاني قوات الدعم السريع من انهيار متسارع نتيجة انعدام القيادة الموحدة، وفقدان السيطرة، وغرقها في فوضى تجردها من أي احترافية عسكرية".

لفت كذلك إلى أن "الدعم السريع تشهد انقسامات داخلية حادة، مع تصاعد اتهامات التخوين وانخفاض معنويات مقاتليها، إلى جانب فرار أعداد كبيرة من المرتزقة الذين جُندوا من جنوب الصحراء وأمريكا الجنوبية والقرن الأفريقي"، وفق قوله.
وأكد أن "هذا الوضع أدى إلى خسارة قادة ميدانيين بارزين، وقوات نخبة كانت قد أُعدت بعناية للسيطرة على العاصمة والقصر الرئاسي منذ بداية الحرب، تمهيداً لإعلان قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، نفسه رئيساً للسودان في حال انتصاره".
يأتي ذلك فيما تستمر المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل/نيسان 2023، في حرب أودت بحياة أكثر من 20 ألف شخص، وتسببت بحوالي 15 مليوناً من اللاجئين والنازحين، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.
في حين رجحت دراسة أجرتها جامعات أمريكية أن يكون عدد الضحايا قد قد بلغ نحو 130 ألف قتيل.
في الأسابيع الأخيرة، تسارعت وتيرة تقهقر قوات الدعم السريع في ولايات عدة، أبرزها الخرطوم، والجزيرة، والنيل الأبيض، وشمال كردفان، وسنار، والنيل الأزرق، وسط تقدم مستمر لقوات الجيش السوداني.
يحرز الجيش السوداني انتصارات مؤخراً ضد قوات الدعم السريع، آخرها تقدمه في ولايات في كردفان ودارفور ووسط السودان، منذ تمكنه في 21 مارس/آذار 2025، من السيطرة على مباني القصر الرئاسي في قلب العاصمة الخرطوم، وسط تغير كبير في خريطة النفوذ في السودان.