تحسن العمليات وتطور الوسائل القتالية.. المقاومة المتنامية في الضفة تُقلق الاحتلال الإسرائيلي سياسياً وعسكرياً

عربي بوست
تم النشر: 2025/02/19 الساعة 09:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/02/19 الساعة 11:24 بتوقيت غرينتش
المقاومة في شمال الضفة - تعبيرية (عربي بوست)

عقب انتهاء الحرب على غزة، بدأ الاحتلال الإسرائيلي، بشقيه السياسي والعسكري، بتوجيه أنظارها نحو الضفة الغربية، حيث انتقل مركز الثقل الأمني والعملياتي رسمياً هناك، ويشمل ممارسة ضغوط أكبر على المقاومة هناك، وإعلانه عن عملية "السور الحديدي"، دون أن يعني قدرتها على كبح جماحها المتصاعد.

بلغة الأرقام، أعلن الاحتلال أن حصاد المقاومة وعملياتها المسلحة لعام 2024 أسفر عن ارتفاع لافت في أعداد قتلاه من الجنود والمستوطنين ليصل إلى 46 قتيلاً، من خلال تنفيذ 231 هجوماً مسلحاً كبيراً، رغم أنه أحبط 1040 هجوماً كبيراً خططت له المقاومة، بمعدل 2-3 هجمات يومياً، مما يعطي مؤشرات ميدانية لا تخطئها العين على تصاعد الرسم البياني لهجماتها.

لا يتردد الاحتلال في الاعتراف بأن هذه المعطيات تأتي حصيلة ما شهدته العمليات الأخيرة من مستوى احترافي متزايد لدى المقاومين، لاسيما في المشاهد المصورة التي يتم نشرها عقب كل عملية، حيث يتم مشاهدتهم وهم يخرجون من سيارتهم بعد دقائق معدودة من وصولهم إلى مكان العملية، ثم يطلقون النار على حافلة عابرة للمستوطنين، ويسارعون بالانسحاب من المكان، الأمر الذي يشير إلى مستوى أعلى من الاحتراف العسكري والمهارة المهنية المتزايدة.

وكان هنا ذلك التحذير اللافت الذي أعلنه مسؤول أمني إسرائيلي كبير، لم يكشف عن هويته، حيث توقع أن "يكون عام 2025 نقطة تحول خطيرة في الضفة الغربية، زاعماً أن "كل شيء فيها قد ينهار، وبالتالي يجب أن نستعد للسيطرة السريعة عليها"، من خلال تخطيط الجيش لنشر أنظمة تكنولوجية فيها، بما في ذلك عشرات الأنظمة على معابر المستوطنات ونقاط الاحتكاك لمنع تسلّل المقاومين، تحضيراً منه لحالة تحول الضفة لمنطقة صراع مركزية.

فما تفاصيل التنامي اللافت لحركة المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية؟ وكيف ينعكس هذا على إسرائيل سياسياً وعسكرياً؟

نقاط القوة والضعف

أتى التنامي اللافت في عمليات المقاومة في الضفة الغربية في ضوء مراكمتها لعدد من نقاط القوة المتزايدة لديها، واستغلال ناجح لنقاط الضعف التي اكتشفها الاحتلال، وهي على النحو التالي:

1- تحسّن عملياتها وجودة تنفيذها، رغم أن أسلحتها وقنابلها بدائية الصنع، وليست تقليدية، لكنها نجحت في إلحاق أضرار جسيمة بمركبات الجيش والمستوطنين، مما زاد من قلق جيش الاحتلال، ودعاه للتحرك فوراً لعمليات هجومية كبيرة للضغط عليهم، وهو ما شهدته مؤخراً المدن والمخيمات الفلسطينية في الضفة، لاسيما جنين وطولكرم ونابلس.

2- افتقاد الاحتلال لأي معلومات استخباراتية عن نشاطات المقاومة المتصاعدة في الضفة، رغم قيامه في الأسابيع الأخيرة بعمليات "كشط" متكررة لمنع وضع عبوات ثقيلة تهدف لإلحاق الضرر بقواته، مما يدلّ على مدى تفاقم الوضع الأمني في الضفة، المتمثل في استمرار حصولها على المزيد من الوسائل القتالية المهربة عبر الحدود الأردنية.

اقتحام طولكرم بالضفة الغربية
الاحتلال يدمر البنية التحتية في الضفة الغربية/ الأناضول

3- تزامن تصاعد عمليات المقاومة مع إطلاق سراح كبار الأسرى الفلسطينيين كجزء من صفقة التبادل مع حماس، وما يعنيه ذلك من صبّ مزيد من الزيت على نار التوتر القائم أصلاً، بزعم أن حماس ستسعى لإشعال النار في الضفة، من خلال الهجمات ضد الجيش والمستوطنين، مما يعني واقعاً كارثياً للاحتلال، عقب وقف إطلاق النار في غزة.

4- صعوبة سيطرة الاحتلال على الضفة الغربية التي يعيش فيها ثلاثة ملايين فلسطيني ونصف مليون مستوطن معاً، مما يجعلها من أصعب الجبهات، حيث سيقوم جيش الاحتلال بتعزيز فرقته العسكرية المنتشرة فيها بسبع سرايا، وتوزيعها على قادة الكتائب المختلفة في جميع أنحائها، وإنشاء نقاط تفتيش للسيارات الفلسطينية قبل دخولها إلى الطرق المشتركة مع المستوطنين لإحباط أي هجوم بإطلاق النار والقنابل.

بدا لافتاً أن عملية جيش الاحتلال في الضفة الغربية المسماة "الجدار الحديدي"، تخللها قيام قوات الهندسة بهدم مباني وبنية تحتية في مناطق مختلفة منها، فيما زعم وزير الحرب يسرائيل كاتس بتوسيع العملية لتشمل مناطق إضافية مثل جنين وطوباس وطمون وطولكرم وقباطية ونور شمس، للحيلولة دون إقامة ما وصفها بـ"جبهة شرقية" تهدد مستوطنات الضفة، وخط التماس، والتجمعات السكانية الإسرائيلية الكبيرة. شملت العملية اغتيال واعتقال العشرات من المسلحين ومعاونيهم، ومصادرة عشرات الأسلحة والمتفجرات، وهدم عشرات المباني، فيما كشف الجيش عن تعزيز فرقة الضفة بوحدات خاصة وسرايا قتالية لتأمين الطرق والمستوطنات.

ضعف السلطة وتدهورها

فيما باتت الضفة تشهد تطور واقع لا يقل قلقاً للاحتلال عن غزة، فإن حالة الضعف التي تمرّ بها السلطة الفلسطينية في كل جانب تقريباً، يزيد من مخاوفه من أن يساهم ذلك بصعود المقاومة وتصدّرها للمشهد السياسي والأمني في الضفة.
مع العلم أن إجراءات الاحتلال تزيد من تراجع مكانة السلطة التي فقدت أجزاءً كبيرة من سيطرتها على أراضي الضفة، سواء بسبب ضعفها، أو خلافات قادتها، وبسبب خطوات الاحتلال التي اتخذها الوزير في وزارة الحرب بيتسلئيل سموتريتش لترسيخ الاستيطان. مع أن تقوية السلطة يساعد الاحتلال في إحباط عمليات المقاومة، وفي حال أزيلت، فإنه سيحتاج أضعاف العدد المنتشر من قواته في الضفة.
الثابت أن عمليات المقاومة الأخيرة في الضفة زادت من تكثيف التعاون الأمني بين السلطة والاحتلال لمنع تصاعدها، لكن القناعة الإسرائيلية أن هذه الإجراءات المكثفة المتمثلة بمزيد من اقتحامات القرى والمخيمات بشكل مستمر، وإزالة أي قيود على استخدام القوة الغاشمة، لم تنجح في وقف مدّ المقاومة المتصاعد، خاصة على طرق رئيسية يتنقل عليها اليهود والفلسطينيون، ولا يوجد حل عسكري لمجموعة مسلحة تقرر الصعود لمركبة، وتنفيذ هجوم.
أكثر من ذلك، فإن دعوات وزراء حكومة اليمين لاستهداف فلسطينيي الضفة بشكل عام، مرورا بإعداد الخطط العنصرية لتهجيرهم، تعني أن دائرة المقاومة ستتسع بزيادة ثلاثة ملايين فلسطيني لصفوفها، وأن مخاوف الاحتلال فيها ستتفاقم، رغم ما يبذله الاحتلال والسلطة من جهود ضخمة لمحاربتها، عقب شروع الأخيرة بعمليات غير عادية للغاية باستخدام القوة والذخيرة الحية في عدد من المواقع ضد المقاومة، مع التركيز على مخيم جنين. لكن المفارقة، أن عملية الاحتلال الموسعة في الضفة تزامنت مع عملية مشابهة نفذتها السلطة الفلسطينية في مخيم جنين للاجئين، رغبة منها بإظهار الحزم في مواجهة فقدان السيطرة، وصورة الضعف الملتصقة بها.

ولأن الاحتلال يعرف تهديد المقاومة المتصاعد في الضفة أكثر من أي جهة أخرى، فإنه يعمل 365 يوما في السنة لإحباطه، والقضاء عليه، لكن حتى في هذه الساحة، فإنه يواجه انتقادات واسعة، لأنه يعلم تماماً أن وجود جيشه المكثف في الميدان، لا يعني أن يكون قادرا على التواجد في كل نقطة احتكاك، طوال الوقت، وبالتالي سيبقى المستوطنون أهدافاً للعبة "الروليت" الروسية، على حدّ الوصف الإسرائيلي.

انتقال الإبادة من غزة الى الضفة

حتى لو لم يعلن الاحتلال ذلك علناً، لكنه شنّ في الأيام الأخيرة أكبر عملية له في الضفة الغربية منذ عملية السور الواقي في 2002، وانتقلت أنماط العمليات التي يتبعها جيشه في غزة الآن إلى ثلاثة مواقع في شمال الضفة، بما فيها هدم المنازل، في توسيع لافت لعملية "الجدار الحديدي" الى بلدات جديدة في الضفة خاصة "طمون وطوباس" ومحيطهما، قرب غور الأردن، وهي المنطقة الثالثة التي يعمل فيها الجيش على نطاق لواء موسع بعد جنين وطولكرم.

كشف الاحتلال أن حجم القوة العاملة حالياً في الضفة يقترب من حجم القوة التي نشرت بعملية "السور الواقي" في 2002، عندما كانت هناك فرقة موسعة تعمل فيها، مما يثبت أن الوضع في الضفة متفجر فعلاً، ودفع الجيش لنشر توثيق لتفجير أكثر من عشرة مبان بمدينة جنين في وقت واحد، مع أن هذا التصوير الجوي يذكّر بمشاهد التفجيرات التي شهدها قطاع غزة خلال العدوان الأخير.

كما شكّل تفعيل القوة الجوية واحدة من السمات الأخرى التي نقلها الاحتلال من غزة الى الضفة، كما حصل في جنين وطولكرم وطمّون، وأسفرت سياسته الدموية في الضفة منذ بدء العدوان على غزة في أكتوبر 2023 عن استشهاد أكثر من 800 فلسطيني، وإصابة 6500 آخرين، واعتقال أكثر من 11 ألفاً.

مع العلم أن أهم المقترحات الاسرائيلية للردّ على تصاعد المقاومة في الضفة تمثلت في:

–  الدعوة لبناء "جدار دفاعي" على غرار الجدار القائم على حدود غزة،

–  مروراً بتحويل نابلس وجنين إلى غزة وجباليا، من حيث الكثافة النارية الدموية،

–  وصولاً للمطالبة بإقامة المزيد من نقاط تفتيش على طول طرق الضفة، رغم أن الجيش لا يملك وسيلة للسيطرة المطلقة على حركة المرور على الطرق الجانبية والثانوية،

–  وانتهاءً بتكثيف عمليات "جزّ العشب" يوميًا، وفي جميع ساعات اليوم، وفي كل مخيمات اللاجئين والتجمعات الحضرية والريفية.

مع العلم أن كلّ هذه الحلول قد تكون مؤقتة آنية، لأن الحقيقة غير السارة وغير المريحة للإسرائيليين أن هذه العمليات تستمد وقودها من تصاعد كراهية الفلسطينيين للاحتلال على المستوى الاستراتيجي، وهنا لا يوجد حلّ سحري لهذا الوضع، في ضوء ما كشفته كل استطلاعات الرأي بين فلسطينيين الصفة من تصاعد تأييدهم لحماس وعمليات المقاومة منذ هجومها في السابع من أكتوبر على مستوطنات غلاف غزة.

الوسائل القتالية

كشفت الاشتباكات في الأسابيع الأخيرة بين قوات أمن السلطة الفلسطينية والمقاومين في جنين، عن حيازتهم لأسلحة متطورة، كالقناصة وصواريخ آر بي جي، مما استدعى مزيدا من القلق لدى الاحتلال وجيشه خشية من تراكم هذه الأسلحة والأجهزة المتفجرة والصواريخ، ويعطي البيانات المثيرة للقلق حول كمية الأسلحة المهربة للضفة مزيدا من المصداقية، وتُظهر صورة قاتمة أمام الاحتلال، بزعم أنها تحولت مستودع أسلحة خطير يهدد المستوطنات وأمن الدولة بأكملها، وتجعل التهديد المحتمل القادم من الضفة برميلا متفجرا.

كما أظهرت عمليات المقاومة الأخيرة في الضفة عن حيازة المقاومين لكميات وافرة من الأسلحة والوسائل القتالية، مما زاد من اتهام الجيش لأنه صنّفها كساحة ثانوية بسبب ساحات القتال العديدة التي واجهها سابقاً، الأمر الذي دفعه مؤخراً للحديث علانيةً عن اعتبار مهمة نزع سلاح الضفة أولوية لديه، بزعم أنها مسألة حياة أو موت، وإذا لم يتحرك الآن، فسيكون الثمن باهظاً للغاية، ولا يمكن تحمّله.

مستجدّ مهم لا يغفله الاحتلال يتمثل في جهود المقاومة بالضفة لإدخال كميات وافرة من الأسلحة والوسائل القتالية، مع تخوف لا يخفيه الاحتلال بشأن نجاحها في الخطوة التالية من إدخال المواد المتفجرة القياسية، مما قد يفرض عليه تحدّيا كبيرا قد لا يكون متجهّزاً له.

وقد سقط العديد من الجنود والضباط في الأشهر الأخيرة بمناطق مختلفة من الضفة، نتيجة استهداف مركباتهم بتفجير عبوات ناسفة، مما يعني أن تهديدها بات مُقلقاً جداً للجيش، ويعيد لأذهانه الفترة العصيبة التي تواجد فيها في جنوب لبنان في الثمانينيات والتسعينيات، حين أتقن حزب الله استخدام العبوات الناسفة، وألحق الأذى بقوات الاحتلال، وتسبّب بسقوط العديد من الخسائر البشرية في صفوفه.

أسفر هذا التخوف عن قيام الاحتلال بتأسيس عقيدة قتالية تعتمد "تحييد" عدة عبوات المدفونة في الأرض باستخدام جرافات "DE9″، وبالتالي إزالتها، ويستخدم وسائل تكنولوجية لتعطيلها، زاعما اكتشاف المئات منها، وإخراجها من الخدمة، وهنا يمكن أن نفهم سبب استخدامه لآليات ضخمة في مخيمات اللاجئين بالضفة، ومسحه للكثير من المساحات والمباني، وتدمير البنية التحتية المدنية.

تهديد الصواريخ

شهدت المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية خلال العام الأخير استهدافات بإطلاق قذائف صاروخية عليها، ولا يتعلق الأمر بصواريخ بدائية، أو مصنّعة، بل أكثر تطوراً تشبه في قدراتها تلك التي تطلقها المقاومة من غزة، مما زاد من الإجراءات الأمنية الاسرائيلية على طول الحدود مع الأردن بزعم أن هذه القذائف تصل الضفة من هذه الحدود، الأمر الذي دفع الاحتلال لمطالبة الأردن لتعزيز تواجده الأمني على حدوده المشتركة لمنع تهريب المزيد من الأسلحة والوسائل القتالية عبرها.

ترصد أوساط الاحتلال ما اعتبرته نجاحا لقوى المقاومة بتجنيد المزيد والمزيد من المسلحين في الضفة، الأمر الذي من شأنه إشعال كل الأضواء الحمراء في المؤسسة الأمنية للاحتلال، عقب نجاح عدد من المحاولات لتفجير عبوات ناسفة تزن عدة كيلوغرامات في مواقع عسكرية واستيطانية رغم من حالة التأهب الأمنية القصوى، مما يعني أن البنية التحتية لتلك القوى وصلت إلى قدرة تشغيلية عالية، وقد تستمر مستقبلا بإنتاج حمولات إضافية، وأكثر تطورًا.

سواء دار الحديث عن "الذئاب المنفردة" أو الخلايا المنظمة، فإن دوافع تنفيذ المزيد من عمليات المقاومة في الضفة تستمد وقودها من الدافعية العالية الناجمة عن مزيد من الأيديولوجية الجهادية، ومشاهد الحرب في غزة، وضعف السلطة الفلسطينية.

العبوات الناسفة

يزعم الاحتلال أن الضفة تشهد صناعة متطورة لتطوير وصقل المتفجرات والعبوات الناسفة، ويتحدث عن منحنى تعلّم سريع جدًا للفلسطينيين، مما يدفعه بالانتقال لمزيد من تدابير الحماية، واعتزام مخابراته على زيادة القدرة على جمع المعلومات الاستخبارية، تمهيداً لاجتياح المناطق المحتمل وجود "مختبرات" صناعات فيها، خشية نجاح المقاومة في تطوير وإتقان العبوات المزروعة على طول محاور الضفة، مما دفعها لدفن الشحنات المتفجرة في عمق الأرض، تحت ارتفاع التربة التي يكشطها "الجرّار".

كما تركّز قيادة جيش الاحتلال الآن على التهديدات المستقبلية التي قد تظهر في ميدان الضفة، كصواريخ آر بي جي، التي تشكّل تهديدًا مميتًا لقواته، عندما لا يكون المستوى الحالي لحماية مركباتها كافيًا، وباتت تعتبر نقطة ضعف لها، مما سيدفعه لزيادة القدرة على جمع المعلومات الاستخبارية الأولية فيما يتعلق بالمواقع المتفجرة.

وقد كشف الاحتلال أن وحدة القمر الصناعي 9900 في جهاز الاستخبارات العسكرية- أمان، قد تبدأ قريباً عملها بالضفة لبناء صورة استخباراتية أكثر دقة وأفضل لما يسميه الجيش "السيطرة على الأرض"، في ضوء ما رسمته العمليات الأخيرة من صورة مثيرة للقلق تمثلت بتفجير الاحتلال لخمسين معمل إنتاج عبوات؛ وإلقاء ألف عبوة على قواته، وتحييد 150 عبوة مزروعة تحت البنية التحتية المدنية من المباني والطرق.

نموذج جديد لهجوم السابع من أكتوبر في الضفة

رغم اختلاف الظروف الميدانية بين غزة والضفة، لكن الآونة الأخيرة شهدت صدور تحذيرات إسرائيلية عديدة، منها ما هو واقعي، وآخر مبالغ فيه، تزعم التخوف من تحقق نموذج جديد من هجوم حماس على مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر، ولكن هذه المرة على مستوطنات الضفة، على اعتبار أن ذلك الهجوم يعتبر تذكيرا مؤلماً للاحتلال بأن المقاومين لا يترددون باستخدام الأسلحة المتطورة ضده.

مثّل هذا التخوف من إمكانية تنفيذ هجوم مشابه لإشعال تحذيرات في صفوف الاحتلال خشية وقوع ما يسميها "كارثة" أخرى مشابهة، ويتطلب عدم اعتماده على ما يصفه بـ"التخمينات"، لأنه لا يحتمل الوقوع فيما توصف بـ"غيبوبة" تصور أمني آخر، وإلا فإنه لن ينتبه هذه المرة للمفاجأة الاستراتيجية التي قد تتطور تحت أنفه في الضفة، في تكرار فاضح لفشل الاحتلال في التنبؤ بهجوم السابع من أكتوبر.

تتزامن مخاوف الاحتلال مع ما شهدته الآونة الأخيرة من بروز احتمالية غزو المقاومين لمستوطنات الضفة المجاورة للسياج، وادّعاء مستوطنيها أنهم غير محميين، والخشية من تكرار سيناريو هجوم أكتوبر في غزة، رغم استمرار إجراءات الجيش المضادة، لكن عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين قد يثير رغبتهم بالانتقام، دون التأكد أنه سيُصدر تحذيرا، لأن المقاومة تفحص نقاط ضعفه بصبر، وتتصرف عندما تجد الفرصة مناسبة.

مع التصاعد التدريجي لعمليات المقاومة في الضفة، وتنوع هجماتها، تزداد المخاوف الإسرائيلية من انتشار وتيرتها في مختلف المستوطنات والمواقع العسكرية، لأن منفذيها لا يفتقرون للقدرة أو النية لإيذاء الجنود والمستوطنين، صحيح أن الجيش يقوم بعمل مكثف للحدّ منها، لكن ليس لديه القدرة على حماية خط التماس بمفرده، مما يقلل من فرص نجاة المستوطنين من هجوم مماثل للسابع من أكتوبر، وهذه المرة في الضفة الغربية.

هذا يعني أن الحلّ لعدم وقوع هجوم أكتوبر جديد في الضفة يستدعي جهدا إسرائيليا غير تقليدي، لأن الأخبار المتواترة عن سقوط المزيد من القتلى الإسرائيليين في بعض مناطقها، تذكير آخر بالتهديد الملموس والفوري القادم من الضفة، بالقرب من خط التماس، وعلى طوله، وإلا فإن مستوطني الضفة على موعد قريب مع هجوم جديد مشابه للسابع من أكتوبر في مستوطنات غلاف غزة، لأن الضفة باتت تعتبر برميلا متفجّرا، على وشك الانفجار في أي لحظة، والانطباع السائد بين الإسرائيليين أنهم على وشك حدوث الكارثة القادمة.

تحميل المزيد