النظام أخفى خرائط انتشارها قبل سقوطه.. “ألغام الأسد” تعيق عودة النازحين السوريين إلى ديارهم

عربي بوست
تم النشر: 2025/02/08 الساعة 10:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/02/08 الساعة 10:25 بتوقيت غرينتش
الألغام في سوريا

تبددت أحلام مئات الآلاف من النازحين السوريين شمال غرب سوريا في العودة إلى مدنهم وقراهم، خصوصاً الواقعة منها على خطوط التماس قبيل معركة ردع العدوان.
وهناك سببان يعيقان عملية العودة أطلقتهما إدارة العمليات العسكرية، أولهما عملية التعفيش الممنهجة التي كان يديرها نظام بشار الأسد، والثاني حقول الألغام التي تطوق المدن والبلدات.

حقول الألغام

تتوزع المناطق غير الآمنة بسبب حقول الألغام ومخلفات معسكرات جيش الأسد، خصوصاً القذائف الجوفاء التي فشل إطلاقها باستخدام أنظمة المدفعية في ثلاث مناطق إدارية.
وتمتد هذه المناطق في حلب من بلدة الشيخ عقيل، مروراً ببلدات قبتان الجبل، وعنجارة، وبالا، وبسرطون، وعاجل، وجمعية الأمين، وأورم الصغرى، والشيخ علي، وكفر حلب، وميزناز، وجب كاس، والطلحية، وبلدتي منغ وتل رفعت، والعديد من القرى التي انسحبت منها قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في ريف المحافظة الشمالي.
فيما تتوزع الأراضي غير الآمنة في محافظة إدلب على مدينة سراقب، وبلدات جوباس، وداديخ، وكفر بطيخ، وخان السبل، وبابيلا، ومدينة معرة النعمان، وبلدات كفروما، وحاس، وكفرنبل، والفطيرة، وفليفل.
بينما تتوزع في سهول بلدات الحاكورة، وخربة الناقوس، والبحصة، والعديد من القرى والمزارع، وصولاً إلى سلسلتي جبال الأكراد والتركمان في ريف اللاذقية الشمالي، التي لبعض بلداتها واقع متطابق فيما يتعلق بحقول الألغام.

ويزيد عدد السكان في منطقة الخطر عن 211 ألف نسمة، حسب الأرقام المتوفرة من إحصائيات 2010 و2004 للسكان، غالبيتهم معرضون لخطر انفجار لغم أرضي، سواء للمركبات أو الأفراد، أو العثور على ذخائر غير متفجرة في منازلهم التي استخدمها جيش الأسد كثكنات ومقرات ومستودعات عسكرية.

ويغيب عن المشهد الخرائط التي أعدها جيش الأسد لتوزيع وانتشار حقول الألغام بالقرب من خطوطه الدفاعية، إذ لم يُعثر سوى على عدد قليل من المستندات التي تحدد زوايا الحقول.
فيما فُقدت بقية المستندات والخرائط، حيث تعمّدت قوات جيش الأسد إتلاف مثل هذه الوثائق، كما فعلت في معظم المواقع الأمنية ومباني القيادة العسكرية للقطاعات.

إلى جانب فقدان الخرائط، تعاني المنطقة من نقص في كوادر الهندسة العسكرية وفرق إزالة مخلفات الحرب، ليقتصر العمل على خبراء من تلك الفرق القليلة وبعض العناصر في فصائل المعارضة السورية، ممن تطوعوا لإزالة تلك المخاطر.

وفي تصريحه لـ"عربي بوست"، يقول أسعد العبد الله، المختص بالصناعة العسكرية في إحدى تشكيلات الجيش الوطني والمتطوع في العمل والإشراف على العاملين في تفكيك الألغام والذخائر: "قمنا بتقسيم المخلفات العسكرية إلى قسمين للتعامل معها".
وأضاف: "الأول يهدف إلى إزالة الألغام المخصصة للمركبات والمدرعات والأسطوانات المفخخة من الطرق الرئيسية ومداخل المدن والبلدات، وهذه عادةً ما تكون بأحجام كبيرة وغير حساسة للعنصر البشري، ما يسهل تفكيكها وإزالتها. أما القسم الثاني فهو المختص بإزالة الألغام المخصصة للأفراد، وهي الأكثر شيوعاً في المنطقة".

وأوضح العبد الله أنّ حقول ألغام الأفراد لا تكون متساوية في العدد، مما يُصّعب التوقع بأعداد الألغام في كل منطقة.
لافتاً إلى أنّ متوسط عدد الألغام في الكيلومتر المربع الواحد وصل في بعض الحقول إلى 130 لغماً، خصوصاً في الأراضي الزراعية بمحيط القرى والبلدات الواقعة على مقربة من الطريق الدولي M5، بين مدينة معرة النعمان ومدينة سراقب وريف حلب الغربي.

وقال المزارع أحمد الأسعد، من بلدة جوباس شرقي إدلب، إنه تراجع عن قرار العودة إلى قريته أسوة ببقية السكان، بسبب قيام قوات جيش الأسد بتفخيخ محيط القرية بالكامل، إضافة إلى الطرق الزراعية التي من المفترض أن يسلكها المزارعون في هذه الفترة، حيث يقومون عادةً بتقليم الأشجار وحراثة الأراضي وبذرها وتحضيرها لموسمي الربيع والصيف المقبلين.

وبيّن الأسعد أن النازحين في المخيمات أُرغموا على البقاء فيها حتى بعد سقوط الأسد وانهيار منظومته العسكرية والأمنية، واصفاً العودة في هذا الوقت بـ"الانتحار"، لعدم وجود مساحات آمنة.

من جهته، قال الصحفي والناشط المحلي محمد الحسن، إن انشغال كوادر إدارة العمليات العسكرية بالانتشار في المحافظات السورية لتعزيز الوضع الأمني وحماية الثكنات والقواعد العسكرية كان أحد عوامل تأخير تفكيك حقول الألغام، وبالتالي تأخير عودة النازحين.

وبيّن الحسن أنّ المدن والبلدات التي كانت في عمق سيطرة قوات جيش الأسد تعتبر أكثر أماناً من تلك التي تقع على خطوط التماس، لكنها ليست آمنة بشكل تام، لافتاً إلى أنه، عقب مرور شهر على تحرير مناطق في أرياف حلب وحماة وإدلب، لا يزال المدنيون يعثرون حتى اليوم على ذخائر مدفعية غير منفجرة أو مخازن للذخائر ضمن منازلهم.

حوادث بعد سقوط النظام

بدورها، وثقت فرق الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" من تاريخ 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 حتى يوم السبت 4 يناير/كانون الثاني 2025 مقتل 33 مدنياً بينهم 8 أطفال وامرأة، وإصابة 43 مدنياً بينهم 19 طفلاً بجروح منها بليغة، في انفجار لمخلفات الحرب والألغام.
وأشارت المنظمة إلى أنّ فرقها أتلفت منذ 1 كانون الأول الفائت حتى 3 كانون الثاني الجاري 822 ذخيرة مختلفة أغلبها من القنابل العنقودية، وحددت أكثر من 80 نقطة مؤكدة تلوثها بالذخائر غير المنفجرة في عموم المناطق السورية.
ونوّهت الخوذ البيضاء إلى تأثير الألغام ومخلفات الحرب على الاقتصاد السوري، خاصة أن أغلب حقول الألغام موجودة في مناطق تعتمد على الزراعة كمردود اقتصادي رئيسي مما يؤدي إلى تعطيل القدرة على استثمار هذه الأراضي.
وبحسب سامي المحمد، منسق برنامج إزالة مخلفات الحرب في الدفاع المدني السوري، فإن مخلفات الحرب منتشرة في جميع المناطق السورية. كل سوريا لا يوجد فيها منطقة آمنة من مخلفات الحرب، ولكن هذا الانتشار هو على ثلاث مستويات:

  • المستوى الأول: المناطق شديدة التلوث، وهي خطوط التماس مع قوات النظام السابق التي تمتد من جرابلس إلى ريف حلب الشمالي والغربي، ومنها منطقة الجينة والأتارب وكفر نوران إلى النيرب وآفس، جبل الزاوية، سهل الغاب، السرمانية، الكبينة وصولاً إلى جبل الأكراد على الحدود السورية التركية، إضافة إلى الثكنات العسكرية ومناطق الحواجز الأمنية.
  • المستوى الثاني: خطوط التماس السابقة من فترة قريبة أو حتى القديمة، وغالبها مدمر بفعل قصف النظام. وتشمل مناطق واسعة في عموم سوريا مثل سراقب، خان شيخون، مورك، حمص القديمة، ومناطق محيط دمشق مثل الغوطة الشرقية، القابون، الزبداني، ووادي بردى.
  • المستوى الثالث: باقي المناطق السورية.

وبحسب بيان صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد قتل منذ آذار 2011 وحتى نهاية العام 2024 ما لا يقل عن 3521 مدنياً بالألغام الأرضية، بينهم 931 طفلاً و362 سيدة، إضافة إلى 7 من كوادر الدفاع المدني، و8 من الكوادر الطبية، و9 من الكوادر الإعلامية.
وتسببت الألغام في تشويه المدنيين وإحداث إصابات خطيرة، حيث تخترق مئات الشظايا أجساد المصابين، ما يؤدي غالباً إلى بتر أطراف، تمزق الشرايين والخلايا، بالإضافة إلى إحداث إصابات في السمع أو البصر.
وقدّرت الشبكة الحقوقية أنّ ما لا يقل عن 10400 مدني أصيبوا بجروح متفاوتة، منهم عدد كبير بحاجة إلى أطراف اصطناعية، فضلاً عن سلسلة طويلة من عمليات إعادة التأهيل والدعم النفسي.

تحميل المزيد