التخارج الحكومي وتعويم الجنيه وملفا المعتقلين واللاجئين.. مصادر: خلافات تهدد إقرار المنحة الأوروبية لمصر

عربي بوست
تم النشر: 2025/01/23 الساعة 08:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/23 الساعة 08:28 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري يلتقي وفد من زعماء الاتحاد الأوروبي/الأناضول

تعددت المباحثات واللقاءات التي أجراها مسؤولون مصريون وأوروبيون خلال الأسابيع الماضية لبحث تنفيذ المرحلة الأولى من آلية مساندة الاقتصاد المصري من جانب الاتحاد الأوروبي، والتي تكللت بوصول منحة قيمتها مليار يورو مطلع هذا العام، فيما تتطلع القاهرة لتسريع اعتماد البرلمان الأوروبي الشريحة الثانية بقيمة أربعة مليارات يورو أخرى ضمن الآلية المتفق عليها بين الطرفين في شهر يونيو/حزيران الماضي.

لكن وفقاً لمصدر دبلوماسي مصري مطلع على هذا الملف، هناك تخوفات مصرية من وضع مزيد من التعقيدات التي تعرقل إتمام الاتفاق، في ظل تردد أوروبي جراء عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية من جانب، واستمرار الانتقادات الموجهة إلى مصر في سجلها الحقوقي من الناحية الأخرى.

ودشّن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي زيارة جديدة إلى العاصمة البلجيكية بروكسل للقاء رئيس المجلس الأوروبي "أنطونيو كوستا"، مشدداً خلال اللقاء على تطلع مصر لسرعة اعتماد الشريحة الثانية بقيمة 4 مليارات يورو.

كما تطرق عبد العاطي إلى التعاون المشترك في مجال الهجرة وأهمية ربط الهجرة بالتنمية ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية، من خلال دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مبرزاً التحديات والأعباء التي تتحملها مصر في ضوء استضافتها أكثر من 10 ملايين أجنبي.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يطالب فيها وزير الخارجية أو مسؤولون مصريون بسرعة اعتماد الشريحة الثانية، إذ سبق وأكد عبد العاطي خلال ثلاث مناسبات سابقة على الأمر ذاته أثناء زيارة رئيسة البرلمان الأوروبي إلى مصر، وكذلك مناشدته الاتحاد الأوروبي تسريع وصول المنح المقدرة بخمسة مليارات يورو، وخلال اتصاله بالمفوضة الأوروبية لشؤون المتوسط، دوبرافكا سويسا، في مطلع هذا العام.

كذلك بحثت رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتعاون الدولي، السبت، مع إيلينا فلوريس، نائبة المدير العام للمفوضية الأوروبية، الإعداد لبدء التفاوض بشأن المرحلة الثانية من آلية مساندة الاقتصاد الكلي ودعم عجز الموازنة بقيمة 4 مليارات يورو، والإجراءات المزمع تنفيذها في إطار الشق الاقتصادي الخاص بالإصلاحات الهيكلية.

اعتراضات ومطالب بمزيد من الضمانات

كشف مصدر حكومي مطلع على ملف المنح الأوروبية إلى مصر، أن اللقاءات المصرية الأوروبية شهدت العديد من الخلافات في وجهات النظر، إذ إن هيئات الاتحاد الأوروبي تطالب بمزيد من الضمانات التي تدعم مسألة عدم العودة إلى الاختلالات الاقتصادية مرة أخرى، والإسراع في الاستجابة لخطة صندوق النقد الدولي نحو التخارج الحكومي من الشركات الاقتصادية وضمان سعر مرن للجنيه مقابل الدولار وتحسين مناخ الاستثمار.

أما بالنسبة للشق السياسي، فإن ملف المحبوسين واللاجئين والتعامل معهم من جانب الجهات الحكومية كان حاضراً بشكل كبير في النقاشات الأخيرة.

الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي
مديرة صندوق النقد الدولي ورئيس الوزراء المصري في القاهرة/ رويترز

وأضاف المصدر ذاته أن مصر لديها رؤية بأنها تمضي على أشواك عديدة سياسية وإقليمية تدفعها للتريث في المضي قدماً على طريق الإصلاح الاقتصادي والسياسي، وتقدم مبرراتها بشأن خسائرها التي تعرضت لها جراء الاضطرابات في الملاحة البحرية وفقدان قناة السويس ما يقرب من 7 مليارات دولار منذ اندلاع الصراع في حرب غزة، وتأثير ذلك على مدخلات العملة الصعبة التي تضغط على الدولار وتدفع للتدخل من أجل الحفاظ على سعر صرف ليس ثابتاً بشكل كبير وليس مرناً أيضاً، والأمر ينعكس على الأطروحات الحكومية ولديها قناعة بأنها قدمت مزيداً من التسهيلات في مجال تحسين بيئة الاستثمار.

وأوضح المصدر أنه على المستوى السياسي، فإن القاهرة تسوق لقانون اللجوء الذي أقرته مؤخراً، وتشير إلى أنه خطوة على طريق تقنين أوضاع من دخلوا البلاد بصفة غير شرعية، وبالتبعية ذلك سيقود إلى تحسين أوضاع التعليم والصحة بالنسبة للفارين من الصراع وتبرر تحفظها على دخول بعض الجنسيات والأسماء إلى البلاد وترحيلهم بشكل مباشر بـ "دواعي أمنية"، وفي الوقت ذاته لا تبني سياساتها على أساس يهدف لدفع اللاجئين إلى مغادرة البلاد بل على العكس، فإن القانون الأخير يشير إلى أنها سوف تتعايش مع من دخلوا أراضيها وهدفهم البقاء فيها.

وذكر المصدر ذاته أن اللقاءات مع المسؤولين الأوروبيين تضمنت العديد من الاعتراضات بسبب أوضاع اللاجئين على مستويات مختلفة في مقدمتها، الإجراءات اللوجستية التي تساعد اللاجئين على التسجيل في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتعتبرها مسؤولية رئيسية للحكومة المصرية، إلى جانب التأخير في إتاحة الخدمات الصحية والتعليمية لحين الحصول على الكارت الأصفر من جانب المفوضية، وذلك يستغرق وقتاً طويلاً قد يمتد لعام أو أكثر ويؤدي إلى ترحيل بعض المخالفين وهو ما تعتبره دول الاتحاد الأوروبي يخالف مواثيق التعامل مع الفارين من الحروب، كما أنه يهددها بشكل مباشر لأن هؤلاء قد يتسللون إليها.

وكان مجلس النواب المصري وافق في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على قانون جديد بشأن لجوء الأجانب في مصر، وهو أول تشريع مصري داخلي ينظم شؤون اللاجئين وطالبي اللجوء في البلاد ويتضمن إنشاء لجنة حكومية لشؤون اللاجئين، تكون هي الجهة المختصة بكافة شؤون اللاجئين، ويكفل مجموعة من الحقوق لمن يحصل على صفة "لاجئ"، أبرزها الحصول على وثيقة سفر، والحق في التقاضي والعمل والتعليم، والاعتراف بالشهادات الدراسية الممنوحة في الخارج وفقاً للقواعد المقررة قانوناً للأجانب.

علاقات متوترة

تشير الإحصاءات إلى تصاعد أعداد المهاجرين غير الشرعيين من مصر إلى أوروبا. ففي عام 2021، بلغت الأرقام ما يقرب من 9 آلاف مهاجر مصري غير شرعي، وهو ما يمثل نحو 9 بالمئة من إجمالي السكان.

ولكن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وارتفاع التضخم، تضاعفت الأعداد في عام 2022 إلى ما يقرب من 22 ألف مهاجر غير شرعي. ثم انخفض هذا العدد إلى حد ما ليبلغ 13639 في العام الماضي 2023، وفقاً لبيانات المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة.

وكشف مصدر حقوقي مطلع مقرب من الحكومة، أن العلاقة بين مصر وبعض الهيئات التابعة للاتحاد الأوروبي ليست جيدة، وفي مقدمة هذه الهيئات البرلمان الأوروبي الذي زارت رئيسته مصر منذ أسبوعين ضمن مساعيها للحصول على مزيد من الضمانات الحقوقية والاقتصادية قبل استكمال آلية المساعدات الأوروبية.

وأشار إلى أن القاهرة أبدت مؤخراً انزعاجها من التقارير الصادرة عن لجنة حقوق الإنسان داخل البرلمان الأوروبي، وفي المقابل أكدت رئيسة البرلمان أنها تخشى من عدم القدرة على تمرير المرحلة الثانية من المساعدات في حال واجهت رفضاً من نواب البرلمان الأوروبي وطالبت بإجراءات أكثر جدية لتحسين أوضاع الحريات العامة.

أكد المصدر ذاته أن القاهرة تخشى تقسيم المرحلة الثانية من المساعدات إلى دفعات مختلفة تتخللها عمليات تقييم لمدى التقدم المحرز في الملفات الحقوقية والسياسية، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة قبل نهاية العام الجاري. وتسعى القاهرة إلى الحصول على قيمة المساعدة دفعةً واحدةً، خاصة بعد تلقيها وعودًا سابقةً بأن الدعم المقدم يهدف إلى مساعدتها في مواجهة التحديات الاقتصادية دون ربطه بملف حقوق الإنسان.

تسعى القاهرة لمواصلة تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي باعتباره ضمانةً لالتزامها بالمسار الصحيح اقتصادياً. ومن المتوقع أن تنتهي المشاورات الحالية بتمرير المساعدات خلال شهرٍ أو شهرين على الأكثر.

انخفاض أعداد المواليد في مصر
انخفاض أعداد المواليد في مصر مع تزايد تكاليف المعيشة (تعبيرية)/ رويتيز

لا يتوقع المصدر تصاعد الخلاف بين القاهرة والاتحاد الأوروبي، إذ يخشى الأخير من الأزمات المتفاقمة في المنطقة، إضافةً إلى اعتماده على تسهيلاتٍ مصريةٍ لتخفيف الأزمة الإنسانية في قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار. كما يدرك الاتحاد الأوروبي أهمية الحفاظ على استقرار الأوضاع الداخلية في مصر في ظل التحديات الإقليمية المحيطة بها. لكنه في الوقت ذاته يسعى إلى التعامل وفق أسسٍ تضمن تمرير المساعدات دون معارضة قوية داخل البرلمان الأوروبي، الذي يتعين عليه الموافقة عليها.

في 9 يناير الجاري، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا. ووفقاً لبيان الرئاسة المصرية، تناول اللقاء سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين مصر والاتحاد الأوروبي، إلى جانب مناقشة ملفات التعاون الاقتصادي والاستثماري والتجاري وآليات تفعيل الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الجانبين.

تواجه العلاقات بين مصر والبرلمان الأوروبي تحدياتٍ عدةٍ بسبب الانتقادات المستمرة لأوضاع حقوق الإنسان في مصر. وكان مجلس النواب المصري قد رفض قبل عام بياناً صادراً عن البرلمان الأوروبي دعا إلى مراجعة علاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر، واعتبر التقدم المحرز في ملف حقوق الإنسان محدوداً، مطالباً بإجراء انتخابات رئاسية نزيهة، وهو ما قوبل بانتقادات مصرية واسعة.

شد وجذب بين المسؤولين المصريين والأوروبيين

وفقًا لمصدرٍ حكوميٍ مطلعٍ على العلاقات المصرية الأوروبية، شهدت اللقاءات الأخيرة بين الجانبين حالةً من الشد والجذب بسبب المطالب الأوروبية المتعلقة بالملف الحقوقي، الذي يُعد العقبة الرئيسية أمام إتمام آلية المساعدة. تركزت المناقشات حول ضرورة تسوية ملفات المحبوسين الاحتياطيين، والإفراج عن السجناء السياسيين، وتحسين أوضاع السجون، وإتاحة الحريات العامة بما ينعكس إيجابًا على الأوضاع الاقتصادية، ويُسهم في تمرير المساعدات التي تواجه انتقاداتٍ من بعض الدول الأوروبية، رغم عدم اهتمام دولٍ أخرى بالأمر.

كما شملت المفاوضات قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في مصر قبل عشر سنواتٍ، والتي تشهد خلافاتٍ حادةٍ بين نتائج التحقيقات القضائية المصرية والإيطالية. تشعر القاهرة بالحرج إزاء احتمالية توجيه الاتهامات لأفرادٍ محسوبين على جهاز الشرطة، بعد أن أغلق القضاء المصري القضية.

انتهاكات حقوقية متكررة داخل سجن بدر في مصر/GettyImages

وكان النائب العام المصري قد أصدر بياناً في نهاية عام 2020، أكد فيه "عدم وجود أدلةٍ كافيةٍ لإقامة الدعوى الجنائية في واقعة مقتل ريجيني، مع تكليف الجهات المختصة بمواصلة التحريات"، واستبعاد اتهاماتٍ موجهةٍ إلى أربعة ضباطٍ وفردٍ شرطةٍ بقطاع الأمن الوطني. من جانبه، علّق القضاء الإيطالي القضية خشية وجود أخطاءٍ في الإجراءات، مع عدم التأكد من إبلاغ المتهمين بالقضية.

وفي سياقٍ متصلٍ، أوضح المصدر أن قرار القاهرة الأخير برفع أسماء 716 شخصاً من قوائم الإرهاب يرتبط بالضغوط الأوروبية، إلى جانب إطلاق سراح 4600 سجينٍ بمناسبة ذكرى ثورة يناير وعيد الشرطة. وتهدف هذه الخطوات إلى تخفيف الضغط على السجون، في حين تركز المطالب الأوروبية على الإفراج عن السجناء السياسيين، وهو ما تتردد القاهرة في اتخاذ قراراتٍ بشأنه.

كما أكد المصدر أن هناك تحدياتٍ أخرى تحول دون إتمام المساعدات الأوروبية بسلاسةٍ، إذ تسعى دول الاتحاد الأوروبي إلى التأكد من توجيه التمويلات إلى مشروعاتٍ تخدم الاقتصاد، خاصةً في مجالي الصحة والتعليم. بالإضافة إلى ذلك، هناك تشكيكٌ أوروبيٌ في الأرقام التي تقدمها القاهرة بشأن أعداد اللاجئين على أراضيها، حيث تطالب بتحديد أعدادٍ دقيقةٍ، وهو ما ترى الحكومة المصرية أنه يتطلب ثلاث سنواتٍ منذ بدء تطبيق قانون اللجوء الجديد.

تحميل المزيد