تشهد الساحة السياسية المصرية حالة من الحراك الحزبي في أعقاب الإعلان عن تأسيس "حزب الجبهة الوطنية"، الظهير الجديد للحكومة، وفي ظل محاولات تدشين التحالفات الانتخابية قبل عدة أشهر من إجراء الانتخابات البرلمانية (مجلسي الشيوخ والنواب) المزمع عقدها في شهري أغسطس/آب وأكتوبر/تشرين الأول المقبلين.
وتواجه أحزاب المعارضة ضغوطاً من جهات حكومية للمشاركة على قوائمها، ما يعرقل حتى الآن تشكيل قائمة موحدة لأحزاب الحركة المدنية الديمقراطية لخوض الانتخابات.
واستبق حزب "مستقبل وطن" خطوات تأسيس حزب "الجبهة الوطنية"، وأعلن بشكل مفاجئ عن تنظيم ما يسمى بـ"ملتقى الأحزاب والكيانات السياسية". كما نظم اجتماعات تنظيمية للملتقى شارك فيها 50 حزباً، بينها أحزاب معارضة بارزة مثل:
- المصري الديمقراطي الاجتماعي
- العدل
- الإصلاح والتنمية
- الأحرار الاشتراكيين
إلى جانب أحزاب الموالاة مثل:
- الشعب الجمهوري
- حماة وطن
- حزب المؤتمر
- التجمع اليساري
- الشعب الديمقراطي
- المصريين الأحرار
- تحالف "الأحزاب المصرية"، الذي يضم 42 حزباً
وألمح الحزب، الذي يتمتع بالأغلبية الحالية في البرلمان، إلى أن الهدف من الملتقى الذي يضم أحزاباً معارضة هو "اصطفاف الكيانات السياسية في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية الراهنة، وتعزيز الشراكة بين الكيانات السياسية المختلفة للوصول إلى توافقات حول القضايا الوطنية الكبرى، خصوصاً تلك التي تمس الأمن القومي المصري".
انتقادات للنظام بسبب ضعف تمثيل المعارضة
كشف مصدر حكومي مطلع، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن الأحزاب المشاركة في ملتقى "مستقبل وطن" ستندمج ضمن تحالف حزبي اتفق الحزب على تشكيله لخوض الانتخابات البرلمانية. وأوضح أن الأحزاب المعارضة المشاركة في الملتقى ستنضم إلى هذا التحالف، الذي يهدف أساساً لضمان سيطرة الحزب على الأغلبية البرلمانية.
وأضاف المصدر أن تحالفاً آخر سيظهر خلال الأشهر المقبلة بقيادة "حزب الجبهة الوطنية"، بمجرد الانتهاء من إجراءات تأسيسه. وسيتضمن هذا التحالف أحزاباً معارضة وأخرى ليبرالية، أبرزها حزب الوفد، مع إمكانية ضم حزب المحافظين المعارض. وأشار إلى أن الحكومة تعتزم خوض الانتخابات عبر تحالفين انتخابيين، على عكس الانتخابات السابقة في 2015 و2020 التي اعتمدت على تحالف واحد. وسيضم هذا التحالف بعض الرموز الشبابية التي شاركت في مشهد 30 يونيو، في محاولة لاستعادة صورة التحالفات السياسية السابقة.
"مستقبل وطن" يستضيف اجتماعًا تحضيريًا للإعداد للنسخة الثانية من ملتقى الأحزاب والكيانات السياسية.. صور #عاجل https://t.co/AhmNBAyFUo
— مستقبل وطن نيوز (@Mwatannews) January 7, 2025
وأكد المصدر أن الحكومة تحاول ضم أحزاب المعارضة لتحالفاتها لضمان تمثيل واسع، بحيث يكون هناك أغلبية داعمة للحكومة ومعارضة قوية نسبياً، بخلاف الوضع الحالي في البرلمان. وتهدف الحكومة إلى تجنب سيناريو الانسداد السياسي الذي نتج عن انتخابات عام 2010 وأدى إلى ثورة 25 يناير. كما تسعى إلى توفير نقاشات أكثر جدية حول القضايا والتشريعات الداخلية، في ظل الانتقادات الموجهة للنظام بسبب ضعف المعارضة داخل البرلمان الحالي.
وذكر أن جهات حكومية تحرص على أن يكون هناك شكل من أشكال التنافس بين تحالف "مستقبل وطن" وتحالف "الجبهة الوطنية"، وستدعم تشكيل تحالف آخر معارض، لكنها تدرك ضعف حظوظه. وبالتالي، ستعمل على استقطاب بعض الشخصيات التي تفضل وجودها داخل البرلمان عبر أي من التحالفين اللذين سيعملان تحت توجهاتها. كما تستهدف وصول ما يقرب من 25 حزبًا إلى البرلمان بدلًا من 14 حزبًا فقط، تمهيدًا لإدخال تعديلات على قوانين الأحزاب السياسية تمنح الحق في إلغاء أي حزب لا يصل إلى البرلمان خلال اقتراعين برلمانيين.
تجدر الإشارة إلى أن عدد الأحزاب المشهرة وفق القانون والدستور في مصر نحو 87 حزبًا سياسيًا، بحسب بيانات الهيئة العامة المصرية للاستعلامات، 14 حزبًا من بينها ممثلة في البرلمان الحالي، وعلى رأسها حزب "مستقبل وطن" بأغلبية 320 مقعدًا.
تعديلات عديدة واتصالات سرية
وفي بداية العام الحالي، أعلن سياسيون مصريون، بينهم مسؤولون سابقون، وبرلمانيون، ورجال أعمال، ونقابيون، وإعلاميون، وشخصيات عامة من مجالات متنوعة، عزمهم على تأسيس حزب "الجبهة الوطنية". وضمت قائمة مؤسسي الحزب الجديد نحو 54 شخصًا، على رأسهم:
- ضياء رشوان: رئيس الهيئة العامة للاستعلامات.
- عاصم الجزار: وزير الإسكان السابق.
- سحر نصر: وزيرة الاستثمار الأسبق.
- علي عبد العال: رئيس البرلمان السابق.
- طاهر أبو زيد: وزير الرياضة الأسبق.
- مدحت العدل: رئيس جمعية المؤلفين.
- عصام العرجاني: رئيس اتحاد القبائل المصرية.
- إبراهيم العرجاني: الذي يُنظر إليه باعتباره الممول الرئيسي لهذا الحزب.
وأعلن مؤسسو الحزب "اعتزامهم تشكيل أكبر تحالف سياسي حزبي" لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، في خطوة قوبلت بردود فعل سياسية وحزبية غاضبة ورافضة للخطوة، التي ليس معروفًا حتى الآن الهدف الرئيسي منها، وسط ترقب لحسم صيغة النظام الانتخابي الجديد، في ظل توجه بتعديل قوانين الانتخابات.
وقال سياسي مصري قريب من السلطة إن النظام الحزبي في مصر ينتظر إدخال تعديلات عديدة خلال الفترة المقبلة، وأن التحالفات التي ستخوض الانتخابات ستكون نواة لدمج الأحزاب داخل خمسة أو ستة أحزاب كبيرة، بينهما حزب "مستقبل وطن" وحزب "الجبهة الوطنية".
وكشف المصدر عن أن اتصالات سرية جرت مع أحزاب المعارضة لكي يكون هناك تكتل يضم أحزاب اليسار، وآخر للأحزاب الناصرية، وثالث للأحزاب الليبرالية.
#فاصلة_ومنقوطة
— Rania Badawy (@RaniaBadawy) January 7, 2025
هل تشكيل #حزب_الجبهة_الوطنية الجديد سيكون مجرد إعادة تدوير لنفس الوجوه والسياسات أم سيأتي بجديد ؟
ما علاقة #اتحاد_ القبائل _العربية بهذا الحزب؟
مصر تحتاج أحزابًا تعبر عن الشعب لا عن السلطة.
وما يحدث في مصر ليس تعددية حزبية، إنما مثلية حزبية! pic.twitter.com/Gw9hfuYurn
وذكر أن مدى قدرة كلٍّ من "مستقبل وطن" والحزب الجديد على تشكيل ثنائية تعمل تحت إطار الحكومة بشكل غير مباشر، مع وجود تنافس بينهما، يمكن أن يقنع الرأي العام بوجود توجهات مختلفة بينهما، سيدعم مسألة إقامة نظام حزبي قائم بالأساس على الثنائية الحزبية. غير أن المصدر ذاته اعتبر ذلك أمرًا صعبًا، في ظل قناعة المواطنين بأن الحكومة التي أشرفت على تأسيس "مستقبل وطن" هي ذاتها التي دعمت خروج حزب "الجبهة الوطنية". كما أن المعارضة ما زالت تحظى ببعض الدعم من جانب مواطنين يرون ضرورة أن تكون بديلًا عن السلطة وأحزابها.
وتوقع أن تسفر الانتخابات المقبلة عن أغلبية مريحة، وليست ساحقة، لأحزاب الموالاة، مع السماح بتمثيل أكبر للمعارضة. لكن المشكلة تكمن الآن في الخلافات التي تنشب داخل هذه الأحزاب بشأن التوافق على صيغة معينة يمكن أن تشارك بها مع أحزاب السلطة عبر تحالفات موسعة تضمن وصولها إلى البرلمان.
مغريات الحكومة أفرزت آراء متعارضة
وقال عاصم الجزار، وكيل مؤسسي حزب "الجبهة الوطنية"، في تصريحات إعلامية: "إن الحزب الجديد لديه استعداد للتحالف مع أي طرف لديه القدرة على خدمة الوطن، سواء كان حزب مستقبل وطن، أو حماة الوطن، أو أي معارض أو مستقل."
وبموجب المادة الثالثة من قانون مجلس النواب، تُجرى الانتخابات بواقع 284 مقعدًا بالنظام الفردي، و284 مقعدًا بنظام القوائم المغلقة المطلقة، مع أحقية الأحزاب والمستقلين في الترشح بكليهما معًا. وهو القانون الذي يشهد مطالبات بتعديله.
في أغسطس/آب الماضي، قدّم "الحوار الوطني"، الذي يضم شخصيات عامة وحزبية، توصيات إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، تضمنت ثلاثة مقترحات للنظام الانتخابي:
- الإبقاء على الوضع الحالي.
- إقرار نظام القائمة النسبية بنسبة 100%، في 15 دائرة انتخابية، على ألا يقل عدد مقاعد كل دائرة عن 40 مقعدًا.
- تطبيق نظام مختلط يجمع بين القوائم المغلقة والمطلقة، والقوائم النسبية، والنظام الفردي، بنسب متباينة.
ضغوط على أحزاب المعارضة
وأوضح مصدر مطلع بالحركة المدنية الديمقراطية، التي تضم في عضويتها 12 حزبًا وعددًا من الشخصيات العامة، وهي تمثل القطاع الأكبر من المعارضة المدنية داخل مصر، أن أحزاب الحركة تعرضت لضغوط عديدة للدخول في تحالف مع حزب مستقبل وطن أو الحزب الجديد، المتوقع الإعلان عنه رسميًا خلال الأيام المقبلة. كما تلقت وعودًا بتمثيل واسع داخل هذه التحالفات، بالإضافة إلى أدوار أكبر لأحزاب المعارضة داخل "تنسيقية شباب الأحزاب". وقد قادت هذه المغريات إلى وجود آراء متعارضة داخل الحركة.
وأكد المصدر أن بعض الأحزاب، وفي مقدمتها "المصري الديمقراطي" و"العدل"، ترى أهمية الدخول في تحالفات حكومية فقط بهدف الوصول إلى مقاعد البرلمان، مع الاقتناع بأن طريقة إدارة ملف الانتخابات في مصر، وعدم وضوح الصورة بشأن تعديل قانون الانتخابات حتى الآن، يجعل النفاذ إلى البرلمان هدفًا رئيسيًا. ومن خلال ذلك، يمكن ممارسة معارضة قوية ضد الحكومة. كما أن توسيع نطاق النواب المحسوبين على المعارضة سيُعزّز من قوتها في الشارع.
الأغلبية للحكومة والفتات للمعارضة
في المقابل، يرى رأي آخر أن هذا التوجه لا يدعم المعارضة، بل يخصم من رصيدها، حيث يُظهرها وكأنها تعمل تحت توجيه وتحريك من الحكومة. كما أن الأحزاب المطلوب التحالف معها هي أحزاب شكلية لا تمتلك وجودًا شعبيًا حقيقيًا على الأرض. ويرى هذا الرأي أن هناك حاجة للإعلان عن برامج المعارضة التي تهدف إلى تقويم أداء السلطة الراهنة.
علاوة على ذلك، يؤكد هذا الاتجاه أن بناء شعبية الأحزاب المدنية يجب أن يتم من خلال تحالف واحد يُعبّر عنها بصدق، وليس عبر السلطة التي ستُمرّر الانتخابات بسهولة، مما قد يؤدي إلى إضعاف مصداقية المعارضة أمام الجمهور.
وذكر أن أصحاب هذا الرأي، وهم الأغلبية، وفي مقدمتهم حزب "تيار الكرامة"، الذي يضم المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي وباقي أحزاب اليسار، يرون أن التجربة أثبتت أن التحالف مع الحكومة يمكّن المعارضة من إبراز إمكانياتها السياسية، كما هو الحال بالنسبة لنواب الأحزاب التي تحالفت مع قوائم الحكومة من قبل. لكن ذلك لم يعد مقبولًا في الأوضاع الراهنة، حيث تبقى المعارضة بحاجة لأن تكون فاعلة ومؤثرة في المشهد العام. كما أن الاستمرار في رسم صورة مشوشة حول وجود إصلاح سياسي غير موجود على أرض الواقع لا يخدم المعارضين ولا المؤيدين.
وذكر المصدر ذاته أن هناك تيارًا ثالثًا يرى أنه يمكن التحالف مع أي من أحزاب الحكومة في حال تحققت مطالب المعارضة، والتي يأتي في مقدمتها:
- الإفراج عن المحبوسين على ذمة قضايا سياسية.
- ضمان ممارسة سياسية بحرية.
- إتاحة حرية الإعلام.
- تحقيق مكاسب أخرى يمكن التفاوض حولها، بما يجعل هناك فوائد تستفيد منها المعارضة مستقبلًا، وكذلك الحياة السياسية بوجه عام.
وشدد أصحاب هذا الرأي على أن الحكومة عليها تقديم مزيد من الضمانات التي يمكنها تقريب المسافات مع أحزاب المعارضة.
وفي الوقت ذاته، شدد المصدر على أن الخلافات داخل الحركة المدنية ليست شخصية، لكنها تدور حول تصورات خوض الانتخابات المقبلة، وهو موقف سياسي قابل للاختلاف. كما أشار إلى أن ذلك لا يعني أن المعارضة تواجه تفتيتًا داخليًا.
وأضاف أن الاستقرار على اتجاه بعينه يعد أمرًا سابقًا لأوانه، لأنه حتى الآن لم تُعلن طريقة خوض انتخابات مجلس النواب أو القوانين المنظمة لها. وهذا الأمر يثير حالة من عدم الثقة في الحكومة، حيث يسود التوجس من أنها ترتب لنفسها لضمان حضور واسع، مقابل ترك الفتات للمعارضة التي قد يتم مفاجأتها بالقوانين، على الرغم من وجود مخرجات للحوار الوطني جرى التوافق عليها منذ فترة، وكان من المفترض تطبيقها.