في زيارة غير معلنة، ظهر رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح مُصَحَباً بوفد من البرلمان، في العاصمة الأمريكية واشنطن حيثُ يلتقي مسؤولين في مقر وزارة الخارجية الأمريكية شارحًا لهم آخر تطورات الملف الليبي داخليًا وخارجيًا.
وقد قال بيان إعلامي عن البرلمان الليبي إن عقيلة صالح التقى بمقر وزارة الخارجية الأمريكية بالعاصمة واشنطن القائم بأعمال وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية السيد جون باس واستعرض شرحاً مفصلاً لتطورات الأزمة الليبية واقترح جملة من الحلول التي تتطلب دعم ومساندة المجتمع الدولي لتنفيذها على أرض الواقع في سبيل تحقيق إرادة الشعب الليبي بتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أقرب الآجال وإنهاء الانقسام السياسي والمؤسسي.
"عربي بوست" تحدث إلى مصادر ليبية للوقوف على أسباب زيارة عقيلة صالح إلى واشنطن في الوقت الذي ينشغل فيه الجانب الأمريكي بالانتخابات الرئاسية وما هي الأجندة التي حملها عقيلة صالح معه إلى أمريكا، ولماذا في هذه الفترة تم إجراء الزيارة.
شبكة علاقات عامة
المحلل السياسي الليبي دكتور فرج دردور قال في تصريحات لـ"عربي بوست" إن عقيلة صالح وفريق خليفة حفتر يعتمدون على شركة علاقات عامة في أمريكا، تقوم على تسويقهم وتقديمهم إلى الداخل الأمريكي باعتبارهم صُناع قرار في ليبيا وتحاول تجميل صورتهم أمام صانع القرار الأمريكي.
يرى كذلك في تصريحاته أن عقيلة صالح وفريقه البرلماني الذي ذهب معه إلى أمريكا يريد تمرير رسالة إلى الداخل الليبي في المقام الأول وخاصة حكومة عبدالحميد الدبيبة التي تدير ليبيا من منطقة الغرب، أنهم أصحاب علاقات كبيرة مع الطرف الأمريكي وأنهم ماضون في الاستمرار في السلطة مهما كانت الأزمة السياسية في ليبيا، وأن مسار خروج عقيلة صالح من المشهد السياسي غير مطروح في الوقت الحالي.
وقد قلل فرج دردور من لقاءات عقيلة صالح في أمريكا مشيرًا إلى أن رئيس برلمان طبرق سافر إلى أمريكا في توقيت غير مناسب خاصة مع انشغال الجانب الأمريكي بالانتخابات الرئاسية، ومن ثم فالأمر لا يتعدى حملة "تلميع" قامت بها شركة علاقات عامة أمريكية لصالح عقيلة صالح ورفاقه من معسكر خليفة حفتر وفق ما يرى المحلل الليبي.
يؤكد كذلك فرج دردور على أن الموقف الأمريكي من ليبيا معروف من البداية وأنهم لم يهتموا كثيرًا بما يحدث في ليبيا وقد تركوا ملف ليبيا في أيدي الناتو وهو ما رسخ دخول روسيا إلى ليبيا بشكل كبير منذ سنوات. لذلك فهو يرى أن التعويل على الموقف الأمريكي في الملف الليبي، لن يحقق نتائج كثيرة على عكس ما يسعى عقيلة صالح وفريقه.
في سياق متصل قالت مصادر ليبية في برلمان طبرق، تحفظت على ذكر اسمها، إن بلقاسم حفتر، هو الذي يدير بالتنسيق مع والده خليفة حفتر، عملية تلميع صورة الجنرال الليبي وأولاده داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
وقالت المصادر إن بلقاسم حفتر الذي كان متواجدًا في أمريكا قبل زيارة عقيلة صالح، كان يرتب لزيارة عقيلة صالح وذلك بالتنسيق مع شركة علاقات عامة أمريكية تعاقد معها حفتر منذ سنوات من أجل تلميع صورته داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
جدير بالذكر أنه في عام 2019، تعاقد خليفة حفتر مع شركة ضغط أمريكية بهدف محاولة تحسين صورته في واشنطن، والقيام بحملة علاقات عامة، ومساعدته على بناء تحالف دولي.
إذ إن عقد الشراكة أبرم في 16 مايو/أيار 2019 بين شركة ليندن للاستشارات (Linden Government Solutions) ومقرها هيوستن بولاية تكساس، وبين "مركز دعم القرار"، المدعوم من قبل قوات حفتر ومقره بنغازي.
ووفقًا لما ينص عليه العقد القابل للتجديد ومدته عام، فإن مهمة الشركة هي تقديم المساعدة لتحسين العلاقات بين حكومة الولايات المتحدة والوكيل، وهو في هذه الحالة قوات حفتر وحسب الإعلام الأمريكي فإن قيمة العقد -الذي سيسجل لدى وزارة العدل الأمريكية- هي مليونا دولار.
في سياق موازٍ فقد تواصل "عربي بوست" مع بدر خير الدين شنيبة مدير الإعلام الخارجي في حكومة الوحدة الليبية برئاسة عبدالحميد دبيبة لسؤاله عن موقف الحكومة الليبية في الغرب من سفر عقيلة صالح إلى أمريكا، فاكتفى بالقول "أنا لست مخولًا بالحديث حول هذا الموضوع".
أزمة إعادة الإعمار
لكن عادل عبدالكافي المستشار العسكري والعميد السابق في الجيش الليبي، يرى أسبابًا أخرى تخص زيارة عقيلة صالح لأمريكا وقال في تصريحاته لـ"عربي بوست"، إن عقيلة صالح ورئيس المصرف الليبي السابق الصديق الكبير، يريدان الاستحواذ على ميزانية إعادة إعمار درنة القادمة التي أقرها المصرف الليبي أثناء وجود المحافظ السابق للمصرف الليبي الصديق الكبير في منصبه قبل أن يجبر على تركه في الأسابيع القليلة الماضية.
وقال إن قيمة الميزانية كانت 180 مليار دينار، وأن هذه الميزانية تم اعتمادها وقد صدر قرار من عقيلة صالح بعدم المساس بصندوق إعادة إعمار ليبيا بالكامل، وهو مجلس أنشأه بلقاسم حفتر نجل خليفة حفتر، وبالتالي فعقيلة صالح يريد ترتيب ميزانية الإعمار مرة أخرى بالنقاش مع الجانب الأمريكي.
وقال إن التدخل الأمريكي في أزمة المصرف الليبي هو الذي أوجد حلًا للأزمة التي طالت تعيين محافظ جديد للمصرف الليبي ومن ثم فعقيلة صالح في أمريكا لترتيب ملف المصرف الليبي وميزانية إعادة إعمار درنة.
الجانب الثاني وفق كلام عادل عبدالكافي، أن المجلس الرئاسي الليبي، أصدر قرارًا بتشكيل لجنة من أجل الاستفتاء على استمرار حكومة الدبيبة وكذلك مجلس النواب الليبي الذي يتخذ من طبرق مقرًا له، وقال المستشار العسكري الليبي إن هذه اللجنة سوف تفجر الأزمة بين المجلس الرئاسي وبين مجلس النواب خاصة وأن عقيلة صالح يرفض أي تحرك يخص الإطاحة بالبرلمان في الفترة الحالية وقد استبق عقيلة صالح هذه التحركات ودعا لتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، وإقالة حكومة عبدالحميد الدبيبة.
وأضاف أن اللجنة التي طالب المجلس الرئاسي الليبي بتشكيلها، تسعى إلى الاستفتاء على استمرار مجلس النواب وكذلك المجلس الأعلى للدولة مشيرًا إلى أن الشارع الليبي يريد أن تنتهي هذه التجربة بالكامل ويذهبوا إلى الانتخابات للمجيء بنظام سياسي جديد.
في المقابل يقول عبدالكافي لـ"عربي بوست"، إن تحالف خليفة حفتر مع روسيا، ملف يؤرق الجانب الأمريكي ومن ثم فلقاء عقيلة صالح مع مسؤولين أمريكيين في واشنطن، تطرق كذلك إلى التواجد الروسي في ليبيا.
في سياق موازٍ قلل البرلماني الليبي محمد الرعيض، عضو البرلمان الليبي في الغرب، في تصريحات لـ"عربي بوست"، من زيارة عقيلة صالح إلى أمريكا، وقال إنه لا يعول على سفره إلى واشنطن ولا يرى في ذلك أي جدوى للجانب الليبي.
وقال إن عقيلة ذهب إلى واشنطن تنفيذًا لتعليمات خليفة حفتر الذي يدير المشهد بالكامل في شرق ليبيا، وأن دور عقيلة في النهاية مجرد موظف وليس مسموحًا له أن يلعب أي دور سياسي في الحياة السياسية الليبية.
نشاط عقيلة صالح في واشنطن
بالعودة إلى نشاط عقيلة صالح في واشنطن، فقد التقى عقيلة صالح، بالقائم بأعمال وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية جون باس، في مقر وزارة الخارجية الأمريكية بواشنطن.
وخلال اللقاء، قدم صالح "شرحًا مفصلًا لتطورات الأزمة الليبية واقترح جملة من الحلول التي تتطلب دعم ومساندة المجتمع الدولي لتنفيذها على أرض الواقع في سبيل تحقيق إرادة الشعب الليبي بتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أقرب الآجال وإنهاء الانقسام السياسي والمؤسساتي" بحسب المركز الإعلامي لرئيس مجلس النواب الليبي على فيسبوك.
من جانبه، أشاد "باس" بدور مجلس النواب ومجلس الدولة الاستشاري في معالجة مشكلة مصرف ليبيا المركزي، مؤكدًا على ضرورة تشكيل مجلس إدارة لمصرف ليبيا المركزي من عناصر على قدر كبير من الكفاءة بهدف إعادة الثقة بين مصرف ليبيا المركزي والمؤسسات المالية الدولية.
حضر الاجتماع، مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى" باربرا ليف "والمبعوث الخاص للولايات المتحدة الأمريكية "ريتشارد نورلاند".
من جهتها أعربت مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى "باربرا ليف" عن سعادتها بزيارة رئيس مجلس النواب للولايات المتحدة الأمريكية واعتبرت "ليف" هذه الزيارة بداية لتعاون جاد ومثمر من أجل تسوية الأزمة الليبية.
وفي ختام اللقاء أكد "عقيلة صالح" على دور التنمية وإعادة الإعمار في إنهاء الصراع وإحلال السلام، مشيرًا إلى أن زيارة المدير العام لصندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا المهندس "بلقاسم حفتر" للولايات المتحدة الأمريكية ودعوته للشركات الأمريكية للمساهمة في تنفيذ مشاريع التنمية والإعمار خاصةً وأن هناك رؤية لمشاريع استراتيجية ضخمة تتطلب إمكانيات وخبرات كبيرة.
كما أكد رئيس مجلس النواب على ضرورة الإسراع في إطلاق المنتدى الليبي الأمريكي للتنمية والإعمار بهدف بناء شراكات استراتيجية تقود بالنفع على الشعبين الليبي والأمريكي، وذلك بحسب بيان المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب عبدالله بيلحق.
لقاء المبعوث الأمريكي
في الوقت نفسه رَحَّبَ المبعوث الخاص للولايات المتحدة الأمريكية إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند، بزيارة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إلى العاصمة واشنطن.
وقال السفير نورلاند، في تصريحات نشرتها سفارة بلاده على منصة "إكس": "إن الاجتماعات التي عقدها صالح، في وزارة الخارجية الأمريكية كانت فرصة لتعزيز دعم الولايات المتحدة للنزاهة التكنوقراطية لدى مصرف ليبيا المركزي".
ودعا نورلاند، "جميع الأطراف في ليبيا، للعمل معاً في هذا الوقت الحرج على تعزيز المفاوضات التي تيسرها الأمم المتحدة لإحياء العملية السياسية المؤدية إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية".
خلافات داخلية
كان رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، قد سبق أن دعا في وقت سابق من يوليو/ تموز 2024 إلى فتح باب الترشح لتولي منصب رئيس حكومة موحدة للبلاد.
وقال مجلس النواب، في بيان عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، إن رئيسه "يعلن فتح باب الترشح لشغل منصب رئيس الحكومة".
وأوضح المجلس أن "من يرغب في الترشح ويأنس في نفسه الكفاءة عليه تقديم مستندات ترشحه لمكتب مقرر المجلس في مدينة بنغازي اعتبارًا من الأحد الموافق 28 يوليو/ تموز الحالي حتى 11 أغسطس/ آب 2024".
كما دعا رئيس مجلس النواب "رئاسة وأعضاء المجلس الأعلى للدولة إلى تزكية من يرون فيه الكفاءة لشغل منصب رئيس الحكومة"، وفق البيان.
وذكر البيان أن إعلان رئيس المجلس جاء "استنادًا إلى أحكام الإعلان الدستوري والتعديل الدستوري الثالث عشر، وإلى أحكام قوانين الانتخابات الصادرة عن مجلس النواب، ووفقًا لما تم الاتفاق عليه بمخرجات لجنة 6+6 ".
وفي يونيو/ حزيران 2023، أصدرت لجنة "6+6″ المشكلة من مجلسي النواب و"الأعلى للدولة" القوانين التي ستجرى عبرها الانتخابات المنتظرة، إلا أن بنودًا فيها لاقت معارضة من بعض الأطراف.
وكان رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، رافضًا للقوانين الانتخابية التي اعتمدها مجلس النواب "بعد تعديلها" وفق قوله، مطالبًا بالعودة إلى المسودة التي تم الاتفاق عليها بين أعضاء لجنة "6+6" المشتركة في بوزنيقة المغربية.
ولكن بعد اجتماع القاهرة في مارس/ آذار 2024 بحضور رؤساء المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، ومجلس النواب عقيلة صالح، والأعلى للدولة محمد تكالة، اتفق رؤساء المجالس الليبية الثلاثة على "وجوب تشكيل حكومة موحدة مهمتها الإشراف على العملية الانتخابية وتقديم الخدمات الضرورية للمواطن وتوحيد المناصب السيادية "وفق بيان لجامعة الدول العربية آنذاك.
وأوضح بيان مجلس النواب أن إعلان فتح باب الترشح جاء أيضًا "استنادًا إلى البيان الصادر عن أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة عقب لقاء بالقاهرة في 18 يوليو/ تموز 2024″، والذي أعلنوا فيه "تمسكهم بضرورة إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وفق القوانين المتوافق عليها والصادرة من مجلس النواب".
واتفقوا أيضًا على "تشكيل حكومة جديدة واحدة، من خلال دعوة مجلس النواب للإعلان عن فتح باب الترشح والشروع في تلقي التزكيات ودراسة ملفات المترشحين لرئاسة حكومة كفاءات بقيادة وطنية تشرف على تسيير شؤون البلاد وإجراء الانتخابات".
ويوجد حاليًا في ليبيا حكومتين؛ وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومقرها العاصمة طرابلس التي تدير منها كامل غرب البلاد، والثانية حكومة أسامة حماد، كلفها مجلس النواب قبل ثلاثة أعوام ومقرها بنغازي وتدير كامل شرق البلاد ومدن بالجنوب.
ماهي لجنة الاستفتاء
يذكر أن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي قد أعلن عن اتفاقه مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة "على تفعيل مفوضية الاستفتاء والاستعلام الوطني"، في خطوة جديدة للدفع بها بصفتها جسماً رقابياً في المشهد، بعد خطوات سابقة لقيت معارضة حادة من قبل مجلس النواب.
كذلك أصدر المجلس الرئاسي، أول من أمس السبت، قرارًا عارض من خلاله عددًا من الإجراءات العسكرية الصادرة عن بعض التشكيلات والأجهزة العسكرية باعتبارها لم تصدر عنه بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي، في مناكفة واضحة لمجلس النواب الذي قرر سابقًا سحب صفة القائد الأعلى للجيش من المجلس الرئاسي ونقلها إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح.
وبدت خطوات المجلس الرئاسي الليبي أكثر جرأة وعزمًا على التصعيد في مراسلة أخرى وجهها إلى المفوضية العليا للانتخابات، طالبها فيها "باتخاذ الإجراءات اللازمة لإجراء الانتخابات اللازمة لشغل المقاعد الشاغرة" في مجلس النواب بسبب خلوها من أعضائها المستقيلين أو المُقالين أو المتوفين، والبالغ عددهم 46 نائبًا.
كذلك وجه المجلس الرئاسي خطابًا إلى مجلس النواب، طالبه فيه بإعادة النظر في إنشاء المحكمة الدستورية التي بدأ مجلس النواب في تفعيل أعمالها الأسبوع الماضي، في قرار أثار الكثير من الجدل. واعتبر المجلس الرئاسي أنها خطوة "تثير القلق" كونها تمنح مجلس النواب "سلطات واسعة تتعلق بتشكيل المحكمة واختيار أعضائها، ما يعزز من نفوذ المجلس على القضاء" وفي مواجهة الأطراف السياسية الأخرى، بل ويحد من فرص التوصل إلى تسوية سياسية شاملة مبنية على التوافق".
وهي إجراءات قال عنها عادل عبدالكافي إنها سوف تتسبب في تصعيد كبير بين المجلس الرئاسي الليبي ومجلس النواب الذي يتخذ من مدينة طبرق الليبية في الشرق مقرًا له ويمارس نشاطه النيابي تحت إشراف كامل من خليفة حفتر وأولاده.