رغم البداية القوية والمستمرة لحملة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إلا أن النتيجة النهائية لا تزال غير محسومة أمام منافسها الجمهوري دونالد ترامب، وهو ما يكثف التشويق حول هذا الموعد الانتخابي الهام.
ولا شك أن تألق حملة هاريس تضع ترامب في حالة تثبيط، فقد استطاعت هاريس في وقت وجيز أن تطبع الحملة ببصمتها وتعيد الديناميكية إلى صفوف المعسكر الديمقراطي، مثيرة حيرة منافسها الذي أدرك أنها بإمكانها قطع الطريق عليه نحو البيت الأبيض، كما يقول تقرير لفرانس برس. حيث تميزت الأسابيع القليلة الماضية في الولايات المتحدة الأمريكية بتباين كبير بين حملتي كامالا هاريس ودونالد ترامب.
كامالا هاريس "تبعث الأمل" في صفوف الديمقراطيين
- تحدثت التقارير الإعلامية الأمريكية عن حملة كامالا هاريس في آب/أغسطس بشكل جيد ووصفتها بأنها "مثالية". فإضافة إلى اخيارها تيم والز نائبا سيكون ذراعها الأيمن في البيت الأبيض في حال فازت بالانتخابات، فلقد أعلنت عن مقترحاتها بشأن ملف الاقتصاد والهجرة وشاركت في مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي نظم في مدينة شيكاغو، ولم يعرف لقاءها الأول مع الصحافة "أخطاء هامة".
- في 6 أغسطس/آب الماضي كشفت كامالا هاريس عن اسم نائبها وهو تيم والز حاكم ولاية مينيسوتا. لقي هذا الأخير ترحيبا واسعا من الديمقراطيين. جمعت الحملة الانتخابية في غضون أسابيعها الأربعة الأولى 540 مليون دولار.
- ويقول مراقبون، إن الشخصيتان متكاملتان: تيم والز ينحدر من الريف وهاريس من كاليفورنيا. والز شخص أبيض وهاريس امرأة سوداء. وعمل والز كمدرس وينتمي إلى المحاربين القدماء، أما كامالا فقد شقت مسيرتها كمحامية. ووالز لا يملك خبرة في إلقاء الخطابات، لكن كلامه إيجابي ويبعث "الفرحة" إلى درجة أنه قورن ببطل مسلسل "تيد لاسو"، الشهير بلباقته وبلطفه.
- تقول فرانس برس، إن كامالا هاريس استطاعت أن تخلف جو بايدن بنجاح وتقنع القاعدة الانتخابية بأنها قادرة على الدفاع عن حصيلة بايدن الرئاسية وتسوق في نفس الوقت فكرة مفادها أنها مرشحة تريد التغيير. ولكي تتوصل إلى ذلك، توجب عليها بناء صورة انتخابية خاصة وتضع مسافة بينها وبين الرئيس المنتهية ولايته.
- فعلى سبيل المثال، تخلت هاريس عن الخطاب الداعي إلى الدفاع عن الديمقراطية على أساس التصويت ضد دونالد ترامب وأصبحت تدافع عن برنامج ومقترحات الحزب الديمقراطي. ولإقناع الأمريكيين، ركزت كامالا هاريس في خطاباتها على "الفرحة والتفاؤل بالمستقبل".
- كما تطرقت مرارا إلى مسألتين تهمان الشعب الأمريكي كثيرا، وهما التضخم وأزمة الهجرة. فقدمت بعض المقترحات الهادفة إلى رفع القدرة الشرائية للمواطنين، كتسهيل عملية شراء المساكن وعبرت عن عزمها مراقبة الحدود مع المكسيك لمنع تسلل المهاجرين غير النظاميين.
هل تكون حملة هاريس ناجحة على غرار حملة أوباما؟
- في الوقت نفسه، تريثت كامالا هاريس بعض الوقت قبل أن تتحدث إلى وسائل الإعلام. حوارها الأول كان مع قناة "سي إن إن" الأمريكية في 29 أغسطس/آب الماضي. المقابلة جرت في ظروف جيدة وبدون أن ترتكب أخطاء كبيرة مقارنة بتلك التي كان يرتكبها جو بايدن.
- بالتوازي مع ذلك، نشر الفريق المتخصص بالمسائل الإعلامية في معسكر كامالا هاريس عدة بيانات صحفية منتقدة لدونالد ترامب. كما وظفت أيضاً هاريس منصات التواصل الاجتماعي على غرار "تيك توك" لتعزيز حملتها الانتخابية. فلديها حساب تيك توك خاص بها، إضافة إلى الحساب الرسمي للحزب الديمقراطي. وجمعت هاريس العديد من النجوم والشخصيات خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي، على غرار أوباما وكلينتون وأوبرا وينفري.
- إضافة إلى الحماس الذي ميز التجمعات الانتخابية لكامالا هاريس، تمكنت أيضا هذه الأخيرة من جمع أموال ضخمة تجاوزت 500 مليون دولار لتمويل حملتها. وهناك أكثر من 2000 موظف انخرطوا وشاركوا في الحملة الانتخابية مع آلاف المتطوعين، مقابل 300 مليون دولار لصالح دونالد ترامب، تنقلوا من منزل إلى آخر ومن حي إلى لحي لجمع التبرعات واتصلوا بالهاتف بعدد كبير من الداعمين والمتبرعين للحزب الديمقراطي.
- تطفو حسب مراقبين للشؤون الأمريكية على حملة هاريس أجواء تذكر بحملة باراك أوباما في 2008. هذا لم يمنع جين أومالي ديلون، وهي رئيسة الحملة الانتخابية لكمالا هاريس، أن تطالب الفرق العاملة معها بتوخي الحذر وعدم التراخي وعدم الاحتفال بالفوز قبل أوانه. وقالت لهم: "لم نفز بعد. لا تخطئوا. نحن في الأمتار الأخيرة من السباق. لكن هذا السباق لم ينته بعد". وأضافت "لذا يجب أن نبذل جهودا خارقة لإقناع الناخبين الذين سيصوتون في هذه الانتخابات".
ترامب غاضب ومصاب بخيبة أمل
- تقول فرانس برس، إن مقربون من ترامب اعترفوا بأن شهر أغسطس كان صعبا عليه. فمن المعتاد أن تعرف نتائج استطلاعات الرأي قفزة هامة لصالح أحد الحزبين الرئيسيين بعد مؤتمريهما، لكن هذه المرة لم يكن الأمر كذلك. والسبب أن جو بايدن أعلن مباشرة بعد نهاية مؤتمر الحزب الجمهوري انسحابه من السباق الرئاسي لصالح كامالا هاريس.
- الأمر الذي أطفأ أضواء ترامب والحزب الجمهوري وجعل وسائل الإعلام تسلط المجهر على المرشحة الديمقراطية الجديدة. وهذا أحدث ضرراً كبيراً لترامب الذي لا يتحمل أن تغيب عنه الأنظار.
- استفاقة صعبة لترامب بعد انسحاب منافسه الديمقراطي الضعيف صحيا. فقد كان متأكدا أنه سيفوز علية بضربة قاضية في 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. لكن وجد نفسه وهو في الـ78 من العمر في مواجهة امرأة تصغره بـ20 عاما وليس لديها أي مشاكل في النطق والكلام وإلقاء الخطابات بل وأنعشت المعسكر الديمقراطي.
- أمام هذه التغيرات الاستراتيجية التي عرفها الحزب الديمقراطي، أصيب ترامب بخيبة أمل كبيرة وأطلق حملة شتم وإهانة على موقعه الاجتماعي الخاص "تروث" ضد المرشحة الديمقراطية. فزعم مثلا في أحد منشوراته أن "الحشود الهائلة التي تشارك في تجمعات كامالا هاريس ليست حقيقية بل هي من صنع الذكاء الاصطناعي".
- بل وصرح أن عبر تبديل اسم المرشح للانتخابات الرئاسية في اللحظة الأخيرة، الديمقراطيون يستعدون لـ"سرقة" رئاسته وقال إنهم "سرقوها" منه في 2020 عبر التصويت الإلكتروني خلال وباء كوفيد-19.
هل سيتمكن ترامب من إنقاذ الموقف؟
- القائمون على استراتيجية حملة دونالد ترامب لديهم العديد من النصائح لتفادي أن يعطب حملته. أبرزها أن يركز بالأساس على الملفات التي يرى الأمريكيون بأنه أنجع فيها من كامالا هاريس لإيجاد الحلول. من بينها المشاكل الاقتصادية والهجرة والجريمة. كما ينصحونه بالتركيز على نقاط ضعف المرشحة الديمقراطية لا سيما تغيير مواقفها وآرائها بشأن العديد من القضايا المهمة، مثل تجريم عملية عبور الحدود من قبل المهاجرين غير النظاميين أو منح ضمان طبي عام وعالمي.
- تمكنت كامالا هاريس في غضون بضعة أسابيع فقط أن تتدارك خوضها المتأخر للحملة، بل ونجحت في تصدر تقديرات استطلاعات الرأي على المستوى الوطني (نحو 49.2 بالمئة لصالحها مقابل 45.7 لصالح دونالد ترامب حسب سيلفر بولتن). كما أظهرت قدرة كبيرة على المنافسة في بعض الولايات الحاسمة على عكس جو بايدن.
- استطاعت هاريس إقناع عدد أكبر من الناخبين خلافا لبايدن، لا سيما في صفوف الشباب والناخبين المستقلين والأمريكيين من أصول أفريقية ولاتينية إضافة إلى النساء. وهو ما يعني أنها بعثت نفسا جديدا في الحزب الديمقراطي بدون أن تخيف الناخبين المستقلين.
- ومع اقتراب موعد الانتخابات وانتهاء مؤتمر الديمقراطيين والجمهوريين يبدأ الناخبون في التفكير بشكل جدي ونهائي بشأن المرشح الذي سيصوتون له. ويمكن القول إن المنافسة بين المرشحين ستكون محتدمة وحامية الوطيس لا سيما في بعض الولايات الحاسمة. فنظرا للسيناريو غير المسبوق لهذه الانتخابات، يمكن للأمور أن تنقلب في اللحظات الأخيرة.
- سيشارك المرشحان في مناظرة تلفزيونية تنظمها قناة "إي بي سي" في 10 سبتمبر/أيلول. ولا نعرف إذا كان هناك غيرها أم لا. وأمام كامالا هاريس تحديا كبيرا. فعليها أن تتجنب الأخطاء الكارثية التي ارتكبها جو بايدن خلال المناظرة التي واجه فيها ترامب. أما هذا الأخير، فأمامه رهان البرهنة للناخبين عن قدرته على الحوار والنقاش مع مرشحة لامعة وأصغر منه سنا وأفضل صحيا.