عاد ملف المهاجرين القاصرين في إسبانيا الذين وصلوا إلى البلاد بطريقة غير شرعية ليثير أزمة بين حكومة مدريد والمعارضة، بعد رفض الأخيرة الثلاثاء 23 يوليو/تموز 2024، قانوناً جديداً كان يهدف لتوزيع آلاف القُصر غير المصحوبين في جميع أنحاء البلاد.
وتزامنًا مع ذلك، كشفت أرقام رسمية أن أغلب المهاجرين القاصرين في إسبانيا غير المصحوبين هم مغاربة، مما دفع حزب "فوكس" اليميني المتطرف لاتهام الرباط بإغراق مدينة سبتة الخاضعة للحكم الإسباني بالمهاجرين، واتهم الحكومة الإسبانية بالتواطؤ في ذلك.
فيما يتزايد الضغط على حكومة مدريد من أجل إقناع الرباط بقبول استعادة المهاجرين المغاربة القاصرين، وذلك بناء على اتفاقية سابقة بين البلدين، بينما قضت محكمة إسبانية في وقت سابق بعدم قانونية ترحيل المهاجرين القصر.
رفض توزيع المهاجرين القاصرين في إسبانيا
رفض مجلس النواب الإسباني مشروع قانون الهجرة، والذي يهدف إلى توزيع 6000 من المهاجرين القاصرين في إسبانيا غير المصحوبين بذويهم المتواجدين في جزر الكناري على باقي أنحاء البلاد، وفق ما ذكرته صحيفة "The Objective" الإسبانية الأربعاء 24 يوليو/تموز 2024.
من جهتها، أوضحت صحيفة "El Mundo" الإسبانية أن حزب الشعب أسقط مشروع إصلاح قانون الهجرة في مجلس النواب الإسباني، حيث قوبل هذا المشروع أيضًا برفض من قبل حزب فوكس اليميني المعارض (Vox) وحزب جونتس (Junts)، وسط اتهامات للحكومة بالسعي لحل الأزمة بطريقة "غير معقولة".
تم تسجيل مشروع قانون الهجرة والمهاجرين الأسبوع الماضي من قبل الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني (PSOE)، وحزب سومار (Sumar)، وائتلاف الكناري (Coalición Canaria) في مجلس النواب، حسب ما ذكرته التقارير الإسبانية.
وكان يهدف إصلاح المادة 35 من قانون الهجرة إلى توزيع المهاجرين القاصرين في إسبانيا غير المصحوبين بذويهم بشكل إجباري من المناطق التي تعاني من اكتظاظ بنسبة 150%، خاصة في جزر الكناري حيث أعلنت السلطات المحلية عجزها عن تدبير الملف.
وطالبت المعارضة حكومة بيدرو سانشيز بسحب المشروع وعقد مؤتمر لرؤساء الأقاليم بشكل فوري، وقالت المعارضة إن الحكومة "غير قادرة على تنفيذ سياسة هجرة جديدة"، وأنها "تحاول معالجة الأمر في نصف ساعة من النقاش".
من جانبه، أكد لوس أندريه ديوف من الحزب الاشتراكي على أن جزر الكناري والمهاجرين القاصرين في إسبانيا "مرهقون" وأنه "لا توجد أعذار" أو "وقت إضافي". وقال: "يا أعضاء حزب الشعب، الأمر يتعلق بالأطفال، وليس بكم".
أغلب المهاجرين القاصرين في إسبانيا مغاربة
وفق أرقام رسمية أعلنت عنها وزارة الداخلية، يوجد حالياً 15,045 من المهاجرين القاصرين في إسبانيا الذين كانوا تحت الرعاية، منهم 10,123 مغاربة وهم يشكلون نحو 68% من مجموع المهاجرين القصر غير المصحوبين في إسبانيا، إلى غاية نهاية 2023.
كما أوضحت الأرقام الرسمية أن 6% فقط من هؤلاء المهاجرين القاصرين في إسبانيا منهم إناث، أما متوسط أعمارهم يصل إلى حوالي 20 عاماً، وذلك لأن البيانات الرسمية تعتبر القُصّر والشباب الذين كانوا تحت الرعاية كمجموعة واحدة، وفق ما ذكرته صحيفة "The Objective".
بعد المهاجرين القاصرين المغاربة في إسبانيا هناك القادمون من غامبيا والذين يشكلون نسبة 9% ثم الجزائريين بنسبة 6% والقادمين من السنغال ويشكلون نسبة 4%، إلى جانب القادمين من أمريكا الجنوبية وهم أقلية، وأغلبهم من الإناث.
فعلى سبيل المثال، 67% من الأشخاص القادمين من هندوراس هم إناث، كما أن 74% من القادمين من البرازيل و69% من القادمين من باراغواي هم إناث، وفق أرقام وزارة الداخلية الإسبانية.
4 آلاف مهاجر قاصر إضافي في عامين
يعود آخر تعديل لقانون الهجرة في إسبانيا إلى شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021، عندما تم إقرار قانون ينص على عدم انتهاء صلاحية تصريح إقامة المهاجرين القاصرين في إسبانيا غير المصحوبين بذويهم عند بلوغهم سن 18 عامًا.
دافعت الحكومة آنذاك عن هذا التعديل وأكدت أنه لن يتسبب في زيادة عدد المهاجرين القُصر، لكن الواقع كان عكس ما وعدت به حكومة مدريد، وازداد عدد المسجلين في السجل المركزي للأجانب (RCE) منذ ذلك الحين، وفق ما كشفته الأرقام الرسمية الإسبانية.
في 31 ديسمبر/كانون الأول 2021، كان هناك 11,280 شخصًا تتراوح أعمارهم بين 16 و23 عامًا يحملون تصاريح إقامة المهاجرين القاصرين في إسبانيا غير مصحوبين أو شباب كانوا تحت الرعاية.
وبحلول 31 ديسمبر 2023، ارتفع هذا العدد إلى 15,045 شخصًا، بزيادة قدرها 3,765 شخصًا في عامين فقط. وكان المغاربة يمثلون أكثر من 71% من إجمالي المهاجرين القصر، وفي 31 ديسمبر 2023، انخفضت هذه النسبة إلى 67%.
فيما يتعلق بالعمر، في 31 ديسمبر 2021، كان 35% (3,991 شخصًا) من الفئة المستهدفة تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عامًا. ولكن بعد عامين، انخفضت هذه النسبة إلى 14% (2,124 شخصًا)، مما يعادل انخفاضًا بنسبة 47% خلال عامين.
جزر الكناري الأكثر استقبالًا للأطفال
تستقبل جزر الكناري أكبر عدد من المهاجرين القاصرين في إسبانيا غير المصحوبين بذويهم. في فبراير/شباط 2024، صرحت حكومة الكناري، أن السلطات في الإقليم تشرف على حوالي 5,600 قاصر يتم رعايتهم في 76 مركزًا مفتوحًا للقاصرين في الجزر.
وأشارت وسائل إعلام إسبانية إلى أنه وفقًا لآخر تقرير نصف شهري عن الهجرة غير النظامية أصدرته وزارة الداخلية، وصل 19,793 مهاجرًا إلى سواحل الكناري هذا العام.
في عام 2023، كان العدد 7,213، مما يعني زيادة بنسبة 174% هذا العام، وأوضحت التقارير أن المنطقة تعاني من ضغط كبير، ولكن حتى الآن، لا يوجد اتفاق لتوزيع القُصّر الموجودين هناك، مؤكدة أن معظم هؤلاء هم ذكور مغاربة.
بينما قالت وزيرة الشباب والأطفال، سيرا ريجو، إن الحكومة تعمل بالفعل على خطة بديلة لمعالجة الوضع في جزر الكناري، على الرغم من إصرارها على أن الاقتراح "الأكثر قدرة على الملاءة" هو إصلاح المادة 35 من قانون الهجرة الذي رفضه البرلمان.
وأوضحت وفق ما نقلته صحيفة "infobae" الأربعاء، قائلة: "ستكون هناك عدة خيارات… سندرسها بهدوء، ولكن ببعض المرونة لأن الوضع غير قابل للاستمرار في جزر الكناري. وفي غضون أيام قليلة سيكون لدينا خيار أكثر تحديدًا".
اليمين المتطرف يتهم المغرب
النائب عن حزب "فوكس" في مجلس مدينة سبتة، خوان سيرجيو ريدوندو، اتهم الثلاثاء 23 يوليو/تموز 2024، المغرب باستخدام رعاياه لـ"إغراق سبتة بالهجرة ونقل هذا العبء إلى الأراضي الوطنية"، بتواطؤ ومشاركة من الحكومة الاشتراكية وحكومة حزب الشعب في سبتة.
ريدوندو طالب بطرد فوري لجميع المهاجرين الذين يدخلون إسبانيا بشكل غير قانوني، وكذلك أولئك الذين تم تقنين وضعهم و"يجعلون من الجريمة نمط حياة". وتم رفض المقترح، حيث صوت جميع الأعضاء ضده باستثناء أربعة أصوات مؤيدة.
كما دعا ريدوندو النواب الآخرين إلى "رفض اقتراح توزيع الأطفال المهاجرين الذي قدمته الحكومة في المؤتمر القطاعي الأخير للأطفال". الخطة تتضمن إعادة توزيع 347 طفلاً من جزر الكناري وسبتة، منهم 87 سيغادرون سبتة، مما يعتبره ريدوندو "توسيع" مشكلة الهجرة "لباقي الأراضي"، وفق ما نقلته صحيفة "la Vanguardia" الإسبانية.
ريدوندو أبدى "قلقه" من مقترح توزيع الأطفال، وزعم أنه "يشكل خطرًا جسيمًا على أمن الإسبان، ويشجع الهجرة بطريقة غير شرعية إلى إسبانيا، ويضر بمصلحة الطفل الذي يجب إعادته إلى بلده مع والديه"، على حد تعبيره.
هذه الحجج رفضها بشدة المتحدث باسم الحزب الاشتراكي، سيباستيان غيريرو، ونائبة رئيس مجلس مدينة سبتة، فاطمة حامد، ومستشار الحكومة والرئاسة، ألبرتو غايتان.
غيريرو وصف حزب فوكس بأنه "الوحشية مجسدة في حزب"، منتقدًا إلقاء اللوم على الأطفال. وأوضح أن "بعض الأطفال يأتون لأن بيئاتهم الأسرية معادية".
من جهتها عبرت حامد عن "الاشمئزاز" الذي شعرت به تجاه مقترح فوكس، معتبرة أنه "غير منطقي وغير قانوني"، خاصة فيما يتعلق بطرد المهاجرين بشكل فوري.
غايتان، المسؤول عن شؤون الهجرة، انتقد ريدوندو وحزبه، مشيرًا إلى أن "إسبانيا بالنسبة لهم تبدأ في الجزيرة الخضراء". كما أضاف أن مقترحاتهم "الشعبوية" تتعارض مع القوانين الدولية والوطنية.