في الوقت الذي يستعد فيه الفنزويليون لانتخابات رئاسية غير متوقعة في يوليو/تموز 2024، تواجه الولايات المتحدة تحدياً حاسماً٬ حيث فشلت عقوباتها في إضعاف كاراكاس أو إجبارها على التغيير٬ حيث لم تحقق العقوبات الأمريكية والأوروبية- التي فرضت ثم أزيلت ثم أعيد فرضها – سوى القليل اقتصادياً، حيث نجح نظام مادورو في التهرب من العقوبات وتحقيق إنجازات.
ويرجع ذلك جزئياً بحسب مجلة national interest الأمريكية٬ إلى أن نظام نيكولاس مادورو طور تكتيكات التهرب من العقوبات الغربية التي تجلب مليارات الدولارات نقداً إلى خزائن النظام وخصيصاً فيما يتعلق بأنشطة الذهب والنفط والعملات المشرفة وتجارة الخردة المعدنية التي باتت تجلب مئات الملايين من الدولارت في وقت قياسي.
فنزويلا تقاوم إعادة فرض العقوبات عليها
وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنه سيتم إعادة فرض العقوبات الأمريكية على فنزويلا في قطاعات النفط والغاز وتعدين الذهب اعتباراً من 18 أبريل/نيسان الماضي. وأكد بيان الخارجية أن قرار إلغاء تخفيف العقوبات ضد كاراكاس جاء بسبب عدم امتثال القيادة الفنزويلية للاتفاقات المبرمة مع المعارضة واعتقال معارضين.
وجمعت واشنطن علاقات متوترة بفنزويلا عقب وصول هوغو شافيز، الرئيس الاشتراكي السابق للحكم عام 1999، وبعد وفاة شافيز عام 2013، ارتقى سلم الحكم خلفه ومساعده الأهم نيكولاس مادورو.
وخلال كل هذه السنوات، سيطر الحزب الاشتراكي الموحد (PSUV)، الذي أسسه شافيز على العديد من المؤسسات الرئيسية بما في ذلك أغلب السلطة القضائية والمجلس الانتخابي والمحكمة العليا.
وشهد عهد الرئيس مادورو، المستمر منذ 2013، انهياراً لاقتصاد فنزويلا بسبب العقوبات الأمريكية على البلاد، وأصبح النقص في الإمدادات الأساسية هو الوضع الطبيعي، وهو ما دفع ملايين شخص إلى مغادرة البلاد.
ما استراتيجية فنزويلا للتهرب من العقوبات الأمريكية؟
بحسب "ناشونال إنترست" تبحث واشنطن الثغرات التي يستغلها الرئيس مادورو، وقد يتعين على وزارة الخزانة الأمريكية نشر قائمة شاملة بالمؤسسات المملوكة للدولة الفنزويلية التي يُعتقد أنها مصادر رئيسية للإيرادات لنظام مادورو كملحق للعقوبات الحالية المفروضة على حكومته٬ بحسب المجلة الأمريكية.
وتقول المجلة الأمريكية إن الكثير من قدرة مادورو على مقاومة العقوبات مستمدة من " قانون مكافحة الحصار" الذي صدر في عام 2020، والذي يشجع 576 شركة مملوكة للدولة تابعة للنظام ، والعديد منها مرتبط بالجيش، على تشكيل تحالفات "استراتيجية" غامضة مع أطراف ثالثة في الخارج مع إخفاء مشاركة الحكومة.
يخلق هذا الغموض حالة من عدم اليقين بين المؤسسات المالية، والتي لا يحظر العديد منها المدفوعات التي تنطوي على شركات مملوكة للدولة في فنزويلا على الرغم من روابطها الواضحة مع مادورو. وتمول عائدات هذا النشاط التجاري غير المقيد أجهزة الدولة والجيش والأمن وتثري حلفاء الرئيس ورجال الأعمال حوله.
وهذا قد يدفع واشنطن البحث بقائمة شاملة بالشركات المملوكة للدولة الفنزويلية بالاسم، إلى جانب أسماء المسؤولين التنفيذيين المعنيين الذين يديرونها، التي من شأنها تشكيل وسيلة بسيطة وفعالة من حيث التكلفة لتعزيز جهود الامتثال في القطاع الخاص ومنع النظام المالي الغربي من تسهيل المعاملات مع الشركات المملوكة للدولة الفنزويلية.
ومن شأن هذه الخطوة أن تقضي فعلياً على أي غموض يوفر حالياً للبنوك إمكانية إنكار مثل هذه المعاملات. ويحظر الأمر التنفيذي الأمريكي 13884 بالفعل جميع الممتلكات التي تخص حكومة مادورو والتعاملات معها، ولكنه لا يسرد صراحة الشركات المملوكة للدولة التابعة لمادورو باعتبارها تشكل ممتلكات حكومية.
ومع ذلك، تستطيع وزارة الخزانة الأمريكية إذا أرادت٬ أن تحدد علناً، من خلال نشر ملحق، الشركات المملوكة للدولة والتي تعمل نيابة عن حكومة مادورو، وبالتالي اعتبارها محظورة من أجل فرض العقوبات. ومن شأن هذا التوضيح أن يخفف عبء الامتثال على البنوك والمؤسسات المالية، ويوفر لها وسيلة ملائمة لفحص المعاملات التي قد تنطوي على شركات مملوكة للدولة والتي تفيد نظام مادورو٫ كما تزعم المجلة الأمريكية.
تجارة الخردة المعدنية مخرج أساسي لكاراكاس من العقوبات
وتضرب المجلة الأمريكية مثالاً واحداً هنا بشركة كوربويز CORPOEZ، وهي شركة مملوكة للدولة في فنزويلا تنسق صادرات البلاد المربحة من الخردة المعدنية العالمية. ويديرها مسؤول كبير في مديرية مكافحة التجسس العسكرية الخاضعة للعقوبات في فنزويلا.
وعلى مدى عقد من الزمان، ارتفعت صادرات فنزويلا من الخردة الحديدية من 75 مليون دولار فقط في عام 2012 إلى 570 مليون دولار في عام 2022. وقد تسللت صادرات الخردة المعدنية إلى أسواق رئيسية مثل الهند وتركيا٬ بل إن كمية منها شقت طريقها إلى الولايات المتحدة.
وتسلط هذه التجارة الضوء على كيفية استمرار مادورو ومساعديه العسكريين في التهرب من العقوبات وتمويل النظام وقواته الأمنية. كما توضح فجوة في استهداف الولايات المتحدة للنظام بالعقوبات٬ ونجاح أقرب حلفائه العسكريين، الذين يتربعون على قمة الشركات المملوكة للدولة التي تحظى بتقدير الحكومة٬ في التهرب من أي عقوبات.
لذلك يرى الدبلوماسي السابق في وزارة الخارجية الأمريكية ماكس ميزليش٬ هو محلل أبحاث بمؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات" في واشنطن٬ أن تحديد هوية الشركات المملوكة للدولة الفنزويلية مثل شركة CORPOEZ علناً وحظر جميع التعاملات معها قد يسفر عن تأثيرات فورية على نظام مادورو وحلفائه.
وبينما تبحث الولايات المتحدة عن نفوذ لدفع مادورو نحو السماح بإجراء "انتخابات نزيهة"، يجب على واشنطن استكشاف إمكانية نشر أدوات وقدرات جديدة ضد النظام٬ كما يقول ميزليش.
مضيفاً أنه يجب على إدارة بايدن أيضاً أن تفكر في تعزيز الفحص الجمركي للصادرات الفنزويلية، وتقديم حلول أكثر وضوحاً بشأن تحديد الأنشطة التجارية المرتبطة بالدولة الفنزويلية، وفرض عقوبات على الميسرين الأجانب للتجارة التي تفيد نظام مادورو. حيث أن كيانات مثل شركة CORPOEZ مملوكة بوضوح لنظام مادورو وتعمل نيابة عنه.
ومن خلال تجديد استراتيجية العقوبات، وتجنيد قوة إدارات الامتثال في القطاع الخاص، وزيادة جهود الإنفاذ، يمكن للولايات المتحدة قطع خطوط الأنابيب النقدية لمادورو. وبينما يطالب الفنزويليون بالتغيير في صناديق الاقتراع، يتعين على واشنطن أن تضاهي تطلعاتهم الديمقراطية من خلال ضمان حرمان نظام مادورو من الموارد بشكل صارم وكامل من خلال عقوباتها٬ كما يقول المحلل الأمريكي ميزليش.