ميانمار تجند مسلميها قسراً بعدما حرمتهم من الجنسية.. الروهينغا عالقون بين جيش قتلهم ومتمردون يكرهونهم

عربي بوست
تم النشر: 2024/07/14 الساعة 13:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/07/14 الساعة 13:36 بتوقيت غرينتش
عائلة لاجئة من الروهينغا تسير على الطريق في مخيم كوتوبالانج للاجئين في كوكس بازار ببنغلاديش في 26 يونيو/حزيران 2024-رويترز

بعدما أوقع جيش ميانمار بمسلمي الروهينغا واحدة من أكبر عمليات التطهير العرقي في العصر الحديث، فإنه اليوم يقوم بحملة قسرية لـ"تجنيد الروهينغا" لاستخدامهم كجنود في حربه ضد جيش أراكان المتمرد.

فبعد نحو سبع سنوات من قتل جيش ميانمار الآلاف من مسلمي الروهينجا، في إجراء وصفته الأمم المتحدة بـ"نموذج كلاسيكي للتطهير العرقي"، لجأ المجلس العسكري إلى تجنيد الروهينغا قسراً، في ظل تداعي قواته العسكرية أمام تحالف المعارضة، حسبما ورد تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

ومنذ فبراير/شباط، قام جيش ميانمار بتجنيد ما لا يقل عن 1,500 رجل وصبي من الروهينغا قسراً من قرى ولاية راخين في ميانمار ومخيمات اللاجئين في بنغلاديش، وفقاً لجماعات حقوق الإنسان ومصادر من الروهينغا، حسب ورد في تقرير لموقع صوت أمريكا " voanews". نشر في مايو/أيار الماضي.

وبين هؤلاء المجندين قسراً يوجد صبية، وفقاً لمنظمة"هيومن رايتس ووتش" حيث يقوم جيش ميانمار بخطف رجال وصبية من جميع أنحاء ولاية راخين منذ فبراير/شباط 2024 في إطار حملة قسرية لـ"تجنيد الروهينغا".

كيف يتم تجنيد الروهينغا قسراً؟ خليط من الترهيب والترغيب

على الرغم من حرمان الروهينغا منذ فترة طويلة من الجنسية بموجب قانون الجنسية لعام 1982، فإن المجلس العسكري الحاكم في ميانمار يستخدم في حملته القسرية لـ"تجنيد الروهينغا" قانون التجنيد الذي ينطبق فقط على مواطني ميانمار.

ويتم تجنيد الروهينغا قسراً عبر اعتقالهم في مداهمات ليلية، وإكراههم بوعود كاذبة بالحصول على المواطنة، وتهديدهم بالاعتقال والاختطاف والضرب، وفقاً لما ورد في تقرير صوت أمريكا.

ويرسل جيش ميانمار الروهينغا إلى تدريبات قاسية لمدة أسبوعين، ثم ينشرهم في أماكن القتال. وقد أُرسل العديد منهم إلى الخطوط الأمامية في القتال المتصاعد بين المجلس العسكري وجماعة جيش أراكان المسلحة "جيش أراكان"، والذي اندلع في ولاية راخين في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وقُتل وجرح عدد منهم.

وقال اثنان من لجنة إدارة مخيم للروهينغا إنه عندما حاولوا رفض تجنيد الروهينغا، قامت سلطات المجلس العسكري بتقييد الحركة في المعسكرات وهددت بالاعتقالات الجماعية وخفض حصص الإعاشة. وقال أحد أعضاء اللجنة: "لم يكن لدينا خيار آخر".

تجنيد الروهينغا
أطفال لاجئون من الروهينغا يسيرون في مخيم كوتوبالانج للاجئين في كوكس بازار ببنغلاديش، في 26 يونيو/حزيران 2024- رويترز.

وقالت شاينا بوشنر، الباحثة في شؤون آسيا في منظمة هيومن رايتس ووتش: "من المروع أن نرى جيش ميانمار، الذي ارتكب فظائع ضد الروهينغا على مدى عقود بينما حرمهم من الجنسية، يجبرهم الآن على القتال نيابة عنه".

وطالبت المجلس العسكري بأن ينهي فوراً هذا التجنيد القسري، وأن يسمح للروهينغا الذين تم تجنيدهم بشكل غير قانوني بالعودة إلى ديارهم".

وثّقت هيومن رايتس ووتش 11 حالة تجنيد قسري، استنادا إلى مقابلات مع 25 من الروهينغا من بلدات سيتوي ومونغداو وبوثيدونغ وبوكتاو وكياوكتاو في ولاية راخين وفي بنغلادش.

في 10 فبراير/شباط، قام الجيش بتفعيل قانون الخدمة العسكرية الشعبية لعام 2010، مما يسمح بالتجنيد الإجباري للرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 35 عاما والنساء الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 27 عاما لمدة تصل إلى خمس سنوات خلال حالة الطوارئ الحالية. وجاء هذا الإعلان بعد أشهر من القتال المتزايد مع الجماعات العرقية المسلحة وقوات المقاومة.

وأعلن المجلس العسكري أن التجنيد الإجباري سيبدأ في أبريل/نيسان، بحصة شهرية قدرها 5,000 فرد، لكن السلطات في ولاية راخين بدأت في التجنيد القسري للروهينغا في أوائل فبراير/شباط، حسب هيومن رايست واتش.

أخذوا أطفالاً بعضهم يبلغ من العمر 15 عاماً

في أواخر فبراير/شباط، اختطف الجيش أكثر من 150 من الروهينغا في مداهمات على قرى في بلدة بوثيدونج، بحسب أشخاص تمت مقابلتهم، ونشطاء من الروهينغا، وتقارير إعلامية. 

وقال رجل من الروهينغا يبلغ من العمر 22 عاماً إن جنود كتيبة المشاة الخفيفة اختطفوه مع 30 شاباً وصبيا آخرين في 25 فبراير/شباط 2024 في بلدة بوثيدونج، حسبما ورد في تقرير هيومن رايتس وواتش.

وأضاف: "أصغر طفل أخذ معنا كان يبلغ من العمر 15 عاماً". "كان بيننا ثلاثة مجندين تحت سن 18 عاما. بعد أن تم القبض علينا ونقلنا إلى الكتيبة العسكرية، شاهدنا قائمة الروهينجا الذين سيتم تجنيدهم. تم تضمين جميع شباب الروهينجا في المنطقة.

630 ألفاً من الروهينغا مازالوا يعيشون في ميانمار في معسكرات احتجاز عنصرية

المفارقة الغريبة هي أن الروهينغا في ميانمار تحرمهم السلطات حتى الآن من حصولهم على الجنسية، كما يخضعون لمجموعة من القيود التمييزية مثل حظر السفر خارج مناطقهم.

ففي عام 2012، طُرد عشرات الآلاف من الروهينغا من مناطق مختلطة في ولاية راخين، وأُجبروا على العيش في مخيمات رديئة، وبعد خمس سنوات، أي في أغسطس/آب 2017، فر 700 ألف شخص إلى بنغلاديش المجاورة، بعد أن شن الجيش عمليات تطهير وحشية استهدفتهم، ما أسفر عن مقتل الآلاف واغتصاب النساء وإحراق القرى التي يعيشون فيها، ولا يزال نحو 600 ألف شخص منهم يعيشون في بنغلاديش.

وتواجه ميانمار حالياً دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بتهمة "الإبادة الجماعية" بسبب اضطهادها للروهينغا.

ولا يزال هناك ما يقدر بنحو 630 ألفاً من الروهينغا في ولاية راخين تحت نظام الفصل العنصري والاضطهاد، بما في ذلك حوالي 150 ألفاً محتجزين في معسكرات الاعتقال في الهواء الطلق، حسب هيومان رايتس وواتش.

ويبدو أن هؤلاء هم الهدف الرئيسي من حملة تجنيد الروهينغا قسراً.

ومنذ الانقلاب العسكري في فبراير/شباط 2021، فرض المجلس العسكري قيوداً صارمة على حركة الروهينغا وحظر المساعدات، مما زاد من تعرضهم للتجنيد القسري.

في مساء أحد أيام فبراير/شباط، قامت مجموعة من جنود حكومة المجلس العسكري في ميانمار باعتقال جان محمد، الذي لا يستخدم اسمه الحقيقي، من بلدة مونغداو في ميانمار. عندما أخذوا الرجل الروهينغي البالغ من العمر 24 عاماً إلى مجمع عسكري قريب، كان يعلم أنه تم تجنيده قسراً من قبل جيش ميانمار، حسب تقرير صوت أمريكا " voanews".

وقال جان محمد: "لم يقولوا [جنود المجلس العسكري في ميانمار] الكثير. قالوا فقط: تعال معنا. وكانوا يوجهون البندقية نحوي مباشرة. شعرت بالخوف عندما رأيت البندقية موجهة نحوي".

جاء ذلك في مقابلة لجان محمد مع جماعة فورتيفاي رايتس الحقوقية بعد هروبه من معسكر التدريب العسكري التابع للمجلس العسكري.

وكان يتحدث من بنغلاديش، حيث قال إنه فر بعد 10 أيام من بدء التدريب العسكري القسري.

وقال جان محمد: لم أكن أريد أن أصبح جندياً. إنهم جيش ميانمار الذي يضطهدنا. … فلماذا يجب علي أن أدعمهم فجأة؟"

وأكد عدد من الروهينغا لـ"بي بي سي"، أن ضباط الجيش يتجولون في المخيمات ويأمرون الشباب بالانضمام لتدريبات عسكرية.

وقال محمد، رجل من الروهينغا يبلغ من العمر 31 عاما وأب لثلاثة أطفال لـ"بي بي سي": "كنت خائفاً، لكن كان لابد أن أذهب".

ويتعرض جيش ميانمار لهجوم من قبل تحالف متمرد يسمى تحالف الأخوة الثلاث.

وتسلط قضية تجنيد الجيش لمسلمي الروهينغا قسراً، بعد استهدافهم في السابق، الضوء على حالة يأس واضحة في صفوف المجلس العسكري الحاكم في ميانمار، بعد خسارته مؤخراً مساحات شاسعة من الأراضي في راخين أمام جماعة متمردة عرقية تسمى جيش أراكان، وكان العشرات من الروهينغا قد سقطوا قتلى في راخين جراء القصف المدفعي والجوي العسكري.

تجنيد الروهينغا
عسكريون يشاركون في عرض في يوم القوات المسلحة في نايبيداو بميانمار في 27 مارس/آذار 2021- رويترز

كما تكبد جيش ميانمار خسائر فادحة أمام قوات المعارضة في مناطق أخرى من البلاد، وقُتل أو جُرح عدد كبير من الجنود أو استسلموا أو انشقوا وانضموا للمعارضة، وهو ما جعل من الصعب العثور على بدائل لهم، فقليلون هم من يريدون المخاطرة بحياتهم لدعم نظام لا يحظى بشعبية.

ويخشى الروهينغا أن يكون هذا سبب استهدافهم مرة أخرى، وأن يكونوا وقودا للمدافع في حرب يبدو أن المجلس العسكري يخسرها.

وقال محمد إنه جُنّد في كتيبة المشاة الخفيفة رقم 270 في سيتوي، بعد أن مُنع الروهينغا من العيش في المدينة منذ طردهم خلال أعمال العنف الطائفي عام 2012.

هكذا تم الزج بهم في معارك خطرة

وفي مقطع فيديو شاهدته بي بي سي، يمكن رؤية مجموعة أخرى من مجندي الروهينغا وهم يتعلمون كيفية استخدام بنادق "بي إيه 63″، وهو سلاح تقليدي قديم تستخدمه القوات المسلحة الميانمارية.

وحصل محمد على تدريب لمدة أسبوعين، وسُمح له بالذهاب إلى منزله، ولكن بعد يومين فقط، استدعاه الجيش ووضعه على متن قارب يضم 250 جندياً آخرين، ونُقلوا في رحلة استغرقت خمس ساعات عبر النهر إلى راثيداونغ، التي كانت تشهد معركة شرسة مع جيش أراكان بغية السيطرة على ثلاث قواعد عسكرية على قمة التلال.

وقال محمد: "لم يكن لدي أي فكرة عن سبب خوضي تلك المعركة، وعندما طلبوا مني إطلاق النار على قرية في راخين، أطلقت النار".

حارب محمد هناك لمدة 11 يوماً، وكانوا يعانون من شُح الطعام، بعد أن سقطت قذيفة على مستودع إمدادات خاص بهم، وشاهد العديد من مجندي الروهينغا يسقطون قتلى تحت وطأة قذائف المدفعية، كما أصيب بشظايا في ساقيه، ونُقل على إثر إصابته إلى سيتوي لتلقي العلاج.

وفي 20 مارس/آذار 2024، نشر جيش أراكان المتمرد ضد المجلس العسكري صوراً من المعركة، بعد أن سيطر على القواعد العسكرية الثلاث، وأظهرت الصور العديد من الجثث، أمكن التعرف على ثلاث منها على الأقل وهم من مجندي الروهينغا.

وعدوهم بمنح الجنسية ثم تراجعوا

وينفي جيش ميانمار استخدام الروهينغا في خوض معاركه مع جيش أراكان، وقال الجنرال زاو مين تون، المتحدث باسم المجلس العسكري، لـ"بي بي سي" إنه لا توجد خطة لإرسالهم إلى خط المواجهة.

وأضاف: "نريد ضمان سلامتهم، لذا طلبنا منهم المساعدة في الدفاع عن أنفسهم".

بيد أن سبعة من الروهينغا في خمسة مخيمات مختلفة للنازحين بالقرب من سيتوي قالوا لبي بي سي، إنهم يعرفون نحو 100 من الروهينغا جندهم المجلس العسكري خلال العام الجاري وأرسلهم للقتال.

وأضافوا أن فرقاً من الجنود ومسؤولي الحكومة المحلية جاءوا إلى المخيمات في فبراير/شباط الماضي للإعلان عن تجنيد الشباب، وأخبروا الناس في البداية أنهم سيحصلون على طعام وأجور وجنسية إذا انضموا إلى صفوفهم، وكل ذلك كان على سبيل الإغراء.

وفي اجتماعات عُقدت في معسكرات في سيتوي وكياوكبيو، وعد مسؤولو المجلس العسكري بإصدار بطاقات جنسية وردية اللون لجميع المجندين قسراً، وهي بطاقات مخصصة للمواطنين "الكاملين". وقال عضو لجنة إدارة المخيم في مخيم ثيت كاي بين: "في الاجتماعات، التقط الضباط بطاقات جنسيتهم وقالوا للناس: سنمنحكم هذا النوع من بطاقات الهوية إذا انضممت إلى الخدمة العسكرية". "وصدقهم الناس". ووعدت السلطات أيضًا بتقديم 4,800 كيات (2.30 دولارًا أمريكيًا) يوميًا وكيسين من الأرز.

وتعد قضية الحرمان من الجنسية جوهر كفاح الروهينغا الطويل من أجل العيش في ميانمار، وأحد أسباب معاناتهم من التمييز الممنهج، وهو ما تصفه منظمات حقوق الإنسان بأنه أشبه بالفصل العنصري.

وعلى الرغم من ذلك، عندما عاد مسؤولوا جيش ميانمار لاستلام المجندين الروهينغا من المعسكرات، تراجع المسؤولون عن عرض منح الجنسية، حسب "بي بي سي"

وعندما سألوا الجنود عن عرض منحهم الجنسية، كان الجواب "فهمتم خطأ".

وعندما سألهم سكان المخيم عن سبب إخضاعهم للتجنيد الإلزامي، باعتبارهم غير مواطنين، قيل لهم إن من واجبهم الدفاع عن المكان الذي يعيشون فيه، وقيل لهم أيضًا إنهم سيكونون من رجال الميليشيات، وليسوا جنوداً. 

وفي مخيمات، تم إرسال حوالي 300 من الروهينغا، إلى تدريب عسكري لمدة أسبوعين في أواخر فبراير/شباط الماضي.

وعند الانتهاء، أعطى جيش ميانمار المجندين القسريين 50 ألف كيات (24 دولاراً) ولكن بدون بطاقات الجنسية. وقال أحد أعضاء لجنة إدارة المخيم: "عندما نكث المجلس العسكري بوعده بإصدار بطاقات الجنسية لأول 300 مجند من الروهينغا، توقف الناس عن تصديقهم وبدأوا في تجنب حملات التجنيد".

تهديد بالموت إذا رفضوا التجنيد

وقال الروهينغا في مخيمات سيتوي إنه في الجولة الثانية من التجنيد القسري، تم أخذ بضع مئات من الروهينغا تحت تهديد السلاح في مداهمات.

كما هدد المسؤولون بضرب الروهينغا حتى الموت إذا رفضوا الانضمام أو بمعاقبة أسرهم إذا فروا.

وقد حاول العديد من شباب الروهينغا الهروب من ولاية راخين أو اختبأوا في الغابة هرباً من التجنيد القسري. وذكرت إذاعة آسيا الحرة أن السلطات اعتقلت وضربت نحو 40 من الروهينغا من مخيم كيوك تا لون عندما فر أفراد أسرهم.

 ويطالب جيش ميانمار الآن، وفقاً لأحد أعضاء لجنة المخيم، باستلام قوائم جديدة لمجندين محتملين، ويقال إنه بعد رؤية وسماع مجموعة المجندين الأولى التي عادت من المعارك، لم يكن أي شخص آخر على استعداد للمخاطرة بالتجنيد.

ويسعى قادة المخيم الآن إلى إقناع الفقراء من الرجال، وأولئك العاطلين عن العمل، بالرحيل، من خلال عرض دعم أسرهم أثناء غيابهم، ومن خلال التبرعات التي يجري جمعها من سكان المخيم الآخرين.

وقال ماثيو سميث، من منظمة "فورتيفاي رايتس" لحقوق الإنسان: "حملة التجنيد هذه غير قانونية وأقرب إلى العمل القسري".

وأضاف: "هذا استغلال وحشي وضار لما يحدث، الجيش يجنّد ضحايا الإبادة الجماعية للروهينغا في محاولة لدرء ثورة ديمقراطية على مستوى البلاد. هذا النظام ليس لديه أي اعتبار لحياة الإنسان. وهو الآن يضع هذه الانتهاكات على رأس أولوياته. إنه تاريخ طويل من الفظائع والإفلات من العقاب".

تجنيد الروهينجا قسراً يهدد بإشعال صراع طائفي بين المسلمين والبوذيين

ويهدد جيش ميانمار، من خلال تجنيد الروهينجا قسراً واستخدامهم في معاركه ضد جيش أراكان الذي يتقدم عسكرياً في ولاية راخين، بإعادة إشعال فتيل الصراع الطائفي مع السكان البوذيين في راخين، الذين يدعم معظمهم المتمردين.

وكان الاحتكاك بين الطائفتين هو الذي تسبب في عام 2012 في طرد عشرات الآلاف من الروهينجا من مدن مثل سيتوي، وفي عام 2017، انضم رجال من عرقية راخين إلى هجمات الجيش على الروهينجا.

ومنذ ذلك الوقت هدأت حدة التوتر بين الطائفتين.

ويقاتل جيش أراكان من أجل إقامة دولة تتمتع بالحكم الذاتي، كجزء من حملة أوسع بالتعاون مع جيوش عرقية أخرى وجماعات معارضة للإطاحة بالمجلس العسكري وإقامة نظام فيدرالي جديد في ميانمار (تحالف الإخوة الثلاثة).

 والآن، بعد أن أصبح على شفا النصر في ولاية راخين، تحدث جيش أراكان عن منح الجنسية لجميع الذين عاشوا هناك مؤخراً، في إشارة إلى أنه قد يقبل عودة سكان الروهينجا من بنغلاديش.

وقال خاينغ ثوخا، المتحدث باسم جيش أراكان، لـ"بي بي سي" إنهم يعتبرون تجنيد الروهينجا للقتال في صفوف المجلس العسكري "أسوأ خيانة لأولئك الذين وقعوا مؤخرا ضحايا للإبادة الجماعية، ولأولئك الذين يقاتلون من أجل التحرر من الديكتاتورية".

وكانت وسائل الإعلام الموالية لجيش ميانمار قد روجت لما يبدو أنه احتجاجات للروهينجا في بوثيدونغ ضد جيش أراكان، على الرغم من أن السكان المحليين قالوا لـ"بي بي سي" إنهم يشتبهون في أن الجيش نظم تلك المظاهرات في محاولة لتقسيم المجموعتين.

ويؤدي تجنيد الروهينجا ضمن جيش لا يعترف بحقهم في العيش في ميانمار،  إلى تنفير المتمردين الذين قد يسيطرون قريبا على معظم ولاية راخين، لذا فإن الروهينجا حالياً عالقون بين الجانبين.

وهناك أدلة على مسؤولية جيش أراكان عن هجمات الحرق الجماعي على منازل الروهينجا في بلدة بوثيدونغ في غرب ميانمار ــ حيث أكدت صور الأقمار الصناعية أن أكثر من 400 منزل قد أحرقت بالكامل ــ الأمر الذي يشكل تحدياً خطيراً للمعارضة المناهضة للمجلس العسكري، حسبما ورد في تقرير لموقع راديو آسيا الحرة "RFA".

ويقول التقرير إن جيش ميانمار يعتمد على جماعات روهينجا متطرفة، مثل منظمة تضامن الروهينجا (RSO) وجيش تضامن روهينجا أراكان (ARSA) التي تعمل في مخيمات اللاجئين في بنغلاديش لتجنيد المقاتلين.

وتحاول هذه المنظمات تصوير نفسها كمدافعين عن مجتمع الروهينجا، بينما يقوم جيش أراكان بتصفية حساباته القديمة مع الروهينجا. وإذا واصل جيش أراكان مثل هذه الهجمات، فإنه يجعل التحالف بين جيش ميانمار وجماعات الروهينجا المتطرفة، بما في ذلك جيش أراكان، ومنظمة RSO، أمراً لا مفر منه، حسب تقرير راديو آسيا الحرة.

 مع المكاسب العسكرية التي حققها منذ أن أطلق تحالف الإخوان الثلاثة هجومه ضد جيش ميانمار  في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصبح جيش أراكان أكثر تعنتاً بكثير. وقد أشارت قيادة الجيش إلى ناخبيها بهذا التغيير، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو ببساطة من خلال إعطاء الضوء الأخضر للهجمات التي تشنها الوحدات المحلية.

تجنيد الروهينغا
رجل مسلم من الروهينغا فر إلى بنغلاديش يظهر جراحه، بعد إصابته في هجوم بطائرة مسيرة في 19 يونيو/حزيران مع اندلاع القتال في ولاية راخين بين جيش أراكان والمجلس العسكري الحاكم-رويترز

إن انتشار جيش ميانمار في جنوب راخين ضئيل، وهذا يعني أن سيطرة جيش أراكان على الولاية بأكملها ليست بالأمر المستبعد.

وجيش راخين هم الجيش العرقي الوحيد  في تحالف المعارضة الذي يداعبه حلم الاستقلال، وتظهر ميول قادته الاستبدادية أنهم معادون للديمقراطية ولأي نظام سياسي قد يجبرهم على تقاسم السلطة.

وأصدرت رابطة أراكان المتحدة، الذراع السياسي للتحالف، بياناً في 20 مايو/أيار نفى فيه أي مسؤولية عن إحراق قرية الروهينجا، وألقى اللوم على الجيش فقط. 

وكانت تصريحاتها منذ ذلك الحين رافضة إلى حد كبير، واستمرت في إنكار الهجمات، في حين انتقدت تقارير وسائل الإعلام عن الضحايا المدنيين.

لكن الأدلة على دورهم في الانتهاكات تتزايد، مما يؤكد حقيقة أن جيش أراكان لا يحب سكان الروهينجا، ولا يريد أن يرى إعادة توطين على نطاق واسع من بنغلاديش. وتستفيد سياسة جيش أراكان من التحيز البوذي في راخين ضد المجتمع المسلم.

محمد (الأب لثلاثة أطفال) حصل على شهادة من جيش ميانمار تفيد بأنه قاتل في المعركة إلى جانب المجلس العسكري، ولا يعلم ما قيمتها، ولا إذا كانت تعفيه من الخدمة العسكرية الإضافية، كما قد يتسبب ذلك في وقوعه في مشكلة مع جيش أراكان إذا واصل تقدمه نحو سيتوي ومخيمه.

ولا يزال يتعافى محمد من إصاباته، ويقول إنه لا يستطيع النوم ليلاً بعد تجربته.

ويضيف: "أخشى أن يتصلوا بي مرة أخرى، رجعت هذه المرة لأنني كنت محظوظاً، ولكن في المرة القادمة لست متأكداً ما الذي سيحدث".

تحميل المزيد