أعلنت زعيمة حزب "التجمع الوطني الفرنسي" اليميني المتطرف٬ مارين لوبان٬ أن "معسكر ماكرون تم محوه عمليا"، وذلك تعليقا على تصدر حزبها بفارق كبير في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية المبكرة يوم الأحد 30 يونيو/حزيران 2024، في فرنسا.
وقالت لوبان التي انتخبت نائبة عن دائرتها في شمال البلاد إن الفرنسيين أظهروا "إرادتهم لطي صفحة سبعة أعوام من حكم الازدراء والتآكل للرئيس ايمانويل ماكرون"، داعية الفرنسيين إلى منح حزبها، التجمع الوطني، "الغالبية المطلقة" في الجولة الثانية من الانتخابات.
وبعد نصف قرن على تأسيس حزب "الجبهة الوطنية" على يد الزعيم اليميني جان ماري لوبان، وغيرت اسمه ابنته مارين إلى حزب "التجمّع الوطني" عام 2018، استطاع أن يحقق تفوقاً لافتاً وأن يحصد لأول مرة 34٪ من أصوات الفرنسيين، متفوقاً على تحالف اليسار الذي حلّ ثانياً 28٪ وعلى الرئيس ماكرون وحزبه "النهضة" 20٪ الذي حلّ ثالثاً وخرج من سباق الدورة الثانية.
فمن هي مارين لوبان ابن العائلة اليمينية المتطرفة وذات الأفكار "الفاشية"٬ التي قد تفتح صفحة جديدة في تاريخ فرنسا وتنهي حقبة الأحزاب الليبرالية؟
من هي مارين لوبان؟
هي ماريون آن بيرين لوبان (واسم شهرتها مارين)٬ سياسية فرنسية وبرلمانية أوروبية عن فرنسا٬ من مواليد الخامس من أغسطس/آب 1968 في مدينة "نويي سور سين" غرب العاصمة الفرنسية باريس، ووالدها هو جون ماري لوبان مؤسس حزب التجمع الوطني الفرنسي اليميني المتطرف عام 1972، وهو جندي مظلي سابق في حرب الجزائر. وابنة أختها ماريون ماريشال لوبان، كانت عضوا في البرلمان في الفترة بين (2012-2017).
مارست مارين لوبان مهنة المحاماة بين 1992 و1998. وانتُخبت عضواً في البرلمان الأوروبي في سنة 2004 وأعيد انتخابها في سنة 2009، تترأس حزب الجبهة الوطنية منذ 16 يناير 2011.
أصبحت مارين لوبان منذ 2016 مرشحة عن حزبها واليمين المتطرف للانتخابات الرئاسية 2017، وقد حققت أفضل نتيجة في تاريخ اليمين المتطرف بتأهلها للدورة الثانية من الانتخابات بمجيئها في المرحلة الثانية بعد إيمانويل ماكرون الذي احتل المرتبة الأولى بفارق صغير عنها. لكنها خسرت الانتخابات في الدورة الثانية بفوز إيمانويل ماكرون بنسبة 66.06٪.
الطفولة المريرة والأفكار والمعتقدات الفاشية لعائلة مارين لوبان
تنتسب مارين لوبان إلى الروم الكاثوليك٬ وقد تزوجت وطُلّقت مرتين، وزوجها الأول "فرانك جوفرا" صاحب شركة خدمات، أما زوجها الثاني "لويس لوريو" فعمل سكرتيرا وطنيا للحزب ذاته في الانتخابات ومستشاراً جهوياً.
وبحسب وسائل إعلام فرنسية فهي الآن في علاقة مع السياسي اليهودي لويس أليوت منذ عام 2009، الذي هو من عرقية "الأقدام السوداء" في الجزائر. حيث كان أليوت الأمين العام للجبهة الوطنية في الفترة من 2005 إلى 2010، ثم نائب الرئيس الوطني للحزب.
تبنت لوبان أفكاراً فاشية منذ بداياتها٬ حيث عملت بعد تخرجها في الفترة بين 1992 و1998 في مكتب محاماة تابع لأحد أعضاء حزب "غيد" الفاشي الذي نشط في الدفاع عن أعضائه والنشطاء اليمينيين، وعينت لاحقاً مسؤولة عن الشؤون القانونية لهذا الحزب.
بحسب تقرير لوكالة NPR عاشت لوبان طفولة مضطربة أثرت لاحقاً على نظرتها للعالم٬ فقد كان والداها يعيشان حياة بوهيمية، حيث كانا يستمتعان بالترفيه طوال الوقت، وكانا يذهبان في بعض الأحيان في رحلة بحرية لعدة أسابيع، ويتركان لوبان وأختها مع مربية. وتقول الكاتبة سيسيل ألدوي، التي ألفت كتاباً عن لوبان٬ أنه عندما بلغت مارين الخامسة عشرة من عمرها، تركتها والدتها بشكل مفاجئ. وتضيف الكاتبة: "عادت مارين من المدرسة وقد اختفت كل ملابس والدتها، لقد سافرت مع رجل آخر. وكانت مارين في حالة يأس شديد٬ لقد توقفت عن الأكل. ولم تتمكن من رؤية والدتها مرة أخرى لمدة 15 عاماً. وبعد ذلك خاض والداها طلاقاً مريراً للغاية".
تقول ألدوي إن الصدمة الأخرى كانت لمارين هي نشأتها مع اسم لوبان٬ العائلة اليمينية الأكثر تطرفاً بفرنسا: "كان لقبها يشكل عبئاً دائماً لها٫ فكونها ابنة جان ماري لوبان زعيم الجبهة الوطنية دفعها من ناحية إلى تمجيد والدها، الذي تعرض لانتقادات شديدة٬ ولكنها عانت أيضاً٬ حيث تعرضت للنبذ من قبل زملائها في الدراسة، ولم تدعها أي عائلات أخرى إلى منازلها". وتقول ألدوي إن ذلك تسبب في تطوير لوبان لنوع من عقلية التعصب للعائلة والهوية والحزب.
عينت مارين لوبان يوم 16 يناير/كانون الثاني 2011 رئيسة لحزب التجمع الوطني بدعم من والدها رغم معارضة رفاقه، وفي العام التالي أصبحت مرشحة مرتقبة للانتخابات الرئاسية، فبدأت في محاولة تغيير الصورة السيئة التي ارتسمت عن الحزب الذي أسسه والدها.
واتخذت من أجل ذلك عدة قرارات أهمها منع مجموعات "حليقي الرؤوس" الفاشيين المتطرفين من المشاركة في فعاليات الحزب، واستبعاد عدد من القيادات بسبب تصنيف تصريحاتهم بأنها معادية للسامية أو متعاطفة مع النازية.
ورغم ذلك أبقت بالقرب منها عددا من القيادات العنصرية منهم "تيري مايار" و"فريديريك شاتيون"، الرئيس السابق لمجموعة الاتحاد للدفاع، وهي إحدى أخطر المجموعات الفاشية في فرنسا، ومؤسِّس موقع "آنفو سيري".
ويوصف حزب لوبان في فرنسا بأنه الوريث السياسي لنظام فيشي العميل لألمانيا النازية، والذي سمح لهتلر بأن يحكم باريس وأن يسخر بعض الفرنسيين في معسكرات اعتقال النازية. ونظام فيشي أو حكومة فيشي هو الاسم الذي أُطلق على الدولة الفرنسية التي نشأت بعد هزيمة فرنسا في الحرب العالمية أمام جيوش ألمانيا النازية، وأخذت هذا الاسم من مدينة فيشي التي كانت مقراً للحكومة بينما خضعت باريس للاحتلال الفرنسي.
ويستغل المعارضون السياسيون لـ"حزب التجمع الوطني الفرنسي" الذي تقوده مارين لوبان تاريخ الحزب اليميني المتطرف٬ فحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، يقول معارضون لحزب لوبان٬ بأن والدها جان ماري لوبان، عندما شارك في تأسيس الحزب عام 1972، ضمت صفوفه أعضاءً سابقين في وحدة عسكرية تابعة لـWaffen SS تحت القيادة النازية خلال فترة حكم النازيين لفرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية. إذ كان بيير بوسكيت، العضو السابق في فرقة Waffen SS Charlemagne، أمين صندوق الحزب في السنوات التسع الأولى.
وتقول سارة ليغرين، من حزب فرنسا الأبية اليساري، للتلفزيون الفرنسي إن حزب التجمع كان "بالطبع" وريثاً لحكومة فيشي. كما وصفت فاليري هاير، التي قادت الوسطيين في الانتخابات الأوروبية الماضية، إن حزب لوبان بأنه "الورثة السياسيون" لعصر فيشي.
من جهته٬ يقول لويس أليوت، أحد كبار مسؤولي حزب التجمع الوطني الفرنسي والذي على علاقة مع مارين لوبان: "نحن لسنا ورثة فيشي، على عكس ما يقوله الجميع…". وقال: "ميتران هو وريث فيشي، وليس نحن"، في إشارة إلى الرئيس الاشتراكي السابق الذي أصبح عمله السابق لصالح نظام فيشي علنياً في التسعينيات.
سيطرتها على الحزب بعد إخراج والدها منه
تولت مارين لوبان، الابنة الصغرى لجان ماري لوبان، قيادة الحزب المناهض للهجرة في عام 2011. وقادت جهود الاتصالات لمحاولة تطبيع الحزب وتجميل صورته والتبرؤ من معاداة السامية وصور الماضي المبتذلة، سعياً إلى تعزيز موقعه، كقوة حاكمة محتملة، بدلاً من اعتماد الحزب على التصويت الاحتجاجي.
وفي عام 2015، بعد أن كرر والدها تعليقاته حول كون غرف الغاز النازية تفصيلة من التاريخ، وأن "الاحتلال الألماني لفرنسا لم يكن بالبشاعة التي يتصورها الناس"٬ استبعدته مارين لوبان من الحزب، قائلة إنه "ينتحر سياسياً".
واعتبر جان ماري لوبان أن ابنته دبرت مؤامرة ضده، ولجأ إلى القضاء، فألغت المحكمة قرار تغيير قوانين الحزب والانتخابات. ولكن المكتب التنفيذي أعلن فصل جان ماري لوبان من الحزب نهائياً يوم 20 أغسطس/ آب 2015 لتنفرد ابنته بزعامة "الجبهة الوطنية".
وفي عام 2018، غيرت اسم الحزب إلى التجمع الوطني. ومؤخراً رفع الحزب دعوى أمام أعلى محكمة إدارية في فرنسا، مجلس الدولة، زاعماً أنه لا ينبغي لوزارة الداخلية أن تصنفه بعد الآن يمينياً متطرفاً، ولكن قضيته رُفضت وصنفت فرنسا الحزب رسمياً على أنه يميني متطرف.
وقد حافظت مارين لوبان على العقيدة الأساسية للحزب، والتي كانت تُعرف في عهد والدها باسم "فرنسا للفرنسيين"، أو "التفضيل الوطني"، والتي أعادت تسميتها بـ"الأولوية الوطنية". ويعني ذلك أن المواطنين الفرنسيين سيحصلون على الأولوية على غير المواطنين في الوظائف ومساعدات الرعاية الاجتماعية والإسكان، وهي سياسة "وضع أنفسنا قبل الآخرين".
ويسعى حزب التجمع الوطني الفرنسي أيضاً إلى تشديد القواعد المتعلقة بالجنسية الفرنسية وإلغاء حق الأطفال المولودين لأبوين أجنبيين على الأراضي الفرنسية، والذين نشأوا وتعلموا في فرنسا، في المطالبة لاحقاً بالجنسية الفرنسية. وقد حافظت لوبان على موقفها المتشدد منذ فترة طويلة بشأن القانون والنظام، بحجة أن الجريمة مرتبطة بالهجرة.
وعلى الرغم من إسقاط الدعوات المطالبة بعودة عقوبة الإعدام، فإن مارين لوبان، التي فازت بأصوات 51% من أفراد الشرطة والجيش في السباق الرئاسي لعام 2022، تريد تقديم افتراض دائم للدفاع المشروع" عن ضباط الشرطة الذين يطلقون النار.
معاداة مارين لوبان للمهاجرين والإسلام والحجاب
اشتهرت مارين لوبان، بموقفها المعادي للمهاجرين ودعوتها إلى الترحيل الفوري لمن يقيمون في فرنسا بصفة غير قانونية، وإمهال الأجانب الذين لا يجدون عملاً ثلاثة أشهر لإيجاد وظيفة أو الرحيل. وتطرح لوبان فكرة "الأولوية الوطنية" والتي مفادها أن يكون لمن يحملون الجنسية الفرنسية الأولوية على غيرهم في السكن والمساعدات الاجتماعية والعمل (إذا كانت الكفاءة متساوية).
تُتهم مارين لوبان في فرنسا بالعنصرية وكراهية الأجانب، ولكنها تنفي ذلك، وتقول إنها تناضل ضد الهجرة وليس ضد المهاجرين كأشخاص، وإنها دافعت عنهم أمام المحاكم، عندما كانت محامية.
كما تعترض لوبان على سياسة التبادل الحر في الاقتصاد، وترى أنها تفرض على فرنسا تنافساً مجحفاً مع الدول النامية، ولذلك تقترح نوعاً من الحماية المعقولة للاقتصاد الوطني، لا تصل إلى الانغلاق تماماً. كما تدعو إلى خروج تدريجي من منطقة اليورو والعودة إلى الفرنك الفرنسي.
وتعد مارين لوبان، إذا وصل حزبها إلى سدة الحكم، بتجميد جميع مشاريع بناء المساجد في فرنسا إلى غاية التحقق من مصادر تمويلها، وتوسيع قانون منع ارتداء الرموز الدينية في المدارس ليشمل الأماكن العامة، ولا تَعِد بمنع النقاب أو البرقع فحسب، بل والحجاب أيضاً.
وتدعو مارين لوبان كذلك إلى منع ذبح الحيوانات وفق الشريعة الإسلامية، وبيع اللحم أو تقديمه في المطاعم على أنه "حلال"، أو وفق الديانة اليهودية. وقبل ثلاثة أيام من الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2022، أعلنت لوبان رغبتها في فرض غرامة مالية لمعاقبة وحظر ارتداء الحجاب، خلال مقابلة على قناة تلفزيونية.
واعتمدت لوبان في تصريحاتها الأخيرة على مبدأ "محاربة أيديولوجية استبدادية تسمى الإسلاموية" لتؤكد أنه، في حال تم انتخابها، سيتم فرض غرامة مالية على المحجبات في الشارع، معتبرة أن الشرطة الفرنسية "بارعة جداً في تطبيق ذلك".
وكانت لوبان قد قدمت في يناير/ كانون الثاني عام 2021، مشروعها لمحاربة "الأيديولوجيات الإسلامية" التي تعتبر "شمولية" وأصبحت في نظرها "في كل مكان"، والتي تنوي إبعادها عن جميع مجالات المجتمع، بدءاً من الحجاب.