نجل الزنداني يتحدث عن علاقة والده بعلي صالح وتأييده ثورة 11 فبراير.. هل تعرّض للتهميش من “الإصلاح” قبل وفاته؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/06/29 الساعة 13:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/06/29 الساعة 13:40 بتوقيت غرينتش
مقابلة عبد الله الزنداني تركز على الحديث عن والده الراحل/ وكالة يمن برس

تحدث نجل الشيخ الراحل عبد المجيد الزنداني، في مقابلة مع "عربي بوست"، عن والده، الذي توفي قبل أشهر قليلة في 22 أبريل/نيسان 2024، كاشفاً تفاصيل عن حياته، وعلاقته بالرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، والتحالف العربي بقيادة السعودية.

وتناول كذلك الدكتور عبد الله الزنداني مشاركة والده في تأسيس حزب الإصلاح في اليمن، وتأسيسه جامعة الإيمان، وأبرز المراحل التي عاشها، سياسياً وداعيةً وقيادياً إسلامياً.

إلى نص مقابلة عبد الله الزنداني: 

* أي علاقة كانت بين الشيخ الزنداني والرئيس السابق علي عبدالله صالح، لا سيما أنها كانت توصف بأنها استمرت بين مد وجزر، وأحياناً عدم الوفاق بينهما؟

الوالد، في علاقته مع الآخرين، كان يحكّم أولاً شرع الله وما يفرضه عليه، وثم المصالح والأعراف الاجتماعية التي تحكم كل منطقة على حدة. 

كانت علاقته بصالح علاقة الرئيس بالمرؤوس، ولكن كان لا يتوانى عن نصحه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإرسال الرسائل له بشكل مباشر. 

وكان يحرص على التواصل واللقاء المباشر بالرئيس صالح عند حدوث أي أمر، ويقدم له النصح مباشرة.

في كثير من الأوقات كان عندما يذهب الشيخ الزنداني إلى صالح، كان يجده متفاعلاً وغير راضٍ بذلك الأمر الذي قدم إليه الشيخ من أجله. لكن بعض الظروف السياسية هي التي كانت تجبر صالح على هذا. ومع ذلك، كانا في تعاون على إيجاد حلول حقيقية لكثير من الأمور.

* هل كان هذا التعامل من الزنداني مع صالح سائداً في كل الأمور الشائكة، إن صح التعبير؟

في مرة من المرات، سألت الوالد عن قضايا كانت عاصفة، وتعتريها بعض التصرفات الخاطئة، عن كيف يتحمل هذه التصرفات، ولماذا عندما يذهب إلى الرئيس صالح كان يتعامل معه بلين، بدلاً من أن يقف بقوة، لا سيما أن أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر؟

لكنه قال لي: صحيح يا ولدي، كلمة الحق عند السلطان الجائر كيف تقولها؟ وهنا المعيار.

فضرب لي مثلاً بفرعون الذي ادعى الألوهية، وقال أنا ربكم الأعلى، وقال انظر كيف أن الله عندما أرسل نبيه إليه وقال له: "فقولا له قولاً ليناً، لعله يتذكّر أو يخشى"، فهذا خطاب الله مع نبيه لمن ادعى الألوهية، فما بالك برئيس مسلم موحد فيه صلاح ونخوة وغيرة، تعصف به القضايا السياسية المختلفة، يقف أمامها من يقف ويضعف أمامها من يضعف.

وختم لي حينها بالقول: "نحن هدفنا المشورة والقول اللين"، وهذه كانت العلاقة بينه وبين الرئيس السابق صالح.

* كثيراً ما تردد الحديث عن تعرض الشيخ الزنداني للتهميش في السنوات الأخيرة قبل اندلاع ثورة 11 فبراير، من قبل حزب الإصلاح، إذ أزيح عن رئاسة مجلس شورى الحزب، ضمن توجهات التيار الجديد، بإبعاد التيار المحافظ الذي كان يمثله والدكم، وتقليم حضوره داخلياً، فهل كان ذلك صحيحاً؟

غير صحيح، لأن الوالد كان يحظى بقبول واسع لدى جميع شرائح حزب الإصلاح، سواء ما يسمى التيار الجديد أو القديم. فهو يعتبر بالنسبة لهم، مرجعية ومعلماً وشيخاً.

وإن كان هناك اختلاف في وجهات النظر، إلا أنها تبقى في دائرة فيما بينهم، فمرة يختلفون، وأخرى يتفقون.

وقد اختلفوا في مرة من المرات حتى انقسموا إلى قسمين. وهنا، قام الشيخ الوالد وأعلن "تنازله عن رأيه، ولو أنه الرأي الراجح والصواب".

ولكن أن تبقى وحدتنا، وأن نجتمع على الرأي المرجوح، خير من أن نختلف على الرأي الراجح.

أما فيما يخص رئاسة مجلس الشورى، ففي الحزب نظام داخلي بأن رئيس الشورى في الحزب ينتخب دورتين، ولا يحق له أن يرشح نفسه للمرة الثالثة.

وكان الشيخ الزنداني قد رأس شورى الحزب لمرتين حينها، وقد أخبروه بأنه من الممكن استثناؤه من النظام الداخلي، لكي يترأس مجلس شورى الإصلاح لدورة ثالثة، بحكم أنه من مؤسسي الحزب، لكنه رفض، وقال إنه يجب عدم مخالفة المبادئ التي تم الاتفاق عليها.

* هل نظر الزنداني إلى أنه أخطأ في تأييده لثورة 11 فبراير، وذلك إذا نظرنا إلى المكاسب التي حققها في عهد صالح، وكذلك التبعات التي أعقبت الثورة بسنوات؟

ليس هناك شيء اسمه أخطأ أو لم يخطئ. فمن المعروف أن ثورات الربيع العربي قامت تلقائياً من الشعوب بعد اندلاعها في تونس.

بعدها قام العلماء والغيورون على بلادهم باحتضان الثوار، خوفاً من خروج المظاهرات نحو المواجهة المسلحة مع النظام. وهذا كان هدفهم وقرارهم، وفعلاً استطاعوا أن يحموها من المواجهة المسلحة، وهذا ما حدث في اليمن وبلدان أخرى.

ورغم أن هناك أطرافاً كانت تسعى لدفع الثورة في اليمن نحو المواجهة المسلحة، إلا أنهم استطاعوا السير بها نحو التغيير السلمي، مثلما حدث في تونس ومصر من تغيير سلمي.

بحسب مقابلة عبد الله الزنداني فإن والده كان ناصحا مستمرا لعلي صالح
بحسب مقابلة عبد الله الزنداني فإن والده كان ناصحا مستمرا لعلي صالح

وتم انتخاب رئيس جمهورية جديد، وانتهت الثورة بالتغيير الذي نشده الثوار، ولكن، أين الخطأ الذي حصل إذن؟

الخطأ ليس في العلماء أو من الذين قاموا باحتضان الثورة، بل يكمن في "استجابة بعض القوى التي قامت الثورة ضدها أو التي قامت بالثورة نفسها، لآراء ومحفزات خارجية، للبحث عن مصالح كل قوة من تلك القوى.

إذ تم اللعب على تلك القوى من خلال إثارة مصالح خاصة بها، وتخويفها من كل طرف، ما أدى إلى حالة من التعصب والتعنت من كل طرف ضد الآخر، والذي انتهى بتحريض قوى بعينها ضد بعض القوى التي قامت بالثورة.

في الطرف المقابل، هناك القوى التي ضغطت على الحكومة اليمنية باستئصال بعض القوى والمؤسسات الإسلامية مثل "أسرة آل الأحمر" و"جامعة الإيمان" وقوى عسكرية متدينة يخشون منها؛ لأنها كانت تقف عقبة أمام تحقيق مآربهم في تمزيق البلاد وتقسيمها.

ولا شك أن استجابة القوى التي تم تكليفها ببعض المهام في تلك الفترة هي من أوصلت اليمن إلى هذا المآل.

وما بات معروفاً، أن ما جرى في اليمن، لم يكن له أي صلة بثورة 2011، فالثورة نجحت في تحقيق التغيير السلمي. لكن ما حدث هو ما بعد الثورة.

فما حدث في مصر أن الثورة انتهت بانتخابات واختيار الشعب من يمثله في الرئاسة، وبعدها، الجميع يعرف كيف تم القضاء على ثورة مصر وبأي وسيلة.

وأيضاً، تونس التي كنا نظنها ناجحة، تم الانقلاب عليها.

لذلك، فثورات الربيع العربي، ثورات مجيدة، وقامت سلمية، وبما يتوافق مع دساتير تلك البلدان. لكن الفاعل الخارجي للأسف، تمكن من تحويل مسارها مستغلاً ضعاف النفوس في هذه المجتمعات للانقلاب عليها، وهو الأمر الذي أوصل البلدان التي اندلعت فيها ثورات الربيع العربي إلى ما هي عليها الآن.

* خريف 2014، تمكن الحوثيون من السيطرة على جامعة الإيمان، كأحد أهدافه العسكرية على طريق اجتياحهم للعاصمة صنعاء، والسيطرة عليها، كيف كان شعور الشيخ الزنداني بهذا الحدث؟ وكيف فسّر هذا الاستهداف؟

الحقيقة أن الوالد كان يرى أن هناك قوى خارجية تحاول التأثير على قوى يمنية والجماعات المحلية من أجل إعادة تمزيق اليمن وتقسيمها، وهذا مخطط قديم من التسعينيات، وذكره الوالد منذ تلك الفترة.

وأفضل طريق لذلك هو الفوضى الخلاقة، لكن عندما تحرك الحوثيون في مناطق حوث وخمر ومناطق قبيلة حاشد في عمران (شمالي صنعاء) ما كان يتوقع أن تنطلي اللعبة على جميع القوى الأخرى، أو أن هناك قوى سياسية وقبلية رأوا أنه لا مجال إلا أن يدخل الحوثي إلى صنعاء. 

هذا كان غير متوقع لديه، فهو لم يكن مقتنعاً بما يجري في بادئ الأمر، وكان يظن أن هناك دولة وقيادة تم انتخابها، وستدافع عن العاصمة، وعن الجمهورية.

ولم يكن الشيخ الزنداني يستوعب تغلغل القوى الخارجية، وحجم تأثيرها على الداخل في اليمن، إما بطريقة شحذ الهمم للانتقام من القوى التي قامت بالثورة أو من قوى راديكالية تم تصويرها أنها ستحول دون إقامة دولة مدنية، وأنه لابد من إخراجها من المشهد.

هذه اللعبة أيضاً تمت على رئيس الجمهورية، بدليل أن الحوثي عندما دخل صنعاء لم يقاومه أحد، عدا جامعة الإيمان والفرقة الأولى مدرع.

الشيخ الراحل الزنداني لم يكن يتوقع أن يحدث هذا الاستسلام أو الاتفاق المسبق أو التنازل، لأنه يعلم أن الحوثيين ليسوا بالعدد الذي يمكنهم من إسقاط دولة، وفي ظل وجود جيش قوي من أقوى جيوش المنطقة.

* لماذا تفاجأ بما حدث؟

نعم، تفاجئ الوالد بأن معسكرات وقوات الجيش قد تم ترتيبها مسبقاً عن طريق بعض القيادات بقيامهم بانقلاب ناعم، ولذلك، فإن الحوثي لم يحتل صنعاء، ولكن من احتلها هي قوى موجودة داخل القوات المسلحة، خلعت ثوب الجمهورية، ولبست ثوب الحوثي، باتفاقات مسبقة وترتيبات أبرمت، وبإشراف أطراف خارجية.

كان يعد الشيخ الزنداني من أبرز القيادات الإسلامية في اليمن/ وكالة يمن برس
كان يعد الشيخ الزنداني من أبرز القيادات الإسلامية في اليمن/ وكالة يمن برس

* حدثنا عن المعارك في جامعة الإيمان مع الحوثيين؟

عندما رأى الشيخ الزنداني القوى الخارجية قد تغلغلت عند هؤلاء اتضحت له المسألة، ولذلك انسحب في اليوم الثالث من المعركة في جامعة الإيمان إلى مكان آمن.

وبقي حوالي 9 أشهر يبحث ويعمل على قدم وساق لإعادة جمع هذه القوى، ومحاولة ردم الفجوة التي أوصلت القوى إلى هذا الاقتتال والصراع.

عندما احتل الحوثيون والحرس الجمهوري، جامعة الإيمان، انحاز إلى الفرقة العسكرية المجاورة للجامعة، ولحظة الهجوم على الفرقة، تسرّب من بين صفوف الحوثيين الذين كانوا يطوّقون المكان، وتوجه بعد ذلك إلى بيت غير معروف للخصوم، وبقي فيها قرابة نصف شهر، إلى أن توجه إلى تعز، ولم تعترضه أي نقطة تفتيش على الرغم من كثرتها.


وصل الوالد إلى تعز، واختفى في عدد من البيوت، لعدة أشهر، حيث كان الرصاص الطائش من الأسلحة المتوسطة، خلالها، يصل بين الحين والآخر إلى منازل المواطنين.

وبعد ذلك، غادر الشيخ الزنداني نحو السعودية.

* لماذا قرر الزنداني الانتقال إلى السعودية بعد أشهر من إقامته في مدينة تعز؟ ولماذا المملكة؟

بعد إعلان عاصفة الحزم بفترة، رأى أن هناك تأخيراً، ولذلك انتقل من أجل أن يحث الحكومة اليمنية والأخوة في التحالف بسرعة الحسم في المعركة ضد الحوثيين، والمشاركة في ذلك، نظراً لأن المملكة قائدة التحالف العربي.  

كانت إقامته طبيعية مثله مثل بقية المسؤولين في الحكومة اليمنية وقيادات وأعضاء الأحزاب الذين انتقلوا للإقامة في المملكة.

وبقي في السعودية فترة من الزمن، وكان يتحرك بحرية، ولا يوجد أي تقييد في تحركاته، حتى أنه عندما لم تجدد له الإقامة بسبب ظروف خاصة، لم يمنع من التنقل.

وكان يتنقل بين الرياض وجدة ومكة، وكانوا يقولون إنه لا توجد أي مشكلة له حتى وإن لم تجدد له الإقامة، فلن يعترضك أحد على تحركاتك.

واستمر في السعودية إلى أن وصل به الأمر أنه لم يعد لديه إحساس أنه يشارك في قضية ارتبطت بقضية أكبر من الحكومة اليمنية والأحزاب السياسية، إضافة إلى ما حدث من تدخلات.

* هل وضع الشيخ الزنداني في حساباته هذه الأمور تدخلات خارجية؟

في البداية، كان هناك توجه لسرعة الحسم والتحرير، وكانت القوات المقاتلة المناوئة للحوثيين على أبواب صنعاء والحديدة بتنسيق مع السعودية.

لكن كانت هناك قوى تضغط على الحكومة والسعودية بالتوقف عن عملياتها ضد الحوثيين تحت ذرائع مختلفة، وهو الأمر الذي جعل المملكة والحكومة اليمنية لا يستطيعان أن يتحركا بالشكل المطلوب.

ورأى الشيخ الزنداني أنه أصبح مقيداً عن التحرك سياسياً، مثلما هو الحال بالنسبة للقيادة اليمنية. وهذا الأمر ليس من جانب السعودية، ولكن من الناحية المعنوية.

إذ لم يعد لديهم مجال في التحرك في هذا السياق، بعدها قرر مغادرة السعودية نحو تركيا من أجل أن يبدأ نشاطه العلمي، بعدما بات غير قادر على ممارسة نشاطه السياسي.

* ما أول خطوات الزنداني بعد وصوله إلى مقر إقامته الجديد في تركيا؟

عندما وصل إلى تركيا كانت أول خطوة له السعي لتأسيس وإنشاء "مؤسسة للإعجاز العلمي"، وإقامة مؤتمر بذلك، وقد جمع لها كبار العلماء المتخصصين في هذا المجال.

لكن أعاقه المرض وظروف أخرى لم تسمح له بالاستمرار في هذا النشاط.

مقابلة عبد الله الزنداني تناولت أهم محطات حياة والده كقيادي إسلامي يمني
مقابلة عبد الله الزنداني تناولت أهم محطات حياة والده كقيادي إسلامي يمني

* ألم يخش الشيخ الراحل عبد المجيد الزنداني أثناء إقامته في الخارج أن يتم تسليمه إلى الولايات المتحدة، وهو المطلوب من واشنطن إذ سبق أن طالبت الرئيس صالح في العقدين الماضيين بتسليمه "كأحد داعمي الإرهاب"؟

لم يخطر في بالنا هذا، لا من قريب ولا من بعيد، أن تقوم السلطات في السعودية بهذا الأمر. بل على العكس، هي دافعت عنه في جلسات مع الأمريكيين في هذا الجانب.

إذ أبلغت السعودية الأمريكيين بأن الشيخ الزنداني ليس كما يدعون، أو كما يزعمون، وهناك من القرائن والوثائق التي تؤيد هذا الموقف من المملكة.

وحقيقة أن الوالد لم يدر في خلده هذا الأمر أبداً، بل كانت الأراضي السعودية هي الأكثر أمناً له من بقائه في اليمن.

وغادر الشيخ المملكة مثلما يغادرها أي شخص سواء سعودي أو يمني، فهو لا يحتاج إذن السلطات حتى يغادرها.

ومن ناحية أخرى، لم يكن الشيخ مسؤولاً حكومياً لدى السعودية حتى يستأذن منها للخروج، أو أن عليه حظراً من السفر حتى يحصل على إذن بالمغادرة.

فحاله حال كل اليمنيين في المملكة، وحالنا نحن أيضاً، عندما كنا نذهب ونعود إليها بشكل طبيعي.

* ترددت أحاديث أن الشيخ الزنداني غادر السعودية بجواز آخر غير جوازه، ما صحة ذلك؟

غير صحيح، لقد غادر الشيخ الزنداني المملكة بشكل طبيعي، عبر مطار الملك عبد العزيز، وبجوازه الدبلوماسي اليمني الذي يحمل صفته "عضو مجلس الرئاسة" الأسبق.

* بعد فشل إلحاق هزيمة ساحقة بالحوثيين الذين راكموا قوتهم العسكرية، ولا زالوا يحتفظون بأكثر المدن كثافة سكانية، كيف كان يتابع الزنداني هذه التطورات في مسار الحرب؟

لا اعتقد أن التحالف فشل بالمفهوم الذي يطرح، ولكن هنالك مؤثرات ومتغيرات وضغوط إقليمية ودولية عليه، وإلا كان التحالف العربي في أيامه الأولى وصل إلى صنعاء وإلى الحديدة، وكان سيحسم المعركة.

فالضغوط الدولية هي التي كانت تغير الاتجاه، والتي جمدت جهود الحكومة اليمنية، وكذا التحالف أيضاً، عن الحسم العسكري ضد الحوثيين، ما جعل من المسألة اليمنية تذهب نحو "التدويل" بدلاً من أن تكون مرتبطة بالتحالف العربي.

* ما شكل هذه الضغوط الدولية، كما ذكرت؟  

من المؤسف، أن القوى الدولية كانت تمارس الضغوط عن طريق بعض دول التحالف العربي، من أجل تجميد الحسم ضد الحوثيين.

* هل شعر الشيخ الزنداني بالندم على تأييده للتحالف في ظل الوقائع الحالية على الأرض؟

لم يشعر بشيء من هذا الأمر، ولو شعر بذلك، لرأيناه واقعاً أمامنا، لكنه وإلى آخر أيامه، كان يرى أن القضية في اليمن، لا يمكن أن تحل بعيداً عن الأخوة في التحالف، وخصوصاً السعودية.

فقضية اليمن لا بد أن يتم حلها بالتنسيق مع المملكة، فهي الدولة المجاورة لنا، ومن تربطنا بها علاقات اجتماعية وقرابة ومصالح مشتركة، ولا يمكن أن يحدث شيء في اليمن إلا بالتفاهم والتعاون معها. وهذا ما كان يمليه الشيخ الزنداني، ولم يحدث أن ندم بسبب تأييده للتحالف.

* هل حاول الحوثيون التواصل مع والدك ليعود إلى اليمن؟

حاول الحوثيون أكثر من مرة التواصل مع الوالد عن طريق وسطاء بـ"أن يعود إلى اليمن" وأنهم سيمنحونه ما يريد.

وكان رد الشيخ الزنداني واضحاً، أن هناك حكومة ودولة وتحالفاً نحن معهم، فإذا أردتم التفاهم فليكن عبر هذه القنوات الرسمية المتعارف عليها.

* بعد وفاة الشيخ الزنداني في إسطنبول، هناك تداولات أنه أوصى بدفنه في مكة، فلماذا تعذر تنفيذ وصيته؟ 

لم يكن هناك أي وصية لدفنه في مكة، ولكن أحد أشقائي قال إن أحد العلماء تواصل معه أنه رآه قبل 3 أيام من وفاة والدي وهو يقول: "صلوا عليّ في مكة".

لكنه لم يوصينا بذلك، وهو لا يوصي بهذه الأمور، فكما عهدناه في كل أحواله دائماً يأخذ بالجانب الشرعي، وهو دائماً يقول: "إكرام الميت دفنه في مكان موته".

لكن تم التواصل مع الأخوة في السعودية -بموجب ما سمعناه- من أجل دفن الشيخ في مكة على أساس أن مكة استثناء، بحيث يدفن بجوار الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ ابن عثيمين.

لكن الأخوة في المملكة تأخروا في الرد، لذلك جرت مراسيم دفن الشيخ الزنداني سريعاً في تركيا، حيث تزامنت وفاته مع وفاة أحد كبار علماء الأتراك، فالحكومة التركية ممثلة برئاسة الشؤون الدينية والرئيس أردوغان اقترحوا أن يتم الصلاة على الشيخ الزنداني مع العالم التركي المتوفى، في اليوم الثاني من الوفاة. 

فتم إخراج الوالد للصلاة عليه، وفتحت مقبرة أبو أيوب الأنصاري لدفنه فيها.

* لماذا لم تنتظروا الرد السعودي لطلب دفن الزنداني في مكة؟

امتثالاً لحديث "إكرام الميت دفنه"، فلم ننتظر حتى تأتي الموافقة من المملكة.

وفي اعتقادي أن الأخوة في السعودية رأوا أن دفن الوالد قد تم في تركيا، فلم يردوا على الطلب، واكتفوا بأن الدفن كان إشارة منا إلى أن الطلب الذي تقدمنا به قد تراجعنا عنه.

* ما هي أهم المحطات التي شكلت شخصية الشيخ الراحل عبد المجيد الزنداني ورسمت اتجاهه طيلة مسيرته؟

المحطة الأولى، تبرز عبر انتقاله للدراسة النظامية في مدينة عدن (جنوبي اليمن) ثم انتقل بعد ذلك للدراسة في مصر، وكان هذا الانتقال محطة رئيسية مهمة بدأت في تشكيل الجانب الأول من حياته والصراع للبحث عن الحقيقة والتوسع في مدارك العلوم الكونية أو الشرعية.

ومن هناك تشكلت لديه الرؤية والخط الذي سينهجه ونهجه لاحقاً.

وهناك محطة أخرى، وهي أثناء عودته بعد اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962 ضد النظام الإمامي في شمال اليمن، وهذه المرحلة التي دفعته للدخول في المعترك السياسي والتعليمي والتربوي، الذي استمر بمراحله المختلفة حتى عام 1980.

ومثلت عملية انتقال الشيخ الزنداني إلى السعودية وتفرغه بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة، من أهم محطاته، وما صاحب في تلك الفترة من دعم للجهاد الأفغاني ضمن خط جمع ووحدة المسلمين والتحرك في هذا الإطار.

بعد عودته إلى اليمن عقب حرب الخليج الأولى وتحقيق الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب في 1990، دخل مجدداً للمعترك السياسي، وأنشأ جامعة الإيمان وهيئة علماء اليمن، التي وافقها مجموعة من الأنشطة السياسية والاجتماعية والثقافية والدعوية.

* كانت الفترة التي أعقبت إعلان تحقيق الوحدة بين الشمال والجنوب في عام 90، تمثل لحظة فاصلة وتوهجاً غير مسبوق للتيار الإسلامي بولادة حزب الإصلاح وللحضور السياسي والديني للشيخ عبد المجيد الزنداني بتأسيس جامعة الإيمان واختياره عضواً في مجلس الرئاسة، فما الذي مثلته هذه الفترة له؟

عندما تم تحقيق الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب في 1990، وتأسس حزب الإصلاح، كان الشيخ الزنداني رئيس مجلس الشورى فيه، وقد بدأ في العمل السياسي الرسمي في هذه الفترة. 

هذا الأمر أتاح له التحرك بمساحة أكبر، وعندما جرت انتخابات 1993، التي حصل حزب المؤتمر الشعبي العام على الأغلبية لكنها لم تكن مريحة، كان لابد من عقد تحالفات مع أحزاب أخرى.

هذه الفترة منحت الشيخ الزنداني فرصة للاقتراب من الأحزاب الأخرى ومنها الحزب الاشتراكي وقياداته، وخوض نقاشات وحوارات معها، ما أتاح له بناء علاقة ودية مع تلك القيادات في الحزب الاشتراكي، بعدما تم الاستيضاح عن كل ما كانوا يسمعونه عن الشيخ الزنداني.

* ماذا عن حرب صيف 1994 عقب إعلان نائب رئيس دولة الوحدة، والرئيس السابق لدولة الجنوب، علي سالم البيض والفترة التي تلتها؟

عندما اندلعت حرب صيف 1994، فإن الشيخ الوالد يقول إنه "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا"، وإن أكثر من رأس في دولة واحدة في مجلس رئاسي يشكل خطورة على العمل والاستقرار السياسي معاً، حيث إن كل واحد يتحرك بالاتجاه الذي يريده.

بعد انتهاء الحرب تم الاتفاق مع الرئيس علي عبد الله صالح على إلغاء مجلس الرئاسة، وأن يكون هناك رئيس جمهورية ينتخب من قبل الشعب.

وبعدها تفرغ الزنداني لإدارة جامعة الإيمان والإشراف عليها، ولكن بقي يمارس العمل السياسي عن بُعد، ومن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

تحميل المزيد