كشف زعيم اليمين المتطرف الفرنسي، جوردان بارديلا، عن "خطة طوارئ" لمواجهة تدفق المهاجرين على فرنسا وطرد المقيمين بشكل غير شرعي منهم، في حال فاز حزبه بالانتخابات التشريعية الفرنسية، وفق ما أعلن عنه في مؤتمر صحفي، الإثنين 24 يونيو/حزيران 2024، خصص للإعلان عن برنامجه الانتخابي.
وجعل بارديلا المهاجر المتحدر من أبوين إيطاليين وله أصول جزائرية أيضاً، من موضع الهجرة محوراً أساسياً في برنامجه الانتخابي، وهو ما يتماشى مع توجهات حزبه اليميني المتطرف "التجمع الوطني"، الذي تشير استطلاعات رأي إلى تقدمه نحو تحقيق فوز تاريخي في الانتخابات التشريعية المقبلة.
وللمرة الأولى منذ انطلاق الحملة الانتخابية عقب حل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، للبرلمان إثر هزيمة حزبه بالانتخابات الأوروبية لصالح اليمين المتطرف، عرض زعيم اليمين المتطرف تفاصيل برنامجها الحكومي، في وثيقة مؤلفة من 12 صفحة، كشفت وسائل إعلام فرنسية أنها مقسمة إلى "مرحلة الطوارئ" و"مرحلة الإصلاح".
جوردان بارديلا والمهاجرين
في خطابه أمام زعيمة حزب "التجمع الوطني"، ماري لوبان، أعاد مرشحها المنتظر لرئاسة الحكومة، جوردان بارديلا، التأكيد على أولوية مواجهة تدفق المهاجرين على فرنسا وحل أزمة المهاجرين المقيمين بشكل غير شرعي في البلاد، وهو ذات الخطاب الذي تتبناه لوبان منذ سنوات وركزت عليه خلال الانتخابات السابقة.
ورغم أنه ينحدر من أبوين مهاجرين من إيطاليا وله جد من أصول جزائرية، فإن خطته المقبلة تركز على المهاجرين وهو موضوع اعتبره "حالة طوارئ"، وأعلن في خطابه الإثنين 24 يونيو/حزيران 2024، أن حزبه سيعمل على إلغاء قانون "حق الأرض" المعمول به في البلاد منذ أكثر من 500 عام.
حتى بضعة أشهر مضت، كان القانون الفرنسي يسمح لأي طفل يولد في فرنسا، لأبوين أجنبيين، بالحصول على الجنسية الفرنسية تلقائياً عند سن 18 عاماً، إذا كان يقيم في البلاد عند بلوغه سن الرشد، وإذا كان قد عاش هناك لمدة خمس سنوات على الأقل، منذ أن كان عمره 11 عاماً.
وشدد قانون الهجرة، الذي تم إقراره في يناير/كانون الثاني 2024، شروط "قانون الأرض" من خلال إلغاء طبيعته التلقائية، لكن الآن، يجب على الطفل المولود في فرنسا، لأبوين أجنبيين، أن يبدأ إجراءً بين سن 16 و18 عاماً للتقدم بطلب للحصول على الجنسية الفرنسية.
ويرغب جوردان بارديلا في الذهاب إلى أبعد من ذلك، من خلال إلغاء قانون الأراضي بشكل كامل، وقال الإثنين إن "الاكتساب التلقائي للجنسية الفرنسية لم يعد مبرراً في عالم يبلغ عدد سكانه 8 مليارات نسمة، بينما تتزايد الأدلة اليومية على عدم قدرتنا على الاندماج والاستيعاب على أرضنا" حسب ما نقلته وسائل إعلام فرنسية.
كما تشمل أجندة زعيم اليمين المتطرف الفرنسي جوردان بارديلا بشأن الهجرة، تقييد لمّ شمل الأسرة، وإنهاء برنامج المساعدة الطبية الحكومية للحالات الطارئة الخاصة بالمهاجرين، وتسهيل عمليات ترحيل المهاجرين وعودة تجريم "الإقامة غير النظامية" في البلاد، وتعليق جميع عمليات تسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين.
ما هو "حرق الأرض"؟
"حق الأرض" هو حق الحصول على جنسية بلد ما بمجرد الولادة فيه. أي أنك إذا ولدت في فرنسا مثلاً، فهذا يعني أنك ستحصل على الجنسية الفرنسية تلقائياً، وفق ما ذكره موقع "مهاجر نيوز" المتخصص في قضايا الهجرة والمهاجرين.
الموقع أوضح أن هذا الحق بهذه الصيغة القانونية غير موجود في فرنسا، فهي "لا تطبق حق الأرض بشكل صارم، ولا يكفي أن تكون مولوداً في فرنسا حتى تحصل على الجنسية الفرنسية"، حسبما صرح به سيلفان ساليجاري، المحامي في حقوق الأجانب للموقع.
وأضاف ساليجاري: "يستغل بارديلا، باستخدامه مصطلح 'حق الأرض' في تبرير نظريته حول الاستبدال العظيم وغمر المهاجرين، الجهل القانوني للناس من خلال تبني فكرة أن أي طفل أجنبي يولد في فرنسا هو تلقائياً فرنسي، وهو أمر خاطئ من الناحية القانونية"، حسبما يشدد نيكولا دي سا باليكس، المحامي في قانون الأجانب الذي تواصل معه "مهاجر نيوز".
في فرنسا يُطبق ما يسمى "حق الأرض المزدوج"، أي أن الجنسية الفرنسية تُمنح بشكل تلقائي لطفل وُلد في فرنسا شريطة أن يكون أحد أبويه، وهو أجنبي، وُلد في فرنسا أيضاً، إضافة إلى الخاضعين إلى "حق الدم".
أما بالنسبة للأطفال المولودين في فرنسا لأبوين أجنبيين وُلدوا في بلد آخر، فإن القاعدة تختلف: "يمكنهم الحصول على الجنسية الفرنسية عند بلوغهم سن الرشد، ولكن بشرط الإقامة في فرنسا لمدة خمس سنوات على الأقل – بشكل مستمر أو متقطع – منذ سن 11 عاماً".
وحسب موقع "مهاجر نيوز"، من الممكن أيضاً الحصول على الجنسية الفرنسية بتصريح مبكر: قبل بلوغ سن الرشد بناء على طلب الوالدين (بين 13 و16 عاماً) أو بناء على طلب شخصي (بين 16 و18 عاماً). وشروط الإقامة المطلوبة هي نفسها.
ابن مهاجرين يستهدف الأجانب
في خضمّ الحملة التي يخوضها جوردان بارديلا، رئيس حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في فرنسا، كشفت تقارير إعلامية فرنسية أن بارديلا له جدٌّ جزائري من جهة الأب كان عاملاً مهاجراً، استقر في فرنسا، في مدينة ليون، في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي.
حسب مجلة "Jeune Afrique" الفرنسية، فإن جوردان بارديلا، المرشح المحتمل لمنصب رئيس الوزراء الفرنسي، لا يتحدث أبداً عن أصول جدّه الجزائري، "هذا الموضوع مخفي داخل عائلة بارديلا ويظل محظوراً داخل حزب الجبهة الوطنية السابق لمارين لوبان"، تقول المجلة الفرنسية.
ويتعلق الأمر بمحند صغير مادا، الذي ينحدر من منطقة القبائل في الجزائر، وبالضبط من قرية قندوز في بلدية أيت أرزين التابعة لولاية بجاية، حيث كان الناس "يعيشون على زراعة حقول الزيتون الصغيرة وتربية الماعز والأغنام" خلال فترة الاستعمار الفرنسي.
لم تكن هناك مصانع أو مزارع استعمارية أو مصانع لتوفير الوظائف، هذا الفقر دفع مئات الآلاف من سكان القبائل للهجرة إلى فرنسا في أوائل القرن العشرين للعمل في المصانع والمناجم.
في قرية قندوز، كانت عائلة مادا تكافح، وأجبرت الصعوبات طاهر مادا وولديه بشير ومحند صغير على بيع أو رهن حقول الزيتون الخاصة بهم، وفي عام 1930، غادر محند صغير مادا وأخوه الأكبر بشير قريتهم إلى فرنسا.
عند وصولهم إلى مرسيليا، انتقل جد جوردان بارديلا إلى منطقة ليون، مع آلاف المهاجرين الجزائريين الذين يعملون في مصانع النسيج. ووفقاً لموسى مادا، ابن بشير مادا، عمل الشقيقان في مصنع صباغة في "فيلوربان".
كان بشير مادا يرسل بانتظام الأموال إلى الوطن، بينما استمتع شقيقه محند صغير بنمط الحياة الفرنسي. بالنسبة لشاب من القبائل الفقيرة، كانت إغراءات المدينة الحديثة هائلة. استمتع محند صغير بحياته في ليون في الثلاثينيات لدرجة أنه اختفى، وانقطعت اتصالاته مع عائلته.
تزوج محند صغير من دينيس أنيت جاك، وهي امرأة من الألزاس، في فيلوربان في فبراير/شباط 1937. كان لديهم أربعة أطفال: رولاند رينيه، جان، سيمون دينيس، وريجاني. تزوجت ريجاني، التي تحمل اسماً ذا أصول عربية ولاتينية، من غيرينو إيتالو بارديلا، جد جوردان بارديلا، في مونتروي في عام 1963.
من بين أطفال محند الأربعة (بمن فيهم ريجاني، جدة جوردان بارديلا)، كان رولاند رينيه هو الوحيد الذي أعاد الاتصال بأسرته الجزائرية في قندوز. بدءاً من منتصف التسعينيات، زار القرية أربع أو خمس مرات. حتى إن ابنته فيرونيك تزوجت من حسن مادا، ابن عم بعيد لبارديلا، يعيش في فرنسا.
وفقاً لموسى مادا، لم يتقدم محند صغير بطلب للحصول على الجنسية الفرنسية إلى أن توفي في عام 1974 ودُفن في مقبرة في مونتروي، سين-سان-دوني. يزور أحفاده قبره بانتظام.
بينما توفيت زوجته، دينيس أنيت، التي يظهر اسمها وصورتها على نفس القبر، في عام 1979 ويقال إنها دفنت في فرساي.
وفقاً لصحيفة "لوموند"، ذكر جوردان بارديلا مرة أصوله خلال زيارة إلى دراغينيان. قال: "بالفعل، بارديلا ذو أصول إيطالية. لكن والديّ جاءا من جيل اندمج، وعمل بجد، وأحب فرنسا. في منزلنا، لم نكن نسمح بالتجول في الشوارع ليلاً". ومع ذلك، لم يذكر شيئاً عن تراثه الجزائري، تقول الصحيفة.
بعيداً عن ملف المهاجرين.. هذه خطط بارديلا
إذا حقق جوردان بارديلا أغلبية مطلقة في انتخابات 7 يوليو/تموز 2024، وتم تعيينه رئيساً للوزراء، فإنه يخطط لعقد جلسة برلمانية استثنائية للتصويت على خفض ضريبة القيمة المضافة على جميع المنتجات الطاقية.
كما سيتم إصدار تعميم إلى المديرية العامة للمنافسة والاستهلاك وقمع الغش، لضمان تطبيق هذا الخفض بفعالية، ويهدف بارديلا أيضاً إلى إعادة التفاوض على مستوى الاتحاد الأوروبي بشأن قواعد تحديد أسعار الكهرباء.
بالإضافة إلى ذلك، يسعى رئيس التجمع الوطني إلى تمرير تشريعات لتخفيف قواعد الجمع بين العمل والمعاشات وإلغاء الضريبة على دخل العمل للأطباء والممرضين المتقاعدين العائدين إلى الخدمة.
وفقاً لجوردان بارديلا، تهدف الجلسة البرلمانية الصيفية إلى إقرار مشروع قانون للسياسة الجنائية يتضمن "عقوبات أقل للتجاوزات التي يقوم بها منفذو القانون على المجرمين وتجار المخدرات"، ويخطط أيضاً لتعليق المخصصات العائلية "لآباء القاصرين المجرمين أو المعتادين على الجريمة".
بعد التعامل مع هذه الأولويات، سيتفرغ حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف للإصلاحات الأخرى بجدول زمني أقل وضوحاً. يُتوقع أن تكون الميزانية الأولى في الخريف أول اختبار حقيقي للحزب، حيث يؤكدون عدم زيادة الدين العام أو العجز، مما يتطلب "تحصين المسار المالي لقانون البرمجة العسكرية" وخفض الضرائب على الإنتاج.
وللتحكم في الموارد المالية، يعتمد جوردان بارديلا على "لجنة تقييم الحسابات العامة" التي يخطط لإنشائها. إذ تعد مكافحة الاحتيال، وخاصة الاجتماعي، محور استراتيجيته لتوفير الأموال، من خلال استخدام بطاقة "فيتال" بيومترية ومراقبة الفوائد الاجتماعية وتسهيل الوصول إلى الملفات للهيئات الاجتماعية.
فيما يتعلق بالمعاشات التقاعدية، يسعى بارديلا لإعطاء الأولوية للمسارات المهنية الطويلة بدءاً من الخريف، مما يسمح للفرنسيين الذين بدأوا العمل قبل سن العشرين ولديهم 40 سنة من الاستفادة من التقاعد في سن 60.